مقالات

أيها الشيوخ (2)

إلى متى تجهلون أو تتجاهلون الحقيقة ؟

7. قال مدير الحوار السيد أحمد الشيخ: “إن الحلقة ليست مناظرة وإنما هي لقاء ليقول المرجعان كلمتهما للأمة بعد اتفاق أبرمه وفد من ” اتحاد العلماء ” مع علماء الشيعة أثناء زيارة قام بها قبل نحو أسبوعين إلى طهران”.

وأنا لا ندري على م اتفق الطرفان؟ وهل هو اتفاق سياسي أم ديني؟ أم هو على شاكلة جمعية التقريب في مصر؟ فماذا جنينا من هذه “الاتفاقات”؟ وعلى مدار ستين عاماً؟!!!

8. لماذا هذا التوقيت المتأخر جداً للتحرك؟!

فالقتل والتهجير والتهميش حاصل لأهل السنة – ومستمر وبلا انقطاع – منذ اليوم الأول للغزو الأجنبي للعراق. وعلاقة إيران بذلك كله معروفة. وكل متابع للشأن العراقي يعرف أن الاحتلال هو احتلال إيراني قبل أن يكون احتلالاً أمريكياً. وقد قتل على مدار السنين الأربع الماضية من أهل السنة بأيدي المليشيات والمنظمات الشيعية، وهجر مئات الآلاف. أكرر: قتل مئاآآآت الآلاف! فأين كان هؤلاء العلماء؟!!! ولا زلت أذكر في العام المنصرم، أنه في الوقت الذي كانت مساجد أهل السنة تحرق وتهدم على رؤوس المصلين، ومشائخهم يقتلون، ويعذبون أشد العذاب، وتقطع أعضاؤهم ويسحلون في الطرقات، ويرمون على المزابل كالكلاب، في هذا الوقت والظرف المؤلم ينشر موقع الشيخ يوسف القرضاوي خبراً عن لقائه بالرئيس الإيراني السابق “محمد خاتمي”، وترحيبه به، وتبادله معه الأحاديث الودية، والتباحث بشأن المسلمين. هذا ما جاء في الخبر. ولم يتطرق الخبر إلى ذكر مآسي أهل السنة في العراق على أيدي إيران والمرتبطين بها!

كان هذا قبل أقل من عام! في حومة المأساة العراقية!

ثم بعد قليل بدأت أمريكا حملتها الإعلامية ضد إيران. وتكلم الرئيس المصري عن ولاء الشيعة. وبدأنا نسمع من علماء أهل السنة – ولأول مرة بهذا التركيز – انتقاداً لإيران، مصرحين باسمها، بعد أن كان الجريء الجريء منهم يشير إليها بعبارة “دول الجوار”. ولاحظت خفوت هذا الصوت بعد خفوت الصوت الأمريكي.

هذه ملاحظة استرعت انتباهي، أقيدها، وليس من قصدي الإساءة أو التشكيك المقصود، بقدر كونها محاولة لقراءة الواقع قراءة أكثر موضوعية باستحضار الظروف والملابسات المحيطة بالحدث. على أنني أكتب ويدي في النار. وليس من يده في النار كمن يده في الماء؛ فإذا صرخت، أو طشت فليس من عيب، ولا إنكار. فأنا عراقي نحر وطني وذبح من الوريد إلى الوريد. لكنني أحاول جهدي أن أكتم صرختي وعاطفتي، وأكون موضوعياً قدر الإمكان. فإذا تجاوزت فإني لا أطلب من أحد العتبى، ولست في حاجة إليها، ولا بمعتذر من أحد.

بعد أربع سنين من الذبح والتهجير والرعب والتهميش، يزيح مشائخنا حجاب النوم عن عيونهم، ليتكلموا عن مأساة أهل السنة، وعلاقة إيران بها!

ينبغي لمن يقود أن يسبق وعيه الحدث، ولا يكون حاله كحال الجمهور، الذي لا يعي إلا بعد وقوع الكارثة. فكيف إذا كان الوعي يتخلف عن الجمهور بساعة ! فلا وعي يسبق الحدث، ولا حدث يصنع الوعي. ما معنى القيادة ، إن لم تكن متقدماً على أصحابك برتوة ؟! الوعي أيها (القادة) ! بـ(قرار رجعي) غير معتبر في قانون القيادة. وهو سبب من الأسباب الكبرى في فقدان الثقة، وانفصال عربة الجمهور عن قمرة القيادة.

9. لاحظت في بلدي منذ زمن ليس بالقريب أن العلمانيين – لاسيما المسؤولين منهم – أكثر معرفة والتصاقاً بالواقع من الإسلاميين. وكلامي يتعلق بالعموم، دون إلغاء لبعض الاستثناءات.

ومن هنا بدأت أشعر بأنهم أقرب إلى قضايانا. وأرى أن لذلك أكثر من سبب. فالمسؤولية تفرض على المسؤول الوعي بالواقع، وتصنعه لديه. فهل أصحابنا أقل شعوراً بالمسؤولية؟ والسبب الآخر هو العاطفة الدينية حين تنحى منحى العموم دون الدخول بالخصوصيات. فعندما لا يكون المعني عارفاً بحقيقة الأمور، تختلط عليه. فإيران لدى من لم يحتك بها، أو يعرف حقيقة عقيدة شعبها، ونفسيته وطموحاته، تعتبر بلداً إسلامياً. والمسلمون إخوة. والطائفية مذمومة… و.. وإلخ من هذه المقدمات الساذجة البعيدة عن الواقع والحقيقة. وهكذا – وتحت هذه القواعد النظرية– تمر المؤامرة على ظهورنا، وتعبر على قناطرنا. بينما يكون العلماني أقل تأثراً بهذه المقدمات، وأضعف تقيداً بهذه القواعد؛ فيكون نظره مرشحاً لأن يكون أكثر بعداً عن هذه الحجب؛ ووعيه أكثر عمقاً وواقعية. ولهذا أطلق الرئيس المصري صيحته، وبدأ المسؤولون في مصر يستشعرون الخطر الإيراني، وينظرون إلى الدعوة الشيعية في مصر على أنها أول النذر. ويتدارسون كيفية المواجهة، وتحصين المجتمع. في الوقت الذي تجد فيه الإسلاميين غارقين في تهويماتهم، وأحلامهم البعيدة عن الواقع! بل يرفعون أصواتهم عالياً تمجيداً لرموز الفتنة الطائفية مثل حسن لبنان. حتى إذا تكلم المسؤول الحكومي، إذا بالشيخ الإسلامي يتكلم، وعلى استحياء! ويتحول حسن نصر الله – وبسرعة – من “شيخ المجاهدين” إلى “متعصب يدعو إلى الفتنة”! ما الذي تغير في هذه الفترة القصيرة؟! هل من عمل جديد؟ أم عقيدة جديدة؟ أم كان الرجل مجاهداً حقاً، ثم انقلب المجاهد – وبهذه السرعة – إلى طائفي داع إلى الفتنة؟ أم كان كذلك من قبل، لكن أصحابنا لم يكونوا يعلمون، وصحوا فجأة؛ فإذا بهم يعلمون؟! أم ثمة شيء آخر؟

أيها المشائخ ! اتقوا الله في الجمهور! وأعلنوها صراحة.

10. وذهب الوفد إلى إيران، وخرج الأستاذ سليم العوا – في (10/2/3007) – على قناة دبي يتحدث عن زيارتهم لإيران، فبماذا جاءنا؟ لم يخرج عما توقعت من كونهم سيخدعون بأساليب الإيرانيين وحيلهم، ووقوعهم فريسة لمكرهم وخداعهم، وسينقلبون دعاة لإيران ومشروعها، وتلميع قفاها، من حيث لا يشعرون. خرج الرجل فإذا به يقول: “إخواننا في إيران وكل المراجع أدانوا التشيع المنظم، وكل العلماء الشيعة مثل حسن نصر الله وغيره أدانوه. وقالوا: التشيع المنظم هذا من عمل جماعة صغيرة، لكنها غنية تعمل في الخليج وغيره، ونحن ضدها”.

من يصدق مثل هذا الكلام؟

لربما يقال: هذه سياسة ومجاملات تقتضيها الحال. فنقول: الكذب إنما يستساغ في شرع السياسة، وليس في سياسة الشرع.

ثم هل نحن في وضع يحتمل هذه المجاملات؟! العراق يكاد يمسح من الخريطة، وأهل السنة يتعرضون للاجتثاث على أيدي إيران وشيعتها. وبغداد على شفا السقوط بأيديهم! فإذا لم يكن الكلام مباشراً ومكشوفاً وصريحاً، يشخص فيه الجاني بلا لف أو دوران، أو إشارة وإيماء، فمتى يكون ذلك؟! أم إن القوم لا تشكل القضية العراقية لديهم هاجساً أولوياً؟ فعلام أدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم؟ وكان مما قاله الأستاذ العوا: “نعول كثيراً على وثيقة مكة لوأد الفتنة بين السنة والشيعة لا في العراق ولكن في العالم كله”.

فوا عجبي!!! والحديث عن “وثيقة مكة” له مجلس عزاء آخر.

11. الأمر نفسه قاله الشيخ القرضاوي، في حديثه يوم (14/2) في لقائه التلفزيوني مع رفسنجاني على قناة الجزيرة. قال: “وثيقة مكة ينبغي أن تكون أساساً للعلاقة بين سنة وشيعة العراق”!

عن أي وثيقة تتحدث يا شيخ؟! لقد وقعت الوثيقة منذ أكثر من أربعة أشهر. وأربعة أشهر في حساب الحروب العادية تعني أربع سنين، فكم تراها تساوي في حساب الحروب الأهلية؟ هل خففت الوثيقة شيئاً من الكارثة؟ ألا ترى أن عمليات القتل ازدادت بعدها ضراوة؟ وكنا قبل شهر فقط على أبواب معركة كارثية فاصلة صار الجميع يتحدثون عنها، ويسمونها باسمها قبل أن تولد: (معركة بغداد)، التي أراد الشيعة لها أن تكون القاضية لأهل السنة. وكل الحسابات المادية في صالحهم: العدة والعدد. إيران والحكومة والمليشيات وأمريكا. ونحن ليس معنا من ذلك ما يمكن أن يغير المعادلة، سوى ثقتنا بالله ونعم الوكيل. ولولا اختلاف اللصوص الكبار، وتضارب مصالحهم، وشعور أمريكا من بينهم بحجم الورطة التي وقعت فيها، وتحسبها من تضخم المليشيات على حسابها، واستغلال إيران لها، وقد ظهرت بوادرها – لكان ما كان مما لا يعلمه إلا الله! وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:251). هل يعلم مشائخنا أن أمريكا – واسألوا العراقيين جميعاً – قد صارت عندنا – وبفضل إيران والشيعة – المنقذ والأمل والمخلص! لقد صار حالنا – بفضلهم- كحال “من أحس بالموت فرضي بالسخونة”.

أيها القوم! إن مشروع إيران ديني معبأ بكل أحقاد وعقد التأريخ. بينما مشروع أمريكا في عمومه مادي، وجانبه الديني لا يمكن أن يغير من دين المسلمين، فأيهما أخطر ؟ أم ما نتعلمه على منبر المسجد، ننساه على طاولة السياسة؟

ثم هل تعلمون من الموقعون على “وثيقة مكة” ؟! واحد منهم هو المدعو جلال الدين الصغير! الملقب بـ”جلاد مسلخ براثا”! والبقية على شاكلته، بلا فرق. أفمن هؤلاء يرتجى خير؟ لقد صرنا أضحوكة، وانطبق علينا المثل القائل: “استودعَ البزون (القط) شحمة”!!!

12. عند النظر إلى توقيت اللقاء، نجد أن المصلحة في جانب إيران وزمرها التخريبية، لا جانبنا.

الحملة الأمريكية الإعلامية، تشتد على إيران، والتحضيرات العسكرية في الخليج العربي وغيره في اضطراد، والاتحاد الأوربي بدأ يميل إلى جانب أمريكا، ويوافق على فرض عقوبات على إيران. وفضائحها في العراق فاحت روائحها، وصارت حديث الركبان. فإيران اليوم أحوج ما تكون إلى التهدئة والمصالحة، وإلى قناع تخرج به إلى العالم، خصوصاً العربي. لا سيما إذا كان ذلك لا يكلفها شيئاً، سوى الكلام والترضية الفارغة، كأننا في مجلس عشائري، تحل فيه المشاكل بالتسامح وتقبيل الرؤوس. ومن هذا الباب صرنا هذه الأيام نرى عصابات المهدي قد بدأت تطلق نداءات التقريب، وعروض المصالحة، وأرجعت أحد المساجد – كما قيل – وأعلنت استعدادها لإرجاع بقية المساجد. لماذا؟ لأنهم صاروا في حاجة ماسة إلى التهدئة. ومما يدل على هذه الحاجة أداء رافسنجاني وتعبيراته “فقد بدا طوال مفاصل اللقاء متحفظاً حريصاً على ما سماه هدف اللقاء وهو التقريب وجمع الكلمة، بينما دعا القرضاوي إلى المصارحة ومواجهة المشكلات الحقيقية بوضوح” هذا ما جاء في المقال على موقع الشيخ القرضاوي.

نعم إنهم يريدون في هذا الظرف التهدئة. فلا ينبغي أن نمنحها لهم هكذا بلا مقابل يجرح خياشيم المتجبرين المجرمين. نحن لا نريد ترضية فارغة، ولسنا في حاجة إليها، ولم نكلف أحداً بذلك. ومن نصب نفسه وكيلاً عنا، فيستأذننا أولاً، ثم يأتينا بحقنا إلى أبوابنا، وإلا فليعتزلنا، ويكرمنا بسكوته. ولا يعمل معاهدات ومواثيق يحمي بها – كما يتوهم – بلاده، على حساب دمائنا وحرماتنا وبلادنا. لماذا نحن ندفع الثمن مرتين: مرة عن أنفسنا، ومرة عن غيرنا؟ وغيرنا لا يملك لنا إلا الكلام، ولم يتحرك إلا في وقت بدأ يشعر فيه أن النار بدأت تنوش أطراف ثيابه! ثم يكون الاتفاق على حسابنا. هذا ما لا نرضاه. وكفانا غفلة، والخب يخدعنا، وقد لدغنا من الجحر نفسه مائة مرة ومرة!

15/2/2007

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى