مقالات

الأحواز .. المأساة المنسية (1)

برقية عـزاء

ثقيل على النفس أن لا يجد المرء أحداً يشاركه مشاعر فرحه. فكيف به حين يجد نفسه وحيداً يجتر آلام حزنه بلا شريك؟!

الحزن – يا سادتي! – مع الوحدة مصيبة مضاعفة!

ومن هنا كانت التعزية في شريعة ديننا، وتقاليد عروبتنا.

فحين يصاب أحدنا بمصيبة نذهب اليه معزين. نصبره، وندعو له، ونذكره بالحقيقة التي لا بد من مواجهتها. ولربما أعناه على بلواه – إن كان محتاجاً – بما تجود به القلوب قبل الجيوب؛ فتخف مصيبته، ويتضاءل حزنه. ويشعر أنه ليس وحده في هذه الحياة. بل إن له إخواناً و.. أعوانا.

هذا إذا كان المصاب فرداً، أو عائلة. فكيف إذا كان المصاب أمة أو شعباً بحاله؟!

بهذا الشعور ،، وهذا التصور ،، وهذا السياق المؤلم يأتي حديثي عن الأحواز.. أو قل: عن مأساة الأحواز.

ألا إن الأحواز كلها مصيبة!

أليس إذن من الواجب علينا أن نرسل إليها – ولو – برقية تعزية؟ نشارك بها إخواننا مشاعرهم، ونواسيهم في مصابهم، ونتبادل العواطف، ونمزج القلوب بالقلوب. ونقول لهم: لستم وحدكم؛ فصبراً بني عمنا! إن موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب؟

أم نسينا الأصول؟ وتخلينا عن الواجب؟ وفقدنا المشاعر؟ وتبلدت عندنا الأحاسيس؟

أما أنا..؟ فأرى في الأحواز عراقاً آخر يذبح.. ما رأيت صورة الكارون إلا وتذكرت شواطئ دجلة، وبساتين الفرات. وما رأيت أحداً من أهلها، بسحنته العربية، ولهجته العراقية إلا وتذكرت أهلي، وأخذني الحنين إلى.. إلى هناك. وما رأيت صور حياتهم وأنا أتابعها على مواقع الشبكة إلا وكأني أرى صور بلادي وأحبابي.. هذه أمي بعصبتها وفوطتها وعباءتها، وتلك خالتي، وهؤلاء أبناء وبنات حارتي، وذلك خالي (يذري) بـ(مرواحه) دريس البيدر. وهذه النخلات نخلات قريتي، وهذه الساقية ساقيتنا التي كانت تمر من أمام دارنا.. وذاك.. ذاك..؟ أنا، نعم! أنا.

ويستبد بي الحزن.. وتنسج المأساة في خاطري خيوطها، وأنا أستعرض صور الأسرى، ورسوم الشهداء.. وفي أذني نشيد أحوازي.. هوسات يعربية، ونبرات حماسية، تلتهب مشاعري بلحنها، وتثور لوقعها. يا إلهي!.. وأغلق الصفحة؛.. كفى! لا أستطيع الاستمرار. وأتلفت حولي.. هل يراني من أحد، ثم أخرج المنديل…

و أتذكر – وعلى الدوام – قول شوقي منفياً في بلاد القوط:

يا نائحَ الطلحِ أشباهٌ عوادينا نأسى لواديكَ أمْ تشجى لوادينا
ماذا أقُصُّ عليكَ غيرَ أنّ يداً قصّتْ جناحَكَ جالتْ في حواشينا

لقطة من صور المأساة الصامتة

افتحوا شبكة الإنترنيت، وقلبوا صفحاتها،، وانظروا إلى بعض صور تلك المأساة الصامتة المنسية! انظروا الى المشانق كيف تعلق عليها تلك الأجساد البريئة؟ وتأملوا طريقة الشنق الوحشية!

على أعواد المشانق1 بعضهم لا يشنق بالطريقة الاعتيادية، كما يعدم باقي البشر إنما يشنق بالطريقة الآتية: عارضة حديدية.. في أعلاها بكرة، يتدلى منها حبل.. في أحد طرفيه تعلق الضحية!.

والضحية…….؟

هو رجل أو شاب أحوازي شريف. وقد تكون امرأة أغاظت في يوم ما علجاً فارسياً بمنظر (شيلتها) العربية!

والطرف الآخر يمسك به وحش في صورة آدمي.. وحش يسمى إنساناً ! يسحب ضحيته المدلاة من الطرف الآخر سحباً ! ولكم أن تتصوروا حجم العذاب الذي يصب على الضحية صباً، وهي تعلو وتهبط بيد من يسحبها ! ولعل ذلك الوحش يتعمد أن يشد الحبل وأن يرخيه؛ ليزيد العذاب عذابا.

رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نبينا العربي، نبي الرحمة يقول: (( إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شئٍ.. فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحةَ. ولْيَحِدَّ أحدُكم شفرتَهُ، ولْيُرِحْ ذبيحتَه )).

يا أتباع زرادشت!

لو كنتم من خدم خدم أتباع محمد لعاملتم ضحاياكم – على الأقل – معاملة الذبيحة! أو معاملة الحيوان.

يا عالم!

يا منظمات حقوق الإنسان!

لا نطالبكم بغير حقوق الحيوان للإنسان العربي الذي يذبح في مسلخ إيران!

السادية والشذوذ النفسي

هذا العنف السادي – وأسميه ” سادياً ” لأن القاتل لا يكتفي بقتل الضحية، وإنما يريد أن يتلذذ بتعذيبها قبل أن يقتلها – خلق فارسي. العنف السادي من أخلاق الفرس إلا من رحم الله. لماذا؟ وشواهد ذلك الآن في العراق أكثر من أن تحصى.

الفرس – ومن تأثر بهم ممن تشيع بدينهم – لا يقتلون ضحاياهم إلا بعد تعذيبها! لماذا؟ لأنهم مصابون بـ(عقدة النقص)، ويعانون أعمق العناء من (عقدة الاضطهاد). وليس من شرط المريض بـ(عقدةالاضطهاد) أن يكون مضطَهداً في الواقع. هي عقدة أو مرض ينتشر بالعدوى.

تنعكس هذه العقد على ممارسات وتصرفات أصحابها شذوذاً في السلوك، أو التعامل مع الضحية؛ ولذا فإن المصاب بهذه العقد لا يكتفي بقتل اللضحية، وإنما يريد أن يطيل من أمد موتها. ولماذا؟ لأن ذلك وحده يشعره بالتماسك النفسي.. يشعره بأنه موجود، بأنه مخيف، وأنه قوي. القاعدة عند هذا الصنف من الناس: ” أنت تتألم؛ إذن أنا موجود “.

والبلاء كل البلاء سيكون هؤلاء الذين يعانون من عقدة الإضطهاد وعقدة النقص إذا أمسكوا يوما بزمام القوة. وأبرز مثال على هذا الصنف: الفرس واليهود. وانظروا إلى ما هو حاصل ويحصل اليوم في بلدنا العراق المحتل، وفي بلدنا الآخر الأحواز العربي المحتل. ولا أراني في حاجة لأن أعيد الى الأذهان مأساة الأسير العراقي في سجون إيران. لقد كان الوحش الإيراني يدخل صنارة الصيد .. تخيل ..!! صنارة الصيد، يدخلها في العضو الذكري للأسير، ثم يسحبه ليمشي به حيثما يريد.

هذه لقطة سريعة، وبسيطة تعبر عن وحشية هؤلاء وساديتهم وظلمهم.

ما يجري الآن في العراق شاهد واضح على ما أقول، والعراق ليس في قبضة إيران. فكيف هو الحال في قطر الأحواز، الذي هو في قبضة إيران؟! ماذا تتصورون يفعلون به؟!

صورة لا تنسى

المرأة العربية الأحوازية بشيلتها العربية1 صور مأساة الأحواز لا تحصى! وإن أنسَ لا أنسَ – وأنا أتصفح صور المأساة المنشورة على شبكة المعلومات – صورة تلك المرأة العربية الأحوازية التي سيقت الى الإعدام في يوم 3/3/2006 ، بملابسها السوداء الطويلة بطول حزن الأحواز. تلبس تلك الملابس التي تلبسها أمي وأمك، وخالتي وخالتك، وعمتي وعمتك. يا ليت شعري ماذا قالت حين ألقي عليها القبض؟ هل لها من أولاد؟ ماذا فعلوا وهم يرون أمهم تساق إلى المجهول، وتفارقهم إلى حيث لا لقاء؟ وكيف هو حالها يوم ألقيت في الزنزانة وحيدة بلا أنيس؟ أو حين تداولتها أيدي أولئك الوحوش؟ وماذا كان شعورها وهي تغادر هذه الحياة؟

ليس من قصدي الحديث عن تفاصيل المأساة الأحوازية. إنما أريد أن أبين الخطوط العريضة، وأقرب لكم صورة الظلم الذي تمارسه إيران فيها، وفي أي أرض تطالها يدها، ولو من بعيد! وذلك من خلال مقياس لا يخطئ عن العدل وعن الظلم. ثمة مقياس نقيس به العدل، ونقيس به الظلم ، سأتحدث عنه أثناء الكلام .

25/3/2007

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى