مقالات

الأحواز .. المأساة المنسية (2)

بداية المأساة

الشيخ خزعل الكعبي أمير الأحواز1 بدأت مأساة الأحواز قبل أكثر من ثمانين عاما.. يوم رأت بريطانيا العظمى أن لا بد من أن تقف بوجه أطماع الاتحاد السوفييتي، تلك الإمبراطورية الناشئة للتو، ممثلة بروسيا القيصرية. التي كانت لها أطماع وأماني وآمال قديمة جدا أن تصل في يوم ما الى ما يسمى بالمياه الدافئة في الخليج العربي. وحين تشكلت إمبراطوريتها في سنة 1917 بدأت تهدد الوجود البريطاني في المنطقة آنذاك فرأت بريطانيا أن تجعل بينها وبين روسيا سداً. فكان هذا السد هو إيران. ولكن لا بد لهذا التزاوج غير الشرعي بين إيران وبريطانيا من مهر أو ثمن. وكان الثمن المدفوع هو.. الأحواز!

وفي يوم 20 نيسان من سنة 1925 وقعت الجريمة النكراء. بمؤامرة حاك خيوطها الثنائي الشيطاني: بريطانيا – إيران. وكان أن استدرجوا أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي تحت ذريعة إقامة حفل توديعي للقنصل البريطاني على اليخت الخزعلي. حيث تم اعتقاله، وذهبوا به هو وابنه من ثم الى إيران. ليموت هناك بعد أكثر من عشر سنين. ثم يلحق به ابنه بعد سنتين من مماته، بينما كان الفرس يحاولون أن يستخلصوا منه اعترافاً بشرعية الاحتلال الإيراني للأحواز، أو اعترافا بأن الاحواز جزء من إيران. ولكن الشيخ خزعل أبى أشد الإباء، رغم معرفته بأن ذلك سيكلفه حياته. وهكذا كان. ومات ولم يكتب لهم ذلك الاعتراف.

من تلك اللحظة.. أو من تلك الليلة المشؤومة بدأت المأساة الأحوازية، وانتهى الحكم العربي في الأحواز التي كانت مستقلة بشتى الصور عن إيران. وقامت فيها إمارات عربية تستقل أحيانا استقلالا كاملاً عن إيران، وأحياناً جزئياً. وأحيانا تغزوها إيران ثم تخرج منها. الى أن انتهى الحكم العربي في سنة 1925 لتبدأ المأساة.

المأساة في خطوطها العريضة

أستطيع أن ألخص المأساة الأحوازية في خطوطها العريضة بعدة نقاط رئيسة:

  • ضمت إيران الأحواز اليها، وأعلنت الحكم العسكري المباشر لها، وأقامت الثكنات العسكرية، وزجت بحامياتها في أرض الأحواز، وزودتها بالأسلحة الفتاكة للسيطرة على الشعب العربي هناك ولمراقبته.
  • ألغوا جميع مؤسسات الحكم العربي السياسية والإدارية والقضائية.

تأملوا اللمسة الإيرانية في هذا التصرف! وقارنوا بينها وبين ما حدث في العراق. إن إلغاء الأمريكان مؤسسات قيام الدولة حين دخلوا العراق، كان بوحي من إيران وإسرائيل عن طريق عميلهم أحمد الجلبي وأمثاله. وهكذا يعيد التأريخ نفسه!

  • حرموا الشعب العربي من أبسط حقوقه المدنية وحرياته السياسية. إلى حد أنهم منعوا العرب من تسمية أبنائهم بالأسماء العربية ذات الدلالات الخاصة التي تزعج الإيراني مثل اسم عمر أو عثمان أو عائشة. هذه الأسماء تزعج الفارسي لأنها ترتبط في ذهنه بذكريات لا يريد أن يستعيدها؛ ولذلك – وبسبب سخافة عقولهم، وحساسية عقدتهم المتأصلة في نفوسهم – تراهم يضطهدون كل من اسمه عمر أو عثمان، أو يقتلونه .هذا ما يجري الآن في العراق. في أسبوع واحد قتلوا (86) شخصاً ممن يحمل اسم عمر. بل ربما غيروا اسم العربي كاملاً، أي يغيرون اسمه واسم أبيه، ويعطونه بدلاً اسما فارسيا. حتى يلغوا هويته.
  • منعوا العرب من ارتداء الزي، أو العقال العربي. فإذا ذهب أحدهم الى دائرة رسمية ضايقوه وأسمعوه عبارات التنقيص من العرب، وربما منعوه من دخولها. وإذا ذهب الى السوق يضايق من خلال إلقاء النكت والكلمات الجارحة. وكذلك حين يمشي في الشارع.
  • منعوا أبناء العشائر من التجمع في الدواوين والمضايف العربية.
  • منعوا الدراسة والتحدث باللغة العربية. فالمناهج الدراسية كلها بالفارسية. وليس ثمة في الأحواز كلها مدرسة عربية واحدة!
  • ألغوا الاعتراف بالقومية العربية والاعتراف باللغة العربية لغة للشعب العربي الذي

يبلغ تعداده ثمانية ملايين.

قارنوا بين هذا وبين ما حصل في ما يسمى بـ(الجمعية الوطنية العراقية) حينما طالب بعض ذيول إيران ممن يتقمصون الهوية العراقية، باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية! تصوروا..! في العراق يطالبون باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية لأن هناك مجموعة من الفرس يتواجدون فيه. وثمانية ملايين في الأحواز كلهم عرب لا يعترفون لا بلغتهم، ولا يسمحون لهم بأن يفتحوا مدرسة واحدة تتحدث العربية!

  • غيروا الأسماء العربية للمدن والمواقع. وغيروا الملامح وكل ما يمكن أن يدل أو يشير إلى العرب في أرض العرب هناك.
  • اقتطعوا أجزاء من الأحواز وضموها الى المحافظات الفارسية.
  • قاموا بأعمال تهجير للعرب وتوطين الفرس مكانهم.
  • منعوا الترجمة في المحاكم من العربية وإليها. وألزموا صاحب القضية بعرض قضيته باللغة الفارسية فقط. فإن لم يكن يجيد التحدث باللغة الفارسية سقطت قضيته ؛ ولا يسمحون للعربي أن يأتي بمترجم . أما إذا كان خصمك فارسيا

فاقرأ على قضيتك السلام، ومن أول لحظة!

  • سيطر الفرس على جميع مجالات الخدمات والإنتاج، وحرموا عامة العرب من الوظائف الحكومية . مع فرض الضرائب عليهم . بالإضافة الى احتكار التجـارة

والنشاطات الاقتصادية الأخرى وحصرها بيد الفرس.

  • حرموا العرب من امتلاك الأراضي الزراعية. وصادروا جميع الأراضي التي يمتلكها العرب وعقاراتهم.
  • هذا بالإضافة الى انعدام الرعاية الصحية.

هذا كله في كفة..

  • وفي الكفة الأخرى استخدموا جميع أنواع التنكيل والإرهاب والمطاردة والقتل والاغتيال ضد أبناء الأحواز.
  • أما وسائل الإفساد الخلقي ونشر المخدرات بين الشباب العربي في الأحواز من أجل إفسادهم وإنهائهم وإلهائهم.. فحدث ولا حرج.

المقاومة الأحوازية

لعل سائلا يسأل: كل هذا حصل؟ فماذا كانت ردة فعل العرب في الأحواز؟

وأنا أعتبر السؤال هذا جزءاً من المأساة الأحوازية! لأنه يعني أننا لا نعرف شيئاً عن أهلنا في الأحواز الجريحة! ونجهل ماذا حصل فيها خلال هذه العقود المتطاولة التي بلغت (80 أو 90 سنة ) من الاحتلال الفارسي. ولكن من أين يأتي العلم إذا كان الجميع ساكتين؟

مظاهرات 11 الأقسى والأمر أن علماء الدين أيضاً ساكتون! فلماذا؟ إذا كان رجل السياسة يخاف الدوائر، أو يعتبر أن المصلحة السياسية في السكوت على ما يجري، فعلام يسكت عالم الدين؟ والله تعالى قد أخذ الأمانة على كل مسلم أن يقول الحق ولا يكتمه. فكيف بالعلماء الذين قال الله تعالى فيهم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).

نعم! لقد عمل إخواننا في الأحواز – ولا زالوا يعملون – بما يستطيعون لمقاومة الاحتلال. فقد قاموا بانتفاضات، وفجروا ثورات. كما قدموا مذكرات إلى الجامعة العربية في جميع مؤتمرات القمة العربية، كان جوابها الصمت، والصمت المطبق! وكذلك رفعوا صوتهم عالياً في كثير من المحافل الدولية، وتوجهوا بقضيتهم إلى المنظمات العالمية وناشدوها مساندتهم. وأسسوا الأحزاب والمنظمات والروابط.

الانتفاضات والثورات

وإذا كان ولا بد أن نقف عند بعض صور المقاومة الأحوازية المسلحة، فنقف قليلا عند بعض الانتفاضات والثورات.

  • ثورة الغلمان: فأول ثورة قامت بعد أقل من ثلاثة أشهر على احتلال الأحواز، وسميت بـ(ثورة الغلمان). وذلك في شهر تموز من عام 1925، بقيادة شلش وسلطان.
  • ثورة الحويزة: وقامت ثورة أخرى في سنة 1928 سميت بـ(ثورة الحويزة) بقيادة محي الدين الزيبق. الذي تمكن من تشكيل حكومة دامت ستة أشهر.
  • ثورة الشيخ حيدر الكعبي: عام 1940 في منطقة الميناو.
  • ثورة الشيخ جاسب الخزعل: في منطقة الغجرية عام 1943.
  • ثورة الشيخ عبدالله بن الشيخ خزعل: عام 1944. وقد استطاع أن يجتاح مدينة المحمرة، ليدخل قصر أبيه. والقبائل العربية قد تلقته وهي تهتف: (طب بدرج يا دار ازهيله.. طب بدرج يادار ازهيله).
  • ثورة بني طرف: عام 1945. عندما أجبرت الحكومة الإيرانية العرب هناك على تغيير زيهم العربي وجردتهم من أسلحتهم. وكانت هوستهم: (يا عكال نسويلك هيبة).
  • ثورة الشيخ مذخور الكعبي: عام 1946. وهذه بدأت حينما أسس في عبادان حزب أطلق عليه اسم ” حزب السعادة ” . كانت أهدافه تدور حول الحفاظ على الشخصية العربية. فلم تكن مطاليبه تلك المطاليب الخطيرة والكبيرة. كان يركز على بث الشعور بالانتماء العربي ومنح العرب حقوقهم القومية والسماح لهم بإصدار صحف، وتأسيس نوادي خاصة بهم أسوة بالأقليات الأخرى في إيران. وكان يدعو الى التزيي بالزي العربي، وإلى جعل المناهج الدراسية باللغة العربية.

امتدت تنظيمات هذا الحزب الى مدينة المحمرة، ثم الى بقية القطر الأحوازي. لكن بريطانيا وسلطة الاحتلال الفارسي لم يرق لهما ما يجري على أرض الأحواز مما يفعله هذا التنظيم؛ فتآمروا فيما بينهم، واستطاعوا أن يوقعوا بينه وبين (حزب تودة) الإيراني. وأن يطلقوا العنان للمستوطنين الفرس وهم مدججون بالسلاح لقتل الشباب العربي، واغتيالهم ومطاردتهم. وسلطة الاحتلال من ورائهم. فارتكبوا مجازر بشعة، وحمامات دم وتصفيات كثيرة. وطاردوا شباب التنظيم ونكلوا بأعضاء هذا الحزب وكل العرب الأحوازيين.

 

مأساة مؤسس الحزب حداد بن هويدي

وإن أبشع ما حصل في تلك الأيام حين دخل أولئك الوحوش الى بيت مؤسس الحزب حداد بن هويدي. دخلوا عليه بيته واعتقلوه هو وزوجته وأطفاله الثلاثة وصعدوا بهم الى سطح الدار.. ثم قاموا بإحراقهم وإلقائهم من فوق السطح كتلاً نارية – تأملوا هذه الوحشية وهذه السادية! – ودمروا جميع مكاتب التنظيم وأنهوا وجوده.

وهذا أدى الى ردة فعل عنيفة قام بها العرب الأحوازيون بقيادة الشيخ مذخور الكعبي. فهجمت القبائل العربية على الحامية الفارسية في المدينة وقتلوا أعدادا كبيرة من جنودها. ولكن – كالعادة – انتهت هذه الانتفاضة كما انتهت سابقاتها من الانتفاضات والثورات لعدم التوازن بين قوى الكفتين.

واستمرت هذه الثورات والانتفاضات والى اليوم.

25/3/2007

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى