مقالات

الأحواز .. المأساة المنسية (3)

مقياس العدل والظلم

أكرر التنبيه على أنني لست بصدد الحديث عن تفاصيل المأساة. وإنما أريد أن أتحدث عن الخطوط العريضة العامة. وعن المقياس الذي نقيس به الظلم والعدل ، أريد أن أعرض هذا من خلال أول حدث إجرامي قامت به سلطة الاحتلال الإيراني بعد تولي خميني الحكم في إيران.

لقد كان للشعب الأحوازي دور كبير في نجاح ثورة الخميني. الذي كان يعدهم الوعود البراقة، ويمنيهم الأحلام الخلابة. وكانوا يصدقون هذه الوعود لأن الخميني كان يتستر بشعارات دينية. وهم وإياه من مذهب واحد، فالعرب في الأحواز كانوا كلهم شيعة عند مجئ الخميني، ولم يكن منهم إلا القليل من أهل السنة، على عكس ما هو عليه الحال اليوم. وجاء الخميني واستبشر به أهل الأحواز. وذهب الى طهران وفد منهم يحملون مطاليب مشروعة، وكلهم أمل في تحقيق هذه المطاليب.

ترى..! ما هي هذه المطاليب؟

  1. السماح لهم بالتحدث بلغة القرآن اللغة العربية إلى جانب اللغة الفارسية
  2. أن تكون لهم مدارس مناهجها الدراسية باللغة العربية، إلى جانب اللغة الفارسية
  3. وأن يسمحوا لهم بتأسيس جمعيات خاصة بهم
  4. وأن يسمح لهم بإصدار صحيفة عربية

تأملوا هذه المطالب.. التي هي مطالب جميع الذين تقدموا صفوف أهل الأحواز منذ الاحتلال والى اليوم! تأملوها لنستخلص من خلالها مدى الظلم الواقع على شعب الأحواز .

كيف نقيس حجم الظلم وحجم العدل ، الشعوب كل الشعوب على مدار التأريخ في

علاقتها مع الحكام لديها مطالب، وأهداف وتطلعات، وأحلام وغايات. من خلال نوع هذه المطالب نعرف أو نستخلص مقياس الظلم أو العدل.

عمر العادل

عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو رمز العدل في تأريخنا. ذلك العملاق الذي سلطه الله على دولة فارس؛ لأنها رمز الظلم. يظهر أن الله تعالى بحكمته يسلط الأضداد على الأضداد: فمسيلمة الكذاب سلط الله عليه أبا بكر الصديق. انظر إلى المعادلة تجد (كذاباً ضده صديق). سعد بن أبي وقاص كان القائد الذي كتب الله تعالى على يديه هزيمة وانهيار دولة فارس. هذا العملاق الثاني من صفاته أنه لا يحمل حقدا على أحد. يقول: أنام حين أنام وليس في قلبي غل على أحد من المسلمين. وبهذا شهد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم له بالجنة في قصة معروفة. سلط الله تعالى هذا الإنسان الصافي القلب على دولة الحقد!

دولة فارس تجمع إلى الحقد الظلم. فهي رمز من رموزه. رمز الظلم سلط الله تعالى عليها رمز العدل!

ويقف هذا الرمز الإنساني يوما خطيبا فيقول: ” أيها الناس اسمعوا وأطيعوا “.

تأملوا المفارقة! لاحظوا تصاريف القدر! يقوم له شخص ليقول له: ” لاسمع ولا طاعة “! أتعرفون من هذا الشخص؟

إنه رجل فارسي لا قريب له.. ولا أحد، ولا عشيرة!

فيقول عمر: ” ولم؟ ” قال: ” لأن ثوبك أطول من ثيابنا “. يشير الى أقمشة وزعها عمر بن الخطاب على الناس وقد أخذ – كما أخذوا – قطعة منها. لكن سلمان يرى ثوب عمر طويلاً. وعمر كان طويلا بائن الطول. كان إذا ركب الحصان قدماه تخطان في الأرض. وقياساً على ذلك يكون قد أخذ أكثر من قطعة. فهذا ظلم يرتكبه الحاكم لا ينبغي معه أن يأمر فيطاع، وأن يقول فيسمع!

ماذا فعل عمر؟ هل قال: ” خذوه.. اسجنوه.. اقتلوه.. عذبوه ” ؟

لم يقل، ولم يفعل سوى أنه نظر في وجوه القوم يبحث عن ابنه عبد الله أين هو؟ فلما رآه فقال: ” قم يا بني دافع عن أبيك “. فقام عبد الله ولم يزد على أن قال: ” أيها الناس! لقد أعطيت ثوبي لأبي فصنع منه ثوبا ولبسه “. وبكل بساطة قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: ” الآن قل نسمع واأمر نطع “. وانتهى الموضوع! واختفت القضية من أرض الواقع تماماً، لينتقل ملفها إلى صحائف التأريخ.

وفي زمن حفيده عمر بن عبد العزيز يأتيه البريد من صعيد مصر. والبريد في ذلك الزمان لم يكن كحاله في هذه الأزمنة. لم تكن المواصلات متطورة كما هي الآن. كانت المواصلات على الإبل وعلى الخيل، وكان البريد لا يحمل إلا القضايا الكبيرة إلى دار الخلافة. لكنه هذه المرة يحمل كتاباً من امرأة عجوز سوداء تسمى فرتونة السوداء. فرتونة السوداء ترسل كتابا الى الخليفة في دمشق! ومن صعيد مصر! ” من فرتونة السوداء الى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز …” . ماذا تريدين يا فرتونة ؟ ” إن جدار بيتي واطئ؛ فيتسوره الصبيان ويسرقون بيض دجاجاتي فاأمر الوالي بأن يبني لي جدار البيت “! ويقول عمر : ” سمعا وطاعة ” ويكتب الخليفة إلى الوالي أن يبني لتك العجوز السوداء المنقطعة جدارها كما تريد.

حينما ينتشر العدل تكون عند الشعب حساسية مرهفة لما يقع عليهم، وينخفض مقياس الظلم لديهم. ويرتفع سقف مطاليبهم. نعم! ينخفض مؤشر المقياس الذي يتحسس الظلم كثيرا، بحيث يتحسس المواطن تقصير الحاكم إلى هذه الدرجة. إذن من خلال حجم القضية، ونوع المطاليب نستخلص مقياس العدل أو الظلم. حينما يشعر المواطن أن الحكومة مسؤولة حتى عن جداره. وأن مشكلته مع الحاكم كماليات الحياة هذا يعني أن الشعب يعيش في نعيم الحرية وبحبوحة العدل. وأن ما فوق هذا متوفر. وحينما لا يكون للأمير من ذنب سوى شبهة أن ثوبه أطول من ثياب رعيته.. معنى هذا أنه ليس هناك من ظلم أكبر من هذا، فيما لو وقع هذا. لكن حينما تكون مطالب الشعب هي أساسيات الحياة البسيطة مثل اللغة، ولا يستجاب له.. معنى هذا أن ما هو أكبر منها مستباح.

إن شعب الأحواز خيراته منهوبة. 95% من النفط الإيراني في الأحواز، وهو لا يحصل على شيء منه! بينما إيران كلها تعيش على نفطه. ومع ذلك لم تكن هذه القضية مطروحة للنقاش ضمن المطاليب. هم لا يريدون فوق أن تسمح لهم الحكومة الجديدة ببناء مدرسة عربية.. يتحدثوا باللغة العربية.. تصدر لهم صحيفة عربية. ماذا يعني هذا؟ يعني أن مقياس الظلم قد ارتفع مؤشره إلى هذه الدرجة. وأن الدولة ظالمة ظالمة، وأن الشعب العربي في الأحواز غارق الى أذنيه في ظلم هذه الدولة.

يوم الأربعاء الأسود

ومع بساطة هذه المطاليب ماذا كان رد الخميني؟

لقد أوعز الخميني المقبور الى الحاكم العسكري لعربستان المدعو أحمد مدني، الذي كان قائد القوة البحرية – أوعز اليه بإنزال العسكر في أرض الأحواز واستباحتها. فأنزل هذا المجرم الجيش، وشن حملة قتل ومطاردات، فقتل في يوم واحد أكثر من مائة شاب أحوازي، واعتقل في ليلة واحدة أكثر من خمسمائة!

هذا كان رد الخميني على هذه المطاليب. وكانت مجزرة.. وكانت مأساة.. في يوم 29/5/1979، في يوم أربعاء أطلق عليه يوم الأربعاء الأسود.

ولا زال إخواننا في الأحواز يذوقون الويلات من تلك الدولة ومن اولئك الوحوش

الأوغاد الذين يحقدون على تأريخنا ويسبون أجدادنا ويشوهون تأريخ رموزنا. إنهم يكرهون عمر العادل الى حد أنهم يتضايقون من سماع اسمه.. الى حد أنهم لا يتحملون رؤية شخص يمشي في الشارع واسمه عمر؛ لأنه يذكرهم بعقدتهم.. بظلمهم. إنه الند النقيض. والنقيض يتضايق من رؤية نقيضه.

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!!!

أطفال الأحواز وإشارة النصر1

عمر هذا الذي يكرهه العجم، يأتيه في يوم من الأيام شاب نصراني من مصر، يطوي الوهاد والنجاد حتى يصل إلى المدينة! ما قضية هذا الشاب؟! وتأملوا المقياس! قضيته أنه تسابق يوما على الخيل. وكان في المتسابقين ابن الأمير.. أمير مصر.. عمرو بن العاص رضي الله عنه.. هذا القائد العربي المسلم الذي فتح فلسطين، وحرر مصر.. محرر فلسطين ومصر عمرو بن العاص الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أسلم – والحديث في صحيح مسلم – (( أسلم الناس وآمن عمرو ))! والايمان أعظم من الاسلام؛ الاسلام ظاهر.. والإيمان باطن.

ابن عمرو بن العاص كان في المتسابقين فسبق ذلك الشاب ابن الأمير. فلما تجاوزه بفرسه خفقه على رأسه بالسوط وقال: “” أتسبقني وأنا ابن الأكرمين ” ؟

هذه هي القضية! وهذه هي المظلمة!

تعالوا الآن إلى العراق لتروا الظلم مجسماً: القتل، الجثث في الشوارع والطرقات وعلى المزابل تنهشها الكلاب الرعب ، الجوع، المطاردات، الاعتقالات، و.. و… وقيسوا عليه ما يحصل في الحواز!

يرتحل ذلك الشاب ليمشي شهرا حتى يصل المدينة ليشكو ابن أمير مصر عند أمير المؤمنين! ويقص عليه القصة. فيرسل عمر بن الخطاب إلى والي مصر حتى يأتي إليه ويحاكمه وتنتهي المحاكمة بأن يقضى لذلك الشاب النصراني على ابن الأمير المسلم. ويقول عمر بن الخطاب له: ” ضع السوط على رأس ابن الأكرمين “. ثم يقول: “ضع السوط على صلعة أبيه ” . وينزع عمرو بن العاص عمامته. قال الشاب: ” إنما ضربني ابنه ” ؟ قال: ” لولا أبوه ما تجرأ عليك ضع السوط على صلعة أبيه “!

وها هي اليوم أفراخ العجم، وأبناء الظلم يتكلمون على عمر رمز العدل!

يومها قال عمر قولته المشهورة: ” يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟! “.

متى استعبدتم الناس – أيها المجوس! – وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!

أيها الأحرار في الأحواز ! أبشروا ؛ فالنصر قادم بإذن الله ، متى ما عملتم وبذلتم المستطاع. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

25/3/2007

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى