مقالات

أضحكتني .. لا أضحك الله سنك

 

وعادت بي الذكرى إلى…. أربعين سنة خلت..!

كانت صبية ترعى الغنم. وكان على مقرُبة منها غلام يافع قد راهق الحلم، يعمل في حقل أهله. ولسبب من الأسباب التي يتكرر حدوثها في الريف بين زارع الأرض وراعي الغنم هجم الغلام على الصبية يريد ضربها، وطردها من المكان. يقول خالي رحمه الله: كانت عيني ترقب باستمرار بنت أخي الصغيرة من بعيد، حيث كنا نعمل في حقلنا المجاور، فإذا بنا نرى الغلام يهجم عليها. قلنا: سيؤذيها! ولم نكن قريبين منهما بما يكفي لمنعه منها. فلم يكن أمامنا إلا أن نتفرج على المنظر. وابتدأت معركة غير متكافئة! كان بيد الصبية عصا غليظة، فما كان منها – حين رأيت تصميم الغلام على ضربها – إلا أن تهجم عليه بها! فصرنا نشجعها – وإن لم تكن تسمعنا – ونقول: (عفية هدية!). وصارت هدية تكيل الضربات للغلام وهي تتراجع إلى الخلف. وكانت مفاجأة لنا حين رأينا صاحبنا يسقط أرضاً! ثم يقوم من بعدها ينفض ثيابه، وهو يتلفت هل رآه من أحد؟ لقد قبل بالهزيمة و (تجرع كأس السم)! لكنه ما إن ابتعد خطوات – وقد لاحظ أننا ننظر إليه – حتى رفع عقيرته بالغناء، يريد أن يوهمنا أنه لم يحصل له من شيء! وضحكنا حتى كدنا نستلقي على أقفيتنا من الضحك! ولم ندر ساعتها: هل نضحك من هزيمته النكراء؟ أم من تجاهله ما حصل له، في محاولة يائسة منه إيهامنا بأنه لم يحصل له من شيء؟!

وضحكت أمس وأنا أستمع إلى ما نقلته قناة (الشرقية) على لسان المالكي: (لا أدري ماذا يعني يوم 8/8/ لكنني سمعت أنه يوم نهاية الحرب مع إيران. وهذا شيء جيد)! ولا أدري هل أضحك من هزيمته وأسياده العجم المنكرة يوم 8/8/1988، وشعوره العميق بها، إلى حد أنه لا يريد أن يتذكرها! أم من محاولته المفضوحة اليائسة إيهامنا أنه لا يذكرها، ولا يدري ما معنى يوم 8/8 ؟ وكأنه لا شيء حصل في ذلك اليوم العظيم!

ألا تذكر يا مالكي يوماً تجرع فيه سيدك وإمامك كأس السم؟

ألا تذكر يوم الأيام؟!

كيف؟! ألا تذكر اليوم الذي أُجهضت فيه آمالك بهزيمة أسود العرب في بلاد الرافدين؟

وتريدنا أن نصدِّق!

إذن لماذا اخترت هذا اليوم من دون أيام السنة كلها ظرفاً تزور فيه الأم الحبيبة إيران؟

لم تضحكني فقط في زمن البكاء، وإنما أدخلت في قلبي السرور مأزوراً أنت غير مأجور. لم أن أعلم أنكم تشعرون بالمذلة.. والعار.. ومرارة الهزيمة.. وألم الاندحار في 8/8 إلى هذه الدرجة من الشعور إلى الحد الذي لا تجدون فيه شيئاً يواري سوءة وجوهكم سوى التجاهل والإعراض!

فعلام إذن يتبجح أسيادك بالنصر في الحرب التي أوقدوا نارها؟

علام يدّعون أنهم انتصروا؟ وأن الذي هزم فيها هو العراق؟

أرأيت أحداً قبلكم يتوارى من القوم، خجلاً مما يفتخر به؟!

أرأيت أحداً قبل خميني تجرع كأس السم في يوم (انتصاره)؟! أم هذا هو (نخب الانتصار) عند العجم؟ فكل شيء عندهم بالمقلوب! لكن الذي أعرفه من التاريخ أن العجمي يحتفظ في خاتمه بإضمامة سم، يتناولها متى ما أحس بالهزيمة، وتيقن من نهايته الأليمة. ومن هنا استورد خميني (لع) عبارته تلك، التي عز عليه أن يتكتمها رغم شماتة الشامتين، وسرور المنتصرين! فتقيأها من أمعائه الغليظة دليلاً لا يقبل النقض على أنه هزم؟ وهزيمة بلغت عنده حبل نخاعه!

مرض الانسحاب ( Withdrawal )

يقول د. أحمد عزت راجح /في كتابه: أصول علم النفس: ص453/ : (إن لم يوفق الفرد إلى حل المشكلة التي تواجهه بطرق إيجابية واقعية، ظل في حالة من التوتر الانفعالي الموصول، ما يجعله يلجأ إلى أساليب ملتوية سلبية خادعة تخفف عنه بعض ما يكابده من تأزم نفسي، وتقيه مشاعر القلق والعجز والفشل والخجل والرثاء للذات وغيرها من المشاعر التي تنشأ عن إحباط دوافعه. فإذا به يتجاهل المشكلة أو يتناساها أو ينكرها أو يستصغرها أو يموه عليها أو يتنصل منها بإلقاء اللوم على غيره لا على نفسه. كل ذلك للخلاص مما يعانيه من القلق بدلاً من مواجهته. لذا تسمى هذه الأساليب الملتوية بالحيل الدفاعية؛ لأنها تدفع عن الفرد غائلة القلق، وتهبه شيئاً من الراحة الوقتية، وإن تكن راحة وهمية حتى لا يختل توازنه).

ومن هذه الحيل النفسية الدفاعية (الانسحاب Withdrawal) وهو /كما يقول د. راجح، ص454/ (ابتعاد الشخص المتأزم عن المواقف التي يحتمل أن تثير في نفسه القلق… ومن صور الانسحاب الإذعان والامتثال والكف عن كل محاولة للتكيف مع الموقف المثير للإحباط، فيكون هذا بمثابة اعتراف من الفرد باستحالة الوصول إلى حل لأزمته. ويقترن الانسحاب هنا بالتبلد وعدم الاكتراث واللامبالاة… وفي مستشفيات الأمراض العقلية نماذج بارزة للانسحاب لدى الذهانيين، يلجأون إليه هرباً من الواقع الذي أصبحوا لا يطيقون مواجهته، وخلقوا لهم من الخيال عالماً يرضيهم ويقضي حاجاتهم).

مسكين أيها المالكي! أنت مصاب بداء (الانسحاب)! ولكن أين تهرب من هذا الواقع الذي

لا تطيق مواجهته؟ إلى ذياك العالم الذي يرضيك، ويقضي حاجتك؟ أنصحك بزيارة لـ(باب الحوايج) عله يقضي حاجتك التي يبست وأعسرت، وما لها إلى خروج من سبيل.

أما أعمامك العجم، فلا أمل في شفائهم من دائهم. لقد تحول عندهم هذا الأسلوب إلى عادة طبعت حياتهم. فما أكثر المناسبات المؤلمة في تاريخهم، التي لا يجدون سوى التجاهل والانسحاب علاجاً لما تثيره في نفوسهم المريضة من قلق ممض، يقض مضاجعهم، ويعكر عليهم صفو حياتهم.

هل ترى لمعركة القادسية من ذكر في كتبهم أو أحاديثهم؟ وهذا هو الذي دعاني لأن أسمي موقعنا باسم هذه الموقعة (القادسية)، كي أظل أنخس ذاكرتهم بكل ما يغيظهم، وينغص عليهم عيشهم، فلا يجدون مهرباً إلا الانسحاب، والانصراف لواذاً وراء التظاهر باللامبالاة، وعدم الاكتراث، وتبلد الإحساس. أو كما يفعل الشيطان حين يسمع الأذان. هل تعلم ماذا يفعل الشيطان عند الأذان؟ اسأل شيطان قم وطهران. هل يذكر معركة المدائن أو جلولاء أو نهاوند؟ لماذا؟

هل يطيقون تذكر أيام العرب في ذي قار، أو ذات السلاسل، أو المذار؟ لماذا؟

بل قل: هل يذكرون فتح مكة؟ ولماذا يستقبلون سنة العرب أو الإسلام باللطم والنواح والبكاء؟ ويتجاهلون عيد الأضحى والفطر؟ بل منهم من إذا سئل عن يوم غد، وكان يوم جمعة، لا يسميه ولا يذكره إنما يقول: بعد غد السبت، تجاهلاً ليوم الجمعة الذي ينخسه ويشعره بهوانه! لكنه يستقبل سنة المجوس بالأفراح والاحتفال وإشعال النيران مدة ثلاثة عشر يوماً متواصلاً! وقد صادف قبل تسع سنين يوم نوروز سنة المجوس يوم العاشر من محرم، فلم يتنازلوا عن إعلان فرحهم في ذلك اليوم الذي يسبقونه في كل عام عشرة أيام معلنين حزنهم، ولا يتنازلون يوماً واحداً احتراماً وفرحاً بذكرى يوم المسلمين، وذكرى هجرة خير الخلق أجمعين! هذا.. وإمعاناً في (الانسحاب) وتجاهل أيام الإسلام تجدهم وضعوا أمام كل مناسبة إسلامية مناسبة شيعية كي يلغوا تلك بهذه، ولا يعود الفرد الشيعي يتذكر ما ينبغي تذكره حسب طبيعة الأمور.

قبل أيام – في 27 من رجب – تذكر المسلمون في العالم الإسلامي كله ذكرى الإسراء والمعراج، إلا الشيعة فقد كانوا مشغولين بمناسبة وفاة (الكاظم).

وفي يوم تحويل القبلة – 15 شعبان – ينشغلون بأسطورة أخرى هي مولد المهدي، الذي لم يولد ولن يولد.

ويتجاهلون ليلة القدر بالانشغال بمقتل سيدنا علي رغم أن بينه وبين ليلة مقتله الحقيقي عشرة أيام! بعدد أيام محرم التي تفصل بين مطلع سنة الإسلام ويوم مقتل سيدنا الحسين!

وهكذا فإنك إن تتبعت الأمر ستجد أنه ما من مناسبة إسلامية إلا وأشغلوا شيعتهم عنها بمناسبة مخترعة أخرى!

إنه مرض (الانسحاب)..! قد أصاب أمة بحالها! فلا عجب أن يصاب به فرد ينتمي إليها.

كل شيء يرجع إلى أصله، ويتصل بجذره.

فلا عجب..! إنما العجب في أن نضحك في زمن البكاء!

اعذروني أيها القوم! فماذا تروني أفعل وأنا أنظر إلى ذلك الغلام، وهو يغني رغم أنه خرج للتو من تحت عصا هدية. ثم هو يدّعي ويقول: (لا أدري ماذا يعني يوم 8/8 لكنني سمعت أنه يوم نهاية الحرب مع إيران).

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى