مقالات

المتعة

خطأ شائع عن نكاح المتعة يجب تصحيحه

خطأ شائع عن نكاح المتعة يجب تصحيحه

( نكاح المتعة كان مباحاً أول الإسلام ثم حرم متأخراً )

 

في منتدى الموقع وتحت عنوان (نساء الرافضة للإيجار) كتب (فاضح الرافضة) عن نكاح المتعة قائلاً: (وهذا الأمر كان مباحاً أول الإسلام لكنه حرِّم يوم خيبر تحريماً نهائياً إلى يوم القيامة).

وهذا من الأخطاء الشائعة كثيراً. والصحيح أن هذا النوع من النكاح لم يكن له وجود في المجتمع الإسلامي لا في المدينة، ولا بين أفراد المسلمين في مكة. والدليل على ما أقول ما يلي: لقد حرم القرآن الكريم في بداية نزوله – والمسلمون ما زالوا في مكة أفراداً – نكاح المتعة وغيره من العلاقات الجنسية الأخرى، سوى النوعين المعروفين من الأنكحة: الزواج الدائم وملك اليمين. وذلك بقوله تعالى الذي نزل مرتين في سورتين من القرآن:

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ}(المعارج/29-31، المؤمنون/5-7).

فالآيات تصرح بأن ما وراء الأزواج، وما ملكت اليمين حرام. ونكاح المتعة لا يدخل في هذا ولا ذاك. فهو مما {وراء ذلك}. إذن هو حرام، ومن الأيام الأولى لتاريخ الإسلام.

وقد فهم المسلمون شمول هذا النكاح بالتحريم فلم يمارسوه لا في مكة ولا في المجتمع الإسلامي في المدينة. والدليل على ذلك أن التاريخ الإسلامي بشقيه: التشريعي والعام لم يسجل لنا حادثة من هذا النوع في المجتمع المسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن القرآن الكريم – الذي كان المؤرخ الأمين لكل الحوادث المهمة طيلة فترة نزوله، لا سيما ما تعلق منها بالتشريع – يسكت سكوتاً تاماً عن ذكر أي واقعة لنكاح المتعة، أو ذكره مجرداً عن الحدث، أو ذكر حكم من أحكامه. فلو كان يمارس ضمن المجتمع المسلم، لما سكت تاريخ التشريع النبوي عنه هذا السكوت المطبق، ولما أغفل القرآن ذكره قطعاً. فإن القرآن تناول بالذكر أموراً وحوادث دونه في الأهمية بمراتب كثيرة. وذكر لها مع ذلك أحكاماً كشرب الخمر مثلاً، بل الصيد وما هو في مرتبته، وما دون ذلك.

تأمل كم آية من القرآن وردت في الصيد فقط!!

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2،1).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ

يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ*أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (المائدة: 94-96).

ولا شك في أن الصيد أهون كثيراً عند الله تعالى من أعراض المحصنات المؤمنات. فكيف يرد بهذه الصورة الواضحة المفصلة؟! ويترك أمر فروج المؤمنات بلا بيان ولا تفصيل!

 

أحاديث المتعة

أما الأحاديث الواردة في الترخيص بالمتعة فإنها جميعاً لا تدل على أن الرخصة المذكورة فيها كانت حكماً شرعياً دائمياً لظاهرة اجتماعية كانت تمارس ضمن المجتمع المسلم. وإنما تتعلق بمسألة حدثت مرة أو مرتين في ظرف طارئ خاص وقع خارج المدينة المنورة وأماكن تواجد المسلمين. مرة في غزوة خيبر، وأخرى في أوطاس (أو غزوة حنين)[1]. ولمدة ثلاثة أيام فقط في كل مرة، ثم يعود الأمر إلى التحريم.

ولا شك أن خيبر خارج المجتمع المسلم. وكذلك الطائف يومها. وليس فيهما نساء مسلمات. ولأن المدة قليلة جداً فلم ينزل فيها قرآن. وهذا سر سكوت القرآن سكوتاً تاماً عن ذكر مشروعيته أو ذكر حكم من أحكامه، في حين أنه تكلم مراراً عن الخمر- مثلاً – وتدرج  في تحريمه مع أنه دون النكاح في خطورته وأهميته وحساسية موضوعه.

والسبب هو أن شرب الخمر كان يمارس ضمن المجتمع المسلم، فواكب القرآن هذه الظاهرة، وتدرج في علاجها. فكيف يسكت عن الحديث عن ظاهرة هي أخطر وأعظم أثراً في النفس، وفي المجتمع، فلم يتكلم عنها، ولم يضع لها الحدود والضوابط الشرعية، كما تكلم عن الزواج ونكاح الأمة وأحكامها – لولا أنها لم تكن موجودة في ذلك المجتمع. أما أن يكون هذا العمل الخطير يمارس في المجتمع، فلا يرصده القرآن ولا يضع له الضوابط والأحكام فهذا غير مقبول عقلاً، ولا وارد شرعاً.

وهذا يتوافق مع ما رواه الترمذي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه. حتى إذا نزلت الآية: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} فكل فرج عدا هذين فهو حرام).

وكذلك قول عمر رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثة أيام ثم حرمها).

وقد قال العلامة شمس الدين السرخسي في [المبسوط (5/152)]: (بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها فلم يبق بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ). وبذلك صرح الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، وغيره من العلماء.

  1. – قال بعض العلماء: إن الرخصة لم تكن إلا مرة واحدة في (خيبر) فقط. ثم حرمت هي ولحوم الحمر الأهلية، كما صح بذلك الحديث عن علي رضي الله عنه . أما الرواية التي ذكرت (حنين) فلا تصح دليلاً على تكرار الفعل. لأن الأمر لا يعدو تصحيفاً وقع فيه بعض الرواة، فقلبوا لفظ (خيبر) إلى (حنين)، لعدم وجود التنقيط سابقاً. فإن صورة كلمة (حنين) بلا نقاط، تشبه صورة كلمة (خيبر) تماماً! سيما وأن حرف النون (ن) من دون نقطة قريب الشبه جداً بحرف الراء (ر)!! أما ذكر الرواية بلفظ (أوطاس)، فهو عبارة عن ذكر ما صُحِّف بالمعنى. كذلك الذي روى الحديث: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عنَزَة) هكذا: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة) صحّف كلمة (عنَزة) بالفتح إلى (عنْزة) بالسكون أولاً. ثم رواها بالمعنى ثانياً. وقد يكون الأمر بالعكس فتكون (خيبر) مصحفة عن (حنين) والله تعالى أعلم. قال ابن حجر في [فتح الباري 11/438]: روى عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث: (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر) فإنه قال : “حنين” بمهملة أوله ونونين. أخرجه النسائي والدارقطني، ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب. وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال: خيبر على الصواب.  

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى