مقالات

لا.. يا دكتور سليم..!!!

مع د. محمد سليم العوا في محاضراته على (الجزيرة- مباشر)

awwa

قبل حوالي شهر، وقبيل منتصف الليل هاتفني صديق عراقي من لبنان، قال لي والانزعاج باد من كلماته، وكأنه يشكو إليّ: “ألا ترى إلى ما يقول سليم العوا”؟ كنت لحظتها أتهيأ – على غير عادتي – للنوم. قلت: “لا، أين”؟ قال: “افتح (الجزيرة- مباشر) واسمع وره، إنه يدافع عن مذهب الشيعة بما لا يحسنه الشيعة أنفسهم”!

كان الحديث عن تحريف القرآن عند الشيعة. وقد دافع الرجل عن الجماعة بضراوة يحسد عليها! وحاول، بكل ما يملك من قدرة في فن الحديث وإيراد الحجج، أن يبرئ ساحتهم، ويدفع التهمة عنهم. حتى قال أخيراً ما معناه: “هذه هي الحقيقة. وإذا سمعتم من يقول بغيرها فلا تصدقوه”!

ولا أدري: هل الرجل يجهل ذلك الكم الهائل من الأقوال المتتابعة المتواترة المسطرة في كتب الأولين والآخرين من علماء الشيعة؟! وهل جُهل مثله عذر لمثله؟ وما ينبغي لمثله أن يجهل مثل هذا! أم إنه يعلم؟ – ومثله لا ينبغي إلا أن يعلم. ولا أراه إلا كذلك – فما هذا التناقض؟ ولمصلحة من؟

لم أشأ متابعة سلسلة محاضراته؛ لأني لا أصبر على هذه المهازل. ولا أستطيع ردها؛ فخير حل بالنسبة لي هو الإعراض عنها؛ فلا عين ترى، ولا قلب يحزن.

ليلة أمس..!!!

لكنني ليلة أمس اعترضتني صورته عرضاً على القناة نفسها، وهو يواصل سلسلة محاضراته تلك. غير أنه هذه المرة يتحدث عن فرقة الإسماعلية. كان كلامه سريعاً متلاحقاً، وكنت ألهث وأنا أحاول اللحاق به. وبينما أنا وهو على هذه الحال، إذا هو يمد يده بلا مناسبة، ويلقي بين رجليّ بحجر كبير، وإذا أنا أعثر في وسط الطريق! وجلست ألملم نفسي غضبان أسفاً. وتركته يجري وحده، ولا أدري كم ألقى من بعدي من حجر؟! وبين أرجل من؟!

سامحك الله يا دكتور سليم! لقد كنت تجري في سكة الإسماعيلية، فما الذي حدا بك إلى دهاليز الاثني عشرية؟!!!

بينما هو يتكلم عن العصمة التي أثبتها الإسماعيليون لأئمتهم، ويفصل فيها وفي أوصافها، التفت فجأة ليلقي بحجره ويقول: “وهذه العصمة تختلف عن العصمة التي يقول بها الشيعة الاثنى عشرية، فالمعصوم عندهم بمعنى أنه لا يخطئ في الأحكام الشرعية. لا يقولون بأنه فوق البشر، ولا فوق الأنبياء”…!

عجيب! من أي مصدر معتمد لديهم استقى العوا تقريره هذا عن الشيعة الاثني عشرية؟ وما مناسبته؟ وما الغاية من هذا الدفاع، مع سبق الإصرار؟!

ثم لماذا هذا التفصيل في عقائد أو فضائح الشيعة الإسماعيلية، من أين جاء به، ودون التماس أي عذر لهم؟! مع قلة المصادر المتوفرة عنهم، في مقابل كثرة مصادر الاثني عشرية، وانتشارها؛ بحيث لا يمكن أن تستعصي على مثل الدكتور سليم! كيف عرف كل هذه التفصيلات عن أولئك؟ وجهل مثله عن هؤلاء؟!

عجباً كيف اكتشفتم آيةَ القطعِ

ولم تكتشفوا رغمَ العوادي

آيةً واحدةً من كلِّ آياتِ الجهادِ

ثم لماذا هذا الحديث المسهب وبالتفاصيل عن عقائد الفرقة الاسماعيلية، وذمها؟ مع أنها فرقة قليلة العدد، ضعيفة التأثير، لا تكاد تعثر على أثر لها في عالم الإسلام الواسع! فلو تركناها وشأنها، لما توقعنا منها على الأمة ضرراً يحسب حسابه. بينما الشيعة الاثنى عشرية يصولون ويجولون هتكاً وفتكاً بعقائد المسلمين ودمائهم وأعراضهم! أم إلى الآن لم يصل خبر العراق والأحواز إلى الأستاذ العوا سلمه الله؟! هذا فضلاً عن لبنان والبحرين والكويت وغيرها من بلداننا التي يتواجد فيها أقليات شيعية! أم وصله لكنه لا يريد أن يرى ولا يسمع ولا يتكلم؟! ولا….. يتألم!

ألأن فرقة الإسماعيلية كذلك؟ فلا رغبة ولا رهبة منها! على العكس من الفرقة الأخرى التي تملك أسنة الترهيب، وأعنة الترغيب!

عذراً.. فكلامك غير سليم يا سليم!

فعصمة هؤلاء هي عصمة هؤلاء. والفرق بينهما – كما تعلم – على الأسماء، لا على الصفات. أولئك جعلوا العصمة والإمامة في إسماعيل بن جعفر، وسلسلوها في عقبه إلى اليوم. وقد كانوا منسجمين مع أصل القاعدة الشيعية التي تجعل (الإمامة) في الابن الأكبر للإمام السابق، مع تسلسلها، وعدم انقطاعها. بينما خالف الاثنى عشرية القاعدة المتفق عليها بين الشيعة، فجعلوا (الإمامة) في موسى بن جعفر، مع أنه الابن الرابع الأصغر لأبيه! معتمدين على عقيدة (البداء) فقالوا: بدا لله في موسى بعد مضي إسماعيل كما بدا له في الحسن العسكري بعد موت أخيه الأكبر([1]). فخالفوا مرتين قاعدة مذهبية معتمدة، واعتمدوا – في المرتين – على عقيدة كفرية! فأيهما أكثر شذوذاً: الإسماعيلية؟ أم الاثنا عشرية؟

وما اختلفوا فيه بعد ذلك فتفصيلات فرعية لا تعنينا. إن حاويات القمامة حاويات قمامة على رغم اختلافها في تفاصيل أنواع القذر. لكن لا ينبغي أن نسد أنوفنا عن حاوية الحي التي تضخمت حتى صارت مأوى للثعابين والبزازين، مركزين أنظار المساكين على حاوية يقال: كانت هنا قبل ذلك بسنين!

عصمة الشيعة باختصار

أرجو أن يسمح لنا الدكتور بدقيقتين من وقته ليقرأ هذه العجالة:

جاء في كتاب (الاعتقادات في دين الإمامية: ص70) لـ(رئيس المحدثين) عند الشيعة الاثني عشرية محمد بن علي بن بابويه القمي الملقب عندهم بـ(الصدوق)، وهو صاحب أحد الكتب الأربعة التي قام عليها دينهم: (اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر).

كيف يسكت، ويدافع عن هذه العقيدة التي تكفر أهل السنة جميعاً، والتي قام عليها إجماع علمائهم وجهلائهم؟!!

قال المجلسي في كتابه (حق اليقين: ص39): الشرط الثاني في الإمام أن يكون معصوماً. وإجماع الإمامية منعقد على أن الإمام مثل النبي صلى الله عليه وآله معصوم من أول عمره إلى آخر عمره من جميع الذنوب الصغائر والكبائر. والأحاديث المتواترة على هذا المضمون واردة.

ويقول جزار براثا جلال الدين علي الصغير في كتابه (عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية: ص108): (إن الدليل القرآني ومجموع ما توصلنا إليه يقف إلى جانب أن يكون المعصوم معصوماً حال ولادته). واحتج لما يقول بعيسى ويحيى عليهما السلام.

ويقول ابن بابويه القمي (الاعتقادات في دين الإمامية: ص91): (اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمة أنها موافقة لكتاب الله متفقة المعاني غير مختلفة لأنها مأخوذة عن طريق الوحي عن الله سبحانه، ولو كانت من عند غير الله لكانت مختلفة).

ويروي الكليني (أصول الكافي:1/196-197): (عن أبي عبد الله (ع) قال: ما جاء به علي (ع) آخذ به وما نهى عنه انتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى الله عليه وآله، ولمحمد صلى الله عليه وآله الفضل على جميع من خلق الله عز وجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله. كان أمير المؤمنين (ع) باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وسبيله الذي من سلك بغيره هلك وكذلك يجري لائمة الهدى واحدا بعد واحد … وكان أمير المؤمنين كثيراً ما يقول … ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي: علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني).

أئمة الشيعة أفضل من الأنبياء

أما تفضيل الشيعة الاثني عشرية (الأئمة) على الأنبياء عليهم السلام فعقيدة مجمع عليها كذلك بينهم. وأظن الدكتور العوا يكفيه قول الخميني الآتي في كتابه (الحكومة الإسلامية: ص47)، فلا يجشمنا الاستشهاد بغيره من المصادر المعتمدة للشيعة: (إن من ضروريات مذهبنا أنه لا ينال أحد المقامات المعنوية الروحية للائمة حتى ملك مقرب ولا نبي مرسل كما روي عندنا بأن الأئمة كانوا أنواراً تحت ظل العرش قبل تكوين العالم … وأنهم قالوا: إن لنا مع الله أحوالاً لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهذه المعتقدات من الأسس والأصول التي قام عليها مذهبنا)([2]).

وهذا فرع عن عقيدتهم المتفق عليها عندهم أن منصب (الإمامة) أعلى من منصب النبوة والرسالة. وأن النبي لا يكون إماماً – وقد لا يكون أبداً – حتى يترقى ويتدرج في سلم المراتب ليكون إماماً! وفي ذلك يروي الكليني (أصول الكافي: 1/175) عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً . فلما جمع له الأشياء قال : (إني جاعلك للناس إماماً) قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال: (ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين).

هل الدكتور سليم يعرف هذا؟ أم يجهله؟

إن الدفاع عن الشيعة الاثني عشرية بهذه الصورة الغريبة من الأستاذ العوا وغيره من المتكلمين – بعلم أو بغير علم – في هذا الشأن، لا فائدة منه، ولا نتيجة إلا حجب الحقيقة عن عامة الناس. وهذا يؤدي – بطبيعة الحال – إلى وقوع الكثيرين منهم في شرك التشيع، وزيادة عدد الشيعة في البلدان التي قد عافاها الله تعالى منهم. فإن كانت نسبة الشيعة اليوم في مصر لا تتعدى الـ(1٪)، فربما ارتفعت بعد حين فصارت (5٪) أو أكثر! عندها سيدّعون – كما هو ديدنهم، والمملكة السعودية مثال شاخص – أن نسبتهم (30٪) أو أكثر. وليس بعدها إلا الفتن.

فهل تتحمل وزرها يا دكتور؟! والله تعالى يقول في مثلها: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). وقد أخذ الميثاق على أهل العلم فقال: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتابَ لتبيننه للناس ولا تكتمونه).

ما الذي استفادت الأمة من فتوى الشيخ شلتوت غفر الله له في تصحيح مذهب الشيعة؟ سوى أن الشيعة اعتبروها صك توثيق في تمشية مذهبهم أو – بالأحرى – دينهم بين العوام. أما كفانا واحدة، واثنتان وثلاثة و… عشرة؟!

لا.. يا دكتور سليم!

اتق الله وتدبر قوله تعالى: (إنَّ الذينَ يكتمونَ ما أنزلنا من البيناتِ والهُدى من بعدِ ما بيَّنّاهُ لِلنّاسِ في الكتابِ أولئكَ يلعنهمُ اللهُ ويلعنُهمُ اللاعنونَ * إلا الذينَ تابوا وأصلحُوا وبيَّنُوا فألئكَ أتوبُ عليهمْ وأنا التوابُ الرَّحيمُ).

اللهم تب علينا وعلى محمد سليم، واهدنا سواء السبيل، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

___________________________________________________________________________________________

  1. – روى الكليني (أصول الكافي:1/327) عن أبي الحسن (علي الهادي) قال: بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له كما بدا الله في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله ، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون.
  2. () الحكومة الإسلامية، روح الله الخميني، ص47-48 ، تقديم وتعليق د. محمد أحمد الخطيب، دار عمار، عمان، الطبعة الأولى، 1988

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى