مقالات

الهولوكست السني والمقابر الجماعية في المحمودية

مقابر جماعية متعددة

1101

تحدثت الأخبار المنقولة على بعض القنوات الفضائية منذ يومين أو ثلاثة – ومنها قناة بغداد – موثقة بالصور، وأفادني مصدر موثوق من موقع الحدث أن مقابر جماعية متعددة اكتشفت في قضاء (المحمودية) على إثر القتال الناشب بين الحكومة والتيار الصدري، ومطاردة القوى الأمنية مدعومة بالقوات الأمريكية عناصر مليشيات (جيش المهدي) التابعة للتيار بقيادة مقتدى الصدر. وأخبرني المصدر المذكور أن أغلب الجثث عثر عليها في البيوت المحيطة بمكتب الصدر في بداية الحي العسكري الواقع عند المدخل الجنوبي للمدينة، منها (9) جثث في باحة مسجد (محمد الأمين) الذي يبعد عن المكتب أمتاراً معدودة، والذي عطلت الصلاة فيه منذ أكثر من سنة. وجثث كثيرة عثر عليها في مكب النفايات الكبير الواقع في الساحة المقابلة للمكتب. وأضاف المصدر: “إن الجهات المسؤوولة تتحدث عن مئات الجثث، والعدد مرشح لأن يصل إلى (1000) جثة، نصفها تعود لضحايا من أهل المحمودية، والنصف الآخر جلبته المليشيات من خارجها”.

علماً أن أغلب مساجد أهل السنة في المحمودية معطلة. منها ما هو مغلق تماماً مثل جامع (التيسير) في (حي الجزائر) المقابل للحي العسكري، إضافة لجامع (محمد الأمين)، وجامع (مائدة الرحمن) في (مجمع حطين) للعمارات السكنية، وجامع (عمرو بن العاص) عند طرف (مجمع القعقاع). أما (جامع المحمودية الكبير) في وسط المدينة فليس فيه إلا الحراس، يؤذنون فيه ويصلون وهو مغلق. وكذلك جامع (المصطفى) في (حي 17 تموز) .وشبيه بهما جامع (الرحمن) في الطرف الآحر (لحي 17 تموز). أما جامع (14 رمضان) عند مدخل المدينة الشمالي فقد انخفض فيه عدد المصلين بحيث لم يعد يصلي فيه يوم الجمعة أكثر من صفين، بعد أن كان يمتلئ بالمصلين ويفيض إلى الرواق، وأحياناً إلى الحديقة الخلفية! والرايات الشيعية ترفرف فوق منارة المسجد، وعلى جدرانه الخارجية.

هذا والمليشيات إلى أيام قليلة كانت تسيطر على القضاء، وتختطف أي شخص سني يتجرأ على المرور من وسطها. ولا زال المستشفى العام مسيطراً عليه من قبل هذه المليشيات! ولم يبق معلم لأهل السنة في المدينة إلا ومحي أو غير، أو استولى عليه الشيعة، حتى مقر الحزب الإسلامي المشارك في الحكم والعملية السياسية احتله الجيش الحكومي الشيعي، وطرد منه كادره الحزبي. يجري هذا في قضاء كبير، يقرب عدد سكانه من (400000) نسمة، لا يشكل الشيعة فيه نسبة تزيد على (8%) يتركز معظمهم في مركز القضاء. الذي لا يبعد عن العاصمة بغداد أكثر من (25) كم إلى الجنوب منها.

كل شيء يجري أمام أنظار الحكومة

هذه الجرائم البشعة ارتكبت وترتكب أمام أنظار المؤسسة الحكومية في المدينة، بما فيها القوى الأمنية، وبمباركة منها. فالمليشيات تخطف وتقتل وتعتقل وتصول وتجول بملابسها المميزة، وتنطلق سياراتها من المكاتب التابعة للتيار الصدري، ومن الحسينيات التي تحولت إلى أوكار للموت والتعذيب، وتخزين الأسلحة، ومراكز انطلاق لنشر الجريمة المنظمة، وعلى مرأى ومسمع الجميع! وإذا كان كثير من الضحايا جلبوا من خارج القضاء، فلا شك أن هذا يتم – على الأقل – بعلم السيطرات الأمنية التي تحكم منافذ المدينة، التي ما عاد أحد من أهل السنة يتمكن من دخول سوقها منذ حوالي سنتين! وبعلم الحكومة، ولم تنفع كل المحاولات التي بذلتها العشائر والصحوات والجهات السياسية السنية في كسر الطوق المفروض عليها من قبل الشيعة ومليشياتهم. ولم نسمع أن جهة شيعة واحدة استنكرت هذا الذي يجري، وسعت إلى إزالته، سوى حركات ماكرة من منظمة بدر تريد منافقة ما تبقى من أهل السنة لجرهم إلى صفهم في الصراع الدائر بينهم وبين الصدريين، والذي يهيج ويخبو على طول الفترة الماضية، حتى بلغ قمته هذه المرة. وإلا فهم وجيش المهدي في الجريمة والوحشية سواء.

ونحن نسأل: أين كانت أجهزة الشرطة، والجيش، والجهاز الحكومي والمسؤولون جميعاً من هذه الجرائم؟ ومن المليشيات طيلة الفترة الماضية؟

ثورة ؟ أم فورة ؟

لقد ظهر الأخ حارث العبيدي عضو مجلس النواب عن جبهة التوافق، وكذلك الأخ عمر هيكل الجبوري مسؤول مكتب حقوق الإنسان التابع لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ظهرا على قناة بغداد، وتكلما كلاماً قوياً يتناسب وحجم الجريمة، وهما يطالبان بإحالة المسؤولين المذكورين إلى التحقيق، ويقولان: لن نسكت ولن نتراجع حتى يتم التحقيق ومحاكمة الجناة، ويعود الحق إلى أهله. ويعلنان رفضهما الاكتفاء بطرد العناصر التي يقال إنها غير صالحة.

وأنا أشد على أيديهما، وأبارك لهما غيرتهما الإسلامية، وغضبتهما السنية. ولكن أخشى أن تكون فورة سرعان ما تزول. كما سبق الكثير مثلها: مجزرة العامرية، وبقية المجازر، خطف الدكتور علي المهداوي واختفاؤه من داخل وزارة الصحة، اغتصاب صابرين، التي لم يكتف المالكي بالاستهانة بمطالبة جبهة التوافق بمحاكمة الجناة، حتى أعلن بعد سويعات قليلة براءة المتهمين بالجريمة وتكريمهم، في إصرار فارسي وقح على الاستهتار بكل القيم والقوانين!

استغلال الحدث أهم من الحدث

ألا إن استغلال الحدث أهم من الحدث. فالحدث – سواء كان نعمة أم نقمة – إن لم يستغل بالاتجاه الصحيح فهو – على كلا التقديرين – نقمة. والناظر في حركة الحياة يجد أن كل محنة تحمل في أحشائها منحة، وكل منحة تخفي في طياتها محنة. ما لم يعمل الممتحن بما يواجه به الامتحان.

استغل اليهود الهولوكوست النازي فأقاموا دولتهم اللقيطة في فلسطين. وادعى الشيعة – وكذلك الأكراد – لهم هلوكوستاً مشابهاً، زادوا فيه ونقصوا وزوروا وطبلوا؛ ليقيموا حكومتهم اللقيطة. ونحن – أهل السنة – في وسط الهولوكوست، ومنذ خمس سنين؛ فهل نحن قادرون على أن نثبت أننا نستحق الحياة.

لقد قلت قبل ثمانية أعوام في كتاب لي لم ينشر لحد الآن: “يقول الأستاذ محمد قطب: اليهود لا يصنعون الفرص وإنما يستغلونها. ولقد بت أقول: إن أهل السنة لايحسنون اصطناع الفرص، ولايحسنون استغلالها. وحرب ثماني السنوات بيننا وبين إيران شاهد صدق على موهبتنا التي لا نحسد عليها في تضييع الفرص”! فهل ثمة أمل في تكذيب هذه المقولة، وإزاحتها من طريق الحياة؟!

هل نحن بصدد حقبة جديدة ؟

قبل خمسة أشهر فقط كتبت على الموقع مقالة بعنوان (اختلاف الحرامية وإرهاصات النهاية) جاء في آخرها: “نعم لقد اختلف الحرامية.. وظهرت السرقة. وإنها بداية النهاية لهم، ولمشروعهم الإجرامي. ليس الحرامية الصغار في العراق فقط، وإنما أسيادهم، ورؤساء العصابة اللاعبون الكبار منهم: الشيطانان الأصغر والأكبر: أمريكا وإيران. وصدق الله تعالى إذ يقول فيهم وفي أمثالهم: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم). ورحم الله تعالى شيخ الإسلام ابن تيمية يوم قال عنهم قبل سبعة قرون ونيف : (ليس لهم عقل ولا نقل ، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة)”.

وفي رمضان الماضي قلت لمن حولي: لقد انتهى عهد، وبدأ عهد جديد. أرى أن المشروع الإيراني في العراق بدأ بالترنح، والتوقف؛ فأبشروا واستبشروا، ولكن تذكروا أنه لا بد من العمل في حالتي المحنة والمنحة؛ فإن قوانين الحياة لا ترحم العاطلين.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى