مقالات

الهيئة ومقتدى .. وقصة طْعَيلُو والسُّعْـلُوَّة

اااes

سقياً لأيام الطفولة..

وسلاماً لمجالس السمر في أمسياتها الجميلة.. أيان كنا نتحلق حول الموقد الشتوي، أو نرقد متلفلفين بأغطيتنا الكثيفة، والظلام يلفنا بردائه، أو ننظر إلى القمر مستلقين على أقفيتنا في ليالي الصيف وساعاتها القصيرة الساحرة، وصوت محبب من بين الكبار يقص علينا قصصاً طالما كررها علينا دونما أن نحس منها بالملل، بل كنا نستعيدها منه في كل مرة بأسمائها نقول: نريد قصة هَجَر الحنفيش، أو قصة فاطمة خان، أو محمد نين، أو حدَيدان. ومن هذه القصص التي لا زلت أذكرها بتفاصيلها قصة (طعيلو والسعلوة). والسعلوة في أدبنا الشعبي وحش خرافي يستطيع أن يتصور بصور شتى يخفي بها شخصيته الحقيقية.

تذكرت القصة وأنا أستمع إلى جواب الشيخ عبد السلام الكبيسي نائب الأمين العام “لهيئة علماء المسلمين” عن سؤال وجهه إليه مقدم البرنامج على قناة الشرقية قبل أيام حول علاقة الهيئة بمقتدى.

(طعيلو) يا أولادي رجل فقير مغفل، ذو عائلة كبيرة مكونة من زوجة وبنات. ذهب في طلب الرزق يوماً فعاد إلى أهله بسعلوة ظنها أخته، والدليل أنها هي قالت له: أنا أختك. صارت السعلوة تطعم عائلته أنواع الطعام تبغي تسمينهم من أجل أن تأكلهم في قابل الأيام. وفي إحدى المرات دخلت ابنته على (عمتها) المزعومة دون علمها فوجدتها على صورتها الحقيقية تأكل جثة رجل عجوز! فصرخت مرتعبة وولت هاربة، فلحقت بها (العمة) تريد إسكاتها فأمسكت بها وقبلتها من خدها، لكن أسنانها كانت لا تزال بارزة كالمشط فجرحت خدها جرحاً بليغاً، عالجته بقطعة ذهب. ولما رجع طعيلو أسرت إليه امرأته أن اخته ليست أكثر من سعلوة، وأبرزت له الدليل الجرمي خد ابنته الجريح المرقع بالذهب؛ فعليه أن يتدبر الأمر بسرية وحبكة للخلاص من هذه المصيبة. لكن الشاطر طعيلو صاح بأعلى صوته: “يا اختي..! يا اختي..! صحيح انت سعلوة”؟ ويأتيه الجواب باكياً متمسكناً: “لا يا أُخَي! لا تصدق امرأتك؛ إنها تكرهني، تريد أن تفرق بيني وبينك”.

والقصة طويلة تكشف فيها السعلوة بعد مدة عن صورتها الحقيقية، وهي تأمر طعيلو أن يذبح لها بناته الثمانية الواحدة تلو الأخرى. لكن امرأته تتمكن من النجاة هي وبناتها بحيلة، وتهرب في ليلة مظلمة ليبقى الشاطر طعيلو وحده تأكله (أخته) الحبيبة على تمهل عضواً عضواً بعد أن تترك له الحرية في اختيار العضو الذي يرغب في أن تأكله أولاً…

بقيت فترة من الزمن اعتقد أن هذه القصص إنما تؤلف للتسلية المحضة، ولم أدرك أن وراءها عقلاً حكيماً عميق الفكرة إلا بعد أن صرت أرى مشاهد القصة تمثل أمامي على مسرح الحياة.. مرات ومرات!

مما قاله الشيخ الفاضل الدكتور عبد السلام الكبيسي: “كانت هناك اعتداءات على جامع محمد فندي الكبيسي وجامع محمد رسول الله، اتصل بي شخصياً أحد أقطاب التيار في الكاظمية وأقسم لي بالله أن الذي أخذ المسجد والذي ضرب جامع محمد رسول الله ليس نحن وإنما هناك جهات سماها لكي توقع بيننا وبين إخوتنا من أهل السنة، وإن كنا نحن على ثقة من الهيئة (هذا معنى الكلام مقرباً قدر المستطاع إلى نصه لأن بعض العبارات مفككة ومضطربة وغير مكتملة).

هل يعقل أن جانياً مجرماً مسرفاً في الإجرام يسأل عن جريمته: هل هو الفاعل أم لا؟ فإذا أنكر، وأقسم على ذلك (خلص) قضي الأمر، ورفعت الجلسة، وأغلق المحضر بتبرئة المتهم، رغم كل الدلائل الصارخة التي تنادي بمسؤوليته المباشرة عن الجريمة! اللهم إلا على قانون (طعيلو والسعلوة). فكيف إذا كان المجرم شيعياً تسعة أعشار دينه “التقية” – أي الكذب – وهو يتقرب إلى الله بقتل (النواصب والوهابية والتكفيرية) أي أهل السنة، بلا أدنى خلاف فقهي حول هذا الحكم على اختلاف مراجعهم وفقهائهم؟! فكيف إذا كان قطباً من أقطابهم، وفي الكاظمية؟!!

هذا يا صاحبي! (سُعْلُـوٌّ) كبير.. وكبير جداً..!

وجريمة جيش المهدي لم تقتصر على جامع فندي الكبيسي أو جامع محمد رسول الله، ولا عشرة جوامع، ولا عشرين، حتى يمكن سترها بقسم أو إنكار. لقد فاقت هذا العدد بكثير.. كثير جداً جداً..! وأما القتل فقد بلغ عشرات الألوف، والمتهم الثابتة في حقه التهمة جيش المهدي والتيار الصدري، وعلى رأسه قائده (الأخخ مقتدى) الوطني إلى حد العظم.

إن هذا يذكرني بصنيع الأمريكان حين يعلنون على الملأ أنهم يحاكمون جندياً من جنودهم

بتهمة قتل شخص أو عائلة، وتعقد لذلك محكمة يشهدها قضاة ومحامون ومحلفون، ويحضرها صحفيون وإعلاميون. حقاً إنها مهزلة. نعم! وكأن احتلال بلد بكامله وتدميره واعتقال عشرات الألوف من أهله، وقتل أضعاف هذا العدد من أبنائه، كل هذا ليس بجريمة، إنما الجريمة، التي تقبل المناورة والتحقيق، وقد تثبت أو لا تثبت، لا سيما إذا كان ثمة قسم

أو إنكار، هي عندما يقتل شخص أو شخصان، أو يهدم مسجد أو مسجدان! فقط لا غيرها!

قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تغتتفرْ وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظرْ

وفي اللقاء نفسه قال الشيخ الفاضل: “اجتمعت مع السيد مقتدى وقال بأنهم لن يصوتوا بنعم للدستور، لكنهم صوتوا للدستور”. فالشيء نفسه فعله معك القطب الكاظمي حينما أقسم لك أيها الشيخ! كلاهما صدر من مخرج واحد.

نائب الأمين العام للهيئة يدافع عن جيش المهدي…!!!

عجبت أشد العجب وأنا أستمع إلى الشيخ وهو ينكر على الحكومة ما فعلته بجيش المهدي، ويصف الفعل بأنه لا يفعله أحد من المسلمين! قائلاً: “هم أرادوا أن يدفعوه لأن يظهر وتظهر قياداته، فعندما ظهر فعلاً هو وقياداته (…) بين عشية وضحاها، وأوذي إيذاءً لا يقبل به مسلم على مستوى من هم لم تتلوث أيديهم بدماء العراقيين”. لا يخفى على القارئ – خصوصاً من يسمع التسجيل – ما في العبارة من إبهام وتردد وضعف صياغة، تعبر عن اضطراب داخلي. فالمتكلم يريد أن يمسك بالعصا من الوسط: فلا هو يريد أن يتهم جيش المهدي وقيادته العليا اتهاماً واضحاً؛ حتى لا يخسره، ولا هو يقوى على تبرئته حتى لا يخسر الآخرين. والحقيقة أنه خسر الجميع. فالقوم لا يرضون بالحلول الوسط، حتى يتبع ملتهم كاملة غير منقوصة. والآخرون لا يرضون بهذه الضبابية في الموقف مع مجرمين كجيش المهدي، بل لا يتوقعون من شيخ معمم أن تنزل به (السياسة) إلى هذه الدرجة فيبرئ مقتدى وجيش المهدي والتيار الصدري من دماء العراقيين وأهل السنة منهم على الخصوص ومساجدهم وأمنهم وخبزهم، ويلصق كل تلك الجرائم بحفنة من المحسوبين على التيار! إن هذه الجرائم يتحملها – أول من يتحملها – رئيس التيار (الأخ مقتدى) الوطني إلى حد العظم، والزمرة التي معه. ثم تتسلسل المسؤولية من بعد.. حتى تصل إلى المنفذين المباشرين، الذين هم ربما أخف المتهمين جريمة، وليس العكس.

هل انقطاع الصلة بسبب العملية السياسية ؟

ربط الشيخ مسألة تجميد العلاقة مع التيار الصدري بموضوع دخوله العملية السياسية وموافقته على الدستور. ونحن نعجب كيف لا تكون جرائم التيار، وهي بهذا الحجم والنوع، دافعاً لأن تقطع الهيئة علاقتها به؟!!! مع أن هذا هو درجة (أضعف الإيمان) التي يجنح إليها المغلوبون على أمرهم والمستضعفون. حتى يكون الدافع لذلك موافقته على الدستور، ودخوله العملية السياسية!!! وهذا الأمر هو ما صرح به مسؤول الإعلام في الهيئة الدكتور مثنى الضاري، قبل مدة على قناة الجزيرة، واعتبره السبب الوحيد لتغير العلاقة. فبربكم أي السببين أكبر كبيرة، وأعظم جريرة؟!!!

ثم إن هذا مخالف للحقيقة..!

إن مقتدى الصدر دخل العملية السياسية منذ قيام حكومة الجعفري في أول سنة (2005)، وكان له فيها وزراء وأعضاء في مجلس النواب. ولما جرت الانتخابات الأخيرة في (15/12/2005) خاضها التيار الصدري علانية، وكان هو وراء نجاح قائمة الائتلاف التي أجرمت بحق أهل السنة، ووزير الداخلية بيان جبر صولاغ (أبو الدريل) أحد أعضائها. وعندما تشكلت الحكومة برئاسة نوري المالكي كان الصدريون يحتلون (30) مقعداً في مجلس النواب، أحدهم (بهاء الأعرجي)، وهو الذي ترأس لجنة صياغة الدستور. كما إن لهم ستة وزراء في الحكومة. هذا كله جرى قبل أن تبدأ العلاقة بالفتور ثم الجمود، وليس الانقطاع. وظلت الهيئة تدافع عن التيار الصدري، ولا تريد أن تعترف بخطئها في توثيقه وتصديره إلى الآخرين في الداخل والخارج، وفي ذلك ما فيه من تغرير وظلم وخسارة، إلى زمن متأخر من سنة (2006)، وينسبون أفعالهم الإجرامية إلى أمثال (أبي درع) والخارجين عن سيطرة مقتدى. هكذا كانوا يقولون، علماً أن هذا ينفيه مقتدى نفسه، ولا يقر بأن ثمة مجموعة من تياره خرجت عن أوامره، كما جاء في لقائه الأخير مع الإعلامي (غسان بن جدو) على قناة الجزيرة في آذار/2008 قبيل المعارك التي دارت بين أتباعه وبين الحكومة. ولم تجمد العلاقة بين الهيئة وبين مقتدى لأي سبب سوى أن الأمر هو الذي فرض نفسه فصار واقع حال لا مهرب منه؛ جراء حجم الجرائم التي اقترفها جيش المهدي؛ بحيث لم يعد أحد كائناً من كان يستطيع الدفاع عنه وعن مقتدى ولو بكلمة أو إشارة. ومع كل هذا لم تجرؤ لا الهيئة – ولا غيرها من أهل السنة – لتعلن مقاطعتها لمجرم حرب من طراز مقتدى. بل إن مقتدى هو الذي تنمر فأعلن أنه لن يتعاون مع (حارث الضاري) حتى يعلن براءته من

القاعدة والتكفيريين والصداميين.

هذه هي الحقيقة. فلا عملية سياسية، ولا هم يقاطعون.

5

السعلوّ يكشر عن أنيابه في وضح النهار

هذا وفي الوقت الذي تحاول الهيئة جاهدة التقرب فيه من مقتدى وتياره وجيش المهدي وأنصاره، يخرج علينا مقتدى قبل أيام بـ”وثيقة عهد وبيعة” ممهورة ببصمته مغموسةً بالدم، يعلن فيها عداءه المقيت لأهل السنة باسم (النواصب) ويقرنهم بـ(أعداء الله ورسوله)! ويطلب فيها من العراقيين مبايعته على ذلك.

أيها القوم! لم تظهر أسنان مقتدى من فكيه كالمشط فحسب، بل ظهر على حقيقته التي هو عليها (سُعلُـوّاً) كبيراً (يشحط) بأنيابه جثث شبابنا وشيبنا يتأكلها في وضح النهار، دون أن يحتاج إلى ترقيع خدودنا بذهب ولا تنك، ولا حتى خرقة متهرئة.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى