مقالات

قراءة في بيان الشيخ القرضاوي ..عن هجوم وكالة أنباء ( مهر ) الإيرانية ضد شخصه الكريم

 

22

على موقع فضيلة الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبتأريخ 17/9/2008 قرأت بياناً للشيخ يرد فيه على وكالة أنباء (مهر) الإيرانية شبه الرسمية التي شنت هجوماً عنيفاً على شخصه، في 13 من رمضان 1429هـ الموافق 13 سبتمبر 2008م، تجاوزت فيه كلَّ حدٍّ، وأسفَّت إسفافا بالغا لا يليق بها – على حد تعبير الشيخ – بسبب ما نشرته صحيفة (المصري اليوم) من حوار معه تطرَّق فيه إلى الشيعة ومذهبهم. فكان هذا البيان رداً على الوكالة المذكورة وعلى بعض علماء الشيعة الذين كان الشيخ – كما ورد في البيان – يحسبهم على المعتدلين. منهم محمد حسين فضل الله، ومحمد علي التسخيري نائب الشيخ القرضاوي في رئاسة (الاتحاد). وفي قراءتي للبيان وددت التوقف عند بعض الأمور المهمة منها:

استنكار التهجم على مشايخنا

إن الشيخ القرضاوي من كبار علماء المسلمين، الذين لهم وزنهم وسبقهم وجهودهم الكبيرة والمتنوعة في نصرة الدين والانتصار للمسلمين. ولو تعرض أي عالم من علماء الشيعة إلى بعض ما تعرض له القرضاوي في الهجوم المذكور لأقام الشيعة الدنيا ولم يقعدوها، فضلاً عن تعرض عالم لهم بوزن القرضاوي، ولا أرى أن فيهم مثله ولا يبلغ حقويه. ودعوكم من الدعاوى والألقاب والعمائم الخاوية. فأنا أدعو علماء الأمة والهيئات والأشخاص المعنيين إلى استنكار ما حصل لفضيلة الشيخ العلامة من طعن وتجريح وتشهير، ورفع دعاوى – إن أمكن ذلك قانوناً – ضد الجهات المهاجمة، ومطالبتها بالاعتذار والكف عن مثله مستقبلاً. أقول هذا وإن كان هناك اختلاف معه في قضايا مهمة يأتي على رأسها موقفه من الشيعة، الذي أثبتت الأيام له – وستثبت أكثر – ما هو الموقف الأصح الذي ينبغي أن يقفه منهم؛ فإن الصدمات تولد المراجعات خصوصاً من قبل شيخ جليل كالشيخ العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله.

الصف السني غير محصن وتقصير العلماء في واجبهم تجاهه

أشكر الشيخ القرضاوي على تصريحه بالحقيقة الخطيرة، والعلة المريرة: (ليس لدى السنة أيَّ حصانة ثقافية ضدَّ الغزو الشيعي). وعلى اعترافه بالحقيقة الخطيرة المريرة الأخرى، وهي أن الأطباء مقصرون في العلاج قائلاً: (فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية). وذكره السبب وراء هذا التقصير: (لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفاً من إثارة الفتنة، وسعياً إلى وحدة الأمة). وهذا دليل على أنه من الخطأ الجلل التقصير في تحصين الأمة ضد خطر الشيعة، وأن هذا التبرير الذي كانوا يلوذون به غير صحيح، وأن وحدة الأمة لا تكون بإخفاء العلل عنها، والسماح لدعاة الفتنة بالدخول إليها لزيادة تمزيقها؛ فأن هذه هي الفتنة، التي قال الله عنها: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا). وقد قلنا هذا من زمن بعيد، كنا نعجب فيه من أمثال الشيخ الفاضل كيف يغضون الطرف عن هذا الخطر؟! بمثل هذه الحجج؟! التي لا تزيد الفتنة إلا اشتعالاً، والأمة إلا تمزقاً وافتتاناً.

فشل ستراتيجية المداراة مع الشيعة

إن هذا يثبت – بما لا يدع مجالاً للشك – أن الشيعة مهما جاملتهم، وداريتهم، فلن ينفع ذلك معهم، وأن هذا ليس هو الطريق. وأنه سيأتي يوم لا بد أن ينفجروا بقيحهم وقيئهم ضد كل صادق تتعبه طول المداراة وهو لا يرى إلا التراجع فيقول الحقيقة. وفيهم يصدق قوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). ولنعتبر بالخليفة المأمون، والخليفة المستعصم، والسلطان عبد الحميد، والرئيس صدام حسين. وأما العلماء فاعتبروا بسبط ابن الجوزي، كيف كان يداري الشيعة؟ ثم لما قدروا عليه وضعوه في جوالق ورفسوه حتى مات في حفلة القتل الجماعي التي أقاموها للخليفة المستعصم يوم أدخلوا عليه المغول.

ليس في الشيعة علماء معتدلون

يقسم الشيخ يوسف القرضاوي علماء الشيعة إلى صنفين: أحدهما يسميه بـ(المعتدلين)، وذكر منهم محمد فضل الله ومحمد التسخيري. وهذا التقسيم لو ذكره عن عوام الشيعة لكان له وجه حق؛ ففي عوامهم قلة يمكن وصفها بهذا الوصف. أما العلماء فليس فيهم معتدل على الإطلاق. وما يظهرونه من (الاعتدال) ودعوى (التقريب) إنما هو على طريقة (تعدد أدوار ووحدة هدف)، يخدعون عوام الأمة ونخبها غير المطلعة على عقلية الشيعة وطرقهم وحيلهم، ونحن نربأ بالعلامة القرضاوي أن لا يكون على علم بهذه الحقيقة. سوى أنه ربما يؤمن بالمبدأ السياسي الذي يدّعيه بعض المتسايسين يقولون: نريد بذلك أن نشق صف الشيعة. والحقيقة أن علماء الشيعة ليسوا عن هذا غافلين. وليسوا حمقى إلى هذه الدرجة. وهم أذكياء إلى حد أنهم يعملون على المبدأ السياسي نفسه بحيث يصدرون أنفسهم وأفكارهم إلى داخل الصف السني غير المحصن عن طريق الفريقين من علمائنا: المتسايسين من الذين يعلمون، والمسيسين من الذين يهرفون بما لا يعرفون. الذين عجزوا عن تحقيق غايتهم تلك؛ بسبب قوة تحصين الصف الشيعي ضدهم. أو ربما يكون دافع الشيخ لذلك هو (الخوف من إثارة الفتنة، والسعي إلى وحدة الأمة). وقد أشار مشكوراً إلى فشل هذا الدافع.

وأذكر الشيخ الفاضل بما لا يجهله فأقول: لا يوجد عالم من علماء الشيعة لا يؤمن بمبدأ (الإمامة). وهذا المبدأ يلزم صاحبه حتماً بتكفير من لا يؤمن به. وأولهم الصحابة. وإذا رأيت مثل هذا العالم فإنه يستعمل (التقية) ولا بد. فأين الاعتدال مع هذه العقيدة؟! إن حسين فضل الله يقول بعدم قبول أعمال المتعبد بغير مذهبه. والتسخيري مسؤول كبير في دولة تتعمد دائماً وأبداً مخالفة الأمة في صيامها وأعيادها وجميع توقيتاتها. فإن كان صادقاً فيما يدعيه فليقنع حكومته بالكف عن هذه المخازي. وإلا فهو وصاحبه وأمثالهم كاذبون فليذهبوا ينفقون بضاعتهم في غير سوقنا. وها قد تبين أن هذين (المعتدلين) غير معتدلين، ولا منصفين، وقد هاجما الشيخ هجوماً مقذعاً استعملا فيه الكذب، واستعملا فيه جحود الحق والفضل! فأين الاعتدال؟ هؤلاء – أيها الشيخ الفاضل – هم (معتدلو) الشيعة، ولا معتدلين غيرهم. نرجو أن تقف عند هذه الحقيقة فإذا اقتنعت بها وتبين لك بطلان فكرة الاعتدال هذه، كما تبين لك بطلان السكوت عن خطر الشيعة بحجة عدم إثارة الفتنة، وطلب وحدة الأمة، فأملنا بشجاعتك وإيثارك الحق أن تبينها للناس كما بينت الأولى. وهذا هو خلق علمائنا الربانيين، ومشائخنا العارفين. وأنت منهم إن شاء الله.

ليس كل تكفير من شأن الغلاة

يصف الشيخ القرضاوي الذين يكفرون الشيعة بأنهم (غلاة) و(غير معتدلين). ونرى أن هذا الوصف ليس بصحيح. ولو خفف قليلاً وقال بأنه رأي معتبر يخالفه كان أقرب إلى الحق، وأكثر جمعاً لصف المسلمين؛ فإن القائلين بهذا القول ليسوا قليلين في أهل السنة، ولا يقولونه دون مستند؛ فلا يصح وصفهم بأنهم غلاة: لا نظراً إلى الخطاب الشرعي، ولا نظراً إلى المصلحة التي ينبغي أن تراعى، وقد راعى الشيخ ما هو دونها من عدم السعي في تحصين السنة ابتغاء لمصلحة تبين أنها موهومة. علماً أنني لست هنا في مقام إثبات تكفير أحد من عدمه. هذه مسألة أخرى. إنما موضوعي هو: هل من قال بتكفير الشيعة يصح وصفهم بـ(الغلاة) و (غير المعتدلين)؟ فأرجو عدم التشويش وخلط الأوراق من قبل بعض القراء الذين يفهمون كما يشتهون أو كما يتوهمون، لا كما هو مكتوب مما يقرأون. وإذا كان تكفير الرافضة قال به الأئمة الكبار من المذاهب الأربعة، بل هم متفقون على كفر من شتم جمهور الصحابة أو كفرهم معتقداً ذلك.

حتى قال العلامة محمود شكري الآلوسي رحمه الله تعالى: (وقد أجمع أهل المذاهب الأربعة من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة على القول بكفر المتصف بذلك – أي المتصف بسب الصحابة ولعنهم – وما روي عن بعضهم من أن الساب يضرب أو ينكل نكالاً شديداً، محمول على ما كان خالياً من دعوى بغض وارتداد واستحلال وإيذاء، وليس مراده أن حكم الساب مطلقاً ذلك، كما لا يخفى على المتتبع) (صب العذاب على من سب الأصحاب / ص 107).

وقال القاضي عياض: ( وكذلك نقطع بتكفير كل قائل، قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة) (الشفا، فصل؛ في بيان ما هو من المقالات كفر(.

وقال ابن تيمية: (وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم – مثل وصف أحدهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك – فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء. وأما من لعن وقبح مطلقاً، فهذا محل الخلاف فيهم؛ لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول لله إلا نفرا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم. بل من يشك في كفر مثل هذا فكفره متعين؛ فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فسّاق، وأن هذه الأمة والتي هي (خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران:110)، وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاً ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها. وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام. ولهذا تجد عامة من ظهر عنه شيء من هذه الأقوال فإنه يتبين أنه زنديق،وعامة الزنادقة إنما يتسترون بمذهبهم.. وبالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب في كفره، ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من يتردد فيه) (الصارم المسلول ، فصل ، في تفاصيل القول فيهم).

وقال ابن كثير بعد أن ساق الأحاديث الثابتة في السنة، والمتضمنة نفي دعوى النص والوصية التي تدعيها الرافضة لعلي ثم عقب عليها بقوله: (ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته، من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه، ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا. ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادته في حكمه ونصه. ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام) (البداية والنهاية (5/252).

فهل هؤلاء الأئمة الأعلام – وغيرهم من الأئمة الكبار كمالك وأحمد والشافعي، وأمثالهم بالعشرات على هذا القول، بل لم نجد لهم مخالفاً من المعتبرين ممن هو في درجتهم، أو ما يقاربها – هل كل هؤلاء غلاة؟ فمن أخذ برأيهم كيف يصح وصفه بهذا الوصف الشنيع؟ أليس الأولى أن يوصم الشيعة بهذه الوصمة لتكفيرهم الأمة جمعاء. ولا يخالف في ذلك أحد منهم، إلا جاهلاً أو متجاهلاً.

نعم ثمة كلام في شروط التكفير وموانعه، ومدى انطباقه على موارده. وهي مسائل مختلف فيها، وليس لأحد أن ينكر على أحد في مسائل الخلاف حتى يخرج الأمر إلى الوصف بـ(الغلو وعدم الاعتدال).

أرى أن الشيخ حفظه الله قد جانبه الصواب في هذا الوصف كما جانبه في الدفاع عن علماء الشيعة في كونهم لا يقولون بتحريف القرآن. واستدلاله على حكمه هذا بأقوال لعلماء الشيعة قالوها (تقية). والأمر مبحوث ومفروغ منه. ولي رسالة في ذلك منشورة على الموقع.

نظرة في موضوع الاختلاف في الفروع بين الطائفتين

قول الشيخ رعاه الله تعالى: (إن الاختلاف في فروع الدين، ومسائل العمل، وأحكام العبادات والمعاملات، لا حرج فيه، وأصول الدين هنا تسع الجميع، وما بيننا وبين الشيعة من الخلاف هنا ليس أكبر مما بين المذاهب السنية بعضها وبعض. ولهذا نقلوا عن شيخنا الشيخ شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله: أنه أفتى بجواز التعبُّد بالمذهب الجعفري؛ لأن التعبُّد يتعلَّق بالفروع والأحكام العملية، وما يخالفوننا فيه في الصلاة والصيام وغيرهما يمكن تحمُّله والتسامح فيه). فيه مجازفات عديدة. منها:

قوله: (وما بيننا وبين الشيعة من الخلاف هنا ليس أكبر مما بين المذاهب السنية بعضها وبعض)؛ فإن اختلاف الشيعة فيما بينهم أكبر من اختلافات المذاهب السنية فيما بينها. وهذا ما صرح به الطوسي شيخ الطائفة بقوله: (وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام في الأحاديث المختلفة التي تخص الفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث. وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها. وذلك أشهر من أن يخفى، حتى إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك) (العدة في أصول الفقه 1/138). هذا فيما بينهم. فكيف هو الاختلاف فيما بينهم وبيننا؟

ومنها: القول بجواز التعبد بـ(المذهب الجعفري)، فإنه من المقطوع به أنه لا يوجد مذهب لدى الشيعة محرر للإمام جعفر قط. وقد كتبت في ذلك كتابي (أسطورة المذهب الجعفري) المنشور على الموقع.

ومنها: إن قياس الفقه الشيعي على الفقه السني قياس مع الفارق الكبير؛ فلو أخذ المسلم طبقاً لفتوى الشيخ شلتوت بفقه الشيعة فإنه سيقع في إحراجات كثيرة، يقطع بأنها باطلة. خذ مثلاً نكاح المتعة فإنه بناءً على الفتوى بجواز التعبد طبقاً للمذهب المذكور يحل للسني أن يمارس نكاح المتعة. وهو من الباطل قطعاً. ولولا بطلان أساسه لما كان كذلك. وهكذا بقية المسائل الباطلة كدعاء الموتى من دون الله، والطواف بالقبور، واللطم في عاشوراء وغيره، والتطبير، ووجوب قتل أهل السنة، وسلب أموالهم، وأكل ربا البنوك بشرط النية المضمرة بعدم المطالبة به لو امتنع البنك عن إعطائه إياه، أو دفع خمسه مرتين (خمس الفائدة)، وجمع الصلوات، والأذان بـ(علي ولي الله)، ومسح الأرجل، ولعن الصحابة، ومئات المسائل. وهذا من أبطل الباطل. والسبب الذي يدفع أمثال هؤلاء المشائخ إلى مثل هذه المجازفات هو عدم تصورهم لوازمها؛ لأنهم يعيشون في واقع يغلب عليه التسنن، وحرصهم على ما يسمونه (وحدة المسلمين).

لا تفرحوا بإيران

موقف الشيخ من إيران ودفاعه عنها لامتلاكها السلاح لنووي، ووجوب الوقوف معها إذا تعرضت إلى اعتداء، موقف خطير جداً، لا يمكن تفسيره بأحسن من أنه غفلة لا يسلم من مثلها أحد من علماء المسلمين. إيران إذا امتلكت هذا السلاح الخطير فإنها ستخنق به أعناق العرب أولاً وبقية المسلمين ثانياً. ألا تعتبرون بما فعلته إيران بالعراق؟ ومن قبله بالأحواز؟ ما الذي ستفعله أمريكا لو حاربت إيران: هل أكثر مما فعلته إيران بنا نحن أهل العراق؟! فلماذا لا يدعو الشيخ بقية المسلمين للوقوف معنا ضد إيران؟ أليس هذا (ما يجب أن يقوله المسلم في نصرة أخيه المسلم)؟ ما الذي ينتظره أكثر؟ لقد ذبحنا من الوريد إلى الوريد بسكينة (الأخت) إيران، وهجرنا من ديارنا، وسيطر على بلدنا أراذل القوم، ونهبت ثرواتنا، وفي معتقلات الرافضة والصليبيين يرزح خيرة شبابنا ورجالنا، وقد رملت نساؤنا ويتمت أولادنا…! كل ذلك وغيره بفعل إيران مباشرة أو بالدفع والواسطة. كل هذا وعلماؤنا يدعون الأمة للوقوف معها! ويتمنون امتلاكها السلاح النووي! أحتى تصل سكينة الذبح إلى مصر؟! لا يا شيخ! حنانيك شيئاً من التفكر والرحمة بأنفسكم لا بنا؛ فإننا لن نصل إلى أسوأ مما أوصلتنا إليه إيران.

الوقوع في فخ الدفاع بدلاً من الهجوم

أخيراً أرى أن الشيخ الكريم – وهذا أحد الأخطاء الاستراتيجية التي يقع فيها عامة أهل السنة في نقاشهم مع الشيعة – استجاب للفخ الفارسي الذي يجيدون نصبه على الدوام، ألا وهو الهجوم على الخصم وإشغاله بالدفاع عن نفسه. إنهم يجيدون فن قلب الدفاع إلى هجوم. وهذه خطة كل قائد في كسب المعركة: عسكرية كانت أم فكرية. لقد راح الشيخ في جولة طويلة من الدفاع عن قائمة من تهم لا تنتهي. تأمل كيف انتقد الشيخ إيران في نقطتين اثنتين فقط: (سب الصحابة، وغزو المجتمع السني بنشر المذهب الشيعي فيه). لكن انظر كم تهمة وجهها الشيعة إليه؟!!! وكيف أنهم لم يشغلوا أنفسهم بالدفاع عنها إزاء تلكما التهمتين؟!!! وكيف استجاب الشيخ لمكرهم حين جرجروه إلى ساحة الدفاع، وقلما كسب مدافع معركة. بينما كان الأولى به – وهو الذكي اللماح – أن لا يلتفت إلى تهمهم، بل يقف في مكانه ثابتاً يهاجمهم من الثغرتين المذكورتين حتى يهزمهم. إن هذه القائمة الطويلة العريضة من محاضر الدفاع إما موجهة للشيعة فهم لن يصدقوه ولو جاء بجبرائيل شاهداً لما يقول ومعه ميكائيل وإسرافيل! لأن العلة نفسية وليست فكرية؛ فلا داعي لهذا الجهد أن يصرف في غير محله. وإما موجهة لأهل السنة فأهل السنة في غير ما حاجة لكل هذا؛ فإنهم يعرفونه ويصدقونه من أول الطريق.

نتمنى للشيخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي المزيد من التوفيق، وندعو الله تعالى أن يستعمله في الذب عن أهل السنة أمام خطر إيران واختراقها الصف السني غير المحصن بنشر المذهب الشيعي الرافضي فيه.

ليس بعشك فادرجي

شيعي يدعو لإعادة كتابة التأريخ ..!

(1)

21/9/2008

nazar-alhadri

فتحت بريد الرسائل قبل أيام قلائل كما أفتحه كل يوم، ثمة رسالة من صديق فيها خبر عن احتفال للجالية العراقية في العاصمة الأميركية واشنطن، احتفاءً بذكرى مولد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما، والذي يقول الشيعة إنه في يوم (15) من رمضان. أحد المتكلمين في الحفل مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن (نزار حيدر). دعا في كلمته “المسلمين، وخاصة المؤرخين والكتاب والباحثين والمهتمين، إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بضمير المنصف”. والأخ المرسل يسأل عن كيفية الرد عليها؟

قرأت الكلمة فوجدتها – كالعادة – مبنية على جملة من المغالطات المتهافتة، والدعاوى المتناقضة. قلت في نفسي: “إن تهافتها وتناقضها يكفي القارئ رداً عليها، ويكفيني مؤونة نقاشها، وبذل الجهد في تحريك أزرار الحاسبة لإظهار عوارها”. لكنني تذكرت شيخ الإسلام حين كان يرفض الرد على شبهات ابن المطهر الحلي للسبب نفسه، بيْدَ أنه لما ألح عليه من حوله محتجين بانخداع بعض العوام بها، جرد قلمه، وترك لنا رائعته الخالدة (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية). ثم ذكرت أن شبهات نزار هذا – على تهافتها وضعفها – هي أقوى ما عند الشيعة من دعاوى وشبهات عن تأريخنا وتأريخ السادة الأمويين، وغيرهم من تيجان رؤوس الأمة؛ فوجدت الموضوع من هذه الزاوية يستحق الكتابة.

مشكلة الشيعة

يبدأ نزار كلمته بطرح مشكلته قائلاً: “مشكلتنا ان تاريخنا كتبته السلطة الحاكمة، وائمة الجور والطغاة الذين تسلطوا على الامة بغير راي او مشورة منها، ولذلك فهم كتبوه بمقاسات خاصة خدمة لاهدافهم”. ويضيف: “كان من الواجب ان ينبري لكتابة التاريخ (المؤرخون) المنصفون الذين همهم تدوين الواقعة والحدث والقصة التاريخية كما هي.. اما ان يتدخل (المؤرخ) التاريخي في صياغات الحدث والقصة التاريخية، فيضيف ويطرح من عنده وكان حدثا آخر هو المعني في هذا المقطع او ذاك، لدرجة التناقض والتضارب، فهذا ما شكل مشكلة كبيرة للمسلمين”.

حين كتبت كتابي (التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية)، الذي سننشره قريباً على الموقع بإذن الله تعالى، تحدثت فيه عن حيلة (الإسقاط النفسية)، وبينت أن هذه الحيلة تصل في الشخصية الفارسية وسليلتها الشيعية درجة العقدة. وإذا تذكرت أن الإسقاط (Projection) هو عملية نفسية ينسب الشخص من خلالها، ويحوِّل إلى غيره، صفاته هو أو مشاعره أو رغباته أو نزواته أو أفكاره التي لا يرغبها، ويخجل من الوعي بكونها جزءاً من ذاته. فهو يتهرب لا شعورياً منها بطردها عن نفسه أولاً، ثم إلصاقها بالغير أو اتهامه بها ثانياً، كنوع من تبرئة الذات أو الدفاع السلبي عنها. إنه عبارة عن تخلص من كل ما هو سيء في الذات باتهام الآخرين به – إذا تذكرت هذا عرفت المقصود بكلامي.

لقد كان المتكلم يتحدث عن معائب ذاته وطائفته، ويلصقها بغيره. وكانت أمثلته شواهد حاضرة على (التدخل في صياغات الحدث، بالإضافة والطرح من عنده، وكأن حدثاً آخر هو المعني في هذا المقطع أو ذاك، لدرجة التناقض والتضارب)! إنه (الإسقاط)، ولا غير.

لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا غويلم العجم..!!!

الشيعة يكتبون التأريخ ويفسرونه حسب ما يرغبون، لا طبقاً لما هو واقع بالفعل. وهذه الطريقة المعوجة في التفكير يسميها علماء النفس بـ(التفكير الارتغابيWishful thinking) الذي توجهه الرغبات لا الوقائع. وهو تفكير نكوصي بدائي يجعل الشخص يميل إلى تصديق ما يحب، وإلى إنكار ما يكره واعتباره باطلاً. بهذا المنطق الطفولي كتبوا التاريخ، وصوروا وقائعه: تاريخ الصحابة، مقتل عثمان، معركة الجمل وصفين والطف التي قتل فيها الحسين، تاريخ الأمويين والعباسيين والعرب عموماً. وهو نقيض (التفكير الواقعيRealistic thinking ) الذي يبذل جهداً في معرفة الوقائع، وإخضاع العقائد والقناعات إلى نتائجها.

فمثلاً.. تروي تواريخ الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ أبا بكر معه في الهجرة حتى لا يدل عليه المشركين، وأنه كان يُخرج رجله من الغار لعلهم يرونها فتدلهم عليه. وأن عمر بن الخطاب دحى باب علي وحصر فاطمة بينه وبين الحائط فاخترق مسمارٌ صدرها، وكسر ضلعها، وأسقط حملها.. وعلي ينظر إلى هذا المشهد الدراماتيكي بكل برود! وأن عمر بعد ذلك وضع الحبل في عنقه وصار يجره في الطرقات حتى جاء به المسجد ليبايع أبا بكر! وأن علياً كان يُركب فاطمة حماراً ويخرج ليلاً يطوف بها على بيوت الأنصار يطلب حقه في الخلافة! وفاطمة تندب حظها من فدك. هذا والأمة تتعرض للاجتثاث على يد المرتدين ومانعي الزكاة والفرس والروم قد تحركوا أيضاً، وعلي وفاطمة – حاش لله – لا هم لهما إلا المال والمنصب! لم يكتف الشيعة بهذا حتى جعلوا علياً يزوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب خوفاً منه، ويصفون صراحة ذلك الزواج الطاهر بأنه عملية اغتصاب، وينسبون ذلك إلى سيدنا الإمام جعفر الصادق رحمه الله، إذ يروي الكليني وغيره عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) في تزويج أم كلثوم فقال: (ان ذلك فرج غصبناه)([1]). وعن أبي عبد الله (ع) قال: (لما خطب إليه [أي عمر حين خطب إلى علي ابنته أم كلثوم] قال له: إنها صبية قال: فلقي العباس فقال له: مالي؟ أبي بأس؟ قال: وما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني! والله لأعورن زمزم ولا أدع لكم مكرمة الا هدمتها ولأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق ولأقطعن يمينه. فاتاه العباس فأخبره وسأله ان يجعل الأمر اليه فجعله اليه)([2]). ومنهم من يقول: إنما هي جنية تصورت له بهيئة إنسية على شكل ابنة علي!

وطعن الشيعة بعائشة عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، متعلقين برواية الأفاكين رغم نزول براءتها في كتاب الله! وحرفوا رواية الغدير ليستنتجوا منها مخالفة الصحابة بما يؤدي إلى كفرهم وارتدادهم جميعاً! وقالوا: إن فيروز هرب ووصل إلى إيران، وإن الذي قُتل شخص آخر غيره، وله مزار يقدسونه هناك! ورووا في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما دستا له السم. ولو رحت أسرد قائمة الموضوعات التي على هذه الشاكلة لاحتجت إلى مجلدات. حتى رووا أن علياً نام في بيت عمر ليلة يتقلب في حضن أخته متمتعاً بها دون علمه، ثم في الصباح أخبره الخبر، الذي استقبله عمر بالبرودة نفسها التي استقبله بها علي يوم كسر ضلع زوجته وأسقط جنينها أمامه! وأنه لأجل هذا حرم عمر المتعة. بل أسفوا في تواريخهم إسفافاً ما بعده إسفاف حتى نزلوا دركات لا يتخيلها آدمي، فلقد رووا مثلاً أن عمر بن الخطاب كان ينكح في دبره! وأن أمه بغية مشهورة في مكة من ذوات الرايات تدعى (صهاك). وكذلك عمرو بن العاص. وأن سعد بن أبي وقاص ابن زنا، وأنه لرجل من بني عذرة زنى بأمه! وأن عثمان كان مخنثاً تلعب به وتنكحه الغلمان! والقائمة عن الصحابة بمثل هذا وشبهه طويلة وبالتفصيل! وأن يزيد كان ينكح عمته، والرشيد ينكح أخته، وأن ابنه الأمين زنا بها يوماً فوجدها ثيباً فسألها مستغرباً؟ فقالت: وهل ترك أبوك امرأة في بغداد بكراً؟

أهذا هو الأنصاف الذي يدعو إليه هؤلاء، والموضوعية في كتابة التأريخ؟!!! لو غيرهم قالها لاحترمنا قولته، وقدرنا دعوته. ولكن هذا الصنف الذي بهذا المستوى يدعو بهذه الدعوى؟؟؟!!!

لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا غويلم العجم!!!

الحقيقة أن الشيعة لا يؤتمنون البتة على التأريخ؛ لأنهم يمارسون (الإسقاط) و (التفكير الارتغابي) عندما يكتبونه ويفسرونه، وتأريخهم صورة عاكسة لما هم مبتلون به (يسقطونه) على الآخرين.

بين الترجيس والتقديس

عموماً.. كتب الشيعة التأريخ فشوهوه ومزقوه ونثروه هباء جُفاء بين فكرتين متضادتين في اتجاههما، خطرتين في معناهما، ألا وهما: (الترجيس والتقديس). فإن كان الحديث عن الأمة ورجالها ومآثرها ومناقبها قلبوه إلى مثالب يخجل القلم من تسطيرها. وركزوا على الفتن الداخلية والخلافات والصراعات البينية، وحملوها على أسوأ محاملها، فهم لا يملون من ذكر الجمل وصفين والطف. وجمدوا عند هذه الحوادث لا يريمون عنها بحال حتى كأن التأريخ شيء جامد لا يتحرك، وليس للأمة غيرها من وقائع وإنجازات ومعارك يتشرف التأريخ بذكرها. ولهذا لن تجد شيعياً – إلا ما ندر – يفخر بذات السلاسل والقادسية واليرموك وحطين وفتح الأندلس وأذربيجان وجرجان. إنما يفسرونها على أنها فتوحات ومعارك خاضها العرب من أجل التسلط والمال والنساء. وكل ما عملته الأمة في تأريخها فهو رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. في المقابل ركزوا على ذكر بضعة عشر رجلاً وامرأة عاملوهم بالتقديس وجعلوا منهم أنصاف آلهة. ويقطعون سحابة عامهم في اجترار مواليدهم ووفياتهم قتلاً وخنقاً وسماً وشنقاً، فما من أحد منهم إلا مات ميتة تصلح لإقامة مناحة، يسبون بها أسلافنا، ويلعنون خيرة عظمائنا. وجمدوا أيضاً عند هذه المثابة حتى كأن الأمة – التي هي خير أمة أخرجت للناس – ليس فيها غيرهم، أو هؤلاء هم الأمة، ولا أمة بعدهم! وجعلوا من تأريخهم ضداً يحاربون به تأريخنا ويشوهونه ويزيفونه. بل حاربوا بذلك التأريخ اللقيط الدين نفسه كتاباً وسنة وفقها وأصولاً وفروعاً!!!

من هو المشوه الحقيقي لتأريخ الحسن وتاريخ الأمة

يدعي نزار أن الحسن بن علي تعرض إلى ظلم تاريخي كبير، وواجه محاولات تشويه على يد المؤرخين ومفسري ومحللي التاريخ.

وأقول: نعم، ولكن على يد الشعوبيين من قوم نزار لا غيرهم، ودليلي من كلمته لا غيرها. تأمل ماذا يقول عن صلح الحسن مع معاوية رضي الله عنهما: “انها واحدة من محاولات التضليل التي مارسها الحكم الاموي الذي كتب التاريخ، فالذي تم التوقيع عليه بين الامام ومعاوية لم يكن صلحا وانما بنود لوقف اطلاق النار، بمعنى آخر، ان الامام عليه السلام اجل المعركة مع الانحراف الى وقت آخر لحين ازالة الاسباب القاهرة التي فرضت عليه هذا الموقف، وبالفعل فلقد اجل الامام المعركة الفاصلة مع الباطل ليقودها اخيه السبط سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء، لمعرفة الامام الحسن عليه السلام بدهاء الباطل آنئذ والذي كان يمكن ان يوظف كل العوامل والادوات غير الشريفة لخداع اهل الامة”. (العبارات تشيع فيها الأخطاء الإملائية والنحوية وركاكة الصياغة اللغوية، وعذري أنني أنقلها بالنص بطريقة النسخ واللصق؛ لتجيء متطابقة مع الأصل).

هل هناك محاولة تضليل، وتشويه للحدث وتدخل في صياغته وتفسيره حسب الرغبة إلى حد التضارب والتناقض أكثر من هذا؟ أما وصف الصلح بـ(بنود لوقف إطلاق النار) فهذه أخرجها من كيسه، ولا دليل عليها سوى الدعوى. وقد عاش الحسن بعد الصلح عشر سنين على علاقة جيدة مع معاوية، كان كثيراً ما يذهب فيها إلى الشام مع أخيه الحسين رضي الله عنهما، فيكرمهما معاوية رضي الله عنه، ويرجعان منه إلى المدينة محملين بالأموال والهدايا والتحف. وعشر سنين كافية لظهور مخالفة المعني لـ(بنود وقف إطلاق النار)؛ لنقضها من قبل الآخر والرجوع إلى حالة الحرب. وأخوه الحسين بقي عشر سنين أخرى مع معاوية على أحسن حال وأتم نوال، ولم ينقض (بنود وقف إطلاق النار) لمخالفة معاوية لها، ولو كان لكان. وهو لم يخرج على معاوية، وإنما على يزيد.

ولقد حصلت زيجات مهمة بين البيتين الأموي والعلوي تنقض هذه الدعوى – إضافة إلى عدم ثبوتها من الأصل – وتثبت أن العلاقة بين البيتين كانت علاقة نسب وتناسب، ومودة ووفاق. منها زواج رملة بنت علي بن أبي طالب وأخت الحسن والحسين من معاوية بن مروان بن الحكم، الذي تزوج كذلك من زينب بنت الحسن المثنى. وأخت رملة خديجة بنت علي تزوجها عبد الله بن عامر الأموي. وفاطمة بنت الحسين تزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. واستمرت هذه المصاهرات بعد الجيل الأول: فقد تزوجت أم القاسم بنت الحسن المثنى مروان حفيد عثمان بن عفان، وأما أختها زينب (التي كانت من قبل تحت معاوية بن مروان) وابنة عمها نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي فقد تزوجهما الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان. وغيرها من الزيجات كثير، تركتها تجنباً للإطالة. ومن أهم هذه الزيجات دلالة على نية الحسن رضي الله عنه في الصلح زواجه من أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، التي ولدت له ولداً سماه (طلحة)، فلما توفي عنها تزوجها أخوه الحسين بوصية منه. ليس هذا فحسب، بل إنه تزوج امرأة محمد بن طلحة بعد مقتله في معركة الجمل. ونوح حفيد محمد بن طلحة تزوج من حفيدة الحسين بن علي عبدة بنت علي بن الحسين. والحسن المثلث تزوج من عائشة بنت طلحة، وله منها ولد اسمه طلحة. وعون بن محمد بن علي تزوج من حفصة حفيدة إبراهيم بن محمد بن طلحة.

أفهذا فعل قوم متباغضين متعادين يتربص أحدهما بالآخر، ويكيد له المكائد السياسية، ويدبر الحيل المختلفة لإحراجه وإظهار خباياه؟ أم فعل قوم متحابين يبغون الصلح ومحو آثار الخلاف، وإزالة ما في النفوس من كلوم وعوالق خلفتها الأحداث؟ هذه هي معطيات التأريخ، وهكذا نفسر التأريخ طبقاً لمعطياته ووقائعه. وبما يصلح الأمة ويقارب بين أبنائها، لا بالأكاذيب والتخرصات، وبما يباعد بين المسلمين ويشحن صدورهم بالحقد والبغضاء. فأي الفريقين أحق بالحق إن كنتم منصفين؟ وماذا في هذا التأريخ حتى يدعو هؤلاء المفرقون إلى تصحيحه؟ أحتى يكون مدعاة للتباغض والتقاتل والاحتراب إرضاء لإيران والشعوبيين، وتحقيقاً لأهدافهم وغاياتهم غير الشريفة؟

___________________________________________________________________________________________

  1. – فروع الكافي 5/346
  2. – فروع الكافي 5/346

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى