مقالات

من قتل الحسين : مختار لماني ؟ أم محمد سعيد ؟

 

2

على موقع (شبكة أخبار العراق) قرأت اليوم حواراً نشر في (15/11/2008) أدارته الشبكة مع مبعوث جامعة الدول العربية لدى العراق الأستاذ المغربي (مختار لماني)، وكيف قرر ترك منصبه قراراً لا رجعة فيه آيساً من الوضع في العراق، معلقاً ذلك بأسباب عديدة منها عدم جدية الدول العربية، وانعدام الثقة بين الأطراف العراقية، متهماً رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه (رجل طائفي حتى النخاع). مضيفاً في هذا الإطار: (سمعت كلاماً طائفياً كثيراً من القيادة العراقية الموجودة في العراق، وحتى إنهم كانوا يسألون مساعدي العراقي: من أي طائفة هو؟ قبل أن يتكلموا. هم كلهم سجناء ردود فعل عمياء وتطرف).

وقال: (التقيت مع السيستاني فى إطار محاولاتي لعقد مؤتمر وفاق عراقي يجمع كل العراقيين). ذاكراً أنه اجتمع أيضاً مع المراجع الأربعة في النجف، ومنهم محمد سعيد الحكيم.

تجاهل الحديث عن مراجع الشيعة.. لماذا ..؟

لاحظت من خلال الأسئلة والأجوبة أن الرجل يحاول تجاهل الحديث عما دار بينه وبين أولئك المراجع، ولا يجيب عن أي سؤال يتعلق بهم. مثلاً: السؤال الذي وجهه إليه المحاور بخصوص (مطالب السيستانى؟ خاصة أنه لم يصدر فتوى بمقاومة الغزو الأميركى للعراق، بل وافق على الانتخابات في ظل الاحتلال؟) ودخل في موضوع الانتخابات من الناحية التي لا تمس الهدف من السؤال وهو السيستاني! كأنه وضع في باله مسبقاً الابتعاد عن أي كلمة تتعلق بهذه الجهة! واكتفى بوصفهم بما يفهم منه المدح ( وكانوا كلهم متجاوبين)! مع أنهم أساس البلاء، ولم تتخذ أي خطوة سياسية إلا بالرجوع إليهم. وهذا هو المعنى الأهم في المرجعية. غير أنه حين قال له المحاور: (لكن السيستاني يدلى بدلوه بكل قضية سياسية ماعدا الاحتلال أليست هذه ولاية فقيه؟) كان جوابه: (يستشار السيستاني؛ لأن الناس تتبعه كمرجع ديني، وهذه ليست ولاية الفقيه)!

وتجاهل قول المحاور: (ألم تسأل السيستاني كيف يدنس الاحتلال بلده ولا يصدر فتوى بمقاومته؟ واكتفى بأن قال: (أنا لم أسأله ولا أرد أنا على هذا السؤال). ثم تجاوزه إلى موضوع آخر.

كما تجاهل السؤال الآتي: (لماذا تقف هيئة العلماء ضد الاحتلال، بينما آيات الله الأربعة لم يقفوا ضد الاحتلال ألم تسألهم؟) بأن قال: (أرجوك دعني أكمل..). الغريب أن تكملته للكلام كانت هروباً فاضحاً من السؤال: فكلامه الذي أراد أن يكمل به ما انقطع لا علاقة له بما قبله مما كان يتكلم به، ولا يمكن أن يكون هو جواب السؤال. إنما لجأ إلى ما يمكن أن يكون كلمة يجمل بها وجه المراجع: فخرج عن دائرة المراجع الأربعة إلى الحديث عن جواد الخالصي قائلاً: (المراجع كثيرة ومتعددة، والمدارس متعددة، ولا يجوز الحكم بدون معرفة الواقع، أعطيك مثلاً في المدرسة الشيعية الخالصية وقفوا موقفاً رهيباً ضد الاحتلال، أي المدرسة الخالصية التابعة لجواد الخالصى).

ولا تفوتنك فرصة التأمل البديع في تعبير (رهيباً) الذي هو صفة منصوبة للاسم الموصوف (موقفاً) المفعول المطلق للفعل (وقف) المربوط بواو جماعة الخالصي!!! ولا أدري من هذا الذي ارتهب من موقف الجماعة أو المدرسة: جنود الاحتلال؟ أم بوش؟ أم كلبته المدللة؟ ثم عن أي مدرسة يتحدث الرجل؟ في أي زقاق هي؟ أم أي دربونة من درابين الكاظمية؟ هل يدري أن هذه المدرسة يتحدثون عنها منذ سني العشرينيات من القرن الماضي؟! لماذا هي باقية دون مدارس الأرض على حالها منذ ثمانين سنة فلم تكثر فتصير مدارس، أو تتوسع لتصبح جامعة، والجامعة تكثر فتكون جامعات؟! هذه المدرسة يا سيدي ليست أكثر من اسم على هوية مسروقة باهتة من يومها. المشكلة أن هناك أطرافاً سنية لها مصلحة في التكلم باسمها.

وأطمئن الأخ مختار بأن الأمريكان لا يرتهبون من وجود مدرسة هي أساساً في خدمة الاحتلال؛ لأن المنهج الذي يدرس فيها – إن كان لها وجود – منهج يغرس في أتباعه (قابلية الاستعمار)، على حد تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله. الشيء الوحيد الذي يرهب كل معتد محتل – الأمريكان وغير الأمريكان – هو المقاومة، ولا شيء غيرها، حينما تكون مستندة إلى منهج فكري وبرنامج حركي وسياسي ناضج على الأرض. ثم إن الخالصي ليس مرجعاً معدوداً بين المراجع، ولولا هيئة علماء المسلمين لربما لم يسمع به أحد من العالمين. رغم أن هذا الشخص أحد مؤسسي ما يسمى بـ(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) برئاسة القاضي الإيراني محمود الهاشمي، ثم تولى قيادته محمد باقر الحكيم فيما بعد بأمر من الخميني خشية انفضاح الأمر؛ على اعتبار أن الأخير له غطاء هو كون أسرته تمتلك قشرة عراقية، على العكس من الأول.

ومسألة بالونية هذه (المدرسة) معروفة لمن أراد، حتى إن المحاور رد عليه قائلاً: (لكنها صغيرة جداً بالمقارنة للسيستاني؟). يظهر أن الأستاذ مختار لم يجد ما يسعفه أمام هذا السؤال فراغ عنه إلى جواب من ليس عنده جواب حين قال: (الذي يؤسف له أن الدين ذا البعد الطائفي يلعب دوراً أساسياً في العملية السياسية. فمثلاً تعين فلاناً لأنه ولد شيعياً.. فالحزب الشيوعي يسأل هل هو شيعي أم سني؟ وهذا أمر مضحك.. ولكن هذا جزء من الواقع المؤلم الذي عانى منه العراق ولا يزال يعاني منه)!

وهكذا ظل يداور ويناور وكأنه محام توكل بالدفاع عن قضية خاسرة مهما كانت أدلة الإثبات!

ليس هذا هو موضوع المقال

قد يتصور القارئ أن السطور السابقة كانت مقصودي من المقال حين ضربت أحرفه الأولى على الطابعة، وربما تساءل أكثر من مرة وهو يقرأ عن الربط بين العنوان والمضمون المكتوب لحد الآن؟!

لم يكن ذلك أبداً مقصودي بداية الأمر، ولم يدر في خلدي قط؛ فإنني حين قرأت الحوار القراءة الأولى – وكانت عابرة – ووجدته يتحدث عن طائفية المالكي والقيادة العراقية تذكرت قصة عجيبة حصلت للأستاذ مختار لماني مع محمد سعيد الحكيم، أردت أن أذكرها ليكمل المشهد. فهو قد ذكر طائفية القيادة السياسية، ولم يذكر طائفية القيادة الدينية مع أنها أساس البلاء!

وهكذا بدأت الكتابة.. ولأن الموضوع في حاجة إلى اقتباس بضعة عبارات من الحوار يبنى عليها، فوجئت أثناء الاقتباس بأن الرجل لم يتحدث عن العنصر الأساسي في معادلة الطائفية، بل قد برأ الرأس المدبر من مسؤولية التدبير، بل هو يدافع عنه بضراوة منقطعة النظير! إذن ضاع الخيط بضياع العصفور، أو طار العصفور ولم يبق بأيدينا سوى خيط عالق بالهواء. وهنا تكمن مشكلتنا المزمنة نحن أهل السنة، ليس في العراق فحسب – كما يبدو – وإنما فيما سواه من البلدان!

من قتل الحسين ؟

أما ما رميت إليه من مقال أول الأمر فهو – كما قلت – قصة عجيبة رواها الأستاذ مختار لماني لأحد أصدقائي، الذي رواها لي بدوره قبل بضعة أشهر:

يقول الأستاذ لماني: ذهبت إلى المرجع الشيعي محمد سعيد الحكيم في إطار محاولة عقد صلح وطني بين الأطراف العراقية. وبعد أن كلمته في الموضوع الذي أتيت من أجله فوجئت به يصرخ في وجهي ويلطم بيده مقدمة صدره ويقول: “إذن لماذا قتلتم الحسين”؟ لم أكن قادراً لحظتها أن أتبين المقصود بكلامه؟ ظننت أنني أخطأت التوقيت؛ فالظاهر أن الرجل في مصيبة كبيرة، ولعل المصاب (حسين) ولده؟ بل لعل أحداً ممن كان معي دهسه بسيارته؟! لا أدري؟! كل الذي فهمته إلى الآن أن الرجل في حال من غير المناسب أن نكلمه في موضوع غير مصيبته. والتفتُّ إلى أصحابي أسألهم: من حسين هذا؟! هل هو أحد أولاد السيد الحكيم؟ هل أحد منكم أصابه بسوء؟ أو لكم علاقة بالحادث؟ هذا كل ما دار في بالي في تلك اللحظة!

وصدمت حين علمت من أحد الجالسين أن الرجل يتكلم عن مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما! ويحملنا المسئولية؟!!!

وبهتُّ فلا أدري ماذا أقول أمام هذه العقلية المغلقة لهذا الشخص التاريخي الجامد؟!!! لكنني ختمت المشهد بأن قلت له: لعلك تعلم أنني رجل من المغرب؛ فليس لي علاقة بمقتل رجل قتل عندكم في العراق.

يقول صديقي: ورجع مختار لماني محبطاً وهو يقول: هؤلاء أمام مشكلة مر عليها قرابة ألف وأربعمائة عام لم يتمكنوا من حلها لحد الآن! فمتى وكيف يتوصلون إلى حل بقية المشاكل؟!!!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى