مقالات

عندما يكون التاريخ هو القضية (2)

بين الواقع المسروق والتاريخ الذي يراد له أن يسرق

والآن ننظر إلى واقع العراق لنرى موقع الكلام السابق منه.

دخل المحتل البلد على ظهور شيعة الفرس، ثم وقفوا معه يسندونه بعد وقوع جريمة الاحتلال، مع الاحتفاظ ببعض الاستثناءات هنا وهناك. أما الذين وقفوا ضده يقاومونه ويدفعونه فهم أهل السنة والجماعة، مع بعض الاستثناءات أيضاً هنا وهناك. فكانت المقاومة سنية بامتياز، بينما كانت العمالة شيعية وبامتياز. ثم دارت الأيام دورتها – بعد أن شحنت السنون الصعبة بأعمال البطولة والتضحيات العظيمة لأهل السنة شحناً، وامتلأت بأعمال الخيانة والعمالة لإيران وشيعتها امتلاءً – وعملت السنن الكونية عملها فكان أن كان ما كان مما ليس منه بد من تعارض المصالح وتصادمها. وانكسرت هيبة أمريكا فصارت دعاوى المطالبة بخروجها بضاعة مبذولة يسومها المفلسون، ويتجمل بالتظاهر بها العاطلون؛ فدلع الخونة والمتاجرون والانتهازيون والمراؤون وأمثالهم ألسنتهم يتناهبونها ليسرقوها بلا حياء.

خطا مسار السرقة

وعندما ننظر إلى الخطوط العريضة لمسار السرقة نجدها تتجمع في خطين يسيران معاً متساندين: خط السياسة وخط المقاومة. فخط السياسة تمجد فيه الحكومة (الشيعية) على أساس أنها حققت للبلد ما عجز عنه (حملة السلاح) من هدف إخراج المحتل. وقد تمكنت من عقد (اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية) في غضون سنتين دون أن تطلق على المحتل طلقة واحدة. فأي حكمة؟! وأي حنكة؟! ماذا يريد هؤلاء الإرهابيون إذن؟ إنهم طامعون في السلطة، وهم أعوان النظام السابق…إلخ من الألقاب واصناف النعوت والأوصاف.

filemage

أما الخط الآخر فيجري فيه تمجيد جيش المهدي وتلميعه على أنه رمز المقاومة، ومثال المليشيا الوطنية الباسلة، التي قاومت المحتل بقيادة جناحها السياسي (التيار الصدري)، الذي صار يستعرض بطولاته الوطنية في مجلس النواب، ويظهر بصورة التيار المقاوم بقوة للاحتلال. وآخر استعراضاته الصارخة موقفه من الاتفاقية الأمنية، وقبلها ظهوره وبقية الكتل الشيعية بمظهر المدافع عن فلسطين في قضية زيارة مثال الآلوسي لكيان إسرائيل. بينما الحقيقة هي الدفاع عن إيران والحمية لها ضد مثال في دعوته من هناك إلى ضرورة وقوف المجتمع الدولي ضدها، وهكذا هي دوافع الموقف ضد الاتفاقية، والمواقف المشابهة.

عملية مبرمجة عن وعي وسبق تخطيط

بهذه الطريقة المبطنة يكتبون الأحداث؛ فيزورون التاريخ. وقد بدأوا بكتابتها على هذه الشاكلة حتى قبل أن تقع، وحين وقعت استمروا على الخط المنحرف نفسه. ومن أسخف صور التزوير وأكثرها دناءة ووقاحة سرقة العمليات العسكرية للمقاومة وإعادة تصنيعها في أقراص مدبلجة مع أناشيد رنانة مثيرة وطبل ورقص – وهو الشيء الوحيد الذي يجيدونه – وتصديرها على أنها عمليات عسكرية ضد المحتل قام بها جيش المهدي!!!

اتبع شيعة إيران أساليب عديدة في عملية السرقة المبرمجة للتاريخ، من أجل تثبيته لصالحهم، وإزاحة أهل السنة بعيداً عن الزمان، بعد أن حاصروهم فلم يبقوا لهم سوى هامش ضيق من مكاسب المكان! فمن ذلك:

  1. استدارة فلك الإعلام الشيعي إلى الضد تماماً عما كان عليه في الأيام والسنين الأولى للاحتلال، فبعد أن كانوا يسمونه تحريراً، وما تركوا منبراً إعلامياً إلا ومدحوه من خلاله ومجدوا ديمقراطيته التي جلبها للبلد وللمنطقة، وأن العالم اليوم في طور جديد. فمقتدى كان يسمي الغزاة بالضيوف، ويعلن أنه سيتعامل معهم سلمياً، وأنه لا عدو له سوى الصداميين والنواصب. بعد كل هذا باتوا اليوم يسمونه احتلالاً ويطالبونه بالرحيل. وظهرت قنوات فضائية – مثل قناة البغدادية – تتبنى الخطاب الوطني المندد بالاحتلال والنابذ للطائفية والداعي إلى الاستقلال. لقد صارت هذه الدعاوى لا تكلف شيئاً، بل تحقق لأصحابها مكاسب جمة على مستوى السمعة والدعاية والمكانة والهوية، وعلى مستوى التاريخ.
  2.  قلب منطق الأحداث: فمثلاً تعرض القنوات الفضائية من أمثال حسن العلوي ومن على شاكلته من الإعلاميين وغيرهم، يتعاملون مع الحقائق بمنطق مقلوب، فيصورون ما حصل من قتل ذريع على الهوية، وتدمير وتهجير إنما هو رد فعل من مجموعة متطرفين على فعل متطرفين آخرين؛ وليس هو من فعل الشيعة ولا أهل السنة. وبهذا المنطق المسموم المعسول يخدعون كثيراً من (نخب) وجماهير أهل السنة عندما يتوهم هؤلاء أن هذا هو منتهى الاعتدال والمنطق الوطني البعيد عن الطائفية: أليس المتكلم شيعياً، ومع هذا يبرئ السنة من دماء الشيعة؟! بينما هذه في الحقيقة تمثل أولى خطوات الشيطان في طريق سرقة القضية: المساواة بين الجلاد والضحية. وهي كذبة كبيرة، فتشيع العجم قائم كله على التطرف، والشيعة بجميع طوائفهم وأحزابهم ومليشياتهم مارسوا هذه الجرائم وفي وضح النهار، والتزمت المرجعية الصمت إزاءها، بينما هي تؤزها في الباطن. والسيستاني نفسه والغ فيها من خلال ابنه محمد رضا. وتستطيع أن تكون فكرة عن هذه العلاقة المشبوهة من خلال قصة اعتراف المجرم يوسف سناوي رئيس حزب ثأر الله بأن ابن السيستاني (محمد رضا) يشرف على رعاية وتوجيه تنظيم حزب ثأر الله وعلاقته بإيران وتأمين دعمه المالي لأنشطته. وقد فضح هذه الاعترافات على وسائل الإعلام الشيخ إسماعيل الوائلي شقيق محافظ البصرة (وهو شخصية صدرية كانت مقربة جداً من المرجع محمد صادق الصدر) ومنها اعترافه خلال الاعتقال بارتكاب نحو (380) جريمة قتل وخطف وضبط بحوزته أكثر من مليون دولار وعملات اجنبية اخرى، موضحاً ان رئيس حزب ثأر الله اعترف كذلك بعلاقته بعدد من رموز الائتلاف الشيعي خصوصاً رئيس منظمة بدر (هادي العامري) وجلال الصغير وعمار الحكيم. وأكد تواطؤ مكتب المالكي في عملية هروب رئيس حزب ثأر الله من خلال القرار الذي وقعه المالكي لإطلاق سناوي؛ ما سهل انتقال الموكب الحكومي الذي هرب سناوي من سجنه إلى ايران بحرية ومن دون عقبات. نشرت هذه الأخبار صحيفة الغد الأردنية، ومواقع ألكترونية عديدة مثل شبكة أخبار الرافدين والرابطة العراقية، ومواقع شيعية مثل موقع الصدري قاسم الناصري، في منتصف تموز/2008، ونشرنا طرفاً منها في موقعنا (القادسية). وطالب الوائلي بتشكيل لجنة تحقيقية للنظر في ظروف هروب الموسوي والجهات التي ساعدت على اطلاقه من سجنه وتهريبه الى ايران. تأمل كم جهةٍ مشتركة في هذه الجريمة النكراء! وكم شخصيةٍ! وعلى أي مستوى! وهذا مجرد مثال واحد من مئات الآلاف من الأمثلة!!

ليس هذا فحسب، إنما هم كانوا البادئين بالقتل واغتصاب المساجد ودعوة المحتل وإعانته ودعمه وحمايته، وبالفتوى الدينية. فكيف يكون هذا من فعل مجموعة متطرفة منهم؟ هذا أولاً، وثانياً لم تكن هذه الجرائم رد فعل على فعل اعتداء سابق؟! وهكذا خطوا الخطوة الأولى في السرقة، والتي يصدقها الكثير من الغافلين، ويسوقها ثلة من المدعين للوحدة الوطنية.

  1. ثم بعد أن اطمأنوا إلى تثبيت هذه الخطوة، أتبعوها بخطوة تالية لكنها أوسع بكثير، وهي تشويه سمعة المقاومة وصولاً إلى تشطيبها، وإلحاقها بجميع فصائلها بمحور (الإرهاب).
  2. تلتها خطوة أخرى هي محاولة احتكار المقاومة وإظهار العمل التخريبي الطائفي للمليشيات الشيعية الصفوية بمظهر المقاومة الإسلامية الوطنية.

أيها القوم..! قضيتكم تسرق أمام أعينكم في وضح النهار وأنتم تبصرون!

فهل تشعرون؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى