مقالات

عندما يكون التاريخ هو القضية (3)

إشكالية القيادات السنية

22

الإشكالية الكبرى في عملية سرقة تاريخنا هي أن قيادات أهل السنة: الدينية والوطنية، تغلب عليهم لوازم طبيعتهم العروبية بعفويتها وسماحتها وغلبة الصفح والعفو والمغفرة عليها، ونفسيتهم العراقية الكريمة، وآثار شخصيتهم المطبوعة بطابع القائد الذي ما يزال عقله الباطن لا يريد التسليم بأن الزمن – على الأقل في هذه المرحلة – قد تجاوزه إلى غيره؛ فيقفون بين ساكت يتفرج على هذا العبث، ومشارك فيه بدعوى أو دافع الحرص على وحدة البلد، وإعادة اللحمة الاجتماعية، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير الفتنة ويعيدها إلى ما كانت عليه…إلخ من هذه الدوافع والدعاوى والدعوات. وبهذا يكونون شهوداً على هذا الزور التاريخي. سيما وقد كتب بعضه – والقادم أنكى – في المناهج الدراسية في مواد التاريخ والتربية الإسلامية والتربية الوطنية، يدرسه التلاميذ ويرسخ في عقولهم على أنه حقيقة تاريخية مسلّمة، كما كتب من قبل تاريخ ثمانين عاماً هي حقبة الدولة الحديثة بين سنة (1920 – 2003)، ولكن بصورة أكثر قتامة وأشد تزويراً؛ لأن أكثر قنوات التحكم صارت بيدهم لا بيدنا.

من أسباب مسايرة الخط الشعوبي

وأنا كمراقب أعيش الواقع وأتفاعل معه وأغوص فيه أحاول تحليل الظواهر المهمة فيه أجد أن لهذه المسايرة والملاينة أسباباً منها:

  1. تعب الناس من القتل والقتال دون سند أو معين داخلي أو خارجي، وتخوفهم من عودة الحال إلى سابق المرحلة الماضية؛ فيظنون أن الحل هو بمسايرة الآخر وموافقته، وعدم مشاكسته ومعارضته. ويتخففون من أزمتهم النفسية التي يخلقها هذا الوضع المقلوب بجلد الذات وإلقاء التبعة عليها. وبهذا يحققون هدفين أحدهما مادي والآخر نفسي، هما: الهرب من مواجهة الخصم تحللاً من تحمل الأذى المتوقع فيما لو عارضوا هذا التزييف: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (الأنفال:7). والهرب من مواجهة الذات بالحقيقة المرة، وهي الخور وفقدان الإرادة المتجهة إلى أخذ الحق من مغتصبه، فيتوجه بالتبعة إلى نفسه ليرتاح من الشعور بالعجز والتقصير.

2. ومنها: أن بعض القيادات تبحث عن مجد عائلي أو نفع شخصي أو حزبي، ولو على حساب حق الدين أو حقيقة التاريخ. فيتمظهرون بتبني شعارات الوطنية، والدين الواحد، ويظهرون كرماً زائداً، وإسرافاً باذخاً في التبرع بمنجزات المجموع أو الجمهور الذي نالها بدمه وخبزه وأمنه، والتنازل عن تاريخه في سبيل ذلك الهدف الأناني الوضيع. المشكلة أن الجمهور ينخدع بشعارات هؤلاء ويسير وراءهم يمجدهم ويهتف لهم إلى حيث يريدون هم ، لا ما يريد هو!

3. ومنها: استحقاقات العقلية السنية والفرق بينها وبين العقلية الشيعية. وهذه تحتاج منا إلى وقفة – ولو قصيرة – لتوضيحها:

العقلية السنية والعقلية الشيعية

العقلية السنية عقلية مشبعة بروحية الأكثرية الحاكمة. فالسني يتعامل مع بقية المكونات الاجتماعية بعقلية الحاكم، والحاكم يجنح إلى الجمع والتأليف والإحساس بذات المجموع أكثر من إحساسه أو وعيه بذاته الخاصة كمكون أو طائفة، مثله كمثل رب العائلة مع عائلته. بينما الشيعي على العكس من ذلك عقليته ذات وعي حاد بالذات على حساب المجموع؛ لأن العقليه الجمعية له هي عقلية المكون المحكوم؛ فهي تميل إلى التأكيد على مصلحة الطائفة وتجنح إلى التفريق على حساب المكونات الأخرى. لم يظهر أثر هذه العقلية بوضوح فيما سبق لأن الحاكم كان سنياً جامعاً، لكن بمجيء الاحتلال انقلبت المعادلة فصار الشيعي حاكماً والسني محكوماً؛ فظهرت آثار الفرق بين العقليتين.

الخسارة الهائلة التي تنتظرنا

إن الدوافع والدعوات والشعارات والمصالح المدعاة، التي يستند إليها في هذا العبث لا تساوي شيئاً أمام الخسارة الهائلة التي سنتحملها وحدنا جراء الرضا بتزوير تاريخنا، ذلك التاريخ الذي تولينا وحدنا صناعة أحداثه العظيمة المشرفة، وتحملنا تبعاتها بلا شريك أو معين. إن المقاومة هي من حصتنا – نحن أهل السنة – بلا منازع. وهي الشيء الوحيد الذي خرجنا به من بين ذلك الركام والحطام. أما الواقع فقد فاز به الشيعة، ولم يسمحوا لنا منه بشيء سوى هوامش هنا وهناك. وحتى لو افترضنا أن المعادلة قد قلبت وصارت أمور البلد في يدنا، فإن هذا – على عظمته – لا يساوي الثمن الذي ندفعه جراء سلبنا تاريخنا. فكيف والمعادلة ما زالت على حالها؟! فإذا دخلت المقاومة دائرة التاريخ وتحركت بها عربته إلى الأمام على غير الحقيقة التي هي عليها نكون قد خسرنا كل شيء.. خسرنا القضية برمتها، ولم يستفد من كل التضحيات والمواقف العظيمة سوى خصومنا، وسوى النفعيين والأنانيين الذين لا يفكرون إلا في ذواتهم الخاصة بكل ما تعنيه كلمة الأنانية، في الوقت الذي سيرفع فيه هؤلاء أصواتهم عالياً بشعارات الوطن والوطنية والبعد عن الطائفية، التي سيرمون بها المخلصين الذين لا يرضون الزور ولا يصبرون على الضيم.

ظهور ملامح المرحلة الخطيرة

لقد بدأت ملامح هذه المرحلة بالظهور. وصار شهود زورها – حتى من أهل السنة، بل قياداتهم – ينطقون بما يريد المزورون، بوعي أو غير وعي، يسوّقون لهذا العبث التاريخي المهين. ومن شواهدها الحاضرة:

  1. قيام بعض الهيئات والأحزاب الدينية السنية بتلميع صورة التيار الصدري وجيش المهدي، ومنهم من يتحذلق ليقول: هناك فرق بين التيار والجيش! مع أن التيار هو الجناح السياسي لتلك المليشيا الطائفية المجرمة؛ فموقعه منها موقع الرأس من اليد.

2. ومن شواهدها عزف الكثير من هذه الجهات على ربابة (الشيعة العرب) وتضخيمها حتى جعلوا منها طبلاً كبيراً يضربون عليه هذه المعزوفة المشوهة، بينما الحقيقة دون ما يقولون بكثير. إنهم قلة لا أثر لها واضحاً ولا تأثير، ولا يعبرون عن الجمهور العريض المتشيع بتشيع الفرس. وما يظهر من تنديدهم بإيران واختلافهم معها إنما هو بسبب تضارب المصالح، والمصالح قُلّب لا يعول عليها، وبابها السياسة المتقلبة وليس الدين أو الموقف الثابت الأصيل. نعم لا بأس من استغلال هذا التغير والعمل على إضعاف جبهة إيران وذيولها من خلال هذه الثغرة، ولكن لا على حساب تاريخنا أو قضيتنا.

karbully11

3. ومن شواهدها ترديد الشيعة أن أهل السنة هم البادئون بالاعتداء – كما أشاعوا أن العراق هو الذي بدأ الحرب على إيران – وإشاعة هذه الكذبة بقوة عن طريق مؤسسات إعلامية ضخمة، كالتي يديرها كنعان مكية في أوربا ليكسب الرأي العام العالمي إلى جانبه. حتى إن من أهل السنة من صار يرددها مداهنة لهم، أو سذاجة واقتناعاً بما يلقى إلى أذنيه. بل منهم من تجرأ فصار يهزأ بالمقاومة مقللاً من شأنها كما فعل نائب الحزب الإسلامي د. عمر عبد الستار في الحملة الانتخابية الأخيرة لمجالس المحافظات إذ قال في حشد من المواطنين في قضاء المدائن: ماذا عملت لنا المقاومة؟ ووصفها بـ(الطقاطيق)! وهو نفسه يوم فجر الشيعة جامع أسامة بن زيد في مدينة الحصوة قبل حوالي سنتين ظهر على قناة بغداد الفضائية ليقول: أهل السنة هم الذين ابتدأوا بالاعتداء أولاً عندما فجروا حسينية الشيعة في المنطقة! وما قاله معكوس تماماً، فإن الذي ابتدأ برنامج التفجير هناك هم الشيعة بهدمهم (مسجد الذاكرين)، ثم جاء الرد بعد (13) يوماً باستهداف الحسينية الشيعية.

4. تغيير المناهج الدراسية بما يتلاءم وهذه الخطة المبرمجة. والخطورة في هذه تكمن في أن الصف الشيعي محصن بقوة ضد ما موجود في هذه المناهج من معلومات تخدم السنة، والكادر التدريسي واعٍ ويقوم باستمرار بـ(واجبه الديني) من تشويهها في أذهان الطلبة ومسحها من ذاكرتهم، وشحنها بما يناقضها. بينما الوسط السني غير محصن، ووعيه ضعيف، ولا يمتلك أي خطة أو برنامج للتحصين ومقاومة الفكر الشرقي. فالنهاية حتماً في غير صالحه.

أيها القوم………!

إننا نمر بمرحلة خطيرة.. إننا في طور سرقة التاريخ، بعد أن سرقوا منا الواقع؛ فماذا نحن عاملون؟

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى