بحوث ودراسات

من يلعن من ؟

وقفة مع أحدوثة اللعن على عهد الأمويين

من يلعن من ؟

وقفة مع أحدوثة اللعن على عهد الأمويين

(1)

من مميزات السلوك الشعوبي .. الهجوم خير وسيلة للدفاع

امتاز الشيعة بالاحتياط لمذهبهم، وتحصينه، وإيجاد المخارج الفكرية والنفسية لكل إحراج يواجهه أو يعترضه. من ذلك أنهم يجيدون استعمال مبدأ “الهجوم خير وسيلة للدفاع”. وبذلك يشغلون خصومهم بالذب عن أنفسهم بدلاً من أن ينشغلوا هم بالدفاع والرد على أولئك الخصوم. ومن الطبيعي وجود شبهات أو ثغرات ينفذون منها، ويستندون إليها. فحتى كتاب الله تعالى فيه متشابه ينفذ منه الزائغون كما جاء بنص القرآن العظيم: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (آل عمران:7).

في هذا الإطار يمكن لنا أن نضع موضوع السب واللعن. فما من أمة اشتهرت بسب خصومها ولعنهم والطعن فيهم كأمة الشيعة! وما لعنوا أحداً من الناس كما لعنوا الأمويين. لكنهم يقلبون منطق الأحداث حين يظهرون بمظهر المظلوم فيدّعون أن الأمويين هم الذين بدأوا اللعن والسب حين أعلنوا من فوق منابرهم لعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. ابتدأ بذلك أول خلفاء بني أمية معاوية، واستمرت المنابر تلعن وتلعن حتى جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز فأبطل هذا التقليد. وقد تسللت هذه الأحدوثة إلى أوساطنا نحن أهل السنة! فقد كنت أسمع وأنا صغير أن عمر بن عبد العزيز جعل مكان السب من الخطبة قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)، وأن هذا هو سر ترديد هذه الآية الكريمة في نهاية كل خطبة من قبل خطبائنا يوم الجمعة.

لم يحدث هذا لمجرد دعوى ادعاها الشيعة، وإنما يوجد في مصادرنا ما يمكن أن يُستند إليه في الاعتقاد بهذه الإشاعة، والترويج لها!

لكل علم ضوابطه

لكل علم من العلوم كاللغة والتفسير والحديث والتاريخ ضوابط تسمى بالقواعد والأصول تحكم التعامل معه والانتفاع به. منها ما له تعلق بالعلم المعين، ومنها ما له تعلق بالمعلوم. مثلاً: يصح الحديث المروي بسند صحيح متصل بلا شذوذ ولا علة. هذا ضابط صحة الحديث، وهو داخل في صلب العلم. لكن تنزيله على المعلوم يخضع لضوابط أخرى. ففي فروع الفقه يسوغ بناء الحكم على الاجتهاد أو القياس عند فقدان النص، أو كان النص ظنياً. لكن أصول الاعتقاد لا تبنى إلا على النصوص القطعية ثبوتاً ودلالة. وهنا اختلف الضابط تبعاً للمعلوم.

منطق الحدث

في معلوم موضوعنا ضوابط تضاف لا يستقيم الحكم من دونها. من هذه الضوابط ما يمكن تسميته بـ”منطق الحدث” أو طبيعته. وهو ضابط به ندرك هل يمكن انطباق الحديث على الحادث؟ وهل يتوافق المنقول مع المنقول عنه؟ فالرواية التي تقول إن نبي الله داود عليه السلام فتن بزوجة القائد أوريا لما رآها عارية تغتسل إذ اطلع عليها من فوق سطح داره، فدبر له مكيدة للتخلص منه، وتزوجها من بعده. وشبيه بها ما يروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قصة زواجه من أمنا زينب رضي الله عنها: كل هذا مردود بـ”منطق الحدث”؛ إذ لا يعقل أن نبياً يرتكب مثل هذا.

وقد تكلم ابن خلدون في (مقدمته) عن هذا الضابط فقال: “للعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات والآثار… فإن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تُحكَّم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق. وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط”.

منطق الحدث ينقض الحديث

بناء على هذه القاعدة العظيمة نقول: إن القول بأن معاوية كان يلعن علياً على منابر الجمعة في بلاد الإسلام على عهده مردود بضابط “منطق الحدث” وذلك من وجوه عديدة منها:

  1. كان معاوية رضي الله عنه أحد رجال العرب المعدودين الذين اشتهروا بالحلم والأناة وسعة الصدر وحسن السياسة. كان حلمه يسع سفهاء يتجاوزون عليه في مجلسه؛ حتى صار حلمه مضرب الأمثال! فلا يعقل أن يسع حلم معاوية عامة الناس وسفهاءهم، ويضيق بمثل علي بن أبي طالب وهو من هو في فضله وسبقه، فيأمر بعد ذلك بلعنه على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان! هذا لعمر الله من أبعد الأمور عن طبيعتها ومنطقها. إن هذا الفعل لا يليق إلا بنزق حقود ضيق العطن، حصر الصدر، ضعيف مكبوت ينفس عن ألمه وحقده بمثل هذه السفاسف. ولم يكن معاوية كذلك. أضف إلى ذلك ما ثبت من فضله في الدين، وسموه في الخلق، وثناء الصحابة عليه وخيار التابعين، وما شهدوا له به من الدين والعلم والفقه والعدل والحلم وسائر خصال الخير ما يتناقض وهذا الفعل.
  2. إن أول ما يعني الحاكم هو السلم الاجتماعي واستقامة الأمور واستقرار الأمن وهدوء الناس؛ وسب شخصية كبيرة مثل علي، خصوصاً على المنابر، يناقض كل هذا: فهو يثير الناس، ويبعث الأحقاد، ويهيج الفتن، أفيسعى عاقل في خلخلة نظامه، وتقويض ملكه؟! والحكمة وحسن السياسة تقتضي منه العكس، لما فيه من تهدئة النفوس وتسكين الأمور. ومثل هذا لا يخفى على حاكم عادي من الحكام، فكيف بمعاوية في مثل عقله وفطنته وحدة ذكائه وبعد نظره وسعة أفقه، وهو الخبير بالملك وما يثبته وينقضه؟!!! لا سيما والدولة أو الأمة قد خرجت للتو من حرب أهلية دامت بضع سنين. أي نفع له في السب وهو الحاكم المطاع الذي دانت له البلاد، واجتمعت عليه قلوب العباد؟!
  3. كان بين معاوية بعد بيعة الحسن له واستقلاله بالخلافة، وبين أبناء علي وأقاربه كأبناء العباس: من الألفة والتقارب ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ. وقد كان الحسن والحسين كثيراً ما يفدان على معاوية في الشام ويمكثان عنده معززين مكرمين. وما من شك أنهما كانا يصليان الجمعة في مساجد العاصمة. أفيعقل أنهما يسمعان بآذانهما سب أبيهما تضج به المنابر ويسكتان على ذلك، وتستمر العلاقة مع معاوية رائقة رقراقة لا يعكر صفوها شيء؟! ثم لا يرجعان حتى توقر ركائبهما ذهباً. إن سيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما أكرم وأجل وأعز من ذلك. حقاً إن واضع هذه الروايات لا يتصور ما يقول!
  4. إن قبول هذه الرواية يستلزم الطعن بالصحابة رضي الله عنهم، من حيث أنهم يشهدون هذا الزور دون نكير منهم أو سعي لتغيير. وهذا يعني أنهم قد مالأوا الحاكم على الظلم والبغي، واتفقوا على الضلال! ومن له أدنى اطلاع على أخلاق الصحابة علم أنهم رضوان الله عليهم يتورعون عن مثل هذه الأعمال والأقوال، ولا يرضخون لضيم أو يسكتون عن ظلم. وهم يعلمون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن سب المسلم أو لعنه، وقوله: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء). إلى غيره من الأحاديث التي تزجر عن هذه الفعلة القبيحة، والتي يتورع عنها عوام الناس لعلمهم بحرمة دم المسلم وعرضه، فما بالك بالصحابة الكرام ومن شهد بدر و بيعة الرضوان؟! والله قد نزههم عن هذا وأمثاله في مئات الآيات منها قوله جل وعلا في معرض ذكر صفات عباده: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72). ومن أولى من الصحابة بهذا الوصف؟ كما إن تلك الأحدوثة تعني أن خيرة الأمة تلعن خيرة رجالها. فمعاوية رضي الله عنه حكم في زمن الصحابة والتابعين، والدولة الأموية في المشرق لم يتجاوز زمنها فترة القرون الثلاثة المفضلة. أفيعقل أن خيرة الأمة يلعنون خيرة رجالها؟ والإجماع منعقد بلا مخالف على فضل سيدنا علي وخيرته وسبقه.

وهناك أمور أخرى تعارض الدعوى أعرضت عنها لعدم الإطالة. إذن (منطق الحدث) يتناقض مع وقوع مثل هذا مع الحيثيات التي ذكرناها آنفاً.

من يلعن من ؟

وقفة مع أحدوثة اللعن على عهد الأمويين

(2)

رواية اللعن على المنابر موضوعة لا تثبت

إن موضوعنا الذي نحن بصدده فيه مسألتان: الأولى أن علياً رضي الله عنه كان يُلعن على أعواد المنابر عامة العهد الأموي حتى مجيء عمر بن عبد العزيز. والثانية: أن سباً وشتماً أو لعناً حصل هنا أو هناك. وهذه سنأتي إليها لاحقاً.

أما الأولى فقد ناقشناها من حيث المتن، وبينا كيف أنها لا تتوافق مع معيار (منطق الحدث). والآن جاء دور النظر في سندها.

ذكر هذه القصة الطبري في تاريخه (5/71) من طريق أبي مخنف عند ذكر قصة التحكيم. قال: (كان – أي علي – إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور السلمي وحبيباً وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد. فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس والأشتر وحسناً وحسيناً)!

والطبري لم يشترط لروايات كتابه الصحة وقد صرح بذلك في مقدمته، وأحال الناقل على السند. وسند الرواية يكفي لسقوطه أن فيه لوط بن يحيى (أبو مخنف) وهو كذاب متروك الحديث وإخباري تالف لا يوثق به وعامة روايته عن الضعفاء والهلكى والمجاهيل. انظر (الميزان:3/419). ولهذا قال ابن كثير بعد ذكر الرواية (البداية والنهاية:7/284): (ولا يصح هذا).

وعن الطبري تداول هذه الحكاية بعض المؤرخين. ثم تفنن من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة وغيرهم من الفرق الضالة أعداء الصحابة؛ كالمعتزلة والخوارج في حبك هذه الأكذوبة والزيادة عليها، وأنها استمرت يُعمل بها عشرات السنين على منابر المسلمين دون أن ينكرها أحد! إلى أن جاء عمر بن عبدالعزيز فأبطلها.

وروى ما يشبهها ابن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد، عن لوط بن يحيى، قال: (كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلاً رضي الله عنه، فلما ولي هو أمسك عن ذلك). فهذا الأثر واهٍ كما قال النقاد (انظر مثلاً محمد علي الصلابي في كتابه (عمر بن عبد العزيز ص107): فعلي بن محمد هو المدائني فيه ضعف، وشيخه لوط بن يحيى كذاب تالف كما مر بنا.

وأضاف الصلابي يقول: “قد اتهم الشيعة معاوية رضي الله عنه بحمل الناس على سب علي رضي الله عنه ولعنه فوق منابر المساجد ، فهذه الدعوة لا أساس لها من الصحة، والذي يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل حتى صارت عند المتأخرين من المسلًمات التي لا مجال لمناقشتها علماً بأنها لم تثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء في كتب الدميري واليعقوبي وأبي الفرج الأصفهاني. علماً بأن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء، من احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار. فحكاية لعن علي على منابر بني أمية لا تتفق مع منطق الحوادث ولا طبيعة المتخاصمين.

فإذا رجعنا إلى الكتب التاريخية المعاصرة لبني أمية، فإننا لا نجد فيها ذكراً لشيء من ذلك أبداً، وإنما نجده في كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بني أمية في نظر الجمهور الإسلامي. وقد كتب ذلك المسعودي في مروج الذهب وغيره من كتًاب الشيعة. وقد تسربت تلك الأكذوبة إلى كتب تاريخ أهل السنة، ولا يوجد فيها رواية صحيحة. فهذه دعوة مفتقرة إلى صحة النقل، وسلامة السند من الجرح، والمتن من الاعتراض، ومعلوم وزن هذه الدعوة عند المحققين والباحثين”. إ.هـ. قول الصلابي.

وفي رواية الطبري أن علياً كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن علياً وأصحابه. وهذا يناقض أيضاً المعلوم من أخلاق علي رضي الله عنه ونهيه عن السب والشتم. لكن يلزم من يحتج بهذه الحكاية الباطلة على ذم معاوية أن يقول مثل ذلك في علي رضي الله عنهما. بل ما هو أشد لأن الرواية تذكر أن علياً كان هو البادئ باللعن والسب، ومعاوية إنما تكلم باللعن رداً عليه! والله يقول: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (الشورى:41). فإن اعتُذر لعلي فليُعتذر لمعاوية. فإذا انتقض – بناء على هذا – ثبوت لعن علي لمعاوية انتقض معه ثبوت العكس، وهو لعن معاوية لعلي؛ إذ الأمران وردا في رواية واحدة لم تثبت. لكن أهل البدع والزيغ والجهل يتمسكون بما يتوافق وأهواءهم، ويعرضون عما يعارضها. فيتناسون أن علياً – طبقاً للرواية – كان يلعن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم! ويتباكون على أن معاوية كان يلعن علياً وغيره. فلماذا يذكرون لعناً، ويبلعون لعناً مثله؟!

على أنه في كل الأحوال ليس في الرواية ما يفيد أن اللعن على المنابر. فمن أين جاءت هذه الأسطورة؟

السب والنيل المطلق

إذا انتهينا من موضوعة اللعن على المنابر، أتينا إلى موضوع السب أو النيل الذي يمكن أن يقع في حال أو وقت دون آخر، فأقول:

قرائن اللفظ الحالية ضابط آخر

لقرينة الحال أثر كبير في تفسير اللفظ الواحد وحمله على عدة وجوه من المعاني والمقاصد. فقولك لشخص وأنت غاضب تشير إلى الباب: “تفضل”، له معنى مغاير لمعناه في حال أنه استأذنك للخروج فقلت له وأنت تبتسم الكلمة نفسها: “تفضل”. من أسباب اختلاط الفهم واختلاله أن الراوي أحياناً يذكر اللفظ مجرداً عن قرينته الحالية.

إن هذا يسبب اضطراباً في الفهم واختلافاً في التفسير، يجعل اللفظ محتملاً لأوجه، ولا يصح حمله على ظاهره مطلقاً سيما إذا قامت في وجهه عوارض. وهنا نحتاج إلى ضوابط معينة لفهم النص. سنذكر بعضها بعد رواية الإمام مسلم.

مع رواية الإمام مسلم

روى الإمام مسلم بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد رضي الله عنه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن أسبه. لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم… (وذكر الحديث). وهذا أقوى نص ورد في ذلك. وثمة روايات لهذه المحاورة بألفاظ أخرى، رواها ابن ماجة وغيره، لا تثبت لانقطاعها ومجيئها عن طريق ضعفاء. لنا مع هذه الرواية وقفات:

  1. إن زيادة قول معاوية لسعد: “ما منعك أن تسب علياً” زيادة شاذة معلولة الإسناد. وإن الصحيح ما رواه الإمام مسلم نفسه بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
  2. الرواية خارجة عن موضوع لعن معاوية علياً على المنابر، فضلاً عن استمرار هذه الخطيئة أربعين سنة من بعده.
  3. إن “منطق الحدث” من كون معاوية صحابياً وقافاً عند حدود الله، وحليماً حكيماً…إلخ مما ذكرناه سابقاً يفرض علينا حتماً حمل اللفظ على محمل آخر غير ما يبدو من ظاهره.

قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها. قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله. وقد تأول العلماء تلك الزيادة كالنووي والقرطبي. قال القرطبي (المفهم:20/30): “قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا التراب؟ وهذا ليس بتصريح بالشيء؛ وإنَّما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن وعرف الحق لمستحقه”.

زيادة مسمار .. بيان ضعف رواية مسلم

إن زيادة قول معاوية لسعد: “ما منعك أن تسب علياً” زيادة غريبة شاذة بل منكرة معلولة الإسناد. والعلة في بكير بن مسمار. وهو ضعيف خالف فيها الثقات.

ضعفه البخاري، وترجم له العقيلي في (الضعفاء). وقال (الضعفاء الكبير، 1/150): بكير بن مسمار أخو مهاجر بن مسمار حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري يقول: بكير بن مسمار أخو مهاجر مولى سعد بن أبي وقاص، المدني، روى عنه أبو بكر الحنفي. قال البخاري: في حديثه بعض النظر.إ.هـ.

والحديث أصله الذي رواه الثقات عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)، ليس فيه هذه الزيادة: “ما منعك أن تسب علياً”، التي رواها مسمار بن بكير عن عامر بن سعد. لكن مسلماً يرويها عن عامر بن سعد نفسه، وذلك تحديثاً عن أربعة من شيوخه الثقات (وهم يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصبّاح وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس، كلهم عن يوسف بن الماجشون (واللفظ لابن الصبّاح) حدثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: قال رسول الله لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

قال د. محمد طاهر البرزنجي([1]): أي إن بكير بن مسمار وسعيد بن المسيب كلاهما رويا الحديث عن عامر بن سعد عن أبيه سعد، وليس في رواية سعيد بن المسيب هذه الزيادة. ومما لاشك فيه أن سعيد بن المسيب أحفظ وأثبت عشرات المرات من بكير بن مسمار. والجمع من الرواة الثقات هم أولى بالحفظ من الثقة الفرد، فما بالك لو كان هذا الفرد (بكير بن مسمار) ضعيفاً، بينما من خالفه أحفظ وأكثر عدداً. إ.هـ.

كما ورد الحديث في (صحيح مسلم) دون زيادة مسمار عن طريقين نظيفين هما:

2. الحكم، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه… .

3. شعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه… .

وبهذا يظهر قطعاً أن هذه الزيادة منكرة، استخرجها مسمار من كيسه. ولا يفوتنك أن مسمار مولى، وتفوح من زيادته، مع زيادات أُخر في الرواية، رائحة التشيع. وكثير من الطوامِّ إنما دخلت علينا من الموالي!

علماً أن مسمار ليس من رجال مسلم، وإنما ذكره مسلم استشهاداً لفائدة يقتضيها السياق، لا احتجاجاً. قال د. البرزنجي (في بحثه السابق): “ولم يستشهد مسلم ببكير بن مسمار إلا في موضعين من (الصحيح)؛ فهو ليس على شرط مسلم. ولم يعتمد عليه مسلم في مواضع الاحتجاج، وإنما ذكره في محل الاستشهاد؛ لفائدة استدعته؛ لذلك أخرج مسلم نفسه الحديث من طرق أخرى متعددة أصح إسناداً بكثير من هذا الاسناد ومن طريق رواة ثقات يحتج بهم مسلم كل الاحتجاج دون ذكر هذه الزيادة”. إ.هـ.

والفائدة التي من أجلها ذكر الإمام مسلم الزيادة المروية عن مسمار هي التنبيه على ضعفها؛ ولهذا جاءت الرواية عنه مقرونة بالإسناد المتعدد عن أولئك الثقات مجرداً عن زيادة مسمار.

ضعف رواية ابن ماجة

وضعف د. البرزنجي رواية ابن ماجة في (سننه): حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا موسى بن مسلم، عن ابن سابط – وهو عبد الرحمن – عن سعد بن أبي وقاص، قال: (قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد). قال البرزنجي: وعلتها علي بن محمد، وفيه ضعف. وعبد الرحمن بن سابط ثقة لكنه كثير الإرسال. وقد حكم أئمة الحديث كالحافظ ابن معين وأبو زرعة والذهبي (تقريب التقريب ترجمة 3867) بأنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص؛ فالرواية غير صحيحة.

رجل من آل مروان

هناك رواية فيها أن رجلاً من بني مروان أمر غيره شتم علياً رضي الله عنه أو لعنه. وحتى نضع الرواية موضعها لا بد من استحضار ضابط (منطق الحدث). ذكر ابن خلدون في النص السالف الذكر في بداية المقال أن من أسباب الزلل في فهم الحوادث عدم قياس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب. وهو ملحظ مهم من ملاحظ ضوابط الحدث. فقد وجدنا كثيراً في الخصومات أن أقارب صاحب المشكلة وأتباعه قد يكونون أحرص منه على الخصومة، وأبلغ منه في القول والفعل المضاد، حتى إنه يحصل أحياناً أن تتحول الخصومة بين الصف الواحد بسبب إنكار صاحب الشأن على بعض المتجاوزين من أتباعه وعدم التزامهم بتوجيهاته. ومن هنا جاء المثل (ملكي أكثر من الملك). وسببه الجهل والتعصب وعدم تقدير العواقب وأمثال ذلك. وقد حصل معي مثل هذا مرات. حتى إن أخاً لي في واقعة معينة تجاوز فيها الحدود المسموحة فنهرته ونهيته بشدة، لكنه خالفني وظل مقاطعاً لي شهوراً بسبب ذلك. ومن المؤكد أن بعض من لا يعرف حقيقة الأمور يُحمِّل صاحب الشأن مواقف غيره من أقاربه أو أتباعه، ويحسبها عليه. والمفروض في مثل هذه الحال أن ينظر المراقب ليرى هل ما يصدر من التابع يتوافق وأخلاق وعوائد المتبوع أم لا؟

إذا استحضرنا هذا الضابط استطعنا أن نَحمل هذه الرواية على محملها الصحيح طبقاً لما تقتضيه طبيعة الأمور. روى مسلم قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان. قال فدعا سهل بن سعد. فأمره أن يشتم عليا. قال فأبى سهل. فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا التراب. فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب. وإن كان ليفرح إذا دعي بها. فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا التراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة. فلم يجد عليا في البيت. فقال (أين ابن عمك؟) فقالت: كان بيني وبينه شيء. فغاضبني فخرج. فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان (انظر. أين هو؟) فجاء فقال: يا رسول الله! هو في المسجد راقد. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول (قم أبا التراب! قم أبا التراب!).

فالرواية فيها ذكر (رجل من آل مروان)، ومعاوية من آل أبي سفيان. فهو معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد مناف. أما مروان فهو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد مناف. فانظر كم بينهما من أب؟! والرجل من آل مروان، فقد يكون من أحفاده. فما علاقة معاوية بالأمر؟ إن مثل معاوية مع قريبه وعامله على المدينة هذا كمثلي مع أخي الذي ذكرت قصته قبل قليل.

وحصول مثل هذا من أطراف أخرى في زمن معاوية رضي الله عنه أو بعده، معه أو ضده، يجري مجرى هذه الواقعة. وليس هو بمستغرب عندما يستحضر القارئ مستوى الخصومة التي وقعت بين أطراف الصراع؛ إذ وصلت حد التقاتل والحروب التي فرقت حتى بين البيت الواحد. وهذه لا شك تسحب وراءها ذيولاً من الإحن والأحقاد والثارات والكلام بحق أو بباطل بعضهم ضد بعض. فما وقع بين القوم لم يكن نزاعاً أو عراكاً بالأيدي ساعة من نهار، ثم انتهى في ساعته. إنها حروب! وحروب دامت سنين.

الغريب أن عامة المستنكرين لوقوع السب حين يعترض معترض على وقوع التقاتل بين الطرفين يجدون ما يتأولون به لهما، لكنهم يقعون فيما هو أشد حين يعترضون أو يستغربون وقوع ما هو أخف من القتل والتقاتل بينهما كالسب واللعن وما شابه! ولله في خلقه شؤون!!!

على أنني راجعت ترجمة عبد العزيز بن أبي حازم (سلمة بن دينار) فوجدت توثيق العلماء له من ناحية الحديث فيه لين. وإنما هو موثق من حيث الفقه. ففي (تهذيب الكمال:18/123): أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: لم يكن يعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه فإنهم يقولون: إنه سمعها. وكان يتفقه لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه. ويُقال: إن كتب سُلَيْمان بن بلال وقعت إليه ولم يسمعها. وقد روى عن أقوام لم يكن يعرف أنه سمع منهم. يحيى بْن مَعِين: ثقة صدوق ليس به بأس. النَّسَائي: ليس به بأس. وَقَال في موضع آخر: ثقة.

ولأجل كلام الإمام أحمد السابق ذكر الإمام أبو جعفر العقيلي اسمه في (الضعفاء كبير:3/10) وأورد زيادة عن أحمد بعد قوله: “إن كتب سليمان بن بلال صارت إليه” هي: “قلت له: وكان يدلسها؟ قال: ما أدري أخبرك. حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا عمرو بن علي قال: ما رأيت عبد الرحمن بن مهدي حدث عن ابن أبي حازم بحديث.إ.هـ.

وعبد العزيز هذا مولى لبني مخزوم، وأنا لا أثق برواية الموالي في مثل هذه الأمور وإن كانوا ثقاة.

من يلعن من ؟

وقفة مع أحدوثة اللعن على عهد الأمويين

(3)

علي وعمه العباس يتساببان أمام الملأ

روى البخاري قصة تخاصم علي وعمه عباس رضي الله عنهما بسنده عن مالك بن أوس النضري: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه، إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير، فاستب علي وعباس، فقال الرهط: يا أمير المؤمنين اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر).

وهذا ربما أشد مما جاء عن معاوية وعلي من الآثار، سيما وأن عباساً هو عم علي فكيف يسب الرجل عمه، والعم صنو الأب كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولكن مثل هذا يحدث بين البشر، ولا ينفي وقوعه، أو يحمّله – إذا ثبت عنده وقوعه – فوق ما يحتمل، إلا من لا يستحضر طبيعة الأشياء، أو يجرد الإنسان من بشريته: فيرفعه أو يخفضه كأنه ليس من جنس البشر. وهؤلاء هم أهل (النظرة العصموية) من الشيعة، و (النظرة التقديسية) من أهل السنة. وفي قصة ماء خم أن سباباً وخصومة حصلت بين علي وبعض الصحابة، وكذا حصل بين خالد وابن عوف رضي الله عنهما. فكان ماذا؟ فعلام نقبل مثل هذا ونتأول له، ثم لا نتصور وقوع مثله أو ما هو دونه بين اثنين هما علي ومعاوية؟!

هذه هي طبيعة الأشياء بين الأقران وما يحصل بينهما من مماحكات وخصومات بسبب حركة الحياة وتعارض الإرادات واختلاف التأويلات، بصرف النظر عن صحتها من خطئها.

حقيقة المشكلة بين علي ومعاوية

ما حصل بين علي ومعاوية هو اختلاف شديد، وصراع إلى حد التقاتل الذي سفكت فيه الدماء، وأزهقت فيه أرواح الأحبة. ولكل واحد منهما نظرته واجتهاده. ولست في معرض الحديث عن هذه المسألة، وعذر كل واحد منهما، ومقدار اقترابه وابتعاده عن الحق. فذلك أمر يطول، ويحتاج البحث فيه إلى ضوابط عديدة، مر بعضها في هذا المقال. أراها مفقودة – كلياً أو جزئياً – عند أغلب من خاض في الموضوع؛ ولذلك لم يصلوا إلى الصورة الأقرب إلى الحقيقة.

المهم أن الرجلين اختلفا إلى حد القتال. وهنا نسأل: أيهما أشد وأعظم وأفظع أن يقتل الرجل صاحبه – وقد كان علي ومعاوية حريصين على ذلك في ساحة القتال – أم أن ينال منه بكلمة في مجلس ما، في حالة الله أعلم بماهيتها؟

لا شك أن القتل أعظم وأشد وأفظع. ومع ذلك فنحن نقر بوقوعه بينهما، ومع وقوعه نبتغي له التأويل الحسن للجانبين. فتأويل الأخف أولى وأحرى.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فليس بمستغرب أن يكون بين المختلفين إلى هذا الحد كلمة نابية أو نيل من الآخر في حال تدفع إلى مثله. إنما المستغرب العكس، وهو إنصاف الآخر، ثم ذكره بخير، ومدحه والثناء عليه، والنهي عن ذكره بسوء. وهو الغالب على علاقة الرجلين ببعضهما، وفي الأثر من ذلك الكثير. هذا هو ما ينبغي أن يكون (مركز النظر)، وليس ما نجد عليه أكثر الخائضين فيه؛ لأنهم يجردون الحدث من طبيعته وقرائنه وظروفه التي كان عليها.

من يلعن من ؟

أخيراً أقول كما يقول غيري: إن هؤلاء المبتدعة ينكرون سب معاوية لعلي وهو قرينه، وهم لا يتورعون عن سب خير البرية بعد الأنبياء أبي بكر وعمر وعثمان! وكتبهم طافحة بذلك. بل يلعنون سعداً بن أبي وقاص محررهم من عبودية المجوس، وسعد لا يرضى بسب علي ويروي من فضائله ما يقول عنها: (لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم)! ويلعنون سهلاً بن سعد الذي يأبى أمر الحاكم بشتم علي، ويحتج بفضائله!

ملكنا فكانَ العفوُ منا سجيةً فلما ملكتمْ سال بالدم أبطُحُ
وحللتمُ قتل الأُسارى وطالما رجعنا على الأسرى نمنُّ ونصفحُ
فحسبكم هذا التفاوتُ بينَنا وكلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضحُ

وصدق ابن كثير إذ يقول عن هؤلاء في تفسير قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100): (قلوبهم منكوسة وعقولهم معكوسة إذ يسبون من رضي الله عنهم).

هذه هي المشكلة ، وهذا هو الطريق

يقول الشيعة: إن الأمويين نشروا سبعين ألف منبر لشتم علي والطعن فيه. بينما الحقيقة هي أن الشيعة هم الذين نشروا سبعين مليون منبر لشتم الصحابة وعظماء الإسلام منذ قتل رستم وإلى اليوم! وهذه مفارقة كبيرة لا يمكن ردم هوتها! إن معاوية والأمويين قد ماتوا وأفضوا إلى ما قدموا، والله حسيبهم على ما فعلوا. فإن كانوا سبوا أو شتموا فالموعد الحشر، وعرصات يوم القيامة عند حكم عدل لا يظلم عنده أحد مثقال ذرة؛ فما لكم تستعجلون؟! عليكم إذن أن تقفوا عند المهم وهو هل إن أهل السنة اليوم يسبون أو يلعنون؟ فإن لم تجدوا جواباً بالإيجاب تكون المشكلة قد انتهت. فعلام أنتم تستشكلون وتشكون وتبكون وأنتم سامدون؟!

لكنكم لا تريدون للمشكلة أن تنتهي بدليل أنكم تصرون على تسميتنا بالنواصب، وتتهموننا باللعن والسب، وتحملوننا أوزار التاريخ التي اختلقتموها أو حرفتموها. وعلى ذلك تقتلوننا وتذبحوننا. والعراق اليوم شاهد. وهذا هو المقصود، وهو المطلوب لمن يحرك الأمور سراً أو جهراً. فلو صدقت نواياكم لما فعلتم شيئاً من هذا. إذن ثمة قصد مسبق من وراء التهمة، وإصرار عليها… وإن اتهامكم لنا مع ثبوت براءتنا دليل على أن الحال واحدة بيننا وبين أسلافنا: فأنتم تتهمونهم بأمر هم منه برءاء، كما تتهمونا سواء بسواء.

لكن ليس هذا هو الأهم في الموضوع. إنما هو أنكم أولى بالتهمة، وأنتم أحق بها وأهلها! فأنتم تلعنون خيار الأمة، ممن هو دون علي، أو هو خير منه لا فرق عندكم. وتصرحون بهذا في شاشات فضائياتكم وفي مظاهراتكم وكتبكم ونشراتكم وفي كل مكان وزمان. وقد خصص المجلسي مجلداً هو المجلد (30) من موسوعة الكذب المسماة (بحار الأنوار)، وإنما هي (بحار الأوزار)، لتكفير أبي بكر وعمر وعثمان ولعنهم وسبهم سباً مقذعاً، والشهادة لهم بأشنع العذاب وأفظعه في أدنى دركات جهنم!

من هم النواصب إذن؟ الذين يترضون عن الأصحاب جميعاً بمن فيهم علي وآله؟ أم الذين يلعنون الصحابة علناً ويناصبونهم ويناصبوننا معهم العداء؟ ويطعنون في علي وآله طعناً مبطناً ليس من الصعب على الفطن إدراكه؟

هؤلاء هم النواصب! وهم الروافض!

وهذه هي المشكلة! فلا تلتفتوا إلى أوهام سواها.

ونصيحتي لأهل الحق أن لا ينشغلوا بالدفاع؛ فما عندنا شيء في حاجة إليه مع قوم هم أولى بالدفاع عن أنفسهم وتغطية سوءاتهم التي لا يغسل قذاها بحار الدنيا. فهاجموهم – لله أبوكم! – وافضحوهم وأشغلوهم بأنفسهم.

هذا هو الطريق فاستمسكوا به إنكم على صراط مستقيم.

الأربعاء

22/4/2009

  1. . في بحث بعنوان (حقيقة معاوية رضي الله عنه) على الرابط:

    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=266680

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى