مقالات

اللهم احفظ العراق وأهله .. مقتدى في تركيــــا .. لماذا ؟ (تحليل سياسي)

news1241550393

وأنا أنظر إلى مقتدى وكيف استقبله الأتراك قبل أيام استقبال الرؤساء! تذكرت زيارته للسعودية في موسم الحج قبل ثلاث سنوات، وكيف استقبله السعوديون يومها استقبال الأمراء! ثم ما إن رجع من هناك حتى هاجمهم: لماذا يرفضون بناء قبور أهل البيت في البقيع! مع أن قبور الجميع سواسية في هذا الصنيع. وما إن وقعت تفجيرات سامراء حتى اتهم الحكومة السعودية بأنها وراء العملية المدبرة! وحمدت الله سبحانه على أنني كعربي يمكن لي أحياناً تجاوز الموقف بحيل بسيطة كتلاوة بيت شعر مثلاً! وهنا وجدت لساني يدغدغدني؛ فإذا به يقول:

لقد هزلتْ حتى بدا من هُزالِها كُلاها وحتى سامَها كلُّ مُفلسِ

ويتساءل الكثيرون: ما سر هذه الزيارة؟ وما السبب وراء هذه الحفاوة؟

إذا أردت أن تعرف الجواب، ولو على سبيل التقريب، عليك أن تبحث في الفائدة التي يمكن أن يجنيها كل طرف من الأطراف الظاهرة والباطنة. وهنا تحتاج إلى أن توسع من أبعاد الصورة لتضم كل عناصرها الممكنة.

أما أنا فقمت باستقراء لآراء من خاضوا في هذا الشأن، وعملت لها خلاصة، ضمنتها هذه السطور، بعد أن حللت المسألة إلى عواملها الأولية، وأطرافها الأساسية:

الأمريكان

الطرف الرئيس في اللعبة هم الأمريكان. فما هو ربحهم من هذه الزيارة؟

العراق، بعد إعلان جدولة الانسحاب الأمريكي، مقبل على واقع جديد. لا يمكن لأمريكا، التي أطلقت على انسحابها الموعود اسم (الانسحاب المسؤول) أن تتركه هكذا دون ضبط أزرار الإيقاع قدر الإمكان. أمريكا – في غياب الدور العربي – لا تريد لإيران ذات المشروع القومي الإمبراطوري أن تنفرد بالساحة العراقية وحدها. فهي تبحث عن طرف قوي منافس لإيران، طرف حليف يحقق لها ترتيب الأوضاع بما يخدم مصالحها قبل الجلاء. وليس كتركيا مرشحاً للعب هذا الدور: فهي دولة سنية يمكن أن توازن إيران الشيعية، وعضو في حلف شمال الأطلسي، وذات علاقة مع كيان إسرائيل، ومقبولة من الأطراف السنية. كما أنه لا بد من السيطرة على النزاعات الطائفية المحتملة فيه، والتحكم بملفها بحيث يبقى المفتاح بيدها، وليس أفضل من إيران الشيعية وتركيا السنية لأداء هذا الدور. لهذا أعطت أمريكا لتركيا الضوء الأخضر للدخول الى الواقع السياسي العراقي، للحد من دور ايران المتنامي فيه.

أما التيار الصدري، فليس أفضل منه في نظر أمريكا – وبقية الأطراف أيضاً – للقيام بدور الوسيط والمظلة المشتركة بين إيران وتركيا. فهو على علاقة مع إيران من جهة، ويحمل مواصفات ترشحه لأن يكون مقبولاً لدى تركيا من جهة أخرى. فبعض الدوائر السنية روجت – وما زالت تروج – على أنه تيار وطني، وهذا له أثره في الخارج، ومنه تركيا. ويعد من المعارضين الأقوياء لمشروعات فدرلة العراق، ويدعم باستمرار فكرة وجود حكومة مركزية قوية في بغداد. وبصرف النظر عن الدوافع الإيرانية وقف مسانداً للاقتراحات التركية بشأن قضية كركوك. كما يرفض أن تترك هذه المدينة تحت السيطرة الكردية. وهذا ما تريده تركيا أن تتعامل مع طرف شيعي مقبول سنياً، ولو بنسبة معينة، وأمريكياً، ويتناغم معها في أهم ملفاتها العراقية. إذن مقتدى يمثل حلقة وصل جيدة لكل الأطراف. وهو يريد استغلال هذه الفرصة لصالحه. فكانت رسالته لأنقرة: نحن جاهزون للتنسيق معكم في العراق، وبضمان إيراني.

في ضوء هذا التحليل نفهم ترحيب واشنطن بالزيارة، ووصفها بالإيجابية. كما أن مقتدى من جانبه كرّر تأكيده على وقف العمليات المسلحة ضد الأمريكان، واقتصاره على ما أسماه بـ(المقاومة السياسية والثقافية). وشدّد الشيخ صلاح العبيدي الناطق الشخصي باسم مقتدى على تعهد التيار الصدري بعدم استخدام العنف ضد الجنود العراقيين، مؤكداً في الوقت نفسه على أن إعادة انطلاق التيار الصدري في مهمته “الجهادية” ضد الحضور الأجنبي في العراق، يعود الى قرار خاص من مقتدى الصدر نفسه.

إيران وتركيا

إيران تمسك بخيوط اللعبة في العراق بقوة. لكنها مضطرة للاعتراف بالدور التركي المتنامي في المنطقة. وعلى هذا الأساس ألجئت إلى التنسيق معها لتقاسم النفوذ داخل العراق. ولا أحسن من التفاهم والتنسيق بين الأقوياء. ولكن إيران لا تسلم للواقع بسهولة، ومن طبيعتها المناورة والمراوغة إلى أبعد مدى. إنها طبخة إيرانية صدرية بستار تركي.

أما تركيا فلها مصالحها القوية في العراق، وتريد أن تكون لاعباً أساسياً في المنطقة، خصوصاً بعد استلام أحمد أوغلو وزارة الخارجية؛ الرجل الذي يطمح أن تتحرك بلاده على كل الملفات السياسية. وقد أثبتوا في الفترة السابقة أنهم قادرون على التوسط، والتعامل مع الملفات المعقدة كحماس، الإخوان المسلمين ودمشق، إسرائيل وباكستان، إسرائيل وسوريا… وغيرها. فهي البلاد التي عُرفت في العقدين الأخيرين بأنها دولة وسيطة في منطقة الشرق الأوسط. وهي تعرف وزن إيران في الساحة العراقية.

وصل الطرفان إذن إلى قناعة كافية بضرورة التفاهم المشترك على اقتسام عناصر الملف العراقي بينهما. ويبقى تيار الصدري أفضل وسيط للوصول إلى الهدف المشترك. ظهرت أولى ثمار هذا التفاهم من خلال إعلان أنقرة يوم (5/5/2009) أنها لن تسمح للطيران الإسرائيلي باستخدام أجوائها ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأنها ستسقط أي طائرة إسرائلية في طريقها إلى هناك. على أساس أن ذلك يعد انتهاكاً للسيادة التركية. كما أعلنت أنها لن تدخل في أي تحالف دولي ضد إيران. مع الاتفاق باقتسام النفوذ في العراق، وذلك بالتنسيق مع التيار الصدري للدخول كشريك.

وهكذا وضعت الدولتان حجر الأساس لعلاقة مشتركة في العراق، قائمة على أنهما القوتان الكبريان في المنطقة.

التيار الصدري

أدرك التيار الصدري دوره المحوري في هذه الصفقة فدخل فيها ليحقق لنفسه أغراضاً متعددة منها:

  1. توجيه رسالة لمن أراد تهميشه أنه ما زال موجوداً قادراً على التحالف، ومع الكبار.
  2. إيجاد حالة توازن في علاقاته مع الطرف الذي همشه، بحيث يدخل اللعبة السياسية القادمة معه كطرف قوي لا ضعيف. ولهذا أعلن – ومن إستانبول – أنه لن يدخل في تحالف مع جبهة الائتلاف الشيعي في الانتخابات القادمة. وفي هذا السياق لا يستبعد أنه يبحث عن إمكانية التحالف مع جهة سياسية سُنّية في العراق، من المحتمل أنْ تكون الحزب الإسلامي العراقي لعلاقته الجيدة بالحكومة التركية. ولا يستبعد محللون سياسيون أن تكون أنقرة وسيطاً بين التيار الصدري والحزب الإسلامي لإجراء تحالف (شيعي – سني) كبير، يمكن أن يستوعب أطرافاً سياسية أخرى.
  3. التظاهر بعدم الطائفية، ونفي تهمة التبعية لإيران. وليس أفضل من الدخول إلى الواقع الجديد من البوابة التركية السنية لتحقيق ذلك.

بهذا يتبين ضعف ما قاله بعض المحللين من أن مقتدى أراد من زيارته الى تركيا القيام بمحاولة إعادة صياغة تحالفاته بعيداً عن تأثيرات “العمامة الإيرانية”، ولا سيما بعد أنْ تعقدت علاقات تياره بحزبي الحكومة الحالية “الدعوة والمجلس الأعلى”. ثم راحوا أبعد من ذلك يحلمون، أو يزوقون العملية بأن الرجل تنبه إلى خطورة الانجرار وراء عملية “التحفيز الطائفي” للقاعدة؛ فهو يدعو أتباعه في العراق الى تجنّب السقوط في هاوية سنة 2006! وكأن ما فعله الصدريون بأهل السنة كان رد فعل على أعمال تنظيم القاعدة، وليس العكس، كما هو الحقيقة التي شهد لها الواقع، والتي يراد لها أن تطمس، في عملية تزوير واضحة للتأريخ!

أما ما يروجه الصدريون من أن مقتدى في إيران حيث لا يمكن له العودة الى العراق؛ لأنّه لا يطمئن على حياته بوجود الأميركان فيه: فهي دعاية إعلامية لنفخه، وإظهاره بمظهر الوطني المقاوم، والمطلوب رأسه من أمريكا، التي عجزت عن الإمساك به والقضاء عليه. ولتبرير تواجده في إيران، الذي أصبح تهمة عمالة لها، مرغوب نفيها من كل من التصقت به. أما التدريب والدعم العسكري الإيراني، والأموال والأسلحة: فهم يحاولون الالتفاف عليها بشتى الحجج مثل أنهم يشترون هذا السلاح من إيران، ومستعدون لشرائه من أي طرف.

أين العرب ؟

هكذا لم يبق أمام العرب للدخول إلى العراق سوى البوابتين التركية والإيرانية وبموافقة أمريكية. غير أني أقول لهم: انظروا إلى مقتدى هذا الإنسان الألعوبة كيف هو – وبرغم محدودية عقله وإمكاناته – يستطيع اللعب على الموازنات الدولية، ليجد له موطئ قدم مع اللاعبين الكبار؟! فأنتم أقدر على ذلك منه.

الأكراد وإيران

لقد لعبت إيران على الأكراد، واستخدمتهم لترسيخ دورها في العراق، وها هي بعد أن تحقق لها ما تريد تركلهم خارج الحلبة، لتتفق مع عدوهم الأول الأتراك ضدهم. والرسالة واضحة من خلال القصف الإيراني المتزامن مع زيارة مقتدى لتركيا، وبالطائرات مباشرة هذه المرة.

ولا يخلو المشهد من طرفة

من أطرف الأمور التي سمعتها في خضم الحديث عن هذه الزيارة، ظهور مدير مكتب العلاقات الخارجية للتيار الصدري حسن الصدر على قناة الشرقية قبل يومين (10/5) ليقول وهو يتحدث عن التحالفات المقبلة للتيار: لن نستبعد الا من تلطخت يده بدماء العراقيين!!!

وأختم بهذا الدعاء من يدين نظيفتين جداً جداً من دماء العراقيين! قولوا آمين:

http://nahrain.com/i/ie/302.gif

والحمد لله رب العالمين.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى