مقالات

الجمهورية الايرانية .. العداوة الأبدية

حوار صحفي………..

حاوره : صلاح يوسف

الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي

ماهي طبيعة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ؟

هل هناك حد لطموحات ايران التوسعية ؟

هل تمتلك الدول العربية والاسلامية درعاً وقائياً يحميها من الاطماع الايرانية؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى حملناها إلى الدكتور طه حامد الدليمي وأجابنا عنها مشكورا.

 

1- هل يمكن ان تعطينا نبذة عن تاريخ التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله صحبه وأتباعه أجمعين.

تدخل إيران والشعب الفارسي في شؤون الدول المجاورة – خصوصاً العراق وأراضي الجوار العربي – ، ليس حدثاً جديداً، ولا طارئاً، ولا هو حالة ردة فعل على اعتداء أو فعل خارجي.

أسلحة المواجهة كثيرة ومتعددة. ولكن أذكر أهم مفاتيحها، وهو الإرادة، المبنية على الثقة بالله تعالى أولاً، ثم قوة الجمهور. ثم النظر في عناصر قوة وضعف العدو الإيراني. أنا أقول لك: ليس هناك أضعف من إيران، لو كانت لدينا إرادة

إن من يتتبع الموضوع يصل إلى نتيجة واحدة هي أن هذا التدخل يمثل (حالة) مستديمة، وفعلاً تاريخياً متكرراً، لم يخطئ على مدى دورات التاريخ بحيث لاحظ المؤرخون – ومنهم البروفسور العراقي أ.د. عماد عبد السلام رؤوف في كتاب (الصراع العراقي الفارسي) – أنه لم تمر فترة (15) سنة دون تسجيل فعل عدواني إيراني ضد العراق. وهذه الملاحظة الخطيرة يمكن لكل من بلغ من العمر ثلاثة عقود وأكثر أن يراها بوضوح.

يكفيك أن تعلم أن أول دولة عراقية (دولة أكد) التي قامت في وسط العراق في المحمودية دمرت على يد الفرس سنة 1159 ق.م. واستمر تدمير دول العراق على اليد نفسها، فسومر دمرت سنة 2006 ق.م.، وآشور سنة 612 ق.م. وبابل سنة 539 ق.م. بالتعاون مع اليهود، والحضر سنة 240 ب.م. ، واستمر حكم الفرس للعراق 1170 سنة حتى حرر على يد العرب المسلمين. لكن المؤامرة استمرت، والحديث عن تفاصيلها طويل.

يكفي أن نذكر نهاية الدولة الأموية ودور الفرس فيها، ثم سقوط بغداد بيد البويهيين، ثم سقوطها ونهاية الخلافة العباسية على يد المغول ودور الفرس فيه معروف. وهكذا إلى أن احتل الصفويون بغداد مرتين. واستمر الاعتداء إلى اليوم. ودورهم في إسقاط كابل وبغداد اعترف به علناً نائب الرئيس الإيراني محمد أبطحي، والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني وغيرهما من حكام فارس. دعك من احتلال قطر الأحواز العربي سنة 1925، والجزر العربية سنة 1971، وما تفعله إيران اليوم في العراق هل يحتاج إلى شرح؟ ولبنان شاهد آخر.

وعلى هذا يكون السؤال بعنوان التدخل أصغر من أن يصور الحالة ولو بصورة تقريبية. إنه عدوان، وعدوان مستمر. وأنا لي كتاب ومحاضرات بعنوان (إيران.. العداوة الأبدية).

2- ما نوع التدخل الإيراني في العراق؟ وهل لإيران أجندة في دول أخرى ؟ وما هي تلك الأجندة؟

يأخذ هذا التدخل أشكالاً متعددة منها الخفي ومنها الظاهر. يمكننا أن نقسمه إلى قسمين: فحينما تتمكن إيران يكون تدخلها علنياً بالاحتلال العسكري، وعندما تكون قوتها أقل من استيعاب مثل هذا الحدث يأخذ الشكل الخفي، الذي قد يتمدد حتى يصير مكشوفاً وسافراً.

إيران اليوم تتدخل في العراق سياسياً عن طريق عملائها من الأحزاب والمنظمات الشيعية، وتتدخل دينياً وفكرياً، واقتصادياً، وعسكرياً

إيران اليوم تتدخل في العراق سياسياً عن طريق عملائها من الأحزاب والمنظمات الشيعية، وتتدخل دينياً وفكرياً، واقتصادياً، وعسكرياً أيضاً بالفعل المباشر عن طريق عناصر الحرس الثوري وغيرهم، وغير المباشر عن طريق المليشيات الشيعية.

أما أجندة إيران فممتدة إلى كل الدول المجاورة، بل وتمتد أذرعها إلى إفريقيا وآسيا وأوربا وأمريكا وغيرها من القارات والدول. جزر القمر اليوم رئيسها متشيع يلبس الثياب والعمامة الخضراء، وينفذ مخططاً خطيراً في تشييع دولته وغيرها من محيطه القريب. والأجندة متنوعة كما ذكرت في جواب السؤال السابق.

3- هل طموحات إيران تحمل الصبغة السياسية أم الدينية ؟ ولماذا؟

ليس من السهولة الفصل بين الأمرين. إن الدين والسياسة يشتبكان عند الإيرانيين بحيث يصعب الفصل بينهما. يكفيك أن تلاحظ أن منصب الرئاسة – وهو منصب سياسي – ينحى في العقيدة الشيعية محى المنصب الديني، لا باعتبار خضوعه لشرع الله – فهذا متفق عليه – وإنما باعتبار أن هذا المنصب يماثل النبوة؛ فلا يعين فيه أحد باختيار الناس، وإنما بوحي من الله تعالى نفسه وبالاسم. وهذا التشكيل العقائدي الثنائي ينعكس على السياسة والعسكرية وغيرها من وظائف الدولة. فالرئيس في مقابله المرشد، والجيش في مقابله الحرس الثوري. والبرلمان في مقابله مجلس تشخيص مصلحة النظام. ولربما للعقيدة الزرادشتية الثنوية دخل في هذه العقلية الثنائية!

إيران تستعمل الدين أو المذهب (التشيع) كعربة لخدمة أغراض السياسة القومية العنصرية الخاصة بها، وتستعمل السياسة لخدمة المذهب، الذي تستعمله مرة أخرى لخدمة السياسة. وهي لعبة ناجحة. وأظن اتضح السر في هذا.

 

4- هل هناك حد لطموحات إيران في المنطقة؟

أبداً. وإيران هو الخطر القادم ما لم يحدث شيء ما يوقفه، أو يحد منه. إن مشروع إيران مشروع أممي، تريد به فرض التشيع بكل السبل على الأمة؛ وهذا يعود بالنفع على مشروعها السياسي. وهم يطلقون على (المرشد) لقب (ولي أمر المسلمين). وامبراطورية الفرس مسألة حاضرة بقوة في الذاكرة الإيرانية، ومناهج دراستهم شاهد على هذا. وهم لن يقبلوا بأقل من شريك منافس مع القوى العالمية، كما كانت دولة فارس في التاريخ.

 

5- ما هي أقوى الأدوات التي استخدمتها إيران في مشوارها التوسعي؟

التشيع هو أقوى هذه الأدوات. بعدها كل شيء يأتي تباعاً. ومع أهل السنة وتنظيماتهم تستعمل المال. وهذان الأمران باديان للعيان.

6- ما هي العوامل التي جعلت من إيران قوة لا يستهان بها ؟

طموحهم القومي الجارف، إخلاص قادتهم لأمتهم أو قوميتهم، ذكاؤهم السياسي المستند على عقيدة لا ضوابط لها؛ فكل شيء عندهم مباح ضد الخصوم (ليس علينا في الأميين سبيل)، التقاء مصالحهم الكبرى مع مصالح الغرب والشرق. ومن أهم هذه العوامل وهن الدول العربية والإسلامية وافتقارها إلى إرادة المواجهة، إنما يحكم العقلية السياسية العربية قاعدة التعايش مع الخطر، وليس مواجهته. وضعف الحصانة لدى جماهير المسلمين ضد خطر التشيع، والانجراف وراء الطعم الإيراني الذي لا يخطئ: فلسطين. ومشاركة الجماعات والتنظيمات الإسلامية في زيادة هذا الضعف. ويا ويلهم من الوقوف بين يدي الله جل في علاه!

إيران تستعمل الدين أو المذهب (التشيع) كعربة لخدمة أغراض السياسة القومية العنصرية الخاصة بها، وتستعمل السياسة لخدمة المذهب، الذي تستعمله مرة أخرى لخدمة السياسة

7- هل الدول العربية تمتلك سلاح المواجهة ضد المد الإيراني؟ ما هو؟ وكيف يمكن تفعيله؟

أسلحة المواجهة كثيرة ومتعددة، ولا يمكن تفصيلها في هذه العجالة. ولكن أذكر أهم مفاتيحها، وهو الإرادة، المبنية على الثقة بالله تعالى أولاً، ثم قوة الجمهور. ثم النظر في عناصر قوة وضعف العدو الإيراني. أنا أقول لك: ليس هناك أضعف من إيران، لو كانت لدينا إرادة. أساساً إيران لا تمتلك مقومات الدولة المستقرة. فإيران مكونة من خمس قوميات رئيسة متنافرة، والفرس ربما لا يزيدون على نسبة الثلث. وهم الوحيدون الذين لهم مصلحة في وحدة الدولة. أما الباقون فيريدون الانفصال. وهي دولة مصطنعة كانت تسمى دولة فارس إلى ما بعد منتصف الثلاثينيات. لو كانت لدينا إرادة لتعاملنا مع هذه القوميات بحيث تكون النتيجة تفكيك هذه الدولة الخبيثة. هل تعلم أن أكثر من (90%) من النفط والغاز الإيراني في أرض الأحواز؟ وأنابيب التصدير تمر إلى الخليج عبر هذه الأراضي. والشعب الأحوازي يتطلع بشغف إلى يوم الخلاص؛ فلو وقفنا معه ليتحرر من الاستعمار الفارسي هل يبقى لدولة اسمها (إيران) من وجود فاعل مؤثر؟! لكننا نفتقد الإرادة التي تتضح بها الرؤية. الإرادة التي تقلب معادلة (المعايشة) إلى معادلة (المواجهة). وهذا ما عنيناه بتعريف موقعنا (المنهج الأمثل لمواجهة خطر التشيع). إرادة وعقلية ستراتيجية المواجهة، لا عقلية وستراتيجية المعايشة، والإرادة الضعيفة المبنية على المنهج الترضوي الهجين.

8- ما دور حزب الله في هذه القضية؟

ما يسمى بـ(حزب الله) في لبنان يمثل أقوى أذرع السياسة الإيرانية في المنطقة العربية لحد الآن.

الهيئات الدينية المذكورة في غالبها غارقة إلى الأذقان في معادلة (النظر بعين واحدة). هؤلاء لا يرون إلا عدواً واحداً هو أمريكا واليهود. وقد تركوا أقفيتهم مكشوفة للعدو الأخطر والأقدم والأدوم. وركز على هذه الأوصاف الثلاثة!

ومعه – مع كل الأسف والأسى – اصطفت منظمات وقوى محسوبة على المشروع الإسلامي: حماس والجهاد والإخوان والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ومن هؤلاء من يبرر هذا الاصطفاف – دون تردد – بالمال الذي يحصلون عليه من إيران. وهو أمر عجيب!أن تباع العقيدة والقضية بالمال!!!

9- هل للمؤتمرات التي تعقد على مستوى رجال دين، أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو مؤتمرات القمة العربية دور في كبح جماح طموحات إيران؟

هذه لافتات لا يعول عليها كثيراً ولا قليلاً. لكن ثمة فرق بين الهيئات الدينية، والهيئات السياسية. الهيئات الدينية المذكورة في غالبها غارقة إلى الأذقان في معادلة (النظر بعين واحدة). هؤلاء لا يرون إلا عدواً واحداً هو أمريكا واليهود. وقد تركوا أقفيتهم مكشوفة للعدو الأخطر والأقدم والأدوم. وركز على هذه الأوصاف الثلاثة! لكن الهيئات السياسية الحاكمة لأنها على سدة الحكم فإن وسائل الاستشعار لديها أكثر حساسية للخطر؛ فربما يأتي من ورائها شيء. وأنا لا أستبعده. كما لا أستبعد لهذا السبب أن ينتهي التمدد الإيراني بما يسمى في السياسة (المعادلة الصفرية)، عندما يصل التمدد بالطرف الآخر إلى نقطة الصفر في التحمل، عندها سيكون شيء أشبه بالمواجهة. والله أعلم. وقد بدأت إرهاصات هذه المرحلة.

10- من من الدول العربية برأيكم تمتلك الدرع الوقائي الذي يحول بينها وبين تطلعات طهران في نشر مفاهيمها ؟

كل الدول لو أرادت. ويأتي على رأسها السعودية، مصر، الأردن.

11- هل كان احتلال العراق وإسقاط النظام في عام 2003 يصب في مصلحة إيران؟ كيف ذلك؟

كيف لا؟!!! ولولا ذلك لما سعوا جاهدين لهذا الهدف. يكفي أن تعلم أن العراق بنظام الرئيس الراحل صدام حسين استطاع أن يعوق مشروع الخميني المقبور الامبراطوري مدة ربع قرن. ولك أن ترى أن هذا المشروع قد تمدد كثيراً بعد كسر باب (البوابة الشرقية). لقد ازدادت ثقة الشيعة بأنفسهم، واليوم يتظاهرون ويتحركون سياسياً وعسكرياً – كما في لبنان – وفي أذهانهم علامة كبيرة عن كيفية استنساخ التجربة العراقية بعد الاحتلال.

12- كلمة أخيرة توجهونها إلى الحكومات والشعوب العربية.

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165). هذه الآية تفتح أمامنا أفقاً كبيراً مطرزاً بالأمل، فالعلة في أنفسنا، والشفاء يبدأ من هذه الأنفس. إذن مرتكز النظر ينبغي أن يكون على قوانا الذاتية، أما العدو وقوته فيأتي بالدرجة الأدنى. فلا نخافن من أعدائنا مهما أعدوا، ومهما جمعوا وجيشوا (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:173،174)

والله تعالى يقول أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11). فلنتوكل على الله ونترك (سياسة المعايشة)، ونلجأ اليه سبحانه ونتبنى (سياسة المواجهة). و (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:5).

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى