مقالات

الجمهورية الإسلامية .. أين الجمهورية ؟ وأين الإسلامية ؟ بل .. أين الإسلام ؟

الجمهورية-الاسلامية

هكذا تكلم – أو قريباً من هذا – أول رئيس لجمهورية إيران في عهد خميني ليلة أمس (23/6) على قناة العربية الفضائية في مقابلة خاصة عن الأحداث الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية. وهكذا تجري سنن الله الكونية في زوال الظالمين عندما (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ)؛ فحينما تكون حفيدة المؤسس([1]) إلى جانب معارضي النظام الذي أسسه يكون لصورة الخراب بعدٌ آخر! دعك من منتظري ورفسنجاني ومير موسوي (رئيس وزراء سابق) ومهدي كروبي وغيرهم من أعمدة النظام.

الجمهورية تعني حكم الجمهور الذي هو الشعب. فإذا كان (الولي الفقيه) – حسب عقيدة شعب هذه الجمهورية – في مقام (الإمام المعصوم)، وإذا كان هذا الولي بيده عامة الصلاحيات التي تتمفصل حولها مصالح الجمهور، وإذا كانت الكلمة الفصل – عندما تتعقد الأمور ولا يبقى للكلام والفتاوى أذن جمهورية تسمع – للحرس الثوري والجيش والشرطة وقوى الأمن، وإذا كان الخيار في انتخاب رئيس الجمهورية بين أرنبين لا غزال بينهما، وإذا كان الرصاص هو لغة التفاهم في نهاية المطاف….. فأي جمهورية هذه؟!

أما الإسلامية فتعني الرجوع إلى أحكام الإسلام في حكم الشعب وسياسته وإدارة شؤون الجمهورية. سأتجاوز التهمة الموجهة إلى دين إيران الرسمي في علاقته من الأساس بالإسلام، كدين تكفيري عدمي قائم على أصول مخترعة من الإمامة والعصمة وتحريف الكتاب وتكفير الصحابة وأجيال المسلمين أجمعين وغير ذلك من المخترعات المكفرة، وأستند في حديثي إلى هذا الدين نفسه في نظرته إلى مبدأ (ولاية الفقيه) التي قامت عليها (جمهورية إيران الإسلامية).

أركان الإمامة

للشيعة الاثني عشرية اسم آخر هو (الإمامية). هذا الاسم نابع من استناد الشيعة إلى عقيدة (الإمامة) اللاهوتية التي تحصر منصب الخلافة (أو الرئاسة بالمعنى الأوسع لمنصب الرأس الحاكم) بشخص منصوص عليه عيناً من لدن الله تعالى نفسه. لقد بني هذا الاعتقاد على ركنين:

الأول: أن يكون الخليفة أو الحاكم (إماماً معصوماً) منصوصاً عليه. وعلى هذا الأساس بنى الشيعة اعتقادهم في رفض خلافة الصديق رضي الله عنه فمن بعده من خلفاء وحكام الأمة، وبهذا افترق الشيعة في دينهم وتاريخهم وحياتهم وشعورهم عن الأمة.

والثاني: أن يكون الفقه منصوصاً عليه أيضاً من حيث أنه قول (الإمام المعصوم) وحده، ولا اعتبار لقول أحد من العلماء سواه، فلا اجتهاد في الفقه الشيعي طبقاً لمبدأ (الإمامة). وبهذا افترق الفقه الشيعي – ولو نظرياً – عن الفقه السني القائم على اجتهاد غير المعصوم في ضوء النص المعصوم.

انسحاب الشيعة التدريجي من أركان الإمامة

لقد جرى انسحاب الشيعة الاثنى عشرية من هذين الركنين شيئاً فشياً؛ بسبب خياليتهما وعدم تلبيتهما لمستلزمات الواقع، فكلما مر زمن تعرض الشيعة إلى تحديات تطبيقية تضطرهم إلى إعادة التفكير فيما قعدوه واعتقدوه من قبل. إن التشيع في نشأته الأولى ظهر كنظريات ارتجالية غايتها معارضة المنظومة الإسلامية التي كانت تسيطر على المنطقة. لم تكن لهذه النظريات في بدايتها كيان مؤسسي يطالَب من قبل معتنقيها بمستحقات ملموسة للنظرية المطروحة. حتى إذا وجدت المؤسسة الفقهية – ولو بصورتها البدائية – صار الفقيه مطالباً بحل المشاكل الفقهية العارضة، التي لا تستوعبها الأقوال المنقولة، لا سيما مع تعارضها وتناقضها. وهكذا ظهر (الأصوليون) في تاريخ الفقه الشيعي، إلى جانب (الإخباريين) الذين يحرمون الاجتهاد ويقتصرون على الخبر في مسائل الفقه طبقاً لما تقتضيه نظريتهم في (الإمامة)؛ فالإخباريون أقرب وألصق بعقيدة الشيعة من الأصوليين. ولكن تحديات الواقع كانت إلى غير جانبهم، وهو شأن كل باطل، فصاروا يتناقصون بمرور الزمن وأولئك يزدادون حتى تغلب أخيراً هؤلاء على أولئك.

ولا شك في أن هذه ضربة قاتلة في صميم مبدأ (الإمامة)، وشاهد صارخ على بطلانها. لكن الأهم من هذا وذاك هو أن الشيعة الإمامية قد خرجوا بذلك على عقيدتهم في (الإمامة)، وانسلخوا منها تماماً، شعروا بذلك أم لم يشعروا.

الملاحظ تاريخياً أن الانسحاب من ركنية الفقه الإمامي قد سبق الانسحاب من ركنية الحكم طبقاً لعقيدة (الإمامة). والسبب – كما أسلفت – هو تحديات الواقع؛ إذ التحدي الفقهي، من حيث حاجة الناس إلى معرفة أمور دينهم التفصيلية، هو أسبق وأكثر من حاجتهم إلى ما يتعلق من ذلك بموضوع الحكم. فلما تعرض الشيعة في بعض الأزمنة والأمكنة إلى هذا التحدي، واشتدت الحاجة التراكمية الملحة إلى وجود مؤسسة تحكم الشيعة، صاروا ينسحبون من الركن الثاني أيضاً، وشيئاً فشيئاً، حتى وقعوا أخيراً على ما أسموه بـ(ولاية الفقيه)، وذلك على يد الخميني. وقد سبقه إلى ما يشبهها المحقق الكركي عندما منح الشاه طهماسب بن اسماعيل الصفوي وكالة للحكم باسم (نائب الإمام)، ثم جاء من بعده أحمد النراقي (ت 1245 هـ) ليطور النظرية من ولاية الملوك إلى ولاية الفقهاء. فهي بدعة طارئة على معتقد وفقه الشيعة الإمامية الاثني عشرية، تجيز تولي الفقيه الجامع للشرائط النيابة عن (الإمام المعصوم) في تولي منصب الحكم، معتمداً على أسس غاية في الهشاشة ثبوتاً ودلالة، لبناء نظرية غاية في الخطورة عقيدة وسياسة، هي نظرية (ولاية الفقيه). وأخطر ما في هذه النظرية أنها تمنح (مرشد الجمهورية) – وهو إنسان عادي (أي غير معصوم) – صلاحيات المعصوم بكل ما فيها من خيالية وسعة واستبداد مقنن باسم الشريعة. وهو السبب الحقيقي وراء الاضطرابات الجارية اليوم في الشارع الإيراني.

ليس سراً أن أقول: إن (ولاية الفقيه) نظرية لم تلق قبولاً عند أغلب فقهاء الشيعة المعاصرين. وإن كان عامة جمهور الشيعية وسياسييهم يسيرون عليها عملياً بصورة أو بأخرى، عندما تركوا نظرية الانتظار في السياسة وصاروا يمارسون العمل السياسي – بما فيه تولي المناصب القيادية العامة التي هي من اختصاص الإمام حسب عقيدتهم. لكن ما هو أولى بالاهتمام أن نعلم أن هذه النظرية بدأت تتهاوى وتتآكل وتتهدم على أيدي أصحابها ومن داخل بيت المؤسس والمؤسسة. رفسنجاني اليوم يريد تكوين مجلس مكون من خمسة مجتهدين يحل بديلاً عن منصب الولي الفقيه. وحفيد الخميني المعمم حسين مصطفى جاء إلى العراق في بداية الاحتلال يحذر الشيعة فيه من التفكير في إقامة دولة تتبنى مبدأ (ولاية الفقيه) على غرار الحكم في إيران، بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين نصحهم بالسعي إلى إقامة نظام علماني!

وإذا كان التشيع عند الشيعة هو الإسلام، و (ولاية الفقيه) بدعة طارئة على هذا الإسلام، فهل لنا بعد هذا وذاك أن نسأل:

ما علاقة (الجمهورية الإسلامية في إيران) بالجمهورية أولاً؟ وبالإسلامية ثانياً؟ فضلاً عن دين الإسلام الحق الذي ارتضاه لعباده رب العالمين.

_________________________________________________________________________________

 

  1. – زهراء إشراقي ، رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق المرأة الإيرانية. وقد احتجزت يوم 14/6 الماضي مع زوجها شقيق الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي عدة ساعات ثم أطلق سراحهما.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى