مقالات

رسالة رمضان (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

2 رمضان 1430

السلام عليكم أيها الصائمون!

ويا أبناء القادسية!

8687-9

تقبل الله صيامكم عن الحلال والحرام، وقيامكم بالصلاة وحمل هم القضية. وجعلكم من أهل القيام بمعنييه اللذين وردا في القرآن الكريم:

(قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً) (المزمل:2)

(قُمْ فَأَنْذِرْ) (المدثر:2).

هذه خواطر إيمانية مستقاة من آي الذكر الحكيم، وددت توجيهها إلى أحبتي في شهر الله جل في علاه، عسى أن ينفعنا بها وإياكم. أنتقيتها من هنا وهناك، ما دمت أرى فيها فائدة تتعلق بهذا الشهر العظيم. متجنباً، قدر الإمكان، الشرح والتطويل، إنما أكتفي بالإشارة إلى المعنى تاركاً الآية تتحدث عن نفسها مباشرة إليكم، دون حواجز.

يقول الله تعالى في أول آية من آيات الصيام:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). التقوى إذن هي الغاية من الصيام.

هذه الآية تضمنتها سورة ابتدأت بهذه الحقيقة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2). فالكتاب كله إنما أنزل لتحقيق الهداية للعباد، والهداية إنما هي لصنف واحد منهم، (المتقين). والصيام أحد السبل الموصلة إلى التقوى، أساس الهداية.

ارجعوا إلى السورة التي قبلها سورة (الفاتحة)، تجدوا أن محورها يدور حول الوصول إلى هذه الغاية العظمى (الهداية).

إنها (عريضة) يومية ترفعها كل بضع ساعات لشدة حاجتك واضطرارك إلى مطلوبها، من مكانك على الأرض إلى جنابه فوق العرش، فيها طلب واحد فحسب، يبتدئ عرضه بالاستفتاح باسمه تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

ثم يكون الدعاء والتوسل إليه سبحانه، ولكن بأي شيء؟ بأسمائه وصفاته: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، ثم بعبادته والتوكل عليه وحده لا شريك له: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). وهاتان هما الوسيلتان الموصلتان إليه سبحانه، ولا وسيلة سواهما ذكرت في كتابه.

ثم يجيء دور ذكر المطلوب الأعظم الذي لا غنى عنه لبشر، فإنه يستغنى عن الماء والزاد والهواء، ولا يستغنى عنه: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). وما بقي وصف لهذا الصراط منسوباً لأهله (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:1-7).

ولأن المسؤول سبحانه يريد أن يعلمنا أن الدين دين عمل، وليس دين دعاء وطلب ثم قعود كما هو حال بني إسرائيل: كثرة دعاء وادعاء، وطول قعود واتكاء: جاء الجواب من لدنه في علاه عن هذا الطلب المُلِح في (العريضة) المكررة، وذلك في مفتتح السورة التي بعدها مباشرة بلا فصل، ليدلنا على أن الهداية أمرها موكول إلينا، ليست هي بطلب اللسان وخشوع الجنان، ثم لا شيء بعده. إنها موجودة في هذا الكتاب، والكتاب لا يمنح هذه الدرة إلا للعاملين (المتقين) (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ). والصيام أحد فقرات التقوى العظيمة. إنه الركن الثالث، بعد التوحيد، من أركان عمل المسلم وعباداته الكبرى؛ فكان قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

هذا هو شأن الأمة المؤمنة الواعية، المهتدية المتقية.

واعتبروا أيها الصائمون بحال الرافضة: كثرة دعاء وادعاء وطول قعود واتكاء! وهو حال الكثيرين اليوم من الذين تجدهم يزدحمون عند بيت الله يدعون ويبكون حتى يبلوا الصخر، ثم يرجعون بالدعاء دون العمل. والعجيب أن هؤلاء يبكون وهؤلاء يبكون ولا من فرج! ولكنني إذ أذكر الرافضة فإنني أقصد أنهم الأمة التي تحققت فيها هذه المفارقة على أتم صورة، حتى شابهوا اليهود في كثرة الدعاء وطول القعود!

والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى