مقالات

العيد الكبير .. سرة الأرض وشريان التاريخ

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQbbGopKKwHFqHbrbc2JlBq-Q3QKQAHKnadiN9XvXHUi30pmoAlEQ

ما بين (ذي الحجة 1408) و (ذي الحجة 1427) خيوط عديدة.. وتفركها فينجدل بين يديك حبل علاقة يمتد إلى سرة الأرض، ويتصل بشريان التاريخ. وكلما أطل علينا هلال عيد الأضحى من كل عام انضاف خيط آخر إلى ذلك النسيج.

3 محرم 12هـ/محرم من كل عام ….. 18 ذ ح 36 هـ/الغدير ….. 22 أيلول 636م/22 أيلول 1980م ….. 17 ك2 1258م /17 ك2 1991 ….. صفر 656هـ/ صفر 1424 …..

3 محرم : فيه سر النواح على المجد المستباح.. مسكين هرمز ذلك القائد الغادر! هل كان يدري أن مصيره قد تقرر على يد ابن الوليد، ومن كاظمة، حيث دارت معركة ذات السلاسل أول معركة بين العرب والفرس بعد الإسلام، مباشرة إلى جهنم وبئس المصير؟

18 ذ ح : العيد الأكبر لأحفاد رستمرهبر إذ نجحوا في تنفيذ أول انقلاب، وأول تغيير على أيديهم لحكومة كانت شجى في حلوقهم وقذى في عيونهم. وكان الضحية عثمان جامع القرآن.

22 أيلول يوم الثأر من 22 أيلول 636م، اليوم الرابع من ملحمة القادسية الخالدة([1]).

وهل تعلم أن المغول دخلوا بغداد في 17 ك2 اليوم نفسه الذي ابتدأ أبناء الأصفر غزوهم لها سنة 1991؟([2]) وصادف ذلك – على ما تختزنه الذاكرة – يوم 7 صفر 656 هـ، وقد تكرر التاريخ نفسه بعد 745 سنة ميلادية، و 768 سنة هجرية!

هل توافقت هذه التواريخ مصادفة؟!

ربما.. لكنني أميل إلى غير ذلك؛ فهذه الأقوام – كما يبدو – لديها اهتمام كبير وهيام عجيب بالأيام وما يحمِّلونها إياه من رمزية ومعان.

الصدمة ..!

أما في يوم 10 ذي الحجة من سنة 1427 فقد صدم العرب والمسلمون، بل العالم كله بنحر رئيس العراق صدام حسين، حين أصر قزم المجوس على أن يكون إعدامه في يوم العيد.. عيد الأضحى! وكبرت الصدمة، واستطار أثرها لحظة عرضت شاشات التلفزة الفضائية مشهد الإعدام.. كان مذهلاً ومثيراً إلى أبعد الحدود..! لا يتهيأ لأكبر مدارس الإخراج في العالم لو أرادت أن تعمل فلماً أن تخرجه بهذه الطريقة الرائعة الساحرة!

وكان مركز الشد ومحور الأنظار هو صدام لا غيره، بقده الممشوق ومشيته الواثقة، وقد زادته القيود وهو يسحب قدميه يرسف بها هيبة على هيبة فكأنك ترى أحد أبطال الأساطير ترجل لتوه من حلم التاريخ إلى حقيقة الحاضر! ولما رفض أن يضع لثام الموت على وجهه فحولوه إلى رقبته كمل المشهد فبدا كأنه في حفلة عرس لا مسيرة موت! وكأن الأشياء كلها كانت تلك اللحظات منساقة لخدمته، وكأن الأعداء كانوا طوع بنانه يتراكضون بين يديه كما كانوا أيام أيامه، يلبون أوامره، ويزينون صورته كأجمل وأجلِّ ما يمكن أن يكون أو تكون. ثم ابتسم ساخراً وهو يسمع بنات آوى من حوله تعوي: (مقتذى مقتذى…)! يهزأ بهم ويقول: (هيَّ هاي المرجلة)؟! وختم المشهد بما يحرص كل مسلم أن تكون آخر كلماته من الدنيا: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله)، ولم يمهله الطائفيون أن يكمل الشهادة مرة أخرى فعاجلوه وهو عند كلمة (محمد) في أولها، ليتدلى قبل أن يكمل آخرها، وتضج الواوية ثانية بعوائها الطائفي المعهود.

إنه القدر

كتبت أيامها رسالة لأحد الأصدقاء العرب، كان حزيناً جداً أقول: (لو أوكل أمر الإعدام إليك، وليس لك من خيار سواه، وأردت أن تنفذه على خير ما يكون التنفيذ إرغاماً للخصوم، ورفعة للمعدوم، وخدمة للقضية، هل كنت تستطيع أن ترسم أداءً هو خير من الأداء الذي صنعه القدر؟!!!

أما أنا فأقول : لا وألف فلا .

إنه القدر يا أبا محمد ! إنه القدر) !

وكنت يومها أقول: إن كان صدام شريراً ومحسوباً على أهل السنة، فحيّهلا؛ يكفينا فخراً أن (أشرارنا) خير من خيرة أخيارهم! هذا إن كان فيهم خير.

saddam_execution1

سبحان الله! لقد أرادوا محاكمته فكانت النتيجة أنه هو الذي كان يحاكمهم، وأصدروا حكمهم فيه، فكأنه هو الذي أصدر الحكم عليهم!

كانت الأمور تجري عكس مسارها الطبيعي حتى كانت لحظة الإعدام. لم يكن الذي أعدم هو صدام حسين، بل الفعلة هم الذي أعدموا وتبخروا وسقطوا سقطة لن يقوموا بعدها أبداً. لقد عرف العالم كله من هم؟ كنا من قبل نجهد أنفسنا حتى نبين للناس حقيقتهم، وكأنك تنفخ في رماد! ونقض الأشرار غزلهم في لحظة حمق من بعد قوة أنكاثاً، وتعرت مظلوميتهم التي كانوا يتلوذون وراءها، ليتضح للجميع أنهم إزاء صنف من المخلوقات لا يعرف غير الحقد والانتقام له منهجاً في الحياة.. طائفي بامتياز! وأي طائفية أكبر وأمقت يمكن أن يعبر عنها مخلوق كما عبر القاضي الشعوبي منقذ الفرعون الذي شهد حفلة الإعدام، ثم خرج بعدها مباشرة محمولاً على أكتاف جموع الرعاع، التي خرجت تتظاهر فرحاً وسروراً بما جرى، وهو يلوح بيده ويعوي مع العاوين: “منصورة يا شيعة حيدر”……! إنها معركة إذن! وانتقام وثأر بين “شيعة حيدر”، وحيدر منها بريء، وبين المخالفين وإن كانوا على الطرف الآخر من الطائفية كصدام. كان مشهداً لا ينمحي من الذاكرة، ولا أراه ينمحي مهما تقادم الزمن وتتابعت عليه الأيام!

الطائفية تعري سوأتها

ولكن للمأساة صفحة أخرى.. فلولا ذلك ما انكشفت الحقيقة، بهذه السرعة وهذا التداعي المتتابع، لكثير من الطيبين حتى كتب أحدهم – وهو مثال واحد يعني مئات الملايين – يقول مشيراً إلى هذا الأثر المنعكس عن الحدث:

(إن اغتيالك يوم عيد الرحمة والوحدة قد كشف عديد الحقائق الجوهرية التي ظلت طويلاً غامضة لدى البعض وصعبة الفهم لدى البعض الأخر ولكنك كنت مدركا لخفاياها وغاياتها وهي: أن الشيعة الصفوية ليست من الإسلام إطلاقا بل هم الخنجر الذي ظل مغروساً في خاسرة الأمة العربية والإسلامية من عصور لينخر وحدتها ويشوش إيمانها ويشوه عقيدتها. الشيعة العنصرية ليست مذهبا فقهياً يعزز الاجتهاد وحرية الفكر في الإسلام، بل طائفة مارقة تمارس الفرقة والزندقة والعصمة والتأليه الى حد الشرك العلني والمبطن. طائفة خارجة عن الإجماع والسنة المحمدية وكافرة بالصحابة والسلف الصالح والخلافة الراشدة، لا بل مشككة في الكتاب والمجمعين عليه. واحتفاء الساسة من الصفويين بالقتل المنهجي والهمجي يوم عيد المسلمين، وتعظيم وتقديس المرجعية وادعاء العصمة وانبعاث الأئمة المنقذين: جميعها إثباتات للكفر عينه بالدليل المادي والعقائدي… أليست هذه الشعوبية عينها والكفر نفسه والزندقة في أجلى صورها؟. أليس التشيع مظلة تخفي شتى أنواع الحقد والانتقام والغدر بالعرب والمسلمين ونخر وحدتهم وتخريب عقيدتهم؟). إ.هـ.

كلام لو قلناه من قبل لكان أول من يتهمنا بالطائفية هو من سطره وأداه؛ فالحمد لله على نعمه وعطاياه.

وتتعرى الطائفية عن سوأتها أكثر وأكثر.. فقد كشفت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع الأردن أن السلطات العراقية أصدرت مؤخرًا أحكامًا بالإعدام على 126 سجينة عراقية ستنفذ في تسع منهن في عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة المقبل… مؤكدة أنهن من حملة الشهادات الجامعية العليا، وشغلن مناصب حكومية في عهد النظام العراقي السابق قبل الاحتلال الأمريكي. وذكر بيان المنظمة أن تلك المحاكمة الصورية لم تستند إلى أي جريمة جزائية مسندة إلى المعتقلات([3]).

سرة الأرض وشريان التاريخ

هذا باختصار بعض ما جرى يوم العيد الكبير في 1427.. فما الذي كان قد جرى من قبل يوم العيد الكبير في 1408 ؟ وما العلاقة بين هذين اليومين، تلك العلاقة التي ربطت سرة الأرض الجريحة بشريان التاريخ النازف؟

كان ذلك اليوم يوماً من أيام صدام حسين أيضاً. ففي عيد الأضحى من عام 1408، وفي اليوم الثالث منه، كانت هزيمة الفرس المجوس في يوم الأيام 8/8/1988 ، وخرج صدام في ذلك اليوم يحتفل بعرس انتصار العراق على إيران، فأسرها الحاقدون في أنفسهم، وسعوا حثيثاً يطلبون الثأر والانتقام. حتى إذا وصلوا إلى بعض ما يطلبون من ذلك، ووقع صدام في شبكة الأسر، حرصوا على أن يخرج في ذلك اليوم نفسه، ولكن ذليلاً كسيراً كما يتمنون ويشتهون، وخرج كما خططوا، ولكنه خرج هذه المرة أيضاً أعز مما يتوهمون، وأهيب مما كان في ذلك اليوم العظيم.

الجمعة

أول أيام عيد الأضحى 1430

 

_________________________________________________________________________________

 

  1. – كتاب (القادسية)، أحمد عادل كمال.
  2. – بغداد بين احتلالين، عباس العزاوي.
  3. مفكرة الإسلام: 7 ذي الحجة 1430، 24/11/2009 .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى