مقالات

انزعوا فتيل الفتنة نعم .. ولكن كيف السبيل ؟ (2)

الحل

يقوم على الواقعية والإنصاف

ليس التشيع مشكلة فكرية مجردة

ليس التشيع – كما نوهت في جزء المقال السابق – مشكلة فكرية مجردة فيعالج بالفكر وحده، ولا قسوة قلبية طارئة فيعالج بالموعظة وحدها. وإنما هو تعبير عن عقدة نفسية جمعية لطائفة اجتماعية معبأة بالحقد، وطلب الثأر، والسعي الشغوف للانتقام ابتداءً وأصالة دونما حاجة للاستثارة من أحد أو جهة. ليس لهذه الطائفة من عدو – في نظرها – سوى أمة الإسلام ممثلة بأهل السنة. تجمع إلى هذا الشر المستطير التدين بلعن هذه الأمة وعلى رأسها خيرة جيل ظهر فيها، والطعن بعرض نساء أشرف بيت تنتمي إليه. تدير العملية كلها دولة قوية، تسخر طاقاتها، وتخطط ليل نهار كيف تقوض بناء دول العرب والمسلمين. وقد حققت نجاحات خطيرة قديماً وحديثاً؛ بناء على أساطير ورؤى متخلفة: فالعراق – مثلاً – جزء من هذه الدولة لا بد من تمزيقه أولاً، وصولاً إلى إضعافه وإخضاعه، ثم إلحاقه بها آخراً. وهذا هو سر عدم استقرار العراق على مدى العصور. وقد فعلت به إيران من ذلك ما فعلت تمهيداً لاحتلاله، ومشاركة فعالة في تحقيق ذلك الاحتلال، وفي ما تلا ذلك من الجرائم التي هي حقائق شاخصة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

طائفة ودولة بهذه الأوصاف، تبتدئك بالعدوان، ولا تنتظر منك فعلاً أو حركة لترد عليها. هي في الشر فعل، وفي الخير – إن اضطرت إليه – رد فعل: لا يصح أن يقال في الأزمة القائمة معها: (ليس من العقل ولا من الحكمة ولا من المنطق أن يستعدي السنة الشيعة، وأن يستعدي الشيعة السنة، فما المصلحة إذن في أن يتراشق الرموز في السنة والشيعة أو غيرها من الطوائف بالسباب والشتائم؟ ولماذا نوقد نار الفتنة في دائرة أهل الإسلام؟).

ربما يقال مثل هذا الكلام عن فريقين متقاربين في مستوى العداء والاعتداء، والمشكلة بينهما غير عميقة ولا معقدة. وقد يقال في مجلس صلح بين طائفتين، تسكت فيه الطائفة المعتدى عليها عن الظلم الذي يتضمنه هذا الكلام بحقها من حيث المساواة بينها وبين الطائفة المعتدية في نسبة الاعتداء إلى كل منهما، تسكت على مضض أملاً بالإصلاح العام. أما وإنه لا نتيجة ولا فائدة، ولا إصلاح ولا خلاص؛ فعلام نرضى بالتعادل السلبي؛ ونقبل أن ينسب إلينا الاعتداء والاستعداء، ونكون فيهما متعادلين مع عدو معتد مستعد معبأ إلى آخر درجة من درجات العداوة والاعتداء والاستعداء والتعبئة ضدنا؟ إن هذا ظلم لا يطاق، ولا يمكن أن يكون سبيلاً للإصلاح. والنتيجة الوحيدة التي يخرج منها الساعي في ذلك هي أن يزهد المظلوم في كلامه، ويقول عنه: هذا رجل لم يخسر شيئاً فلا يهمه – كما يبدو – أن نخرج خاسرين في المرتين:  حين يعتدى علينا، وحين يراد الإصلاح بيننا؟

 

قدموا لنا حلاً واقعياً منصفاً

من أراد الحل فليقدم حلولاً واقعية تنصف المظلوم، وتردع الظالم وتحجزه مستقبلاً عن ظلمه. لا تكون (الحلول) خطباً وكلمات، فإذا زادت كانت مواعظ أقرب إلى المثاليات، وقد تطغى فتغلب عليها العواطف وتجتاحها الانفعالات، فلا يكتفي صاحبها حتى يقسم على أنها الحل الوحيد، فلا حل غيره، ولا سبيل سواه، حتى وإن كان مداراة صارخة على حساب المظلوم! وتشتد المداراة وتعلو اللهجة فيهاجم المظلوم ويساويه بظالمه!

إن هذا غايته أن يكون مكانه منبر الخطابة وكرسي الوعظ في مسجد يؤدي فيه الحاضرون الفرض ثم ينتشر كل إلى شأنه وغايته. أما أن يكون حلاً قائماً على الإنصاف، حاكماً بالقسط، معطياً كل ذي حق حقه، فلا، وألف لا!

نعم أنا أعلم تخصص الشيخ عائض بالوعظ، وشغفه بالشعر، واهتمامه بالرقائق ولطائف الكلم؛ ولكن هذا له مقام، وما نحن فيه مقام يقتضي خطاباً آخر مختلفاً تماماً. قوم احتل بلدهم، وذبح منهم مئات الآلاف، رملت نساؤهم، ويتمت أولادهم، وهدمت مساجدهم، وخربت ديارهم، وهجروا منها، وقطعت أرزاقهم، ويعتقل منهم عشرات الآلاف في أزرى حال وأشد عذاب، أتحل مأساتهم – وما ذكرته بعض صور الكارثة التي حلت بهم! – بما يسميه الشيخ في مقاله بـ(الخطاب الجميل والكلمة اللينة والذوق العالي)؟!

أيها الشيخ! دَعِ المصطلين ونارهم، وادْعُ لهم بزوال الغمة، ولا تزدهم غماً على غم بما تطرح من أحكام لا مصداق لها، وتصورات لا واقع لها.

وكم آلمني استشهاد الشيخ بقوله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)! ولا أدري على أي مورد من موارد الحال يمكنه أن ينزله!

هل المملكة العربية السعودية هي التي استعدت إيران لترسل الأخيرة عملاءها فيقوموا بإلقاء المتفجرات في حرم الله الآمن بين الحجيج في موسم حج/1409 وبأمر من الخميني، التي راح ضحيتها المئات من الحجيج ورجال الأمن والأطفاء وغيرهم من الأبرياء، حتى يصح الاحتجاج بهذه الآية وأمثالها؟ وفي الوقت نفسه كانت تشن حرباً عدوانية ظالمة على قطر عربي مسلم، ويعلن علماؤها بكفر بقية بلاد الإسلام وضرورة أسلمتها بتصدير الثورة إليها. وهذا مثال واحد مع بعض حيثياته، من أمثلة لا تحصى، هي ممارسات تتكرر وتتجدد يومياً وعلى مدار الساعة لاعتداءات إيران وشيعتها على الأمة! ثم يقال: (لا تحتاج الأمة الإسلامية إلى مزيد من الشقاق والفرقة والعداوات والمعارك، ففيها مايكفيها، فلن يزيدنا هذا العداء إلا تمزقاً وهزيمة وإحباطاً وقلة وذلة، وما دام أن الله عز وجل نهانا عن أن نسب أعداءه لئلا تكون العواقب أكثر سوءاً). وأحداث البقيع قبل شهور مثال آخر.

 

عن أي أمة يتحدث الشيخ ؟!

إن هذا القول حتى يكون له ثمرة نقطفها، وحقيقة نلمسها، لا بد أن يكون له مصداق من الواقع ينبت فيه. وهذا يحتاج ضرورة وقبل كل شيء أن تعتبر إيران، ويعتبر الشيعة أنفسهم من هذه الأمة، ويشعروا بالانتماء إليها، ويتشرفوا بالانتساب إليها. حينذاك تعال فطالبني باستحاقات هذه الأمة الواحدة. حينذاك يمكنني أن أصغي إلى قولك: (وأمتنا الإسلامية تتعرض لحملة عدوان من الصهاينة ومن أعداء الله في كل مكان، بل رسولنا صلى الله عليه وسلم يُساء إليه جهارا نهارا برسوم مسيئة وتهم باطلة، فديناه بالآباء والأمهات والدماء والأرواح، فنترك هؤلاء الأعداء والرد عليهم ونصرة الدين والرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم ونأتي إلى طوائف أهل الإسلام فنستثير رموزهم ونقلل من شأنهم وننشر معايبهم دون تذكر للنتائج المؤلمة). أما والشيعة يعدون أمة الإسلام هي الأمة الوحيدة التي عليهم عداوتها والسعي في إزالتها، والتحالف مع الشيطان بكل أحجامه تحقيقاً لهذه الغاية الخطيرة: فعن أي أمة لا وجود لها يتحدث الشيخ؟!

أتدري – يا شيخ! – كم يؤلمني قولك هذا؟ كم ينغر جرحي؟ كم يثير غضبي؟ كم يتبادر إلى ذهني كأنك لا تشعر بمأساتي؟ كم أجد أمتي منشغلة بهموم لا تكلفها عملاً سوى الخطب والمظاهرات السياسية، عن مصائب كارثية لا تريد أن تحرك لها ساكناً؟! ولكن في الوقت نفسه كم أجد نفسي مطالباً بأن أهدهد مشاعري وحدي، وأمسح على مدامعي بنفسي، دون شريك من صحبي وأهلي؛ لألجم عواطفي عن أن تجمح لأقول ما لا يجمل بي أن أقول.

يا أيُّها « القعقاعُ » ! معذرةً

إذا اشتطَّ القلمْ

وتعثَّرتْ كلماتيَ الهوجاءُ في زبَدِ الألمْ !

 

تركوني ..

يا ابنَ العمِّ منفرداً

بلا سيفٍ .. ولا تُرْسٍ

تحاصرُني حُثالاتُ « العجمْ »

 

ذبحوني .. يا « قعقاعُ » !

دقّوا أعظُمي !

شنقوا فمي !

مصّوا دمي !

لم يبقَ في الشريانِ دمْ

 

وبحثتُ عن شفتي

لأرويَ قصتي

فإذا بحرفِ « الضادِ » من لغتي

تمزِّقُهُ سكاكينُ « العجمْ » !!

 

لم يبقَ يا « قعقاعُ » ! لي لغةٌ

ولا شَفَةٌ

ولا ، كي أُطلقَ الصرخاتِ ، حُنجُرةٌ

ولا ، في زحمةِ الآهاتِ ، فمْ !!!

إن ما تقوله يا شيخ معكوس، وبزاوية مقدارها 180ْ درجة! فإنني وبكل سهولة ويسر وبالمنطق نفسه، يمكنني أن أقلب هذه الحجج لتعود إلى وضعها الصحيح، وأقول: إن أمتنا تتعرض لحملة عدوان من إيران وشيعتها، بل رسولنا صلى الله عليه وسلم، فديناه بالآباء والأمهات والدماء والأرواح، يُساء إليه جهاراً نهاراً وتتهم نساؤه بالزنا، وأصحابه بالخنا، وعظماء أتباعه بما يعف اللسان عن ذكره في كتبهم وفي خطبهم، وفي شوارع بغداد ومدن العراق وجدرانها وحيطانها، ألم تسمعوا به؟ أفنذر هذا الخطر الذي يمزق صفنا، ويهدم وحدتنا، ويخترق عقول أبنائنا، ومن داخلنا، ونترك هؤلاء الأعداء والرد عليهم ونصرة الدين والرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم، ونأتي إلى طائفة من النصارى لا يؤبه لهم، ولا تتأثر الأمة، بل تزداد قوة، بشتائمهم وإساءتهم، فنستثير رموزهم ونقلل من شأنهم وننشر معايبهم دون تذكر للنتائج المؤلمة؟

 

أيهما أخطر بربكم ؟

أيهما أخطر بربكم: رسوم كاريكاتورية تافهة لو لم نهتم بها لما سمع عنها من أحد، ولماتت في مهدها، وربما أثارتها وضخمت منها أحزاب وجماعات لمقاصد مبيتة. رسمها كافر رقيع، لا يمكن لمسلم واحد مهما بلغ ضعفه أن يفتتن بها، بل سيزيده ذلك حمية لدينه ورجوعاً له؟ أم علماء يلبسون العمائم ويتكلمون بآيات كتابنا وروايات ينسبونها إلى نبينا، وقصص في كتبنا ودواوين تاريخنا تطعن بديننا ورموزنا ، وتفتن أبناءنا وبناتنا ، ثم بعد أن

تغير عقيدتهم تستعملهم خناجر ومدى في خواصرنا، وألغاماً متفجرة في شوارعنا؟

أيهما أخطر وأولى بالمواجهة والفضح والمعاداة: كافر معلوم الكفر أم منافق يتستر بالإسلام، ويستعمل أدواته في حربنا؟

 

أما من عدو آخر مع الصهاينة والأمريكان ؟!

ثم ما هذه النغمة المكرورة: كلما رفع أحد صوته بالصراخ من خطر يتهدده، وعدو يهاجمه ويقاتله قيل له: اسكت وإلا فأنت تتحدث بعيداً عن خطر الصهاينة والأمريكان؟!!! أفيؤجل الناس معاركهم، ويذهلون عن أخطارهم لأن تلك الأخطار لا تتهدد غيرهم، وليس من حقهم دفع عدو آخر عن أنفسهم ما دام هذا العدو لا هو أمريكا ولا إسرائيل، أو كان على علاقة غير شريفة مع الآمر بالسكوت؟ هل هذا منطق مقبول بين البشر؟ أم عدل ترضاه شريعة الله تعالى التي ارتضاها لعباده؟ إن المنطق والعدل أن نشترك جميعاً في مواجهة أعدائنا، وإلا فكل واحد منا يهتم بعدوه تاركاً الآخر وشأنه بلا شعارات ولا لافتات عن أمة واحدة لا وجود لها في هذه الحال.

ثم هل الصهاينة والأمريكان وحدهم عدونا؟ ألم يخلق الله عدواً سواهما؟ ماذا يمكن أن نسمي إيران التي استولت على الأحواز قبل تسعة عقود، ودمرت العراق واحتلته مع الأمريكان، وتحتل جزر الإمارات وتطالب بالبحرين! وتعلن عن خطتها في تكوين الحزام الشيعي، وغايتها في الاستيلاء على بلاد الحرمين؟ أنسميها أخاً وحبيبياً وناصراً ومعيناً؟! أفتنتظر – يا شيخ عائض! – إيران حتى تحتل السعودية لتسميها عدواً؟ وحينذاك ماذا سيكون موقفك ممن يقول لك يومها: افنترك خطر الصهاينة والأمريكان لنتصدى لإيران ونمزق وحدة الأمة المسلمة؟ وماذا ستقول لمن يرفس على جرحك الموصول بقلبك، ويقول لك بكل تمنطق وبرودة أعصاب: (لماذا لا يكون الحوار والتواصل والجدل بالتي هي أحسن والتعارف مكان التكفير والتبديع والتضليل والتفسيق)؟ هذا هو مثلك ومثلي يا شيخ عائض! سواء بسواء. شيئاً من الرحمة يا شيخ رحمك الله!

بالله عليك يا شيخ عائض أجبني بصراحة: ماذا سيكون موقفك من إيران لو احتلت بلدك وعملت به ما عملت وتعمل ببلدي العراق؟ أفبلد أعز على الناس من بلد؟ ولا العراق أهون علي ولا على العراقيين من جميع بلاد الأرض، لا والله! وإن استثنيت مكة المشرفة والمدينة المنورة والمسجد الأقصى، ولا أتعدى هذه المواضع الثلاثة إلى خارج حدودها، لمكان الثلاثة من عقيدتي وإيماني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى