مقالات

بمناسبة ذكرى تحرير الفاو…. أرض واحدة وشعبان مختلفان

في مثل هذا اليوم من عام 1988 حرر الجيش العراقي مدينة الفاو البصرية من الاحتلال الإيراني، في معركة كبيرة وعظيمة بكل المقاييس العسكرية والسياسية والتاريخية: القطرية منها والعربية، وانعكاس ذلك على المشروع الإيراني، الذي كان يعبر عن صراع حضاري تاريخي عميق بين الفرس والعرب، والمجوسية والإسلام.

وكعادة الحكومة الشيعية الطائفية مع كل المناسبات الوطنية والقومية والإسلامية استقبلت هذه المناسبة العظيمة بالإغفال والإهمال، وكأن هذا اليوم لم يكن يوماً من أيامنا، وعلامة مضيئة في تاريخنا الحديث المليئ بمساحات الظلمة، وووقائع الهزائم والانكسارات!

لقد اتخذ الشيعة ممثلين بمجلس الحكم من يوم احتلال بغداد يوم عيد وطني، وقامت الحكومة برفع كل الشواخص العزيزة على قلوب العراقيين، والتي صارت جزءاً من ذاكرتهم التاريخية، وآخرها نصب الجندي العراقي المقاتل في باب المعظم، والنصب الذي في ساحة الاحتفالات ذي الساعدين والسيفين المتقاطعين، وتحت كل ساعد صُوبة (كدسة) من خُوَذ الجنود الإيرانيين.

كانت هذه شواهد مضافة لا تقبل النقض على عدم وطنية الحكومة الشيعية، وعلى عمالتها وصلتها الروحية بإيران. وهي تهمة تنسحب على جمهور الشيعة ما لم يستنكروا هذه الأفعال الهمجية الطائفية، وهو ما لم يفعلوه حتى اللحظة. وتأخير الحكم عن وقت الحاجة لا يجوز.

نحن أمام تاريخين إذن!

اتخذ الشيعة يوم وفاة الحسين رضي الله عنه يوم عطلة رسمية، لكنهم لم يتخذوا يوم وفاة عمر رضي الله عنه – مثلاً – كذلك. وعندما طالب أحد الأعضاء السنة في مجلس النواب العراقي بذلك أجابه أحد النواب الشيعة: أنا أوافقك، فذهل الحضور من هذه الموافقة! لكنه أردف قائلاً: لكن سيكون يوم قتل عمر يوم عيد وطني لدى العراقيين؛ فضجت القاعة بالضحك. وانتهى الطلب عند هذه النكتة المقرفة، والتي تمثل واقعاً يعيشه الشيعة كل عام يسمونه (فرحة الزهرة).

دعك من هذا ومن تقديسهم لفيروز قاتل عمر، وانظر إليهم هل يحتفل الشيعة بيوم بدر أو فتح مكة، وهما مناسبتان إسلاميتان قبل تفرق الأمة شيعة وسنة؟ أم يفرحون ليوم القادسية واليرموك وحطين وعين جالوت؟ وسطِّر ما شئت من المناسبات العظيمة! فكيف تريدهم يحتفلون بيوم تحرير مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم؟!

نعم لهم تاريخهم ولنا تاريخنا.

شعبان مختلفان

وإذا كان التاريخ أحد أهم المشتركات والمرتكزات الثقافية التي توحد فكر الشعب وشعوره وعاطفته؛ فإن اختلاف التاريخ بين الشيعة والسنة يجعل من العراقيين شعبين مختلفين لا يجمع بينهما سوى هذه الأرض التي حشروا فيها حشراً بالقوة كما يجمع بين الثعلب والقط في كيس واحد!

تعال إلى الدين لتجد الهوة أعمق!

فلا القرآن هو القرآن، ولا السنة هي السنة! وهما مصدرا الدين الرئيسان؛ فما بالك بما تفرع عنهما؟ فلا العقيدة واحدة ولا الشريعة، ولا السلوك ولا التعامل ولا الأخلاق! ولا هدف يجمع، ولا غاية توحد!

إننا إزاء شعبين مختلفين جملة وتفصيلاً!

فإذا علمت أن عقيدة (الإمامة) الشيعية توجب على معتنقها من الشيعة الاثني عشرية قتل السني وغيره من المخالفين وسلبه ماله؛ تمت الصورة، وتبين أننا أمام مشكلة – بل معضلة حقيقية – لا يمكن حلها أو كسرها بالسهولة التي يتصورها الوطنيون والقوميون، وكذلك (الإسلاميون الجدد). إن العقد الاجتماعي – كأي عقد – لا يمكن إبرامه إلا بموافقة الطرفين. وعقيدة – أو عقدة – (الإمامة) تأبى على الشيعة توقيع مثل هذا العقد. فأين الوطنية والشعور بالمواطنة المشتركة مع الآخر لدى الشيعة؟

هذه هي الحقيقة المرة.. أرض واحدة بشعبين مختلفين متناحرين. يستحيل التوحد أو التوحيد بينهما ما دام تاريخهم متناقضاً، ودينهم مختلفاً، ومشاعرهم متباينة ومظاهرهم متمزقة إلى هذا الحد.

هل من حل ؟

علينا أولاً: الاعتراف بهذه الحقيقة المرة؛ فإن التشخيص أول العلاج؛ ومن دونه لا يمكن توصيف الدواء. وثانياً: وضع العلاج على هذا الأساس، وترك الوصفة القديمة المخبولة، وإلا فإن القادم – في أية فرصة سانحة – أسوأ وأكثر كارثية وظلماً!

خذو مثلاً مهزلة المناهج الدراسية!

كيف يستقيم وضع منهج واحد – وقد وضعوا – في التاريخ والتربية الإسلامية، وبين تاريخ الطائفتين ودينهما هذا الاختلاف والتناقض؟!

أليس هذا ضحكاً على الذقون؟ أو غفلة إلى حد السفه أو الخبل والجنون؟ فنحن بين ضاحك ومضحوك عليه!

أرى الحل – في الوضع الراهن – في تقرير منهجين لمادة التاريخ: أحدهما للشيعة، والآخر للسنة، وكذلك مادة التربية الإسلامية. ويمكن حذف المادة الأخيرة من المنهج الدراسي، ولتتول كل من الطائفتين أمرها بنفسها في تعليم أبنائها الدين خارج المدرسة؛ فليس تدريس الدين في المدارس أمراً ملزماً بنص الوحي في مثل حالتنا. بل أدلة الشرع تقود العالم الخبير إلى مثل ما قلت وقررت. ومن كان لديه حل آخر فليتقدم به، فربما يكون هو الأنجع. وإلا فسؤالي أوجهه إلى قادة السنة: ما الذي تتوقعونه لأبنائكم بعد بضع سنين أن يكونوا عليه من العقيدة التي تتسلل بذورها في كتب المدارس إلى أذهانهم في غفلة منكم؟ أما أنا فأتوقع الأسوأ أيضاً، إن لم تبادروا فتعالجوا – ولو بالمبضع – هذا الأمر الخطير. فهل أنتم فاعلون قبل فوات الأوان، وسواد الزمان؟

وإن لم تصدقوا فاسألوا هذا اليوم 17/4 من كل عام. هذا إن عزت عليكم شواهد المناسبات والأيام.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى