مقالات

ذنب العراقيين الكبير

وقفة تأمل عند فضيحة السجون السرية في عهد حكم شيعة أهل بيت النار

الله أكبر…..!

1208200915920

ما هذه المصائب التي تحل على رؤوسنا؟!

ماذا يجب أن يقال؟ وكيف يتصرف إنسان إزاء هذه المصيبة أو الفضيحة التي كشف عنها النقاب في الأيام القليلة الماضية، فضيحة السجون السرية التي تشرف عليها الحكومة (العراقية)، وتديرها بنفسها ممثلة بشخص رئيس الوزراء؟

لماذا كل هذا؟ لماذا أحوالنا تتدهور من سيئ إلى أسوأ، ومن رديء إلى أردأ؟

هل من علة حقيقية نضع أصابعنا عليها؟ وكيف الخلاص؟ ومن أين الطريق؟

أسئلة كثيرة تدور في البال، وسط عاصفة من المشاعر المستفزة، والعواطف المتأججة.

ولكن…

هل يمكننا أن نقف وِقفة تأمل إزاء هذا الحدث الجلل، الذي تهتز له القلوب، وتُثل له العروش، وتتدحرج التيجان من الرؤوس؟ هذا إن لم تندر الرؤوس نفسها عن رقابها وأصحابها! وقفة تعطي للعقل استحقاقه من الوقت لعله يخترق حجب هذه الفتن التي تدع الحليم حيران، ويصل بنا إلى التشخيص الصائب أو قريباً منه؛ عسى أن نتوصل إلى وصف العلاج؛ لنداوي الجراح، ونواسي المصاب. وذلك في ضوء الشرع الحكيم والدين القويم.

إليكم هذا المشهد، أرويه وأنا ممسك بأعصابي قدر المستطاع:

“سافرنا إلى كثير من الدول، وخالطنا كثيراً من الشعوب، ورأينا ما يرتكبون من المعاصي، ويأتون من المنكرات والذنوب، فلم نجد العراقيين أكثرهم اقترافاً للإثم، ولا أشدهم جرأة على اجتراح السيئات؛ فلماذا هذه المصائب التي حلت بالعراق؟ وما السبب وراء هذه الكوارث التي ألمت بنا، والخراب الذي اجتاحنا؟ ولماذا لم يحل بالآخرين ما حل بنا”؟

قال هذا! ثم أجاب نفسه بنفسه: “قد يكون الله تعالى أراد لنا الآخرة ولم يرد لنا الدنيا، واللهُ إذا أحب عبداً عاقبه في الدنيا دون الآخرة. فربما أنه سبحانه يحبنا نحن العراقيين أكثر من غيرنا. وقد سألت الشيخ (فلاناً) فأجابني هذا الجواب”.

كان هذا قبل مدة في جلسة عزاء في بيت أحد الأصدقاء.

قلت له: لقد فكرت بالأمر كما فكرت، وتساءلت مع نفسي كما تساءلت، ووصلت إلى نتيجة أخرى غير التي توصلت إليها أيها الأخ الأريب، ووقعت على ذنب كبير ارتكبناه جميعاً، وتواطأنا عليه دون نكير من عالم دين، ولا شيخ مسجد ولا غيره – إلا القليل – هو السبب في كل هذه المصائب والنوائب.

قال: ((ما هذا الذنب الذي تتحدث عنه؟! هل نحن طراز آخر من بني آدم؟ أم إن قانون الله تعالى ليس واحداً؟ أخي الفاضل اخرج وانظر إلى العالم، ثق لقد فعلوا ما لم نفعله، ولا قريباً منه))!

قلت: فاسمعني إذن.

العراق يختلف عن كثير من الدول في أنه مركب من خلطة فيها الكثير من العناصر المتنافرة التي لا رابط بينها. ويأتي في مقدمة هذه العناصر السنة والشيعة.

عندما تأسست الدولة العراقية سنة 1921 حاول حكامها علاج الوضع، فلم يجدوا إلا القفز على المشكلة، والتظاهر بعدم وجودها، أو التهوين من شأنها، والإنكار على من تحدث بها وتسفيهه واتهامه بإثارة الطائفية. وكان الإيحاء العام هو أن الطائفية شيء سخيف تافه؛ لا يليق بمن يحترم نفسه أن يقف عنده. الجميع تجاهلوا الحقيقة. وكان مثلهم كمثل الذي يرتكب الزنا سراً، ويعلم أن الآخرين يرتكبون مثل ما يرتكب، لكن الجميع في الظاهر يتجملون بالعفاف، ويلمعون وجوههم بمساحيق الفضيلة، ويلعنون على رؤوس الملأ الخنا والفسق والرذيلة.

الحقيقة أن الخلاف بين الطائفتين ليس خلافاً سطحياً، ولا بسيطاً. بل هو خلاف عميق، وعميق جداً. وهو إلى ذلك معقد، ومعقد جداً. خلاف يتجاوز العقيدة إلى الشعائر والمشاعر والأخلاق والسلوك والمصالح والولاء والتاريخ والجغرافيا والحاضر والمستقبل.

فلا الدين، ولا الرموز ولا المراجع ولا المساجد ولا الولاء ولا التاريخ واحد، ولا المصالح مشتركة، ولا المستقبل ولا المصير كذلك. نحن مختلفون في كل شيء، وما بيننا من علائق ووجوه شبه، كالعشائرية وأمثالها، لا تصمد أمام هذه الأوجه المختلفة المتخالفة.

ما قيمة رابطة الدم بين رجلين أخوين من أم وأب واحد، أحدهما قتل أبناء الآخر، وأحرق بيته، وهتك ستره، وهما – إلى ذلك كله – يسعى كلاهما جاهداً في قتل أخيه؟! ويأتي بعض الطيبين يريد حل المشكلة فلا يقدم شيئاً سوى تذكيرهما بأنهما إخوان من أُم وأَب! دون أي غوص في تفاصيل الأزمة الكارثية التي فرقتهما، ومسحت أي أثر لرابطة الأخوة بينهما. بل ويريد بناء مشروع تجاري كبير بمليارات الدولارات، يكون أحدهما فيه مديراً والآخر نائباً له فيه!

أيفعل ذلك عاقل؟!

هذه هي الصورة المصغرة للعلاقة بين السنة والشيعة.

إن أقل ما في الخلاف القائم بينهما أن عقيدة الإمامة الشيعية أول ما تفرضه على الشيعي هو تكفيرنا نحن أهل السنة جميعاً. ولو توقف الأمر عند هذا الحد لهان الخطب، لكن هذا التشيع يبيح لمعتنقه قتل المخالف وأخذ ماله، بل يوجب ذلك عليه متى ما قدر على ذلك. وهذه العقيدة (السخيفة) مجمع عليها بين علمائهم، منتشرة بين عوامهم. أفهذا شيء بسيط يسكت عنه؟ أم لا بد من الاعتراف به أولاً (وهو ما لم يحصل طيلة الأعوام بين 1921 – 2003)، ثم الاهتمام بوضع أنجع العلاجات، وأفضل الحلول له؟

ماذا فعلنا طيلة ثمانية العقود الماضية إزاء هذه المشكلة الخطيرة؟

لا شيء……………..!

عالجنا هذا كله بالتجاهل والاستخفاف والتسخيف! ويا صاحبي الزنا شيء سخيف، والسرقة سخيفة، والكذب والفجور، والمرض والوسخ والعفن كذلك. لكن إذا انتشرت هذه السخافات حتى صارت ظاهرة اجتماعية، وتطور المرض حتى بات سرطاناً يأكل الأحشاء، أيعالج بالتجاهل والاستخفاف والتسخيف؟

هل تعلم ما هو أخطر شيء في السرطان؟ الأخطر فيه هو أن هذا المرض لا يشعر به المريض إلا بعد تمكنه منه، ولا يكتشفه الطب – في كثير من الأحيان – إلا في مراحله التي يستعصي فيها على العلاج.

هذا ما حصل للسرطان الطائفي (السخيف) في العراق. تجاهلناه ثمانين سنة، ليظهر لنا دالعاً لسانه مستخفاً بنا، مستسخفاً عقولنا في لحظة تاريخية لا تنسى. ثم بقينا نتجاهله ثلاث سنين أخرى حتى انفجر يوم 22/2 بصورة أخزى وأسخف وأدهى!

ولو جلس عقلاء الطائفتين، خلال تلك المدة المديدة، مرة واحدة.. واحدة فقط! جِلسة صدق فيما بينهم، ووضعوا له علاجاً حقيقياً قائماً على الصراحة والتشخيص الصحيح، وتولت الدولة تطبيقه على الحالة، لما أصابتنا هذه المصائب، ولا حلت بنا هذه الكوارث.

ثمانين سنة ونحن نكابر، ونتجاهل ونتغافل عن الحقيقة، فماذا كانت النتيجة؟

ثمانين سنة ونحن نَكذب على الله وعلى رسوله وعلى أنفسنا ونقول: ليس من مشكلة طائفية، ولا من فرق في الدين بين السنة والشيعة!

علام إذن هناك حسينية ومسجد، وعالم شيعي وعالم سني، ومصادر مختلفة، وشعائر لا يشبه بعضها بعضاً، حتى مواعيد الصلاة والصيام والإفطار والعيد والحج؟ ولماذا حاربت إيران العراق ثماني سنين؟ ثم خربته هذا التخريب؟ ولو اقتصر الكذب على المنبر السياسي لقلنا هذا هو شأن السياسة، لكنه تعدى إلى منبر الدين!

أفليس هذا الكذب العريض مما يخالف الدين ويغضب رب العالمين؟ ووقعت كارثة الاحتلال بكل ما فيها من صراع واحتراب طائفي، فهل اتعظنا؟

هل قامت مبادئ (الحزب الإسلامي) و (هيئة علماء المسلمين) و (الوقف السني) – وهي الجهات الثلاث التي يفترض أن تكون مرجعيتها إلى الدين ومنطلقها من أحكام الشرع – إلا على هذه الثقافة الصدئة المتهرئة، التي تتجانف الحق، وتتجاهل الحقيقة؟!!!

حتى سمعت خطيب مسجد أم القرى في إحدى خطب الجمعة في سنة 2006 يقول وعلى شاشة الفضائيات وبصريح العبارة: (إلهنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وديننا واحد…)، ولو اكتفى بهذا المقدار من الكذب لأمكن لنا أن نتأول له! ولكنه تجاوز هذا الحد فقال: (… وعقيدتنا واحدة)! وهذا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولم أجد أحداً من العلماء رد عليه إلى اليوم.

هل الذين مسخوا قردة وخنازير من بني إسرائيل جميعهم أكلوا من السمك؟ لكنهم توافقوا على ذلك، والله تعالى يقول: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) (المائدة:78-80).

لم يكن الطبيب خبيراً ولا أميناً في التشخيص، فأخطأ العلاج. وتمادى في تطبيق الخطأ. وهذه هي النتيجة!

1_576927_1_34

عندما يكون الكذب من هذا العيار الثقيل، وعندما يتجاوز السياسيين إلى علماء الدين، وعندما يجد هؤلاء جمهوراً عريضاً يواطئهم على هذا الكذب، تكون الخطيئة عامة؛ فيكون العذاب بمستوى الخطيئة، وتحل المصيبة بالجميع، والله تعالى يقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:25).

ولنسأل الآن:

ماذا كان موقف أهل السنة بهيئاتهم الدينية والسياسية إزاء مصيبة وفضيحة السجون السرية التي حلت بهم؟

ماذا فعل الحزب الإسلامي؟ وماذا فعلت الهيئة؟ أغير الكلام ونقل الأخبار على قناة (بغداد) و(الرافدين)؟

وماذا فعل أهل الموصل لأبنائهم المعتقلين والمغتصب شرفهم داخل تلك السجون إلى الآن؟ اعتصام المحامين لمدة ساعة!!! ووقف العمل مدة ساعة أيضاً دعا إليه مجلس عشائر المحافظة! ودعوة رأس الفساد إلى محاسبة الفاعلين! ولم يتجرأ أحد حتى ساعة كتابة هذه السطور لعمل دعوى رسمية لمحاكمة المالكي نفسه، وإعلان العصيان العام حتى يتم ذلك، أو يحكم الله بينهم وبينه! ومن أكبر المهازل التي سمعتها في هذه الكارثة ثناء مجلس عشائر محافظة الموصل على التيار الصدري لموقفه من الحدث!!!

أعوذ بالله من هذا الخذلان، وهذا الهوان!

هل هناك جهة تفوقت على التيار الصدري في سفك دماء أهل السنة وانتهاك أعراضهم وتخريب مساجدهم وقتل أبنائهم وتشريد عوائلهم ومطاردتهم وتهميشهم وأقصائهم عن مسرح الحياة!!!!!!!!!!!!

ما هذه اللوثة؟؟ ومتى سنصحو؟؟؟

هذا هو ذنب العراقيين الكبير، وهذا هو سبب مصائبهم، وعلة كوارثهم. وما دمنا لا نعترف به، ولا نجتمع للخلاص منه بكل شجاعة وصدق مع النفس وصراحة ووضوح فابشروا بالمزيد، حتى ترجعوا إلى عقولكم، وتراجعوا دينكم.

ويا الله! نسألك العفو والعافية، والرفق بأهلنا فإنهم لا يعلمون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى