مقالات

القادم أسوأ .. حملة الاغتيالات في الرمادي والمناطق السنية

قبل حوالي عشر سنوات جمعني مجلس في حي (بغداد الجديدة) بمجموعة من الأصدقاء، حضره رجل من أهل ديالى، صاحب دين وخلق، وتظهر عليه مخايل العمل من أجل القضية. قادنا النقاش في (قضيتنا المركزية) إلى أن يسألني السؤال التالي:

  • لم لا يكون التعايش مع الشيعة هو الحل؟

قلت له:

  • ومن قال لك: إنني ضد مبدأ التعايش؟
  • إذن ما هي المشكلة؟
  • المشكلة أن ثقافة الشيعي تتناقض مع هذا المبدأ، والتعايش عقد بين طرفين؛ فنكول أي طرف عن مضمون العقد يجعله لاغياً من الأساس.
  • كيف؟
  • هناك عقيدة.. وهناك عقدة. عقيدة (الإمامة) توجب على الشيعي قتل المخالف (السني) وأخذ ماله، بعد تكفيره. وعقيدة (التقليد) تجعل أمره بيد المرجع العجمي، وهذا في غالب الأحوال، أو المستعجم، في الحالات القليلة الباقية. دعك من بقية العقائد. وعقدة (المظلومية) و (الشعور بالاضطهاد) – إضافة إلى تشكيلة مركبة من العُقَد – تجعل من الشيعي شخصاً لا يتقبل النصر ولا الهزيمة كما يتقبلها البشر الأسوياء. الشيعي إذا تمكن استبد وظلم وتصرف بـ(سادية) وإجرام، وإذا انهزم، أو كان محكوماً مستضعفاً، تصرف بمسكنة وملق و(ماسوشية).

لا أدري أين هو صاحبي الآن؟ وإلامَ آل مصيره؟ إذ لم أره بعدها. لكن سؤالي: هل أقنعت الأحداث المؤلمة صاحبي ذاك، ومنذ سبع سنين إلى اليوم؟ أم ما زال على رأيه القديم الذي عبّر عنه بالصمت، حين لم يجد ما يرد به عليّ، ولم يظهر عليه الاقتناع بما قلت في ذلك المجلس يومذاك([1])!

أما السؤال الأكبر فهو: أما وقد أثبتت الوقائع صحة التشخيص؛ فما هو العلاج؟ وما هو الحل؟ وهل سنظل نتجادل حوله دون اعتبار لقول أهل الخبرة والاختصاص، ومن لهم السابقة في النذارة، ووضع اليد على موضع الداء؟

يوم أمس (الخميس 29/7) قتل الشيخ الدكتور إحسان الدوري بعد خروجه من صلاة العشاء في جامع الراوي العتيد الذي خرّج أجيالاً من الدعاة والعلماء والمجاهدين والمنفقين والملتزمين بالدين والخلق القويم، وقتل معه رجل فاضل آخر هو الدكتور مصطفى العاني، إضافة إلى مجموعة من الجرحى صغاراً وكباراً؛ إذ كان الاستهداف بعبوات متفجرة. وقبلها بحوالي شهر قتل الشيخ عبد العليم السعدي رحم الله الجميع. كل هذا ضمن حملة منظمة ومستمرة للقتل شملت محافظة الرمادي وقضاء الفلوجة وغيره من أقضية ونواحي وقصبات محافظة الأنبار.

وأمس أيضاً كانت هناك معارك وتفجيرات في حي الأعظمية، وحملات دهم للعوائل واعتقالات عشوائية، ترافقت اليوم بمنع للتجول في الحي السني. دعك من الحملة المنظمة لتصفية قيادات الصحوة؛ في خطوة استباقية – فيما يبدو – لتهيئة الجو لعودة المليشيات. والمتابع لخريطة الوضع الأمني يجد المناطق السنية عادت للالتهاب من جديد.

قد يسأل سائل: من وراء هذه الحملة الدموية الجديدة؟ وليس لدينا شك في أن كل هذه الأحداث وراءها إيران والحكومة العراقية (الشيعية)، بغض النظر عن الأيدي التي تتولى التنفيذ المباشر. وقد أصاب الأستاذ خالد العلواني مسؤول الحزب الإسلامي في الفلوجة كبد الحقيقة حين عزا أمس، على قناة بغداد الفضائية، سبب تدهور الوضع في محافظة الأنبار إلى أن الملف الأمني ليس بيد أبنائها، في إشارة إلى أن مدير شرطة الأنبار شيعي، واللواء العسكري الشيعي التابع للمالكي المرابط في المحافظة، إضافة إلى ألوية شيعية مشابهة في نينوى وصلاح الدين، وغيرهما من المحافظات السنية.

من خلال هذه الإطلالة السريعة المجتزأة على الوضع في العراق أريد أن أذكر نقطتين هامتين مهمتين:

  1. إن العلة الحقيقية لهذا الوضع البائس، سببها سيطرة الشيعة على مقاليد الأمور؛ ولا يلوح في الأُفق حل إلا بإحدى وسيلتين: عودة الأُمور إلى ما كانت عليه. وهذا بعيد الاحتمال خلال السنوات القليلة القادمة. أو العمل على اقتسام الحقوق على أساس أن المشكلة في العراق طائفية في جزئها الأكبر، وحتى يصل الحالمون إلى يوم مخملي تختفي منه هذه المشكلة، لا بد من التعامل مع هذا الوضع الطائفي بمنطق طائفي. أما أن يضع الخائف رأسه تحت الغطاء ليخفي عينه عن لصوص دهموا بيته ليوهم نفسه أنه ليس من لصوص وليس من خطر، فهذا منطق الحمقى والمخبولين وحدهم. وهو المنطق الذي يتعامل به كثير من قادة السنة اليوم: دينيين وسياسيين وغيرهم!
  2. إن هذا الوضع يكشف عن فشل الأَفكار والممارسات والأعمال التي تبنتها الأحزاب والحركات والهيئات والتجمعات السنية: دينية وعلمانية، وعجزها التام عن أن تكون بمستوى الأَحداث. وأن على هؤلاء جميعاً أن يراجعوا أنفسهم مراجعة المؤمنين الشجعان، الذين يجعلون الله تعالى أمام أعينهم، ثم المسؤولية الحاضرة والتاريخية التي تحملوها في رقابهم إزاء أهل السنة أولاً، والبلد ثانياً. وكل واحدة من هذه الجهات تتحمل المسؤولية على قدر طاقتها وإمكانياتها.

وثالثة أخرى: ألا إنني أقول: ما لم ينتبه أهل السنة لحالهم الخاص، ويسعوا لأخذ حقوقهم الخاصة، ويعلنوها بلا مواربة أن الشيعة يتصرفون مدفوعين بغرائزهم الطائفية كأشد ما تكون، وأننا يجب أن نتصرف على هذا الأساس وبالقوة والاندفاعة نفسها، حتى يصحو الشيعة وينتهوا عما هم فيه من هذه الثقافة المتخلفة وإفرازاتها السيئة. وليعلموا أن الرد على التخلف بتصرف مثله ليس تخلفاً، بل هو قمة الحضارة، ولا ينسوا أن الله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (البقرة:194). أما أن تكون طائفياً وتريدني وطنياً، فهذا هو الضحك على ذقون السفهاء. وما دمنا على ذلك فالقادم أسوأ…… لا سمح الله.

_________________________________________________________________________________

  1. – من غرائب صدف القدر أنه في خريف 2012 جمعني مجلس في إستانبول بمجموعة من النخب السنية العراقية، أحدهم محافظ ديالى الأسبق الدكتور عبد الناصر المهداوي. وجرتنا شجون الحديث إلى أن سألني: تذكر يوم التقينا مرة قبل الاحتلال في بغداد الجديدة وسألتك عن التعايش مع الشيعة؟ ابتسمت وأنا أحدق فيه باستغراب ثم قلت: سبحان الله! أأنت هو؟ والآن ماذا قالت الأيام يا أخ عبد الناصر؟ [كتبت هذه الحاشية يوم 16/4/2013 وأنا في عمان أُهيئ المقالة للطبع في الرياض ضمن الجزء السادس من (يوميات قضية)، وكنت يوم كتبت المقالة في 30/7/2010 قد نسيت الرجل تماماً].

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى