مقالات

رسالة رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها القادسيون !

السلام على كل مسلم في الأرض..

أيها الإخوة والأخوات!

أهنئكم، وأُهنئ أهلي في العراق وإخوتي على امتداد أرض العرب وربوع الإسلام بمقدم شهر رمضان الكريم، شهر العطاء والتجديد، شهر العبادة والقضية.

نعمة عظيمة – أيها الإخوة – أن يمنح الله – جلّ في علاه – عبداً من عبيده سنة جديدة من عمره القصير ليلتقي هذا الشهر الفضيل. على أن التعريف بنعم رمضان أقرب إلى تحصيل الحاصل؛ فلنتعرف على بعض وجوه شكر هذه النعمة، وهذا هو الأهم في الموضوع.

  • استشعار النعمة شرط للانتفاع بوجودها. حكمة عظيمة، ويا لها من حكمة! لو استحضرها كل إنسان لاستراح من كثير من العنت، وألم التطلع الفارغ إلى فوق. ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا انتفعت بأنواع النعم التي أملكها حقاً، قبل أن أتحسر على نيل المزيد؟ ولا أقصد بهذا أن يقعد الإنسان عن الترقي ومحاولة الصعود. وقصدي لا يحتاج إلى شرح. استشعار نعم الله علينا في رمضان محطة مهمة وعضوية في سبيل أداء شكرها.
  • استحضار العلاقة بين قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وقوله سبحانه في أول السورة: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). فالصيام أحد مفردات (الهدى) الذي رصدت سورة (البقرة) لتبيانه، وقد ورد مرتين في آية الصيام السابقة بالصيغة نفسها (هدى). وختمت الآية بالتأكيد على حقيقة أن الصيام هدى: (ولتكبروا الله على ما هداكم)، وهو عمل من أعمال الشكر: (ولعلكم تشكرون)! وعلقت الآيات العمل كله بالتقوى، التي وردت مرتين: بدءاً في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) لماذا؟ (لعلكم تتقون)، وختاماً: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون). وإذ نرجع إلى آية سورة (البقرة) نجد قوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). فإذا تحققت التقوى في الصيام حصلت الهداية المتعلقة به جزماً لأنها متعلقة بها لزوماً. وكل (لعلكم) في القرآن الكريم وعداً من الله الرحيم، فهي على التحقيق كما يقول المفسرون.
  • سورة (البقرة) هي سورة بناء الأمة التي تبدأ مسيرتها بـ(الهدى)، حتى تبلغ النصر على الأعداء: (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) هذه آخر آية في السورة، التي أولها: (ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). الهدى بداية، والنصر قمة في طريق الهداية. إن هذا يستلزم أن يرتبط الهدى بقضية يجاهد العبد المتقي المهتدي من أجلها؛ فلا هدى بلا جهاد، ولا جهاد بلا قضية محددة حسب الزمان والمكان والإمكان. والمتأمل في السورة يجد أن جسمها بني على هيكل الجهاد. فإذا فقد الهيكل بات الجسم رخواً ضعيفاً قابلاً للضغط والتشكيل حسب المراد من قبل الأعداء. وتحولت الأمة من حقيقة قائمة إلى صورة فارغة.
  • إذن العبادة – إذا أفرغت من القضية – ليست هي قمة المطلوب في طريق الإسلام. بل جاء في السورة العظيمة عينها، سورة (البقرة).. سورة الهدى والنصر: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)، ولمن يشكل عليه المراد في هذه الآية نسوق له تفسيرها من قوله تعالى في سورة (آل عمران): (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)؟ وهل معناها سوى أنه لا جنة بلا جهاد. أي بلا قضية؟

أيها الإخوة!

الحديث ذو شجون. لا أريد أن أطيل عليكم ونحن في مقام التهنئة، إنما هي أشجان العابدين الذي أدركوا معنى الهدى، وعرفوا طريق النصر. نتبادلها فيما بيننا بهذه المناسبة. أعادها الله جل وعلى وقد قطعنا خطوة كبيرة في ذلك الطريق اللاحب المستقيم.

وإلى لقاء في ظلال الأُخوة الربانية والحب الإلهي، بإذن الله رب العالمين.

والسلام عليكم

أخوكم المحب المشوق

طه

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى