مقالات

أين النور يا صاحب ( القناديل ) ؟/ (1)

rafidainch

“من فضلك شاهد قناة الرافدين”.. رسالة وصلتني من صديق يوم السبت (6/11). كنت لحظتها على مائدة الطعام فناديت أهلي: ما الذي على قناة الرافدين؟ لم يشفني الجواب، فأكملتُ العَشاء على عجل، وتناولت جهاز التحكم لأفتح التلفزيون وأرى. حلقة من برنامج أسبوعي اسمه (قناديل) بعنوان (رداً على تصريحات الخبيث ياسر الحبيب). وكان ضيف الحلقة المفكر المصري الأستاذ محمد مورو.

آلآن .. ؟

أول شيء انتابني وأنا ألحظ العنوان أنني ابتسمت بمرارة، وتذكرت ذلك البدوي الذي يقال إنه مر ذات عاشوراء بمدينة الكاظمية فرأى في طرقات المدينة قدوراً كبيرة يوقد تحتها والناس مجتمعون حولها. فسأل باستغراب: ما الخطب؟ قالوا: أما تدري؟ إنه مقتل الحسين. قال: ومتى قتل؟ قالوا: أما تدري؟ قبل ألف وأربعمئة سنة. قال متعجباً من طول المدة الفاصلة بين الخبر والأثر: ولم يصلكم الخبر إلا الآن؟!

وصرت أحسب.. كم المدة من منتصف رمضان إلى آخر ذي القعدة؟ إنها شهران ونصف! آلآن يكون أوان نصرة أُم المؤمنين زوجة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم؟ لو كان هذا الطعن بزوجة أو أُم أكان ينتظر طيلة هذه المدة؟ ويرضى أن يتصدى الآخرون وصاحب الأمر ساكت قاعد يقلب كفيه: هل يُقدم أم يحجم؟ أم سينبري للتصدي مهما كانت النتائج والخسارات؟

وتذكرت كلمات كتبتها قبل سنوات: “نعم..! يحضرون إلى المحطة، ولكن – دائماً – بعد فوات القطار؟! فيهم وفي أمثالهم قال القائل: جاء الطبال، وقد ماتت العروس قبل أسبوع([1]).

لماذا؟ لم أجد إلا.. كي يتسنى حساب مقدار (الربح والخسارة) قبل أي تصرف، وعليه يكون القرار.

إسلاميون أم علمانيون ؟

ولنا هنا أن نسأل التالي: ما الموقف الذي يفرضه الشرع على المسلم (فرداً كان أم فئة) إزاء اتهام أُم المؤمنين اتهاماً علنياً سافراً بما لا يقوى على ذكره لسان ولا كتابته بنان؟ ونطرح خيارين على مرجعية القناة – وهي (هيئة علماء المسلمين) – من خلال عنوانها (الإسلامي) الواضح لتتفضل مشكورة، بالإجابة عن السؤال:

فإن كان يجوز السكوت وغض الطرف كأن شيئاً لم يقع؛ مداراة للشيعة أن نثيرهم، وتجنباً لأن نتهم بالطائفية والتطرف من قبلهم، وحفاظاً على (الصف الوطني) أن يفرَّق – معاذ الله – بيننا وبينهم: فنسأل سؤالاً رديفاً له، وهو: ما هي الأدلة الشرعية على هذا الجواز؟ علماً أننا سألنا من قبل مثل هذا السؤال في مواقف مشابهة دون رد.

وإن كان هذا لا يجوز، فسؤالنا الملح: إذا كان (الإسلاميون) لديهم هذه القابلية على إغفال حكم الشرع، وفي هذا الأمر الواضح، والسكوت عنه طيلة هذه المدة دون أن يكون لهم أي موقف، كيف لي أن أثق بأنهم سيكونون متصالحين مع عنوانهم فيطبقون الشرع فيما لو كانوا في وضع يمكِّنهم من ذلك؟ ويبقى السؤال قائماً: لماذا اختاروا لأنفسهم عنواناً دينياً إسلامياً إذا كانوا هم أول من يتنصل من لوازمه ويتخلى عن مقتضياته؟ هلا اتخذوا لهم عنواناً متواضعاً يليق بهويتهم لنرجع بهم في القضايا المهمة إلى ذلك العنوان.

أما يخشى مسلم أن يحرم شفاعة نبيه يوم القيامة؟! وكيف يرجو شفاعته من لم يدافع عن عرضه؟! ولا أدري كيف يدخل الجنة دون شفاعة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟! أم (تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) (النور:15)؟ ليس في الأمر من لهو أو لعب، ولن يجدي يوم القيامة أن يقال أمام الله تعالى ما يقال اليوم بلا مستند يصمد أمام حقائق الدين والتاريخ والواقع من أن الخلاف سياسي لا طائفي، وأننا نريد الحفاظ على وحدة العراق؟

عجائب وغرائب

شاهدت من الأخ مقدم الحلقة[2] أموراً كنت أتوقع أغلبها قبل مشاهدتها؛ بناء على معرفتي بالإطار الفكري الذي تدور فيه القناة، ولكن المعرفة المسبقة لا تلغي ما فيها من عجائب وغرائب وشذوذات، هي عبارة عن مغالطات ومفارقات دافعها ترضية الشيعة، وهاجسها الخوف من أن يتهموا بالطائفية، أو يحسبوا على (متطرفي) السنة، وأساسها تلك القيود والعوائق التي يسمونها (ثوابت)، وغايتها المحافظة على الوهم المتضخم بأن الشيعة يعتبرون الهيئة جهة وطنية محايدة يمكن أن يفيئوا إليها أو يعترفوا بها. يغذي هذا الوهم بعض لاعبي الحبال من الشيعة، ممن لا يستبعد أن يكون لديهم دور يلعبونه ضمن معادلة (تعدد الأدوار ووحدة الهدف). والغالب عليهم أنهم من الضعفاء المنبوذين لدى الشيعة وجهاتهم المتنفذة، ممن لفظتهم مائدة الصراع الحزبي كفتات مصيره سلة المهملات، كما فعل مقتدى الذي وصفته الهيئة وغيرها بـ(المقاوم الوطني)، ونعتوه بـ(الشيعي العروبي) في أيام ظهوره الأولى، حتى إذا تمكن وشب عن الطوق تنكر للهيئة وصار يذمها من خلال شاشات الفضائيات ويصفها بالتطرف وفقدانها التأثير والوجود في الساحة العراقية، وأنه لذلك غير مستعد للتفاهم معها.

هل انتبه إخواننا إلى أنهم – في مقابل هذا الوهم – فرطوا بأهل السنة؟ فلا هم ربحوا شيئاً من الشيعة، ولا حافظوا على رصيدهم من السنة. وإذا كان سيدنا علي رضي الله عنه نفسه قد خاطب جموع الشيعة في زمانه – كما روى الشيعة أنفسهم – وقد كانوا تحت ولايته، وهم خير من متأخريهم هؤلاء ألف مرة، فقال: (من فاز بكم فقد فاز بالسهم الأخيب)، فما بالك بمن لا يملك ما كان يملك سيدنا علي من سلطة وقوة وشخصية ونفوذ، ولا الذين يتعامل معهم أصحابنا اليوم في مستوى يرفعهم إلى مستوى أولئك الشيعة الخائبين؟!

ابتدأوا أكبر ما كان .. وانتهوا أصغر ما يكون

إنه وهمٌ بني على وهم أكبر منه اسمه (الشيعة العرب)، وهو من جنس تلك القيود والعوائق والمحنطات، التي يطلقون عليها مصطلح (الثوابت). وكأن التشيع قضية قومية عرقية، لا عقيدة دينية. هل انتبهت – أيها القارئ! – إلى ذلك لتجيب على السؤال التالي: لماذا ابتدأت الهيئة أكبر ما كانت، وانتهت أصغر ما تكون؟ أين تلك الشخصيات والجهات والمؤسسات السنية من علماء دين ودنيا ورجال سياسة وفصائل مقاومة وشيوخ عشائر وغيرها وغيرها، التي كان يعج بها مقرها في مسجد (أم القرى) في بغداد إبان السنين الأُولى؟

لقد انتهت – وما كنا نتمنى لها ذلك – إلى المصير الذي انتهى إليه (الإخوان المسلمون) في العراق: بدأوا – كذلك – أكبر ما كانوا، وانتهوا أصغر ما يكون! والمشكلة أنهم ينزعجون و(يزعلون) ويغضبون حين تواجههم بالحقيقة، حساسون جداً إزاء النقد، وربما اعتبروه منك اعتداءً وعداوة وتآمراً أيضاً. هذا ونحن نؤكد أنه ليس بيننا وبين إخواننا من خصومة شخصية، إنما هي خلافات تضاد فكرية. ومنهم من يقول: النصيحة تكون سراً لا علناً. وهذا خلط عجيب للأمور. فإننا أمام خطايا علنية يعود مردودها على الجميع، من جهات تقدمت الصفوف، بأُطر فكرية وأداء ضعيف هما العلة وراء تراجعنا المستمر، يدعى إليها على رؤوس الملأ كمنهج وحيد للخلاص، ويهاجمون ما سواه. تغرير وتضليل – ليكن غير مقصود فنحن لا نتكلم عن النوايا أو الأشخاص كأشخاص– للجمهور السني لا سيما خارج العراق.. كل هذا وسواه يجري علناً، ويراد للتصحيح أن يتم سراً! هذا وقد مارسنا النصيحة بالشرط المفروض، ومحاولة التصحيح من الداخل سنين طويلة فما أجدت شيئاً.

لا شيء سوى المنهجية الترضوية نفسها، التي تجهل أو تتجاهل الأزمة الحقيقية، والأمور تتدهور إلى الهاوية مع خط الزمن.

_________________________________________________________________________________

  1. – من مقدمة (غربان الخراب في وادي الرافدين)، لكاتب المقال.
  2. – السوري أحمد هواس.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى