مقالات

أين النور يا صاحب ( القناديل ) ؟/ (2)

طريقة لا تجني سوى الخيبة

untitledwwwwwwwwwww_350x0

قال لي أحد العاملين في قناة (بغداد) التابعة لـ(الحزب الإسلامي): نحن تكلمنا عن ياسر الحبيب. قلت: نعم، ولكن على طريقة الحزب التقليدية.. الطريقة الحذرة المترقبة، التي لا تنكأ عدواً ولا تقتل طيراً. الطريقة التي أفقدتكم ثقة الناس بكم. فأنتم استضفتم في البرنامج المخصص المعمم الشيعي حسين المؤيد! فتواريتم خلف معمم شيعي ولم تهتموا للخسارة الكبرى والمفسدة العظمى التي تعود على السنة حين يتصور الجمهور أن الشيعة منقسمون: ففيهم صالحون لا يرضون بالطعن بأمهات المؤمنين، وفيهم خبثاء لا يمثلون غير أنفسهم. وهذا ما يبتغيه الشيعة، وهو الذي أوحوا به للناس وصرح به عملاؤهم من السنة. فلم يجد أمامه غير تأييدي بما قلت، وهي خصلة جيدة أحتفظ له بجميلها، وحسن خلق يجعله قريباً مني، ويجعلني حريصاً على إدامة الصلة بيننا.

ثم إن الكلام من خلف عمامة شيعي يتحقق به أمران: أيها للسنة: ها قد تكلمنا. ويا أيها الشيعة: المتكلم واحد منكم، وليس نحن. وبهذا قدموا – كالعادة – خدمة مجانية للشيعة، ونفعوهم أيما نفع.

لقد قاسوا الأمر بمقياس (الربح والخسارة) العائد على فئتهم – وإن وهماً – أو أشخاصهم، لا بميزان الشرع. فليتهم سكتوا ولم يفعلوا. ثم إن هذه القضية الكبيرة لا تعامل كما يتعامل مع مباراة رياضية أو مناسبة عابرة: برنامج لساعة واحدة ثم ينتهي كل شيء! إنها قضية.. وقضية أمة. هل رأيتم الشيعة ماذا فعلوا يوم شتم أحد مشايخ السنة (محمد العريفي) مرجعهم السيستاني بجملة واحدة عابرة؟

هل أدركتم – أيها الإخوة! – أنكم لم ولن تكسبوا بهذه الطريقة الحذرة المتلفتة هنا وهنا شيئاً، لقد خسرتم جمهور السنة؛ لأنكم لم تحترموا ذكاءه، فتطاول على ذكائكم يوم الانتخاب.

هذا ما يريده الشيعة

من خلال متابعة ردود أفعال الشيعة حول ما قاله الخبيث ياسر ظهرت أفانينهم في التلاعب بالألفاظ، واستعمال لغة مطاطة قد تزحلق غير الخبير بهم. كما ظهر ميلهم إلى الإيحاء بأن هذا الفعل الشنيع يتحمله الخبيث وحده، وحاولوا خلط الأُمور بمثل كونه ردة فعل على متطرفين من السنة. الشيء نفسه حرص عليه المتورطون بالعمالة لإيران والمتعثرون بموائدهم. وهذا ما أرهق مقدم البرنامج نفسه في التركيز عليه، والإلحاح بصورة خرجت عن الذوق إلى السماجة، بل الصدق إلى نقيضه! وظل يكرر من بداية الحلقة إلى نهايتها أن الشيعة رفضوا تصريحات ياسر كما السنة. وأكد أكثر من مرة على أن “شيعة العراق” رفضوا ذلك. وعاد في أثناء الحوار ليقول: نعود ونؤكد أن الشيعة في العراق رفضوا تصريحات هذا الرجل رفضاً قاطعاً، لكنه أضاف هذه المرة عبارة “على المستوى الشعبي”، تحوطاً من السؤال المحرج: هل تم ذلك على لسان المرجع الشيعي حتى يمكن أن يكون ذلك موقفاً رسمياً للشيعة؟ ولما لم يكن لكبيرهم – ولا من هو قريب منه في الدرجة، – أي تصريح حول الموضوع، يبدو أن المقدم انتبه إلى نفسه فتبرع لهم بذلك القيد “الشعبي” الذي لا معنى له؛ والسؤال يبقى – مع ذلك – قائماً: أين التحرك الشيعي على المستوى الشعبي؟ ومن يمثلهم شعبياً على الحقيقة حتى يمكن أن يكون لوجه الدعوى قطرة ماء تحاجج عنها؟

لن نقول على أية قناة فضائية كان نقل ذلك الرفض “الشعبي”، إنما نقول: في أي يوم تم نقل ذلك على قناة الرافدين نفسها؟ لأنه لو كان شيء من ذلك لسارعت القناة إلى إظهاره وتضخيمه، وظلوا يكررون عرضه، كما فعلوا مع مباراة رياضية هتف فيها الجمهور (إخوان سنة وشيعة).

ظل الأخ المقدم مرابطاً حول آخية هذه النقطة كلما ابتعد به الضيف – الذي كان على وعي جيد بحقيقة الخلاف الشيعي السني – أعاده إليها، وأضاف للخلطة توابل جديدة، وإن كانت فاسدة كاسدة. انظر إليه إذ يقول: الشيعة العرب لا يعترفون بالحكم الصفوي أصلاً. لا أريد أن أتوقف أمام مدى حقيقة وواقعية هذه الدعوى، غير أن أقول: إن مصطلح (الشيعة العرب) مصطلح سياسي ابتدعته بعض الأحزاب القومية، وتبنته الهيئة كحقيقة مسلّمة، وهي أشبه بالأُسطورة التي لا أثر لها، إلا عند أشخاص معدودين من الشيعة لم يتربوا في بيئة الشيعة، أو تعرضوا لغسل دماغ شديد من خلال انتمائهم لتلك الأحزاب القومية. وهذه القلة المعدودة فاقدة للتأثير في أوساطها. فذكرها إن كان من باب المعلومة البحثية، أو الاستفادة الدعوية فلا بأس على أن لا نتجاوز بها حجمها.

أما أن تستعمل لافتة نتستر بها على كل الجرائم والأباطيل الشيعية الصارخة، وشماعة نعلق عليها عجزنا المزمن عن أن نفعل شيئاً حيال هذا الواقع الظالم للسنة المستهتر بهضم حقوقهم وتهميشهم، ونحن غير قادرين على أن نفعل شيئاً أمام عربة التدهور، سوى أن نخدر الناس ونقول لهم: الشيعة العرب هم أملنا وموئلنا، والحقيقة هي أننا نريد أن نهرب وراء هذه العبارات الفارغة كي لا يطالبنا الجمهور بالعمل لوقف هذا التدهور: فهذا ليس مرفوضاً فحسب، وإنما ننصح أصحابه بالانتهاء عنه كوصفة انتهى مفعولها بفعل الزمن، وما عادت تصمد رقاعتها المهلهلة أمام وعي الجمهور بالحدث الصادم، وذكائه الذي تراكم لديه بفعل الزمن.

لم يشأ المقدم أن يغادر الحلقة حتى كر راجعاً على هذا المعنى، ولكن هذه المرة بطلاء جديد حين قال: إن ما حصل خير للأمة؛ أصوات سنية، أصوات شيعية، استنكرت ذلك. وشفعها بالاستبشار بجواب خامنئي بعدم سب الرموز السنية ووصفها بالخطوة الجيدة، ولا أدري من أين جاءنا بهذا الخبر: إيران سابقاً أغلقت مقام قاتل عمر بن الخطاب بطلب من علماء سنة.. هناك خطوات جيدة… ثم لم يكتف حتى أعلن عن وجهته قائلاً: نحن ندعو للتقارب. ولم يتوقف عند كلمة دقيقة للأستاذ محمد مورو حين رد عليه قائلاً: “نحن ندعو للتعايش”، وتجاهل العبارة.

العجيب أن المقدم ركز كثيراً على أن الخبيث ياسر معارض لإيران ومختلف معها. وأنت إذا جمعت هذا إلى ذاك تثور في نفسك تساؤلات وظنون، بعيدة أو قريبة. سيما إذا ربطت هذه النقطة مع التأكيد المكرر على دور أمريكا والصهيونية في إثارة الطائفية، واستغلاله للإطار الفكري للمثقفين المصريين والفلسطينيين وعامة العرب الذي يمتاز ليس بالعداء لأمريكا والصهيونية، وإنما مع هذا تناسي عداوة إيران إلى حد كأنه ليس من عدو غير ذينك العدوين، فجرجر الضيف كثيراً إلى هذا المخاض، ساعده على هذا عدم معرفة الضيف – كما يبدو – بالتوجه الحقيقي للإطار الفكري الذي تدور في فلكه الهيئة.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى