مقالات

أين النور يا صاحب ( القناديل ) ؟ (3)

لمز القنوات السنية المتصدية للمشروع الشيعي الإيراني

تمادى الأخ المقدم فتطاول ليلمز القنوات السنية القليلة المتصدية للشيعة، والتي لا يبلغ عددها عدد أصابع اليد الواحدة، ليقول: هناك بعض القنوات (السنية)، ونصص على أن كلمة سنية بين قوسين، وكأنه يستكبر عليها هويتها السنية! ويشير إلى أنها قد تكون السبب الذي أحدث عند الخبيث والقنوات الشيعية ردة فعل مماثلة تجاه السنة! ونحن نسأل: من هو المحسوب على السنة ظاهراً أو حقيقة: الذي لم تهتز له شعرة ولم يطرف له جفن ولم يحترق قلب ولم يعبر لسان أو تتحرك جارحة دفاعاً عن أم المؤمنين وعرض أشرف وأطهر الخلق أجمعين، وهو يرى بعينيه ويغطي بأذنيه ذلك التقيؤ السافر العاهر من قبل ملة الرفض والزندقة، ولم يتفوه بكلمة، بل بقي ساكتاً عن الحق، أخرس عن الكلام؟ أم من نطق وقال وعمل بما يمليه عليه واجب الدين وعقد الانتماء إلى محمد الصادق الأمين؟

الدين (إيمان) بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم (نصرة) له لا تنفك عنه. وهذا هو (الميثاق) الذي أخذه الله على جميع الرسل عليهم السلام: (لتؤمنُن به ولتنصرُنَّه) (آل عمران:81)، وهددهم تعالى ذلك التهديد الرعيب إذا هم نكلوا عن العقد فلم يؤمنوا به، أو تخلوا عن نصرته فقال: (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (آل عمران:82)!!! فلو تخلى عن ذلك نبي – وحاشى لله – فالجواب معروف من خلال الآية، لا أتفوه به تأدباً مع الأنبياء!

هذا هو الدين، قبل أن يكون سياسة أو وطنية، فاحملوه وأدوه كما هو بما استطعتم، أو اتركوا الناس يعملون.

أرأيتم خطورة الأمر؟! وأي تخاذل عن نصرته أكبر من التنصل عن الدفاع عن عرضه الشريف؟!

ثم انحدر المقدم أكثر ليثير غباراً بالتساؤل عمن يمول ويدعم (القنوات المتطرفة)، وخلط الكلام بحيث أدمج الجميع – سنة وشيعة – في خلطة هذه (القنوات)، وتمكن من استدراج الضيف للقول بأن الغرب والصهيونية تنفق على قنوات الشيعة، ومن الممكن أن تنفق أيضاً على هذه القنوات السنية (المتطرفة)!

هل قناة صفا ووصال دمر عرش المجوس الفرس الرافضة هل يتفضل الأخ المقدم فيحدد لنا أسماء هذه القنوات السنية المتطرفة؟ اسماً واحداً فقط لا تكون قناة (صفا) أو (وصال) مسمى له! هل يرضى أن تلمز القناة التي يقدم برنامجه من خلالها أن جهة ما مشبوهة تنفق عليها؟ وأن تهمة الآخرين بهذا ربما هو (إسقاط) يمارس بحقهم لا أكثر؟ فكيف يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه؟

لمصلحة من هذا التشكيك؟ أم هو دفاع سلبي مبطن عن الذات حين سكتوا عن هذا الأمر العظيم، فالهجوم على من أدى واجبه تجاهه محاولة للظهور بمظهر الحكيم الذي يزن الأمور بدقة، ولا يقدم إلا لحكمة. وأما هذه القنوات (المحسوبة على السنة) فهي متهورة تثير الطائفية، وقد تكون مدعومة من جهات مشبوهة؟

إن إظهار فضل الذات بإلصاق النقص بالغير قزامة لا تليق بالأسوياء. دعك من العمالقة.

وانتهى مقدم البرنامج بإلصاق مصطلح محدث بأهل السنة إذ قال: نحن نرفض كلام غلاة السنة كما نرفض كلام غلاة الشيعة. وهي طريقة ترضوية معروفة، خاسرة سلفاً؛ لأنها تتبرع للشيعة فتحمِّل نفسها وزراً لم ترتكبه وتجعله ثمناً تتقاضاه مقابل وزر حقيقي يرتكبه الشيعة في حق أهل السنة، ليقول الترضويون بعدها: اجعلوا هذا مقابل هذا، فتنتهي المشكلة. ذنب بذنب، وتقاصص يستلزم التسوية.

ورغم أن هذه الطريقة غير منطقية أولاً من حيث أنها تسلم سلاحها لخصمها، بدلاً من أن تجعله يقر بالاعتداء، ثم بعدها يمكن أن تتنازل عن حقها، وهذا أقوى عند المحاججة. وتنتظر فإن اعترف كان لها الخيار، وإن لم يعترف ظلت تصمه بالاعتداء، وتطالبه بالقصاص. أو تصمت. وقد أثبت الواقع فشلها منذ ألف عام وأكثر ثانياً، لكنهم ما زالوا يعضون عليها بأحناكهم، ويتقبضونها بلهاتهم. ورغم أن الوقائع أظهرت أن جواب الشيعة على ذلك ما يلي:

الاحتجاج علينا بما اعترفنا – زوراً – بارتكابه من ذنب، والاستناد إليه صك اعتراف نقاضى على أساسه من باب: (من فمك أدينك).

عدم الاعتراف بأن ما يفعلونه ذنب يقتضي تسوية أو تراجعاً، بل إنهم لا يعترفون بأنهم فعلوا شيئاً أصلاً.

فتكون النتيجة دائماً لهم علينا. وهذا هو ما يجنيه علينا الترضويون قديماً وحديثاً. لكن لأن

الأمر يتم باستبعاد عنصر الواقع من المعادلة، واتباع مقدمات جامدة محنطة لا تقبل التغيير ولا التحوير، لا تجدهم يستفيدون لا من وقائع التاريخ ولا من الواقع الحاضر.

أما وصف الغلاة الذي ألقاه المقدم على عواهنه وتبرع به على أهل السنة، فليت الأخ المقدم يتفضل علينا ببيان حيثيات هذا الغلو حتى نفهم ونعلم لنجتنب الشر، أو ليتبين أنه لا مورد لما ابتدعه من تهمة لأهل السنة، وهي وإن كانت موجهة منه للبعض منهم، لكن مردوها – بلا شك – يلحق أثرها مجموعهم. سيما وأن الذين تصدوا للرد على غلو الشيعة ورفضهم ونصبهم وشركهم وخرافاتهم وخزعبلاتهم وجرائمهم هم من صميم أهل السنة.فإن بدر من بعضهم شيء يتجاوز الحد المسموح به شرعاً فيدخل في باب التشدد، وليس الغلو؛ أهل السنة ليس فيهم غلاة كالشيعة الذين ألهوا (الأئمة) وسبوا الأصحاب رضي الله عنهم، وادعوا تحريف الكتاب، وقالوا بالرجعة والبداء، وشريط طويل من العقائد والشعائر الغالية البالية.

ثوابت أم عوائق

هل سمعتم بـ(التفكير الكونكريتي)؟ وأصحابه المحنطين في أكفان (المنطق الأرسطوي)؟ أرأيتم أفكارهم المصبوبة في قوالب جاهزة لا تقبل التعديل؟ ويسمون ذلك (ثوابت)، وما هي إلا قيود وعوائق تمنعهم من الحركة. لا ينظرون إلى الواقع والوقائع إلا من خلال تلك الأفكار المحنطة المعدة سلفاً، وهكذا يصرون كل الإصرار على لي عنق الواقع وتفسير والوقائع طبقاً لتلك القيود والمحنطات والعوائق. فمهما كانت الحوادث ودلائل الميدان ومجريات الأمور، بل وطبائع الأشياء، كلها تصرخ بعكس ما يقولون تجدهم يصرون على مواقفهم كأنها مزمور سماء أو منشور قضاء! حتى إن واضحات الشرع ومحكماته يمكن أن تخضع لديهم للمراجعة، بل والحذف، بينما ثوابتهم لا يمكن مسها أو الدنو من محرابها! وهنا تبدو الشخصانية بدل الربانية. والإشكالية أن عناوينهم إسلامية!

منطق الربح والخسارة أم المصلحة والمفسدة ؟

وحين تسألهم؟ يدّعون أنهم ينظرون إلى الأمور بمنظار (المصلحة والمفسدة) على أساس أن هذه القاعدة لها تطبيقات معتبرة في الشريعة. وما هي ولا هم بذاك. إنهم يقيسون الأمور بمنطق (الربح والخسارة)، وليس بميزان (المصلحة والمفسدة). وفرق كبير بين المنطقين أو الميزانين. لقد لبس الأمر عليهم، أو هم لبسوه على أنفسهم.

(المصلحة) قاعدة شرعية، لها من الشرع ما يشهد لصحتها، وإن تعارضت معه لا يلجأ إليها إلا في ظروف خاصة بشروط صعبة. بينما الأولى بدعة سياسية تتعارض مع أدلة أحكام الشريعة، تلبس لبوس الشرعية، يجنح إليها أصحابها دون قيد أو إكراه. (المصلحة) عامة، أي يعود أثرها ونفعها على المجموع. بينما الأُولى شخصية: ذاتية أو فئوية، يعود أثرها أو نفعها على الفرد أو الفئة (حزباً كان أم مؤسسة أم هيئة أم شركة يسمونها حركة). من هنا كان اللبس الذي مصدره الهوى. فهو داء مركب من علتين: شبهة مختلطة بشهوة: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) (النجم:23). كما تبين لكم من موقفهم من طعن الشيعة السافر بـ(أُم المؤمنين) الذي استهتروا به على الفضائيات. والموقف نفسه وقفته الهيئة من طعن كلب الشيعة بهاء الأعرجي (لع) بالصديق رضي الله عنه.

هكذا ضيعوا الواقع بأوهامهم، والتاريخ يسرق منهم وبإمضائهم!

وبقية القصة معروفة، لا تحتاج إلى تفصيل.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى