مقالات

البعير لو رأى أذنيه ..!

في مصر – بعد تونس – تدور اليوم رحى مظاهرات صاخبة تنشد التغيير. ونحن مع الشعوب في معاناتها، وفي حقوقها وتطلعاتها وآمالها. غير أننا لسنا مع التغيير الذي يتم بطريقة (كسر الباب) لا في مصر ولا في غيرها. نأمل أن يتحقق الإصلاح، أو يتم نقل السلطة سلمياً، ونخشى أن تسرق ثورات الشعوب، وتونس ليست بعيدة عن هذه الخشية داعين لأهلنا فيها أن لا تذهب جهودهم وتضحياتهم سدى. كما نخشى أن يكون التغيير فوضوياً غوغائياً كما حصل في العراق؛ ثمن باهض والسلعة استبدال حاكم بحاكم، لم يكن الأخير إلا السوأة والسوء عينه، والظلم والطغيان والطائفية والحقد نفسه. فما الذي حصدنا سوى الشر؟ إذن كان البقاء على القديم خيراً ألف مرة.

الجمهور يتصور أن المشكلة تكمن في الحاكم، فإذا أزيح انحلت المشكلة. والحقيقة أن المشكلة في الحاكم والمحكوم كليهما. فما لم يكن الشعب بمستوى التغيير المنشود فستكون النتيجة استبدال حاكم بحاكم، والشعب يدفع الثمن ولا يقبض غير الريح. والله تعالى قالها من قبل ويقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11).

لشعب مصر خصائص منها التعقل والتروي والحكمة. تأملوا كيف انتقلت الدولة من الملكية إلى الجمهورية انتقالاً سلمياً حكيماً هادئاً، وقارنوا ذلك بما حصل في العراق الذي لا يعرف أهله إلا طريقة (كسر الباب): ماذا فعلوا بالملك وأسرته ونظام حكمه؟ ثم ماذا كانت النتيجة؟ والذي أتوقعه مما يحصل اليوم هناك هو خير في جميع الأحوال، بصرف النظر عن نسبة هذا الخير.

لا شك أن ما ينبغي أن يقال في ما يجري في مصر الكنانة كثير. لكن ما أريد أن أؤكد عليه في كلماتي هذه مما يخدم منهجنا وهدفنا المعلن عنه في موقعنا، هو أن الناس تنظر إلى الحدث كل من زاويته، ولكن بين مريد للخير وباغٍ للشر. ومن بغاة الشر إيران.. إيران التي تنسج منذ وجودها على قاعدة إثارة الفتنة بين العرب والمسلمين، ومن ذلك ضرب الحكام بالشعوب، وضرب الشعوب بالحكام. والخطة قديمة ابتدأت في تاريخنا الإسلامي منذ مقتل الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه. لن تجدوا إيران في كل حدث إلا مثيرة للفتنة، وضاربة على وتر التفريق بين الشعوب وحكامها، لابسة لذلك ثوب الواعظ وهي أبعد ما تكون عن الوعظ، ورافعة راية الانتصار للشعوب، وهي أول عدو لها. وما حصل في العراق أوضح شاهد. وأفغانستان واليمن ولبنان شواهد واضحة لمن يريد أن يرى. أما من كان أعمى فلن تملك له من الله شيئاً.

ضحكت ليلة أمس (الثلاثاء 1/2) وأنا أستمع لما تناقلته الأخبار عن وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي وقوله عن المظاهرات الجاري في الشقيقة مصر: “إن الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية تعتبر مؤشراً على ضرورة التغيير بالمنطقة وإنهاء عهد الأنظمة غير الشعبية”. وقوله: “إن الشعبين المصري والتونسي أثبتا أن عهد الهيمنة الاستكبارية على المنطقة قد ولى، وأن الشعوب بصدد تقرير مصيرها بنفسها”. وأضاف وهو يضع أعواد الفتنة تحت قدر القاعدة آنفة الذكر، لابساً لها مسوح الواعظين ليقول: “إيران وكباقي أحرار العالم تعلن دعمها لانتفاضة الشعب المصري الكبير وتعرب عن مواساتها مع کل المجروحين وعائلات الشهداء الذين سقطوا في هذه النهضة”.

وتذكرت قول الشاعر أحمد مطر تحت عنوان (خطاب تاريخي):

رأيت جرذاً

يخطب اليوم عن النظافة

وينذر الأوساخ بالعقاب

وحوله يصفق الذباب

ووالله ما أشبه صالحي بجرذ أحمد مطر هذا! وما أشبه خطابه بخطابه! أمثلك يا صالحي يتحدث عن الأنظمة الشعبية، وعن الهيمنة الاستكبارية، وحق تقرير الشعوب لمصيرها؟

http://alqadisiyya3.com/upload/userfiles/images/4837_1158020920907_1539282187_30389200_1499380_n.jpg

أي استبداد وهيمنة استكبارية لنظام أكبر من نظام يقوم على “ولاية فقيه” فقيهها نائب عن معصوم موهوم وله صلاحياته جميعاً وأولها وأخطرها أنه لا يخطئ، والخروج عليه خروج على الإمام، والنتيجة لهذا الخروج هي الشرك بالله تعالى والخروج عن دينه كلية؟!!!

أما من حيث التطبيق لهذا المبدأ المتخلف حد الحضيض فما شهده العالم أجمع في حزيران/يونية/2009 بعد إعادة انتخاب الطاغية محمود نجاد لولاية ثانية على إيران، وانطلاق الشعب الإيراني في ثورة عارمة ضد ذلك. فكيف واجهت “الهيمنة الاستكبارية” في إيران ثورة “الشعب وحقه في تقرير مصيره” ضد “الأنظمة غير الشعبية”؟

الجواب معلوم لكل الناس!

يا وزير خارجية الاستكبار الإيراني! لست آخر من يتكلم بمثل هذا.. لا، وإنما دورك يأتي بعد آخر آخر المتكلمين. وقديماً قيل: (البعير لو شاف آذانه كان احتار بزمانه).

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى