مقالات

أحداث تونس ومصر (1)

يوميات مراقب من العراق......................

متى يكثر

الناس ؟ ومتى يقلون ؟

التغيرات الأخيرة التي ابتدأت في تونس، ومرت بمصر، ثم تشظت فلا ندري إلى أين الاتجاه؟ وفي أيِّ بلد المستقر؟ لها دلالات كثيرة تنادي علينا بالتوقف عندها: كلٌّ من زاويته، وحسب عمق نظرته، ومدى رؤيته، واستقامة منهجه، ووضوح شاهده، ونبل غايته.

“إنما يكثر الناس بالنصر، ويقلون بالهزيمة”، كلمة قالها سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، في ساحة اليرموك وهو ينظر إلى جموع الروم وقد غطت كثرتهم الأفق حتى ضاق بها نطاق البصر، ساخراً من قول أحد الجنود أصابه الهلع مما يرى فقال: “ألا ما أقل العرب وما أكثر الروم!”، فصرخ به سيف الله: “بل ما أكثر العرب وما أقل الروم! إنما يكثر الناس بالنصر، ويقلون بالهزيمة”.

نعم..! فالأمل عنصر أساسي من عناصر التحرك للعمل والاستمرار فيه والمرابطة عليه حتى بلوغ الهدف. واليأس عدو كل مشروع، وشلل كل حركة، وقاتل كل طموح. لن تجد قائداً إلا وروحه مشبعة بالتفاؤل وإن كان الألم يعبث بأحشائه. بل هو ينظر إلى الألم فلا يرى من حروفه إلا تشكيلة أُخرى رائعة للأمل، وما بينهما إلا أن يتقدم ميم المنى فيتأخر لام اللوعة. وحين يُسأل يجيب: إن ألمي من أملي. والله تعالى يقول: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].

كانت جماهير مصر مقيدة باليأس، مشلولة بالإحباط، لا يخطر في بالها أنها بمجرد النزول السلمي إلى الشارع يكون التغيير. فلما حدث ما حدث في تونس، انطلق الأمل من قيده، وانفلت المارد من قمقمه. كان النصر في تونس فكانت الكثرة في مصر. واستبان مظهر من مظاهر قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110]. فمن بين ركام اليأس يطلع الأمل، ويشرق النصر.

على القادة إذن أن يغذوا جماهيرهم بالأمل، وينعشوا أرواحهم بالتفاؤل.

الأمل القائم على أساس حي متحرك، والتفاؤل المبني على معطيات واقعية ميدانية. ينتظمها مشروع، ذو منهج واضح بفكرته وعقيدته ورؤيته ورسالته، وبرنامج مفصل بخطته وآلياته وإمكانياته وأهدافه.

مع هذا يحتاج الجمهور، كلما طال الدرب، وكلت الأرجل، وتسربت الظنون، إلى فعاليات تكتيكية تنشط الأمل وتبعثه من جديد؛ فطول الأمد مدعاة للتعثر والأوَد. يحدثنا التاريخ أن المتقاتلين في اليوم الرابع من معركة (القادسية) الخالدة، كلّت أيديهم من طول أيام القتال وشدته حتى إن المقاتل ليلقى قرنه فلا يقوى على رفع السيف ليضربه به، إنما يدفعه به دفعاً، أو لا يجدان إلا أن يتدافعا بأجسادهما! ولم يبق بين النصر والهزيمة إلا أن يخور أحد الجيشين فينتصر الآخر.

أدرك القعقاع هذه الحقيقة الخطيرة، فصار يزمجر بصوته عالياً “الله أكبر الله أكبر”! ذلك الصوت الذي قال عنه الصديق: “لصوت القعقاع في المعركة خير عندي من ألف فارس”! ثم انتدب كتيبة من خيرة الفرسان، وصار يشق قلب الجيش باتجاه خيمة رستم، وهو يجندل الأبطال وصوته يدوِّي كالرعد، يبعث الرعب في فلول الفرس، ويشيع الأمل في صفوف العرب، حتى كان النصر.

يا جماهير السنة في العراق!

أبشروا؛ فما النصر منكم ببعيد. هذا زمن الشعوب.

ويا من وضعتم أنفسكم موضع القادة! ابعثوا في نفوس الجماهير الأمل. واجعلوه أملاً منطلقاً من مشروع ذي فكرة ومنهج، وخطة وبرنامج. وجددوه لديهم باستمرار بأن تتقدموا كل يوم خطوة، وتحققوا في كل فترة نصراً. وإياكم والأماني فإنها بضاعة المفلسين. واحذروا اليأس فإنه هاجس الفاشلين.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى