مقالات

لقاء جريدة الأيام البحرينية

C:\Users\f\Downloads\ayam _1.jpg

  • حسب ما تعتقد من المتسبب في الشحن الطائفي بالبحرين؟ ومن يقف وراءه؟
  • بسم الله الرحمن الرحيم.. أشكر الإخوة القائمين على جريدة الأيام البحرينية على هذه الاستضافة التي جعلتني أطل على إخواني في مملكة البحرين الشقيقة كي أراهم ويروني وأتواصل معهم معبراً لهم عن بعض مكنون الفؤاد، ولمحات الفكر. وبعد/

فمن خلال التجربة العراقية، التي تشبه كثيراً التجربة البحرينية، وفي ضوء الأحداث التي جرت وتجري في دولة البحرين أستطيع القول: إن هناك ثلاثة أطراف تشارك في الشحن الطائفي هنا وفي كل قطر يعاني من (التشيع الفارسي أو الصفوي): اثنان بقصد مسبق ومخطط، وواحد عفوي غير مقصود:

  1. أول هذه الأطراف: إيران. يدفعها إلى ذلك أساطير وأوهام وأحلام كونت دولتهم عبر التاريخ، تستند على عقد نفسية جمعية تعاني منها (الشخصية الفارسية)، انتقلت بالحث والعدوى إلى (الشخصية الشيعية) فصرت لا تفرق بين الشخصيتين: فارسية النسب كانت أم عربية؛ لذلك نحن نعتبر (الفارسية) ظاهرة وليست نسباً. إنها روح وفكر وشعور وسلوك بمواصفات معينة متى ما اجتمعت في شخص أو مجموعة استحق أن نطلق عليه هذا الاسم، ونصمه بهذا الوصف حتى لو كان عربياً هاشمياً.

دخلت هذه الخلطة من الأساطير والعقد باب العقيدة والشريعة والسلوك، فتحولت إلى دين يعتنقه عموم الشيعة، سوى استثناءات هنا وهناك غير مؤثرة ولا قادرة على وقف الاتجاه العام أو التخفيف منه. تستثمر إيران هذا الدين – عند الحاجة وفي اللحظة المطلوبة – لتحقيق غايات سياسية تصب في مصلحتها، وعادة ما يكون الشيعة فيها هم الضحية. فإيران تستغل الشيعة والتشيع كعربة أو (حصان طروادة) تنفذ بهم إلى داخل البلدان المجاورة – وحتى البعيدة – طمعاً في استعادة مجد غابر وإمبراطورية عفى عليها الزمن، قال عنها نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) متفق عليه. وعندما يتورط الشيعة ويقعون في المأزق تتركهم إيران لقدرهم، مستغلة ما يحصل لهم في إدامة وقود (المظلومية) استعداداً لجولة قادمة مشابهة، ودورة تاريخية تعيد نفسها عليهم باستمرار

2. الطرف الثاني هو الشيعة أنفسهم. يدفعهم إلى ذلك عقيدة وعقدة ومرجعية، تستغلها إيران جميعاً لصالحها. فعقيدة (الإمامة) تفرض على الشيعي ليس تكفير الآخر فحسب، وإنما تسلب منه القناعة بأحقيته بالحياة والتملك. فالإمامة تعني ثلاثة أمور: تكفير الآخر، ووجوب قتله واستباحة ماله (استباحة العرض مؤجلة نظرياً لحين ظهور المهدي، ومفعلة عملياً متى ما كان ذلك في المستطاع). وهذا يعزل الشيعي شعورياً عن المجتمع الذي يستوطنه، وذلك في حالة الاستضعاف، ويفرض عليه تنفيذ لوازم عقيدته من القتل والسلب في حالة الاستقواء. هنا تأتي عقيدة (المرجعية) لتلزم الشيعي بطاعة المرجع الديني طاعة عمياء صماء بكماء كـ(حاكم أعلى)، وهو لقب فقهي متداول في مصادرهم، يعني أن العالم الديني واجب الاتباع ليس في الأمور الفقهية والعقائدية والوعظ والإصلاح فقط، وإنما في فتواه السياسية والعسكرية والأمنية، والسير تحت قيادته في هذه الشؤون الخطيرة وأمثالها. وهكذا تكتمل الصورة ليكون (وطن الشيعة طائفته) لا بلده. وبذلك يمسي المكون الشيعي في أي بلد (دولة داخل دولة)! دولة قائدها المرجع، وشعبها الشيعة، وعدوها اللدود الأول والأخير هو المواطن غير الشيعي (السنة في بلداننا العربية).

3. الطرف الثالث المتسبب في الشحن الطائفي هو السنة أنفسهم بقلة وعيهم وضعف مناعتهم، وخوفهم من كشف الأمور على حقيقتها، وتصديقهم لادعاءات (التقية) الشيعية، وتسامحهم الزائد عن الحد، غير المبني على أساس من العلم والواقع. إن هناك (أبوية) مفرطة يعاني منها السنة بحكم التاريخ والشخصية المستقرة، وتراكم الخبرة الحضارية في القيادة والسياسة، ما يجعلهم لا ينتبهون كثيراً إلى حقيقة ما يجري. فيستغل الخصم هذه (الغفلة) الأبوية لتنفيذ مآربه المبيتة القائمة أساساً على الشحن الطائفي، ودعوى (المظلومية).

  • يقال: “اينما وجد شحن طائفي سني – شيعي, وجدت إيران من ورائه” ما مدى صحة هذا القول؟
  • تابع قنواتهم الناطقة بالعربية كقناة العالم، وانظر إلى أقوال وتصرفات معمميهم ومؤلفاتهم ونشراتهم، وقف قليلاً عند تصريحات الساسة الفرس، وتتبع ما يفعله الحرس الثوري الإيراني وذراعه فيلق القدس. وطوف ببصرك ما يجري في العراق ولبنان والأحواز والكويت والسعودية ومصر والمغرب وإفريقيا وآسيا بتوجيه ودفع مباشر من الحكومة الإيرانية، ودور سفرائها في شتى الدول. عند ذاك لن يبقى مجال للشك في الحقيقة التي لمسناها وعايناها وعايشناها وعانينا منها، تلك أن رأس الحربة في الشحن الطائفي هو إيران. إن هذا القول صحيح بلا أدنى ريب.
  • العراق يقف على فوهة حرب أهلية بعد أن مزقتها الطائفية, وبحكم انك شاهد عيان على ذلك, كيف ترى الأسباب؟ وهل الأيدي الخفية التي تلعب في العراق هي الأيدي نفسها التي تحاول أن تلعب في البحرين؟
  • يسألني بعض المتابعين: ما رؤيتك لمستقبل العراق؟ فأجيب: هناك عدة مسارات محتملة ستسلكها الأحداث الجارية هناك. على أنني – في نهاية المطاف – متفائل بأن النتيجة ستكون لصالحنا على أية حال بإذن الله. يأتي على رأس تلك المسارات احتمالية وقوع حرب لا نتمناها بين الشيعة والسنة؛ والسبب أن علاقة الشيعة بالآخر سرطانية السلوك؛ وذلك بحكم العقدة والعقيدة والمرجعية. إنهم ينظرون إلى السنة كغول يهددهم ما داموا موجودين أمام أعينهم وبين أظهرهم على أرض العراق. إن المعادلة التي تحكم هاجسهم المتحفز في علاقتهم بالسنة تشبه معادلة اليهود في علاقتهم بالفلسطينيين. إنها علاقة وجود لا علاقة حدود. وهذا لن يمنح السلطة الشيعية الحاكمة اليوم في العراق ولا جمهورها الشيعي أي شعور بالاستقرار، ولا يمكن لها الاكتفاء بأي درجة من درجات التهميش والاضطهاد والإقصاء للسنة: كماً ونوعاً، قبل بلوغ درجة السحق الكامل الذي لن تقوم بعده قائمة لهم. بيدَ أن هذا الهدف المريض غير قابل للتحقيق – بإذن الله – من حيث أن سنة العراق ليسوا شرذمة قليلين، ولا ضعفاء ولا هينين إلى هذا الحد! إنهم الأمة التي ركعت المحتل وأجبرت مِعطسه على الغوص في طين الانسحاب. نعم هم اليوم يمرون بمرحلة الذهول من تصرف الشيعة المتخلف تجاههم: كيف يفهمونه وعلى أي قاعدة يفسرونه؟ وما الهدف منه؟ ولماذا؟ ولكن لن يطول بهم الحال عند أعتاب السؤال. سوف يسوقهم الحمق الشيعي إلى الانتفاض وحمل السلاح. وإذا حصل هذا فالخاسر الأكبر هم الشيعة، الذين يبدو أنهم لم يستوعبوا الدرس السني للأمريكان. على أننا نأمل أن نجد حلولاً أُخرى قبل بلوغ مرحلة الكي.

ما يجري في العراق – بأيديه الخفية والعلنية – هو نفسه الذي يجري في البحرين وسواها من الأقطار المبتلاة بإيران وشيعتها. فالمحرك هو هو، وكذلك المنفذ، والأهداف والوسائل والمقاصد هي هي. سوى أن البحرين – بحمد الله – ما زالت حكومتها موجودة، وشعبها قد فهم الدرس بضربة لم تصل إلى نخاع ظهره. والأحداث نراها تتغير لصالحه، وأولها دخول قوات (درع الجزيرة) إلى هذا البلد الحساس في خريطته السياسية والعسكرية.

  • على ماذا تعول إيران في إثارتها للطائفية في كل الأقطار الخليجية؟
  • تعول إيران في ذلك على عاملين: الشيعة، وضعفنا وأوله تشوش الوعي.

الشيعة بكل ما لديهم من علماء ونعاة ومصادر وحوزات، تنشر الحقد وتعبئ الجمهور بالرغبة في الثأر والانتقام. وتستغل مواسم الزيارة المفتعلة في مسيرات راجلة وزيارات دورية مستمرة للمراقد لإدامة التعبئة النفسية والفكرية. وتستخدم المزارات والحسينيات كأوكار للقاء من أجل التخطيط والتآمر والتفرقة وغرس العقائد الملغومة. تستثمر إيران كل هذا وغيره في تكوين تنظيمات طائفية حاقدة على أوطانها، لها أذرع متغلغلة في الشرايين الحيوية من الدولة، ومنها خلايا نائمة تستعمل في اللحظة المناسبة. شيء آخر مهم استعملته إيران في العراق لإثارة الطائفية هو عمل مَقاتل أو مجازر للشيعة عن طريق التفجيرات وغيرها ورمي المسؤولية على السنة، لا سيما تنظيم القاعدة الذي نجده على الدوام جاهزاً للإعلان عن مسؤوليته عن تلك المجازر والتفجيرات، حتى وإن كانت الدلائل كلها تشير إلى عكس ذلك. فقبل حوالي شهرين حصلت سلسلة تفجيرات دموية في أكثر من عشر مدن عراقية في وقت واحد. وهذا شيء لا يمكن لأي جهة فعله سوى أجهزة الدولة. ومع ذلك أعلن تنظيم القاعدة بعد يومين عن مسؤوليته عن تلك التفجيرات!

وفي الدول الأخرى تدفع إيران أتباعها وتغريهم لارتكاب جرائم ومخالفات قانونية – كالذي حصل في البحرين في فبراير ومارس الماضيين – وعند تقديمهم للقضاء تحشد إيران أبواقها الإعلامية، ومنظماتها الحقوقية لتضخيم الحدث وإظهار المجرم بمظهر الضحية المظلوم. هذه بعض الوسائل الرخيصة التي تتبعها إيران وتعول عليها في إثارة الشحن الطائفي في البحرين وغيرها، مطمئنة إلى وجود ضعف ذاتي في الجسم السني؛ فإعلامنا ضعيف، وليس لنا من منظمات حقوقية متشابكة مع المنظمات العالمية – كما للشيعة – لإثارة الرأي العام العالمي، أو الإقليمي على الأقل.

  • ما هي الحلول؟ وكيف يمكن للشارع البحريني أن يخرج من هذا المستنقع الطائفي؟
  • الحل بسيط حين نستحضر قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11). ومن معانيه الدقيقة العميقة أن قوة الباطل نسبية لا حقيقية ولا ذاتية. فبمجرد أن نلتفت إلى أنفسنا لنقويها كان التغيير المنشود. إن قوة الباطل في ضعف أهل الحق. علينا إذن الاهتداء إلى ثغرات عدونا، وإلى مفاصل قوتنا. عندها نجد الحل في متناول أيدينا.

أمر آخر مطلوب استحضاره في معادلة الحل هو معرفة التركيبة النفسية للعدو وكيف يفكر، ويتصرف؟ ألفت كتاباً قبل بضع سنين في دراسة الشخصية الفارسية وسليلتها الشخصية الشيعية، توصلت فيه إلى تشخيص (20) عقدة نفسية جمعية في هذه الشخصية أولها (عقدة النقص)، التي تجعل من المتشيع بالتشيع الفارسي – فرداً أو مجتمعاً – كائناً يقدس القوة حد العبادة؛ لهذا فهو إن وجدك قوياً خافك واستسلم لك حد الاستخذاء والتذلل والمسكنة، وروى عن قوتك الأساطير. وحين يمتلك القوة يريدك أن تمارس تجاهه استحقاقات القوة التي امتلكها والمراسيم نفسها التي مارسها تجاهك يوم كنت قوياً وكان ضعيفاً، من المسكنة والتذلل والاستسلام، ولا يكتفي بذلك حتى يمارس ضدك كل أنواع الإذلال والاضطهاد، متلذذاً منتشياً. هل أدركت الآن سر الطبيعة (السادو – ماسوشية) لدى الشخصية الشيعية؟

من هذا نصل إلى الحقيقة الاجتماعية التي لمسناها لمس اليد ورأيناها رأي العين، ثم رجعنا نبحث عن سرها وتفسير لها، ألا وهي أن امتلاك القوة هي الضمانة الوحيدة لمنع التغول الفارسي الشيعي، وإيقاف مسلسل الشحن الطائفي، والخروج من مستنقعه الوبيء. حتى الإحسان والمجاملة لا تنفع؛ لأنه يفهمها على أنها ضعف!

من نقاط الضعف عند إيران أنها دولة مصطنعة، ممزقة داخلياً، تعتمد على المشاكل الخارجية علاجاً للصراعات الداخلية. وتخفي ضعفها بالجعجعات الإعلامية والتهديدات البالونية. إن حجم إيران الحقيقي ليس كبيراً. فلا يصح أن نعاملها بغير حجمها الذي هي عليه.

المبادأة من وسائل كسب المعركة. فعلينا إذن أن نمارس نحن لعبة رمي الجمرة على إيران لإشغالها بنفسه، وليس من الصواب الانتظار لتلقي جمراتها ثم نقوم ننفض ثيابنا شاكين مستنكرين. الهجوم خير وسيلة للدفاع.

حقيقة أخرى في غاية الأهمية. إن خوض الصراع لهزيمة العدو أو إضعافه وإنهاكه ليس شرطاً أن يكون عسكرياً، فيحتاج إلى جيوش جرارة، ذات عَدد وعُعد لا تتوفر لدى الدول الصغيرة. بل هناك أسلحة أُخرى ووسائل لخوض الصراع المجدي، يمكن بها لدولة صغيرة أن تهزم دولة كبيرة دون أن تحرك جندياً أو تطلق طلقة واحدة. يأتي الإعلام على رأس تلك الوسائل الفتاكة. الإعلام اليوم يسقط أنظمة، ويهزم جيوشاً. وهو لا يحتاج إلى غير منظومة صغيرة لكنها مكتملة الإمكانيات. ومن تلك الوسائل تفعيل المنظمات الحقوقية المدنية لكسب الرأي العام العالمي. ومنها استعمال أسلوب (الحرب بالنيابة)، فإيران مثلاً حاربت العراق ثماني سنين وبذلت كل ما باستطاعتها من دم ومال ومكر وخديعة، لكنها خسرت المعركة. وعت إيران الدرس فلجأت إلى هذا الأسلوب (الحرب بالنيابة) فأسقطت العراق وأفغانستان بواسطة أمريكا وحلفائها دون أن تطلق طلقة بله أن تخوض معركة! الحرب بالنيابة أسلوب خطير ومؤثر يمكن لكل دولة مهما صغرت أن تستعمله وتنجح فيه إذا أحكمت الخطة.

المكونات القومية الإيرانية غير الفارسية مضطهدة وتتطلع إلى يوم الخلاص. وهناك نزاعات شديدة في الداخل الفارسي والحكومة نفسها، تكفي هذه التناشزات والصراعات والنزاعات لبناء مشروع يشغلهم بأنفسهم، ويُجبر إيران على الانكفاء على ذاتها والتكور في داخلها. فإذا تم لنا ذلك خربت إيران وتمزقت شذر مذر.

ما نحتاجه استثمار الوعي البحريني الجارف لتنظيم صفوف الشباب في منظمات مدنية فاعلة: إعلامية وحقوقية وفكرية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، تتولى مهمة حماية الداخل، وممارسة (التسلي بلعبة) إلقاء الجمرة في حضن الخارج.

نحتاج إلى تفعيل القانون لمحاسبة الخارجين عليه. إضافة إلى إيجاد مشروع تغييري فكري يعمل على انتشال من يمكن انتشاله من الشيعة مع أخذ التحوطات ضد العاملين بالتقية. مجمل القول نتبع أسلوب (تعدد الأدوار ووحدة الهدف). أما المجاملات وأساليب التقريب وإكرام المسيء أو العفو عن المجرم، سيما إذا تكرر منه الإجرام، فلن تزيدنا إلا ضعفاً. وأظن أن الشعب البحريني قد استوعب الدرس جيداً. وفقه الله تعالى في سعيه، وبارك له فيه. وحفظ الله البحرين وأهلها حكومة وشعباً من شرور المعتدين وكيد الكائدين في الداخل والخارج.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى