مقالات

لقاء صحفي مع مجلة ( البيان ) السعودية

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\ththth44\Desktop\Untitled.jpg

الصراع الديني آخذ بالتصاعد في الآونة الأخيرة، وتنوعت صوره وأشكاله؛ فمنه على شكل احتلال إقصائي استيطاني إجلائي، ومنه نَفُوذ في شرايين الحياة يرمي إلى إبادة وتصفية دموية وفكرية وسياسية واجتماعية تهدد الوجود مثلما تهدد الهوية العربية والإسلامية، ويسرُّ مجلة البيان أن تستضيف عَلَماً من أعلام هذا الصراع تجمعت فيه فروسية المنافحة بالحجة والبرهان، إنه الشيخ الدكتور (طه حامد الدليمي)، المشرف العام على موقع القادسية، الذي بادرنا بالتعبير عن سعادته وحبه قائلاً: «يسعدني أن ألتقيكم في مجلتكم الرائدة».

س1: تواجه امتنا الاسلامية تحديات كثيرة تهدد هويتها ويختلف علماؤها ومفكروها في ترتيب اولويات هذه التحديات، ما رؤيتكم لاولويات هذه التحديات من حيث خطرها على الهوية الإسلامية([1]).

زمننا في حاجة إلى مراجعات فكرية جذرية لتصحيح المفاهيم وصولاً إلى تعديل بوصلة الحركة. خذ – مثلاً – مفهوم (الأُمة): فمن حيث التأصيل الشرعي هو مفهوم معتبر دعا إليه الإسلام وطرحه القرآن كثابت من ثوابت الإيمان في مواضع عديدة كقوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92). لكنه اليوم – بعد زوال الخلافة – لا يعدو كونه مفهوماً ذهنياً لا وجود له على الواقع، وحلماً جميلاً في حاجة إلى تأويل. وحين جردنا المفهوم عن واقعه والحلم عن حقيقته وقعنا في مفارقة كبيرة يحصد ثمنها أقلية هنا وهناك ترفع شعار (الأُمة) بصورة لا ترى فيها إلا نفسها. بمعنى أنها تطالب الأُمة بحقوقها عليها، ولا تطالب نفسها بالواجبات المترتبة عليها تجاه (الأمة)! ويدفع آخرون هذا الثمن في خسارات متوالية لا تجني منها شيئاً، ولا هي – في حدود الاستطاعة – مكلفة بها شرعاً.

ما موجود اليوم أقطار ودويلات تفرق بينها حدود وضعها المستعمر.

ويستطيع كل فرد ينتسب إلى الأمة أن يكتشف عند الحد الفاصل أنه لا أمة خارج نطاق الذهن والحلم. والحل الشرعي الواقعي المنصف هو بأن نتبع المعادلة التالية: (فكّر عالمياً “أو أممياً” وتصرف محلياً)، فإن نجاح عالميتك بنجاحك أولاً في محليتك. قضيتك القطرية هي الأولى من الناحية العملية، حتى وإن كانت أولويتها أدنى من الناحية النظرية. وأتعاطى مع قضايا الأمة بعد ذلك بمسلكين:

1. حسب القدرة بحيث لا أفرط بحق ذوي القربي (أهل بلدي) كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال:75): فقدم حق الأقارب على المؤمنين ولو كانوا من المهاجرين المجاهدين.

2. أن أبادل الموقف بموقف، والدين بالشعور. فمن لم يقف معي في قضيتي لا يستحق أن أقف معه في قضيته وإن كان مسلماً عابداً؛ فإن هذا الإسلام لم يدفعه لأن يقف معي وأنا أخوه المسلم، فليس من حقه أن يطالب إسلامي بما لم يطالب هو به إسلامه قبل ذلك؛ فالله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) (الأنفال:72). الإيمان وحده لا يوجب موقفاً ولا يصنع قضية ما لم يستتبع نصرة تصدقه وتبنى عليه. فالنصرة إنما هي للقضية وليس لأصل الدين، وبدليل نهاية الآية: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فالميثاق (نصرة القضية وليس الدين) من الكافر أقوى من (إيمان) مسلم لم يحمله إيمانه على مشاركة إخوانه في قضيتهم ليتواثق معهم به وينصرهم. وهكذا ترتبت النصرة على القضية (الميثاق ولو من كافر)، لا على أصل الإيمان (الدين).

بذلك أكون واقعياً فأحمل هم (الأمة) فكراً وشعوراً، وأتجاوز ذلك إلى العمل بالشرطين الآنفي الذكر، وأعمل لتغيير الواقع الذي هو تحت طول يدي لا تفصلني عنه الحدود. وبذلك نتوحد إحساساً ودعاءً، وهماً وقضية من الناحية الشعورية والنظرية، ونسعى لأن نتوحد جهداً وعملاً، ونؤدي من ذلك ما نستطيع قياماً بالواجب المفروض بالوسع المقدور، وذلك من الناحية التطبيقية.

بعد كل هذا يمكنني أن أحدد أولويات التحدي حين أعرف أن لي قضيتين: خاصة داخل بلدي أقدمها عملاً وتطبيقاً، وعامة على امتداد الأفق الذي تتناثر على دائرته أقطار (الأُمة) قد أقدمها قيمةً وترتيباً.

لننزل هذا الكلام على مورده. أنا – كعراقي – من الناحية العملية أبذل جهدي لإنقاذ بلدي العراق أولاً، كما يعمل الفلسطيني والسوري والكويتي لبلدانهم دون أن أطالبهم أن يكونوا عراقيين: لا كالعراقي ولا أكثر منه إحساساً وهماً وحملاً لقضيته. كذلك أنا لست فلسطينياً ولا سورياً أو كويتياً: لا مثلهم ولا أكثر منهم من باب أولى. إنما نتشارك في الشعور والهم كل بحسبه، ونتناصر بعد ذلك حسب القدرة والموقف.

هكذا تتوحد قضايا الأمة وتترتب أولوياتها. لأنه عندذاك لن نجد عربياً – مثلاً -يصطف مع عدوي أنا العراقي، وهو إيران، ثم يريد مني أن أصطف معه ضد عدوه، بل بعضهم يتجاوزني لأهمل قضيتي في سبيل قضيته! كما لن تجد مسلماً يصطف مع روسيا ويطمع بنصرة شيشاني له. ولن نسمع برئيس دولة عربية يزوره رئيس إيران ليصرح من عاصمته أن قضيتهما واحدة، هذا وإيران ذبحتني من الوريد إلى الوريد! ولا يجد من ينكر عليه! ليستقبل إذن نتنياهو ويصرح من عاصمته بمثل ما يصرح به مع نجاد؛ ما الفرق؟ ولن نرى عربياً آخر يزور إيران يتلقى منها الأموال، ويصدر بياناً من طهران بمثل بيان الرئيس المذكور؛ لأن أدب (القضية) سيعلمه مراعاة الأصول. وإلا تمزقت الأمة في قضيتها شعوراً وهماً وعملاً بعد تمزقها أرضاً وحداً وواقعاً، وغزاها العدو في عقر دارها ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً و – حتى – عسكرياً، فتبهت هويتها ويضعف انتماؤها لأوطانها وقومياتها وإسلامها. ولا تناقض بين هذه الهويات عند إنزالها منازلها وفق سلمها التراتبي.

انظر إلى (القوميين) – خصوصاً العراقيين – كيف أضعفوا انتماءنا الوطني بتركيزهم على العرب خارج حدودهم القطرية؛ فكأن أولوية الاهتمام بالوطن تتناقض مع العروبة. وانقل النظر إلى عموم (الإسلاميين) كيف أضعفوا انتماءنا العروبي؛ فكأن العروبة تتناقض مع الإسلام! ولم يكتفوا بهذا حتى أدخل بعضهم إيران ضمن (المنظومة الإسلامية)، وبذلك انتقلوا من المطر إلى المزراب!

هذا برأيي هو الذي يحفظ للتحديات أولوياتها، ويحفظ للأمة هوياتها المتنوعة، فليس هناك تحدٍّ واحد، كما أنه ليس من تحد هو الأول بالمطلق دون مراعاة ما سبق. كذلك ليس ثمة من هوية وحيدة تلقف – كعصا موسى – بقية الهويات، بل هي هويات متعددة متساندة.

 

س2: يصنف بعض المتابعين التصعيد الطائفي بأنه مخالف لسنة الله تعالى في التعايش والتعارف ، كيف توفقون بين هذا التصعيد وسنة التعايش والتعارف؟ وهل تصنفونه ضمن سنن التدافع؟

هذا يؤكد الحاجة إلى مراجعة المفاهيم. يبدو أننا نتحرك في ركام منها ما أحوجه إلى تصفية وتنحية وإضافة لإعادة البناء على عناصر سليمة. فتسمية التصعيد أو الصراع بين الشيعة والسنة بـ(الطائفي)، هو – برأيي – خطأ فكري وعقائدي مفصلي أو أصولي، والصحيح تسميته بـ(الصراع الديني)؛ فما بين الشيعة والسنة: عقيدة وديناً وعلاقة أشد وأبعد مما بين اليهود والعرب. وتسمية الأشياء بمسمياتها ليست فناً إنشائياً ولا ترفاً فكرياً، بل هو في صلب الأمر: مفهوماً وبناءً. فما يبنى على مسمى (الصراع الطائفي) يدخل ضمن ما يبنى على مفهوم (الفتنة)، أما ما يبنى على مسمى (الصراع الديني) فيدخل في باب (الجهاد). وهذا كله متفرع عن: هل التشيع والتسنن دين واحد أم دينان؟

أما (التعايش) الشيعي السني فنفهمه على أنه عقد اجتماعي له طرفان هما: الشيعة والسنة. وإذا كان العقد – أي عقد بين اثنين – يبنى على موافقة الطرفين شرطاً أو ركناً، فإن تخلف موافقة أيٍّ منهما ناقض لماهية العقد. والآن نسأل: هل لدى الشيعي استعداد للتعايش مع (الآخر)؟ أم إن الشيعي – كاليهودي – لا ينظر إلى علاقته بالآخر إلا على أنها علاقة وجود لا حدود؟ وما حصل في العراق ولبنان وسوريا والبحرين والكويت وإيران شاهد على أن التعايش لم يكن إلا من طرف السنة فقط: فحين يحكم السنة ينمو الشيعة في ظلهم ليكونوا (دولة داخل دولة)، حتى إذا سيطروا بدأوا باجتثاث السنة!

إن الشيعي ملغوم بشيئين: عقدة وعقيدة، وثالثة أَخرى: مرجعية إيرانية تقوده باتجاهين: مخالفة وإلغاء الآخر، والتوجه نحو إيران قبلة وانتماءً وخدمة. فعقيدة الشيعي توجب عليه – بعد تكفير السنة – وجوب قتلهم وسلب مالهم متى ما قدروا على ذلك. وأما العرض فيؤجل إلى حين مجيئ المهدي المزعوم، غير أنهم يمارسون انتهاكه عملياً. كيف إذن يمكن تحقيق التعايش مع فصيل من الناس بهذه العقائد المتخلفة؟ فإذا أضفت العقد النفسية الجمعية (ومنها المظلومية والحقد والشك والغدر واللؤم ضمن عشرين عقدة أحصيتها في كتابي “التشيع عقيدة دينية؟ أم عقدة نفسية؟) تبين أن سنة الله تعالى في التعارف والتعايش قد عطلها الشيعة بأنفسهم.

إن السنن كلها مشروطة بشروط ومقيدة بقيود، إن لم تتوفر باتت لوازمها لاغية من الأصل. فوثيقة التعايش التي كتبت بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود لم يلتزم بها الطرف المسلم من جانب واحد بعد أن نقضها الجانب الآخر. والله تعالى يقول: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب:62). هذه هي (سنة الله) في التعايش مع السفهاء الذين لا يردعهم رادع من عهد أو خلق أو رعاية لمصلحة. وهم ثلاثة أصناف (منافقون، ومرضى قلوب، ومرجفون). وعندما نرجع إلى الآيتين اللتين سبقتا: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:59): نفهم أن هذه (سنة الله) التي لا تتبدل في التعامل مع من آذى النبي في أهله: أزواجاً وبناتٍ، وآذى المؤمنين في مثل ذلك. فأين تضع الشيعة بالنسبة لحكم هذه الآيات؟

أرى أن المسلمين في حاجة إلى (قرأنة) مفاهيمهم.

أما التدافع فهناك عدوان للمسلمين: الكفار والمنافقون، وكلاهما يجاهدون بإحدى الوسيلتين: السلمية والعسكرية حسب الحال. وما يعرف من الحكم للمنافقين بأحكام المسلمين، فهذا إنما في حال ما لم يظهروا نفاقاً، أو يحدثوا حدثاً. والآيات السابقة دليل. وليس السلم مع المنافقين حكماً مطلقاً في كل حال. ولذلك تفصيل ربما يخرجنا عن السياق.

س3: ان مواجهة الصراع العقائدي مسوغ شرعا وعقلا ، اما كون الصراع الطائفي اساسه عقدة وليس عقيدة ، فهذا امر يقتضي التفصيل والتأصيل؟

العراق (مطبخ التشيع)؛ فمركز وبؤرة التحدي الإيراني والشيعي في هذا البلد المبتلى على مر التاريخ بهذا التحدي منذ عصور ما قبل الإسلام وإلى اليوم. وعليه فإن (التجربة العراقية) غنية، بل هي أغنى التجارب طراً، وأنضجها. مما أضافته التجربة العراقية – بسبب حدة التحدي وضراوته – البعد النفسي الجمعي للصراع الشيعي السني. التشيع ليس مشكلة فكرية حتى يعالج بتصحيح الفكر وحده. ليس هو (سوء فهم) إنما هو (سوء قصد)، كما يقول الأستاذ علاء الدين البصير. خذ مثلاً الكذب عند الشيعة: ليس هو رذيلة يشعر بها صاحبها ويتألم منها حتى يكون ثمة أمل في أن يدعها يوماً. إن الشيعي يمارس الكذب على أنه فضيلة دينية يؤجر عليها، وحالة اجتماعية صحية ينتفع من ورائها. انظر إلى وجه السني حين يكذب، ترى وجهه يتغير، ولسانه يتلعثم، وحركات يده تختلج. لكن جرب أن تنظر إلى وجه شيعي عندما يعبر عن هذه الطبيعة النفسية المتأصلة فيه: لا شيء من ذلك تراه! ثم إن كذب الشيعة من النوع الذي قيل عنه: إن رجلاً قال: إن لأبي قدراً عثر به ثور هائج فضاع في جنباته وظلوا يبحثون عنه فلم يجدوه إلا بعد ثلاثة أيام رابضاً في زاوية من زواياه. فقال آخر: وأبي غرس بذرة يقطين على شاطئ بحر فخرجت منها ثمرة كبرت وكبرت حتى غطت سطح البحر وعبرت إلى شاطئه الآخر فاتخذها الناس جسراً يعبرون عليه. فأجابه الأول: ألا ما أكذبك! هلا أخبرتنا في أي قدر يمكن أن توضع وتطبخ؟! فقال: في قدر أبيك الذي ضاع فيه الثور فلم يجدوه إلا بعد ثلاثة أيام!

عندما يقول معمم مثل هادي المدرسي (والمقطع في اليوتيوب): إن اليمن شيعية، والسعودية أغلبية شيعية، نعم أغلبية شيعية وأقولها بالفم المليان. وعندما تعلن قناة (العالم) الإيرنية أن ثمانية ملايين سيارة (شيعية) خرجت للتظاهر في شوارع البحرين فيما أسموه بـ(طوق الكرامة)، والحقيقة أنه ولا سيارة واحدة – وقد شهدت ذلك بنفسي – ماذا نسمي هذا؟ إن هذا – حسب التوصيف الطبي، وأنا طبيب – عقدة متأصلة وليس خصلة طارئة. عقدة نتجت عنها عقائد وسلوكيات لا تعالج بالوسيلة الطبيعية التي تجنح إلى ملاحظة الفكر وتصحيحه. إنها عميقة الغور في التركيبة النفسية الجمعية، بحيث تمارس طبقاً للاوعي الجمعي. صراعنا مع الشيعة ليس من النوع البسيط، إنه من النوع المعقد لابتنائه على عقد قبل أن يبنى على عقائد. إن هذا يحتاج إلى عقد ندوات لمناقشته ومدارسته وإقراره منهجياً لإضافته إلى منظومة المواجهة. وقس عليه بقية العقد. التشيع عقد أنتجت عقيدة وفكراً وسلوكاً، وليس العكس. التشيع عصي على الفهم والتفسير، بله (المعالجة) دون فهم هذه المعادلة. وقد أتيت عليها في كتابي (التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية؟).

س4: تصنفون مشروع التشيع الصفوي بانه تحد للامة وليس لبلد او طائفة ، وما دام الامر كذلك فانه يستلزم ان يقابله مشروع امة وليس افراد او مؤسسة او دولة ؟ هل لديكم تصور لمشروع بهذا المستوى؟

نعم مشروع التشيع الصفوي أو الفارسي هو التحدي الأول للأمة، وهو قضيتها المركزية المعجلة الأولى، على الأقل بالنسبة للعراق والخليج والشام (سوى فلسطين فالتحدي الأول فيها يهودي)، وهؤلاء يمثلون نوعياً ثلاثة أخماس الأمة إذا أخذنا بنظر الاعتبار مقياس التأثير في الأحداث العالمية. وقارن بين السعودية (22 مليون نسمة) وأندونيسيا (220 مليون نسمة)!

والأحداث ستسوق المنطقة إلى هذه النتيجة. وستفصح عن مشروع جماعي للمواجهة عاجلاً أم آجلاً. أما رؤيتنا للمشروع فواضحة ومكتوبة ومعلنة ومنشورة على موقعنا (القادسية) في محور (منهجنا في التغيير). والمشروع في أساسه وخطوته الأولى من مرحلته الأولى يقوم على ركنين: المنهج والبرنامج.

أما المنهج فأساسه (الهوية السنية) القائمة على العقيدة بمنهجها القرآني العابر للتسميات، ووسيلتها التجديد والإبداع مستفيدين من علم النفس والاجتماع والتاريخ وغيرها من العلوم الحديثة. وأما البرنامج فأساسه التخطيط طبقاً للعلم الحديث في علمي الإدارة والقيادة.

هذا – باختصار – هو المنهج. الذي يتكامل مع البرنامج لتحويله إلى مفردات عمل في ساحة الواقع. وهذا كله يمثل بداية الطريق لتحقيق المرحلة الأولى وهي مرحلة (التحصين). انتقالاً إلى مرحلة الثانية وهي (التكوين)، وصولاً إلى المرحلة الثالثة وهي (التمكين).

وهو منفتح على كل المشاريع الأخرى: دينية وغير دينية، يتعامل معها، ويتفاعل ويتعاون مع أصحابها على البر والتقوى، ما لم يتعارض ذلك مع منهجيته الإسلامية، أو هويته العروبية، أو خصوصيته العراقية. من هنا ننطلق لتأسيس مشروع عربي جماعي لمواجهة المشروع الشعوبي الإيراني.

 

س5: لقد كانت لكم مساهمات رائدة في مسألة الاغلبية والاقلية في المجتمع العراقي، كيف توفقون بين النظرة القرآنية لهذين المفهومين ، والنظرة الواقعية وتداعياتها لاسيما السياسية؟ وهل نحن نعمل على اساس الكم ام النوع؟

احتل العراق في سنة 2003 بحجة إنقاذ مكوناته من اضطهاد (الأقلية السنية الحاكمة). مع دعوى عريضة بأن الشيعة يمثلون أغلبية المكونات في العراق، وجاء على لسان جورج بوش الابن أن نسبتهم 65٪ ! وذكر الحاكم المدني بول بريمر في أكثر من موضع في كتابه (عامي في العراق) أن نسبة السنة العرب 19٪ ! بينما أعطى لإخواننا الكرد نسبة 20٪ ! بينما الحقيقة أن السنة العرب ينوف على عدد الكرد بأكثر من ثلاثة أضعاف. فتصور مدى الصفاقة!

وهي النسبة التي اعتادت عليها جميع التقارير الأمريكية التي ترفع لمراكز القرار! وأصل هذه الدعوى إحصائية مبتسرة قام بها الانجليز سنة 1919 لا تصلح أن تسمى إحصائية، إنما هي عبارة عن (تخمين ورد في تقارير الحكام السياسيين البريطانيين عن إدارة مناطقهم في وادي الرافدين)([2]). وقد أشاع الانجليز أثناء احتلالهم العراق هذه الأكذوبة كي يثيروا الشيعة ضد السنة طبقاً لمبدأ (فرق تسد)، وتلقفها الشيعة منهم ليبنوا عليها أصل (مظلوميتهم). بينما الحقيقة هي أن الشيعة العرب لا يتجاوزون نسبة 35٪ من العراقيين.

وعندما تحرف الحقائق وتزور وتغطى إلى هذه الدرجة، ويكون الكذب من هذا العيار، ويحتل وطن على أساسه، ويجتث أهل العراق الحقيقيون تبعاً لذلك: لا بد من البيان مقارعة لدعاوى الباطل بدلائل الحق. وذلك باستعمال السلاح الذي شهروه نفسه. وقد استعمل أسلافنا هذا الأسلوب، فكثيراً ما يرد شيخ الإسلام على المبطلين مستعملاً من الحجج ما هو من جنس حججهم.

أما إذا أردت المقياس الشرعي للأغلبية والأقلية فليس هو هذا على وجه الدقة. إن الكثرة والقلة ليست هي المعيار في ترجيح كفة على كفة إلا في مسائل محددة. يقول تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل:120). ويقول أحد السلف: “الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. فالأغلبية الحقيقية للحق وأهله مهما قلوا، والأقلية والصغار للباطل وأهله مهما كثروا، كما قال سبحانه: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249). وهذا هو مقياس المنطق والعقل، حتى إن نيتشة يقول: “أنا والحقيقة أغلبية”!

ونحن نقول: (البلد لمن يبنيه لا لمن يبغيه، وهو لمن يحميه لا لمن يشريه). نحن الذين بنيناه، ونحن الذين حميناه. أما الشيعة فشروه للأجنبي وخربوه من قبل أن يحكموه ومن بعد أن حكموه، إلا قلة قليلة منهم.

س6: يشير بعض المتابعين ان ما تقوم به بعض القنوات الفضائية انما هو رد فعل على ما تبثه وسائل الاعلام الشيعية ، ومعلوم ان رد الفعل عادة يكون ضعيفا ومحكوما لا حاكما ، كيف يمكن ان نكون مبادرين في صراعنا مع الصفويين؟

قال لي صديق منذ عشر سنوات: يتهمك البعض بأن موقفك من الشيعة هو رد فعل على ما تعرضت له من أذاهم؟ فأجبته: وما الغرابة في ذلك؟ الميت هو الوحيد الذي لا ردة فعل له. وأنا حي بحمد الله. ليس المهم أن يكون دافع الحركة فعلاً أم رد فعل، إنما المهم هو هل إن حركتي في الاتجاه المضبوط وبالمدى المنضبط. أم تريد مني أن أظل جامداً إزاء ما يجترحه الشيعة بحقنا من أذى قبل أن أحسم توصيف حركتي: هل فعل أم رد فعل؟! هذا منطق غريب. فكيف وهم يحاربوننا وجوداً وديناً وموقفاً؟ فكيف وهم يحاربون الله جل في علاه جهاراً نهاراً!

هذا إن كان ما نفعله رد فعل. أما الواقع فبعض ما يصدر عنا رد فعل على فعل مقابل، وبعضه فعل يوجبه الدين، ويستدعيه الأهل والوطن. وهذا إنما يكون حين نعمل ضمن مشروع مبني على فكرة صحيحة، وهدف واضح، ووسيلة صالحة للوصول. آخذين بنظر الاعتبار الإمكانات المتاحة، والظروف المحيطة. وبذلك نكون فاعلين مبادرين.

س7: بدأت دعاوى التقريب تظهر من جديد. كيف تقيمون مسألة التقريب سابقا ولاحقا؟ وهل لكم ان تصوغوا مشروعا او اطارا تنسيقيا لمسألة التقريب ؟

كل محاولات التقريب بين السنة والشيعة فشلت بلا استثناء. وهي محكوم عليها بالفشل ابتداءً وانتهاءً؛ لأسباب جوهرية لا يمكن عبورها: فإن كان المقصود بالتقريب صنع دين وسط فهذا غير ممكن؛ لأن الخلاف في أساس الدين وأصوله. وإن كان المقصود به التقريب السياسي فهذا غير ممكن لعدم وجود نية صادقة لدى الشيعة لهذا التقريب. كما أنه ليس في مقدورهم امتلاك هذه النية؛ إذ دينهم يفرض عليهم – بعد تكفير السنة – وجوب قتلهم وسلب أموالهم، وعقدهم النفسية تدفعهم لخدمة أغراض دينهم دفعاً ليس بمَلْكهم مقاومته. الشيعي لا يؤمن بحق السني في الحياة ولا في التملك، وهذان هما أساس السلم الاجتماعي الذي نحتاجه للبدء بأي مشروع. حالة واحدة يمكن أن تلتقي فيها مع الشيعة سياسياً فقط وليس دينياً قط، هي أن تكون قوياً لتفرض عليهم الوفاء بالعهد والالتزام بتنفيذ بنود العقد، كما فعل ربنا مع بني إسرائيل، وهو ما أخبر عنه بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (البقرة:63،64). امتلاك القوة هي المنطلق لبناء مشروع تقريب سياسي – لا ديني – مع الشيعة، ومن دون ذلك فالمشروع فاقد لأساسه.

 

س8: في الشأن العراقي يبدو ان المشروع الصفوي يلقي بظلاله على المشهد السياسي والأمني، ولكن اثاره الاقتصادية والثقافية والتعليمية غير جلية، هل لكم رصد لهذه الجوانب؟

لدينا دراسات في الجانب الثقافي على شكل كتب ومقالات رصدت بعض مظاهر التزوير في التاريخ والفكر والعقيدة. كما أن لنا دراسة علمية ميدانية رصدنا فيها ما استطعنا من التغيير في المناهج التعليمية خصوصاً في مادة الدين عقيدة وفقهاً، وفي مادة التاريخ. أما الجانب الاقتصادي فتقارير الجهات والمنظمات المختصة داخل العراق وخارجه كثيرة جداً، أغنتنا عن المتابعة المركزة.

س9: الصراع الطائفي في العراق محط جدل ، فمنهم من يراه صراعا سياسيا يوظف الدين والطائفة لكسبه، ومنهم من يراه صراعا دينيا ومذهبيا يوظف السياسة لتغذيته وتصعيده حتى تتحقق الأهداف الدينية القائمة عليه؟ كيف تصنفونه في مشروعكم؟

نحتاج إلى تحرير المعنى المراد بوصف (الطائفي) قبل الجواب حتى نصل إلى النتيجة بعيداً عن الخلط والضبابية:

فإن كان هذا الوصف تعبيراً عن طائفة من البشر، فيبقى السؤال ما الخصائص التي تميز طائفة عن أُخرى؟ ومن المقطوع به أن هذا غير مقصود.

وإن كان معنى (الطائفي) يعبر عن المذهبية الفقهية بمعنى أن الخلاف الشيعي السني خلاف فقهي فهذا باطل.

وإن كان للتعبير عن خلاف في العقيدة ضمن دائرة الإسلام الواسعة كالخلاف مع المعتزلة والأشاعرة وعموم المتصوفة فهذا غير دقيق؛ إذ التشيع دين كامل مناقض بالكامل لدين الإسلام بالكامل، وأوله تكفير المسلمين وأولهم الصحابة، وقد أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة دون مخالف على تكفير من كفّر جمهور الصحابة. فكيف إذا أضفت إليه بقية الموبقات المكفرات. هذا ما يتعلق بالتشيع كدين، فإذا أضفنا إليه ما يتعلق بالشيعة كطائفة معبأة بهذه العقائد والشعائر والسلوكيات والعقد النفسية وما يصدر عنها لذلك من عداوة واعتداء متعدد الأصناف والأوصاف اكتملت الصورة وتبين أن ذلك الوصف بعيد كل البعيد عن التعبير عنها.

فوصف (الطائفي) لا ينطبق على الصراع الشيعي السني، فليس صحيحاً إذن أن يقال عما هو حاصل في العراق إنه صراع طائفي؛ فلا هو مستند على خلافات فقهية، ولا خلافات عقائدية محدودة. ولا يصدقه الواقع.

إن الفرق بين التشيع والإسلام هو فرق بين دين ودين. والصراع بين الشيعة والسنة قائم على هذا الأساس، وليس على أساس آخر. إنه صراع ديني حقيقي، يستند على عقيدة دينية تختلف عن عقيدة الإسلام جذرياً، سوى أنها تتخذ من مصطلحاته وأسمائه غطاءً لها. أما أن هناك من يستثمر الدين لأغراض سياسية فهذا لا يغير من الحقيقة شيئاً. وإذا كان هذا هو المعيار السياسي للصراع فالشيء نفسه يمكن أن يقال عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فيوصف بأنه صراع سياسي، لا ديني؛ لأن السياسيين يوظفون الدين أو الخلاف بين الدينين اليهودي والإسلامي لمكاسب سياسية.

على أنك إذا أردت وصف الصراع على وجه الدقة وجدته أعمق من سياسي، وأكبر من طائفي، وأوسع من ديني. إن الخلاف بين الشيعة والسنة هو خلاف بين ثقافتين، وصورة من صور الصراع بين حضارتين: حضارة عربية وحضارة فارسية أنتجت التشيع ليعبر عنها في مضامينه، ويحقق أغراضها في أهدافه. فكما استطاع الغرب أن يهضم المسيحية ويتمثلها في شخصيته، لتظهر في صورة الصليب (صليبيةً) تمثل الحضارة الغربية وتعبر عنها في كل عناصرها الأساسية في صراعها مع حضارتنا العربية الإسلامية، كذلك تمكن الشرق من أن يهضم الإسلام ويتمثله في شخصيته ليظهر في صورة العمامة (تشيعاً فارسياً) يمثل الحضارة الفارسية، ويعبر عنها في كل عناصرها الأساسية في صراعها مع ديننا وحضارتنا.

والصراع الحضاري صراع معقد وعميق.. صراع تحاول فيه كل حضارة أن تجتاح الأخرى أو تزيحها لتحل محلها في كل عناصرها ومقوماتها: في دينها وعقيدتها، وقوميتها وأصالتها، ولغتها وآدابها، وثقافتها وتراثها، وقيمها وأخلاقها، وتقاليدها وعاداتها، وتأريخها وأمجادها، وتطلعاتها وأهدافها، وحاضرها ومستقبلها. هذا هو صراعنا مع الشيعة.

وهو صراع قديم.. بدأ مع فجر التأريخ قبل أكثر من سبعة آلاف عام! واستمر طيلة هذه الحقب المتطاولة من الزمان! وسيستمر ما دام هناك ثقافتان مختلفتان.. وحضارتان متناقضتان متصارعتان.

س10: ما تداعيات تولي التشيع السياسي الحكم العراق على مناهج التعليم سواء للمراحل الاولية او التعليم الجامعي لاسيما في الكليات والجامعات الاسلامية؟ هل قمتم بعملية رصد وتحليل لهذا الامر؟

بدأ الشيعة بتغيير المناهج الدراسية منذ وقت مبكر بعد الاحتلال، ودخل التشيع في عقائده وفقهه وتاريخه كل بيت سني عربي تقريباً. وقد رصدنا هذا التغيير منذ سنوات ولي دراسة منشورة عن ذلك على موقعنا (القادسية). وإذا كانت الصورة تتضح بالأمثلة فإليكم آخر الأخبار عن بعض ما فعله علي الأديب (الرجل الثاني في حزب الدعوة، إيراني الجنسية) بوزارة التعليم العالي. فبمجرد أن تولى منصبه كوزير للتعليم قبل خمسة أشهر باشر بحملة علنية ومباشرة باجتثاث من تبقى من السنة من مناصبهم ووظائفهم في الوزارة. هذا بعد زجه سبعة من موظفي مكتب الوزير السابق (سنّي) في السجن، ووضعهم جميعاً تحت طائلة القانون المعروف بـ(4 إرهاب) وعقوبتها الإعدام. مصرحاً بأن قانون اجتثاث البعث لم يطبق في الوزارة، وعليه اليوم أن نعمل على تفعيل هذا القانون. علماً أن عملية التطهير لم تشمل أياً من الشيعة حتى الذين ثابت عليهم انتماؤهم لحزب البعث.

ثم أصدر الوزير المذكور أوامر رسمية للاعتراف بعدد من الجامعات والكليات الأهلية العائدة لعدد من الأحزاب الشيعية والمراجع الدينية والتي ازدادت بنسبة كبيرة بعد الاحتلال. وفي الوقت نفسه قام بإلغاء عدد من الكليات والمعاهد السنية مثل معهد الدراسات والبحوث، والمعهد العالي للدراسات التربوية والنفسية وغيرها. إضافة إلى فتح الباب واسعاً أمام الطلبة الشيعة للقبول في الجامعة الإسلامية، وهي من الجامعات القليلة السنية في بغداد. كما أصدر قراراً بإغلاق الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) فيها. ووصل التغيير إلى اسم الجامعة الذي تحول إلى (الجامعة العراقية) بدلاً من (الجامعة الإسلامية)! بل اصدر قرارات بإلغاء الاعتراف ببعض الجامعات والمعاهد العربية مثل (معهد البحوث العربي) التابع إلى الجامعة العربية والكائن في منطقة المنصور وسط بغداد.

هذه أمثلة قليلة جداً على حملة تشييع التعليم الجارية على قدم وساق في العراق، وفي قطاع واحد هو وزارة التعليم العالي! والموضع لا يتسع لأكثر من ذلك.

س11: شهدت الساحة العربية ثورات اطاحت بانظمة الحكم او برؤوسها، كيف تقرأون هذه الثورات في ظل مشروعكم لتحصين الامة وهل سنشهد تحالفات للاسلاميين السياسيين مع الجمهورية الايرانية.

أعظم أثر لهذه الثورات انعكس على الوضع العراقي هو انكسار حاجز الخوف لدى الجمهور من الحكومة. وهذا إنجاز لا يستهان به عند كل من يعرف الساحة العراقية، وما فيها من شيوع عوامل الإحباط واليأس من التغيير والخوف من الحكومة وأجهزتها القمعية. كما يمكن أن يكون ذلك مقدمة للخروج والعصيان المدني السني على السلطة الشيعية في المستقبل القريب.

كذلك ما يجري اليوم في الشقيقة سوريا من ثورة يتصاعد أوارها حتى يصل إلى هدفه المنشود بإذن الله تعالى. وهذا سيقصم ظهر المشروع الإيراني في المنطقة، ويؤدي إلى ضمور وتلاشي (حزب الله) وعملاء إيران، ويبشر بمحق (الهلال الشيعي) وانكفاء إيران على نفسها وانشغالها بداخلها غير البعيد من انتقال عدوى (الربيع العربي) إليه. وكل ذلك يجعل سقوط نظام الملالي وارداً في حسابات المستقبل غير البعيد (في ظرف خمس سنوات على الأكثر كما نتوقع). ولا ننسى ما تم إنجازه في البحرين على يد (درع الجزيرة) وصمود سنة البحرين وتداعيات الحدث تبعاً لذلك.

أنا مستبشر كثيراً بما يحدث هذه الأيام، وما أراه من ترنح المشروع الإيراني. لقد ذهب زمانهم وجاء زماننا.

س12: هنالك حملة عالمية بعنوان (امة واحدة) تهدف الى الارتقاء بوعي النخبة والجماهير، لتحمل مسؤولية الدفاع عن الامة الاسلامية ومواجهة مشاريع التفتيت، كيف يساهم مشروع تحصين الامة من المشروع الصفوي في دعم هذه الحملة؟

بعد هزيمة الفرس الحاسمة في معركة نهاوند سنة (21هـ) التي سميت بمعركة (فتح الفتوح)، ويأسهم من النصر على العرب في الميدان العسكري، عقد ملكهم كسرى يزدجرد مؤتمراً عرف تاريخياً بـ(مؤتمر نهاوند)، وقرروا فيه بدء المعركة الفكرية لنخر الدولة الوليدة من الداخل. وقد أسفر المؤتمر بعد سنتين فقط عن مقتل إمام الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد فيروز النهاوندي. وتوزع كثير من الفرس الداخلين في الإسلام ظاهراً على حلقات العلم قصداً متظاهرين بطلب العلم. أسفر هذا بعد عدة عقود عن حملة عجيبة للوضع في الحديث، وبلبلة العقائد، ونشر الأفكار المسمومة. ثم توصلوا بعد ذلك إلى اختراق الدائرة السياسية حتى تمكنوا من قلب الدولة الأموية وأسقاطها في عز شبابها. وتغلغلوا في مفاصل الدولة الجديدة حتى توصلوا فيها إلى ترسيخ معادلة (الوزير الفارسي والخليفة العربي). وهكذا حتى أسقطوا الدولة العباسية. وسلسلة التآمر طويلة طويلة. ما أريد قوله من هذه الشواهد التاريخية السريعة هو أن المشروع الشيعي في إيران وتوابعها صنع أساساً لتفجير الأمة من داخلها. المشكلة أن قطاعاً كبيراً من الأمة خصوصاً البعيدين جغرافياً عن إيران لا يعرفون عن هذه الأمور شيئاً، وقد خدعوا بشعارات إيران الدينية وتظاهرها بنصرة فلسطين. فمما لا شك فيه أن مشروع تحصين الأمة من خطر إيران والتشيع الفارسي أو الصفوي سيصب مباشرة في مشروع حماية الأمة من التآمر الإيراني ضدها، ويكسر حلقة تحالف إيران مع أعداء الأمة لتمزيقها وتجزئتها.

ما ألاحظه متأخراً أن هناك صحوة متنامية ضد المشروع الإيراني، سيتشكل منها تيار دافق في شريان الأمة يسهم في إعادة حيويتها واستعادة عافيتها، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

_________________________________________________________________________________

  1. – ملاحظة/ لم تنشر المجلة جواب السؤال الأول، وحذفته كاملاً. ولاحظت بعض التغييرات في العبارات، لم يتسن لي مراجعتها وتأشيرها!
  2. – هذه هي الحقيقة، ص35، د. طه حامد الدليمي.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى