مقالات

منطق الجرذان

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\f\Downloads\____ _____.jpg

فتاح الشيخ أحد المرشحين الشيعة، الذين (لملمتهم) القائمة العراقية لتثبت عبثاً للآخر، الذي لم يثبت أمامه حتى القرآن، أنها قائمة وطنية وليست طائفية.

كنا نرى هذا العبث الطفولي وكيف يجري أمام أعيننا، وننظر إلى ساذجة (جماعتنا)، المبنية على آيدلوجيا كونكريتية لا تتأثر بكل المتغيرات الميدانية، ولا ينفع معها سوى الكسر علاجاً! ولو سألتهم يومها عن هذا التصرف وكيف يأتون بقوم قال الله تعالى فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:118-120)؟ هذه الآيات التي كنت أتلوها أيام الاحتلال الأولى وأبشر بها دليلاً على حتمية زوال دولة الشيعة بشرط (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا). لو سألنا (جماعتنا) كيف؟ لأجابوك: هذا، أي فتاح ومن على شاكلته، من (إخواننا الشيعة العرب، والشيعة الوطنيين)! ما أروع الوصف لو أضيف إليه (إلى حد النخاع).

هذا هو الشيعي!

على قناة (بغداد) صباح هذا اليوم فتحت عيني على فتاح هذا، و(صبحت بوجهه) وهو يتكلم بالهاتف إلى الأخ عمر صبحي العزاوي مقدم أخبار القناة. انظروا إلى هذا النموذج الرائع من نماذج (إخواننا الشيعة العرب، والشيعة الوطنيين)! وكان يجيب على تساؤل المقدم عن سبب انسحابه من القائمة العراقية، فكان مما قال وهو يطلق كلماته كالرصاص المنهمر وبعصبية واضحة تنم عن نفسية حاقدة موتورة معبأة ضد القائمة التي احتضنته وقدمته للعراقيين كنموذج من نماذج (إخواننا الشيعة العرب، والشيعة الوطنيين):

“القائمة العراقية قائمة طائفية صدامية تتبع أجندة خارجية، وهي قائمة انفصالية تريد تقسيم الوطن”. كانت لفتة ذكية من المقدم حين قال له: هل هذه الأوصاف عرفتها اليوم عن القائمة؟ أم اكتشفتها مؤخراً؟ لكنه لم يجب.

“رفضت ترشيحي عن الأنبار ولو رشحت هناك لحصلت على مقعد أو مقعدين، لكنهم أرادوني أن أرشح في المناطق الشيعية، وهذا دليل على طائفيتها”. طيب، وعدم فوزك يا فتاح في الانتخابات في منطقتك من قبل شيعتك على ماذا يدل؟

لمن لا يعلم

أعتذر للقارئ عن الاستمرار في عرض المزيد من هذا الهذر. وأكتفي بهذا لأقول كلمتين لإخواني من غير العراقيين الذين قد يشكل عليهم فهم مقاصد هذه العبارات: وصف القائمة العراقية بأنها انفصالية تقسيمية إشارة إلى تبني الفدرالية أخيراً من قبل بعض أعضائها ولو على استحياء. والفدرالية مشرعة في الدستور الذي كتبه فتاح وشيعته. فإن كانت الفدرالية عند من كتبها تعني التقسيم والانفصال فهذا معناه أن هؤلاء الكتبة كانوا يبيتون تقسيم العراق والانفصال عنه! فلما تطورت الأمور ووجدوا العراق تحت قبضتهم من حيث لا يتوقعون صاروا يرفضون ما كتبته أيديهم بكل ما عندهم من وقاحة وقلة حياء! والمطلوب إذن أن يقدم العراقيون إلى المحكمة هؤلاء الانفصاليين التقسيميين الذين حرصوا أشد الحرص على تضمين الدستور ما يقسم العراق.

وأما (الأجندة الخارجية) فلولا أن الوقاحة موهبة لما صارت تهمة يلقي بها على الغير؛ فلولا هذه الأجندة الخارجية لما عرفتْه سوى أحواض الغسيل في مطاعم الدرجة العاشرة من البارات الليلية في الغرب والشرق. المفروض أن يشكروا (للأجندة الخارجية) يدها ويقبلوها بدل أن يجدفوا عليها. ولكن لا غرابة من كارع للخمر يلعنها!

أما ادعاؤه أنه لو رشح عن الأنبار ففاز بمقعد أو مقعدين فهذا دليل على عدم طائفية الأنباريين وأمثالهم، وهي سذاجة غير مبررة من (جماعتنا) الذين يتخيلون صحة أسطورة (إخواننا الشيعة العرب، والشيعة الوطنيين) لا لدليل لمسوه أكثر من أقوال ودعاوى (يثرد) لهم بها هؤلاء (الإخوة) على قاعدة (يد تنحر وفم يبسمل). وهو دليل على الطائفية، [يسميها فتاح “المقيتة”]، التي يتمتع بها الشيعة بامتياز! وأما ذمهم لها فلا يخرج عن نطاق (كارع للخمر يلعنها). وإن كان بعض الكارعين يلعنها بصدق غير أنه لا يقوى على مفارقتها، والبعض الآخر – وهم شيعة فتاح – يتظاهر بلعنها أمام الناس، فإذا خلا بها قال: ما أروعك! ما أطيبك!

ولولا أن هذه الطائفية واقع يقر به أعضاء (العراقية) وإن غالطوا أنفسهم وغيرهم بالتشكيك فيه، لما طلبوا من فتاح والشيعة الآخرين من مرشحي القائمة أن يكون ترشيحهم في المناطق الشيعية؛ والسر في ذلك أنهم يعلمون أن الشيعة لن ينتخبوا مرشحاً سنياً، فجاءوا بهؤلاء الشيعة عسى أن (يخدعوا) بهم الشيعة. وهذه سذاجة أَخرى، فالشيعة ليسوا بهذا المستوى من (الطيبة) والسذاجة، والشك والتوجس أحد عناصر النسيج النفسي في الشخصية الشيعية. وهكذا كانت النتيجة أن فتاح هذا لم يحصل على الأصوات التي تؤهله لشغل ربع مقعد في مجلس النواب فضلاً عن مقعد واحد! ومع ذلك يتبجح بخروجه على (القائمة العراقية) وانفصاله عنها! فكيف لو كان من الفائزين؟!

جناية الثقافة ( الوطنية ) على السنة

مساكين أهل السنة! لقد دمرتهم الثقافة (الوطنية) البالية. وهذا مصير كل من يعيش انفصاماً بين الفكرة (الآيدلوجيا) والواقع. يتساوى في هذا علمانيهم وإسلاميهم. وإذا كنت أعذر – جدلاً – العلماني الذي لا يقرأ القرآن إلا (للبركة)، فلن أعذر (الإسلامي) الذي يدّعي أنه يتخذ من هذا الكتاب (منهج حياة) ويقرأ فيه: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) (آل عمران: 72،73)، ولا يعرف كيف ينزلها على مواردها، ولا يعلم أن هذه الآيات تنطبق أول ما تنطبق على (إخوانهم الشيعة العرب الوطنيين) إلى حد النخاع! ففتاح وأمثاله دخلوا في (القائمة) السنية [وأعتذر لأصحاب القائمة من تشريفها بهذا الوصف؛ لأنهم يفرون بها منه فرار الأم بوحيدها من المجذوم!] و (آمنوا) بها أول الأمر من أجل أن يخرجوا منها و(يكفروا) بها آخره في وقت هي أحوج ما تكون إليهم، ولكل منهم دور مرسوم وأجل معدود محتوم.

عزائي أنني شهدت هذا الصباح جرذاً وسط القمامة وهو يخطب عن النظافة، في مشهد مضحك مُسلٍّ رسمته من قبل ريشة الشاعر أحمد مطر، يقتحم ذاكرتي بلا استئذان كلما رأيت شيعياً يتكلم عن الدين والأمة الإسلامية والوحدة الوطنية والعراق الواحد والمقاومة وثورة العشرين، ويذم الطائفية والتطرف والتكفير، ويلعن الاحتلال والرجعية، والاستعمار و(التوسعية)!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى