مقالات

القضية يا خطباءنا الموقرين

قبل عدة شهور وصلت عدوى (الربيع) مناطقنا فخرج الناس يتظاهرون، وكانت شعاراتهم تركز على أمرين: خروج المحتل (الذي هو يريد أن يخرج)، و (إخوان سنة وشيعة).

وها قد خرج المحتل فلله الحمد لا على خروجه فقط، وإنما على أن التظاهرات القادمة لن يعود في يدها أن ترهق نفسها في تحصيل حاصل ما من داع للسعي إلى تحصيله. والسؤال اليوم: ماذا سيقولون مستقبلاً بشأن (الأخوة) السنية الشيعية، الحميمية إلى حد القتل على قاعدة (ومن الحب ما قتل)!

في تلك الفترة كتبت عدة مقالات عن (البوصلة) المفقودة و(الربان) التائه.

خطبة جامع الدولة الكبير في الرمادي

شاهدت اليوم طرفاً من الخطبة التي ألقيت من منبر جامع الدولة في الرمادي، وكانت عن الوضع الأمني والتفجيرات الأخيرة في مركز المدينة وغيرها من مدن الأنبار. وفي وقت يعيش العراق فيه طوفاناً من التغول الشيعي، والانمحاق السني بحيث أن كل مراقب من الخارج يدرك أن هذه هي الأزمة الكبرى، وأن القضية قضية سنة وشيعة، يعلل الخطيب الفاضل – وهو في داخل البلد! – ما حدث في المحافظة بأنه مؤامرة على المسلمين! وأن الإسلام هو المستهدف. ولم يبين لنا:

  • من الفاعل الذي يستهدف المسلمين؟
  • ومن هم المسلمون المستهدَفون؟
  • وأي إسلام مستهدف؟
  • وما عمل فرقتين عسكريتين شيعيتين ترابطان في الرمادي.. ما هو عملهما بالضبط؟
  • وما عمل الأجهزة الأمنية التي تقاد حقيقة من قبل المالكي؟
  • وهل الملف الأمني ساء بوجودهم أم تحسن؟
  • ولو كان هذا الملف بيد أهل الرمادي هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟
  • ما علاقة ذلك بالصراع على النفوذ بين أمريكا وإيران؟
  • ولماذا تجتث الحكومة الشيعية القادة السنة واحداً بعد الآخر بتهمة الإرهاب، وآخرهم رياض العضاض نائب رئيس محافظة بغداد؟

ما قاله الخطيب الفاضل نأى بالمشكلة بعيداً عن واقعها وحاضنتها، وعن حقيقتها وعلتها، ولم يضف إلى الحضور شيئاً، ولم يحرك سواكنهم، وأجزم أنهم خرجوا كما دخلوا.. وهكذا في دورة لا تنتهي. حتى وصل المجتمع إلى قناعة أن المسجد في واد والمجتمع في واد، وأن مشاكلهم لن يجدوا لها تفسيراً – دعك من الحل – في هذا المكان المقدس العظيم. ولأن “القائد رائد” فقد (الشيخ) – كنتيجة طبيعية – دوره القيادي بعد أن ضيع دوره الريادي في الحياة بمثل تلك الكلمات العمومية، والمفاهيم الضبابية.

الشيخ القائد ؟ أم الخطيب القائل ؟

نحن اليوم في حاجة إلى (الشيخ القائد) وليس إلى (الخطيب القائل). وحتى يكون الخطيب قائداً لا قائلاً عليه أن يتبنى قضية مجتمعه، ويطرحها: تشخيصاً وعلاجاً بوضوح واختصار، وتأكيد وإصرار، ويدور حولها بحيث يتكلم عن شتى الموضوعات، لكنه يعود فيربطها بتلك القضية. وقد يحسن الخطيب فيتكلم عن مشكلة واقعة، كما فعل خطيبنا الفاضل حين طرح موضوع التفجيرات الأخيرة في المدينة، وهذا شيء يحسب له، لكن إحسانه يبقى معطلاً ما لم يربطه بأسبابه الحقيقية ويعطي صورة متكاملة عن الحدث، ويربطه في النهاية – وهذا أهم شيء – بالقضية الكبرى.

ما هي القضية ؟

القضية هي الهدف الاجتماعي الذي يسعى المسلم إلى تحقيقه. وذلك يستلزم إزالة المعوقات من طريقه. فالقضية تقوم على ركنين اثنين هما:

  1. هدف أعلى: مأمور كل مسلم بتحقيقه. وهو إقامة الدين وتحقيق مقتضيات ألوهية الله تعالى وحاكميته في أرضه. وهو ثابت لا يتغير.
  2. لكن هذا الهدف مرتبط عضوياً وجذرياً بواقع أدنى: يتم من خلاله تحقيق ذلك الهدف. في هذا الواقع يبرز أمامك معوق أو مشكلة تعترض طريق الهدف، تتطلب منك استجابة مناسبة إزالةً للمعوق، أو حلاً للمشكلة.

ولأن المشاكل والمعوقات كثيرة ومتنوعة فنحتاج إلى أمرين اثنين:

  1. أن يستوي القصد إلى التحدي أو المشكلة الكبرى في المجتمع فنجعلها المحور الذي ينتظم باقي التحديات والمشاكل الأدنى. وهذا هو التشخيص. وهو نصف العلاج.
  2. أن نستجيب لهذا التحدي الاستجابة الصحيحة المناسبة. وهذا هو العلاج، الذي ينبغي أن يكون بديعاً متطوراً.

عندما يكون التشخيص والعلاج بهذه المواصفات، نكون قد سلكنا طريق الحل. وعندها نستحق أن نستلم زمام القيادة.

أزمتنا في العراق اليوم هو البحث عن علاج لمرض يخطئ المتصدون للبحث في تشخيصه، أو يتغافلون عنه رهبة أو رغبة.

قضيتنا إذن شيعية سنية، وأزمتنا اليوم في حكم شيعي يريد ابتلاع المنطقة السنية، وطمس هويتها وتشييع أبنائها. مطلبنا مواجهة هذا التحدي، وهدفنا جمع السنة لردع الشيعة بكافة الوسائل الممكنة، وأولها توعية الجمهور بأنه مستهدف سنياً أولاً وثانياً و.. وتاسعاً، ثم إسلامياً عاشراً.

فلو أكمل الخطيب الفاضل كلامه الطيب فقال: إن هذه التفجيرات سببها أن العراق محكوم بحكم شيعي طائفي؛ ولذا فإن أبناء المنطقة لا يملكون زمام أمورهم، يسيطر على تصريف شؤونهم وقيادة حياتهم قوى عسكرية وأمنية ليست منهم وكأنه ليس في الرمادي من رجال قادرين على القيادة. وهذه القوى الأمنية الدخيلة نحن نتهمها بأنها وراء التفجيرات وكل الخراب الحاصل في مدينتنا والمدن السنية الأُخرى. لذا فنحن نطالب برحيلها بأقرب فرصة، ونعد أهلنا بأنه بعد تحررنا من قبضة هذه القوى الطائفية بفترة لن تطول سيعود الأمان إليهم.

لو قال الخطيب ذلك، لكان قد شد انتباه المصلين وأيقظ حواسهم المتثائبة، وأضاف إليهم شيئاً حيوياً دافعاً دافقاً، يجعلهم يعيشون قضية، فيخرجون من هذا المكان الطاهر المبارك وهم مزودون بطاقة متوهجة وهمة عالية وإرادة جازمة للبحث والسؤال عن الحل، وأسس التغيير ووسائل الوصول إلى الهدف المنشود؛ لأن كل شيء أصبح واقعياً، وواضحاً محدداً كالشاهد المنصوب على الطريق أمام السائرين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى