مقالات

إعدامات السنة في العراق الشيعي (1)

قبل أيام قلائل أرسل إلي هذه الأبيات أحد المعتقلين السنة، الذين يرزحون في سجون الشيعة منذ خمس سنين، وقد قتل أبوه الأستاذ الجامعي وأخوه من قبل. وقد وقعها باسم الشاعر الأسير (…):

قد أعتلي يا أخي في السجنِ مِشنقةً

بحكمِ كفرٍ وإفسادٍ وطغيانِ

فهل ستفرحُ في شنقي بمعتقلٍ

أم هل ستبكي على قبري وأكفاني

إن كنتَ تبخلُ في وصلٍ لمعتقلٍ

حتماً ستبخلُ في تشييعِ جثماني

آذتني الأبيات، وهيجت جراحاً لي قديمة طمرت تحت جراح جديدة وجديدة! وأعادتني إلى أيام الثمانينيات، يوم كنا نقرأ بشغف قصيدة (رسالة في ليلة التنفيذ) للشاعر هاشم الرفاعي رحمه الله. ولم أكن أعلم تلك الأيامَ أن هذه القصيدة ستكون لسان حال الآلاف المؤلفة من أماجد العراق!

ابتاه ماذا قد يخط بنانى

والحبل والجلاد ينتظران

هذا كتابِ اليك من زنزانة

مقروة صخرية الجدران

لم تبق إلا ليلة احيا بها

وأحس أن ظلامها أكفاني

ستمر يا أبتاه لست أشك في

هذا وتحمل بعدها جثماني

ثم يقول وهو يصور مشهد اللحظة التي يعدم فيها:

أبتاهُ إن طلعَ الصبـاحُ على الدنا

وأضـاءَ نـورُ الشمـسِ كـلَّ مكـانِ

واستقبلَ العصفورُ بينَ غصونِهِ

يوماً جديداً مشـرقَ الألـوانِ

وسمعتِ أنغامَ التفاؤلِ ثرةً

تجـري علـى فـمِ بائـعِ الألبـانِ

وأتى يدقُّ كما تعـودَ بابَنـا

سيـدقُّ بـابَ السجـنِ جـلادانِ

وأكونُ بعدَ هُنيهةٍ متأرجحاً

فى الحبلِ مشدوداً إلـى العيـدانِ

ليكنْ عزاؤك أنَّ هذا الحبلَ ما

صنعتْهُ فى هذي الربـوعِ يـدانِ

إعدامات معلنة وأخرى لا يعلمها إلا الله

ففي يوم 29/8 الفائت تم إعدام (21) سجيناً سنياً بينهم (3) نساء، أتبعوه بإعدام (5) في اليوم التالي. وهناك نحو (250) محكوماً بالإعدام ينتظرون دورهم. بينما بلغ مجموع الذين أُعدموا هذا العام (96) شخصاً.

هذا ما أُعلن عنه رسمياً. لكن الحقيقة أضعاف ذلك!

في إحصائية لعدد المعتقلين قدرت منظمة العفو الدولية سنة 2010 عدد المحتجزين في السجون العراقية دون محاكمة بـ(٣٠) ألف محتجز!

ورغم أن الحكومة العراقية لا توفر أي إحصائيات دقيقة بشأن عدد المعتقلين، لكن في تصريح صحفي لوزارة العدل آنذاك قالت إنها تحتجز (784,28) بينهم (٣٣٤) امرأة معتقلة دون محاكمة. والظاهر أن إحصائية المنظمة الدولية مأخوذة من إحصائة وزارة العدل العراقية.

وأقول: هذه المعلن من إحصائية المعتقلين الذين يقبعون في الزنازين دون محاكمة، وفي سجون وزارة العدل فقط! فكم هو مجموع أعداد المعتقلين (الذين حوكموا والذين لم يحاكموا) في بقية الدوائر والوزارات كوزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب.. و…….. السجون السرية؟! أما المعلن عن أعداد المعدومين فشيء تافه حيال المخفي. فهناك إعدامات سرية لمعتقلين غير مسجلين، ومنهم عرب، كانوا من قبل ترمى جثثهم في المزابل أو تترك في الطرقات أو تدفن في مقابر جماعية، أو تنقل إلى المقبرة المشهورة في كربلاء على أنهم ضحايا شيعة قتلوا بيد “الإرهابيين السنة”! هذا عدا المجازر التي ترتكب بالجملة، وتعقد حفلاتها في البيوت، وفي الشوارع، وعند نقاط التفتيش، وما لا يعلمه إلا الله!

هل تشاهدون اليوم ما يرتكبه الشيعة من جرائم ومجازر بحق السنة في سوريا؟ ما جرى لنا نحن سنة العراق أضعاف ذلك بمئات المرات، إن لم نقل آلافها!

لمحة عما يجري لأبنائنا الأسرى وبناتنا الأسيرات في سجون الشيعة

هل لفت انتباهك توقيع المعتقل صاحب الأبيات الشعرية باسم (الشاعر الأسير)؟ قال (أسير) ولم يقل (سجين) لأسباب عديدة، منها شعور السني أنه غريب في بلده، وأن الذين يعتقلونه ليسوا من جنسه ولا من بلده! فكأنه أسير في زنزانة تقع في بلد أجنبي! ومنها أن كثيراً من المعتقلين هم مقاتلون سنة أسرتهم القوات المحتلة وسلمتهم بعد جلائها للحكومة، فقد أعلن رسمياً أن القوات الامريكية سلّمت (عشرة آلاف) أسير الى السلطات العراقية قبل انسحابها من العراق. وهؤلاء لهم أحكامهم الخاصة كأسرى، يطبق في حقهم القانون الإنساني الدولي، وليس القانون المحلي الخاص بالسجناء.

كل ذلك يجري حسب خطة مرسومة لاجتثاث السنة وإبادتهم وتحويلهم إلى مجموعات وشراذم من المشردين. ابتدأت الخطة بالمليشيات التي كانت تصول وتجول في الشوارع، وتعتقل أبناء السنة دون أي مسوغ أو إثبات قانوني، فتقتل من تقتل منهم قبل نقلهم، وتنقل من تنقل منهم إلى أوكار التعذيب والموت. والآن لبست هذه المليشيات اللباس الرسمي بعد أن تم دمجها بالقوى الأمنية، واتجهت إلى الاعتقال والقتل باسم القانون. وهكذا جرى (تقنين الإبادة) عندنا في العراق. وهناك يُلَبس المتهم تحت الإكراه بعشرات التهم، ليطبق في حقه المادة الخاصة بالإرهاب المعروفة بـ(4 إرهاب) وعقوبتها الإعدام. وكمثال فإن لي صديقاً كان يقاوم المحتل، اعتقل واتهم بـ(80) جريمة قتل!

والخطة خبيثة لها أذرع مختلفة منها: استنزاف المال السني، وتحويل السنة إلى فقراء يستجدون الناس، حتى صار الشيعة يسمونهم (البقرة الحلوب).

وفي السجون يجري التعذيب، وتنتزع الاعترافات بالقوة، والكثيرون منكم شاهد على شاشات الفضائيات عضو مجلس محافظة بغداد المعتقل السني ليث الدليمي، ومعه رياض خميس الدليمي، وكيف كان يصرخ بأن الاعترافات أخذت منه تحت قوة الإكراه.

وهناك ما هو أدهى: اغتصاب الرجال لكسر الإرادة وتحطيم الشخصية. ومن ذلك اغتصاب النساء. وأشده اغتصاب المرأة أمام زوجها وذويها!

حدثني صديق لي كان معتقلاً في (سجن المطار)، خرج من المعتقل حديثاً: أن سجيناً معه من منطقة سنية معروفة شمالي بغداد نودي عليه ذات يوم من قبل إدارة السجن. يقول: وبعد نحو ساعة أو ساعتين دخل عليهم وهو في حالة يرثى لها، ينظر إلى السماء بعيون مغيبة وهو يهتف ويصيح: لو كنت بوذياً، لو كنت يهودياً، لو كنت نصرانياً لما فعلوا بي ما فعلوا! لو كنت يهودياً ما عرَّوا زوجتي واغتصبوها أمامي! يقول: فقمت إليه وأمسكت به وقلت له: أعانك الله، تماسك يا أخي؛ فإن هذا الذي أنت فيه هو ما يراد بك أن تصل إليه. يقول: فلم يكن أمام الرجل إلا أن تهاوى إلى الأرض وانخرط في نحيب يقطع نياط القلب!

وخطة إبادة السنة العرب في العراق وإقصائهم وإنهائهم ماضية حثيثاً حسب المرسوم، وعلى جميع الصعد. فقبل أيام اجتثوا (32) قاضياً سنياً من كبار قضاة الموصل! أتبعوهم بـ(20) آخرين من ديالى!

وإليكم هذه الإحصائية السريعة كمثال بسيط على نية الشيعة في إحكام قبضتهم على العراق، والاستحواذ على مقدراته كاملة لهم وحدهم دون غيرهم:

  • يشكل السنة العرب نسبة لا تقل عن (42٪) من سكان العراق، بينما لا تزيد نسبتهم في دوائر الدولة مدنية وعسكرية عن (6٪) فقط!
  • من بين (17) قائد فرقة ……………………….. (1) قائد فرقة سني واحد فقط (وهو أشد على السنة من الشيعة أنفسهم)
  • من بين (60) آمر لواء ……………………….. (10) سنة فقط
  • من بين (237) آمر فوج ……………………. (17) سنة فقط
  • في القوة الجوية كلها ……………………….. (1) ضابط طيار سني واحد فقط
  • من بين (1000) طالب في كلية الشرطة ……… (1) طالب سني واحد فقط
  • من بين (42) طالب بعثة دراسية إلى أمريكا … (1) طالب سني واحد فقط، ظنوه شيعياً بسبب اسمه

هذه قطرة من مستنقع التهميش والإقصاء الذي يمارس بحق سنة العراق العرب اليوم! فماذا يراد بهم؟ وما هو مصيرهم غداً؟

وللحديث بقية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى