مقالات

اجتماع المعارضة السورية في الدوحة

هل هو محاولة لتنظيم الجهود ، أم سعي لسرقة المجهود ؟

وقائع الاجتماع

يعقد (المجلس الوطني السوري) اليوم (7/11/2012) اجتماعاً في العاصمة القطرية (الدوحة)؛ وذلك من أجل تحقيق عدة أهداف، يأتي على رأسها: إعادة هيكليته، وإجراء انتخابات تنظم الأمانة العامة والمكتب التنفيذي والهيئة العامة وعدد أعضاء هذه الدوائر، واختيار رئيس جديد للمجلس. وكذلك من أجل توسيع عضويته، بضم كتل سياسية وتشكيلات ثورية جديدة، أصبح بمقتضاها جملة أعضاء المجلس (400) عضو.

وتزمع القيادة المنتخبة الجديدة للمجلس إدارة المشاورات مع كافة أطياف المعارضة غير المنضوية تحته. كما أعلن (المجلس) أنه سيطرح  مبادرة لتشكيل حكومة مؤقتة في المناطق المحررة.

رشح من الأخبار أيضاً أن اللقاء التشاوري ستحضره أطراف عديدة إضافة إلى (المجلس الوطني السوري) مثل (المجلس الوطني الكردي) و(المجالس المحلية) في المحافظات، و(المجالس العسكرية) و(هيئات ثورية) مثل (لجان تنسيق محلية) و(الهيئة العامة للثورة)، ومنشقون مثل رياض حجاب، ومستقلون مثل رياض سيف.

وقال هشام مروان الخبير القانوني للمجلس الوطني: إن ابرز التغييرات في بنية الهيئة العامة هو رفع تمثيل المرأة الى 15٪، وزيادة تمثيل قوة الحراك الثوري والميداني في الداخل إلى 33٪ بإضافة 32 مكوناً جديداً (!) كما جرى ضم مكونات سياسية جديدة تمثل 35 تكتلاً سياسياً باتت تشكل 45٪ من المجلس، وتمثيل الأقليات بنسبة 25٪، وأصبحت الهيئة العامة الجديدة تضم 52٪ من الأعضاء الجدد.

غني عن القول أن هذا الاجتماع يتم برعاية فرنسية، ففرنسا هي التي أنشأت (المجلس الوطني) أو احتضنته منذ إنشائه وإلى اليوم.

ويوم الخميس سيعقد اجتماع في الدوحة أيضاً باسم (مبادرة رياض سيف)، يحظى باحتضان أمريكي يهدف الى افراز قيادة موسعة للمعارضة غير (المجلس الوطني)، أكد المجلس نيته حضور الاجتماع، في مسعى إلى تحويل المؤتمر من مؤتمر لقتل المجلس الوطني الى مؤتمر لاستكمال العمل الذي بدأه المجلس. لكنه عبّر عن تحفظات واضحة، ووجه تهماً عديدة له.

تنص مبادرة رياض سيف التي سيتمحور حولها اجتماع الخميس، على تشكيل هيئة قيادية جديدة للمعارضة تقوم بتنسيق عمل الجيش السوري الحر على الأرض وتنبثق عنها حكومة منفى. وقد قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في زغرب/كرواتيا الأسبوع الماضي: إن المجلس الوطني لم يعد الكيان الذي يمكن أن يمثل كل المعارضة، كما اكدت ضرورة العمل على قطع الطريق امام المتشددين. ولهذا يحاول المجلس إبراز التغييرات التي يتبناها في هيكليته لتعزيز قاعدته التمثيلية، لاسيما في الداخل السوري.

وبينما قال برهان غليون: إن الامريكيين يريدوننا كبش فداء للتغطية على تخاذلهم وعجزهم، اعتبر عضو المجلس الوطني رضوان زيادة أن المبادرة ولدت ميتة، مشيراً إلى أن رياض سيف حاصل على دعم واشنطن ولكن ليس على دعم الداخل.

وقال رياض سيف إن المبادرة ليست بديلا عن المجلس الوطني، لكن المجلس الوطني يجب أن يكون جزءاً مهماً منها، فاسقاط النظام يلزمه ألف مجلس وطني.

أما القيادي في المجلس الوطني جورج صبرا فقد قال لوكالة فرانس برس: إن المجلس اقترح أن يتم تشكيل حكومة انتقالية في الأراضي المحررة داخل سورية. في إشارة إلى نية المبادرة الأمريكية إقامة حكومة منفى، ومعارضة المجلس لذلك.

خارج هذا الاجتماع يجري التحضير لمبادرة سياسية بقيادة روسيا والصين. كذلك بدأت بريطانيا الدخول على خط المبادرات والدعم.

مجالس قيادة ؟ أم مجاميع لالتهام الكعكة ؟

حين أنظر إلى كثرة الجهات المشاركة في هذا الاجتماع، وظهور أول علامات تقسيم الحصص حسب النسب، وأنظر إلى الثوار الحقيقيين: يبدو لي أن هذه الاجتماعات والمجالس والمبادرات ما هي إلا وسيلة لتهميش القائمين الحقيقيين بالثورة، ونقل ثمار التضحيات إلى سلال أُخرى قبل اجتماعها في سلة أهلها!

انظروا – مثلاً – إلى عدد المكونات والتكتلات السياسية! فهناك 32 مكوناً جديداً جرى ضمهم للمجلس بحيث صارت نسبتها 33٪ من المجلس، وهذه – حسب علمي – تمثل مجالس ثورية ميدانية تشرف عليها فرنسا لمسك الأرض بعد سقوط النظام، ولا علاقة لها بالمقاتلين الذين يحاولون العمل خارج اللعبة الدولية. فهل فرنسا حريصة على الثورة وأهلها؟ أم تعد العدة لمجيء نظام يلبي أهدافها ورؤيتها؟

أضف إلى ذلك 35 مكوناً أو تكتلاً سياسياً جديداً، شكلت 45٪ من المجلس! وضع معها نسبة 25٪ للأقليات، التي لا علاقة لها بالثورة بتاتاً!

فماذا بقي للثورة وأهلها؟

قيادة الوطن لمن يحميه ويبنيه ؟ أم لمن يسكنه ويؤويه ؟

لقد قامت الثورة السورية على كاهل جماهير تظاهرت طويلاً في حارات وشوارع المدن السورية ابتداءً بدرعا وانتهاءً بحلب، وامتداداً شمل كل الأرض السورية عدا المناطق الكردية. ثم تطور الأمر إلى جهد عسكري كبير كان (الجيش السوري الحر)، وفصائل مدنية مقاتلة عمودها الفقري. وما من شك في أن هناك جهداً مدنياً سانداً تمثل في الإعلام والمساجد واللجان الحقوقية والإغاثية وغيرها.

هؤلاء هم الثوار الحقيقيون. فمن – ترى – يمثلهم في (المجلس) الجديد، أو القديم؟

من يمثل الجماهير العزل ضمن هذا المجلس؟ ومن يمثل الفصائل المقاتلة؟ أم هؤلاء كلهم سيشطب عليهم بحجة أنهم متشددون إرهابيون؟ ومن يمثل الجيش الحر؟ وأولئك الجنود المجهولون الذين يغذون وسائل الإعلام وشبكات المعلومات ويقومون بالجهد الإعلامي العظيم في خدمة الثورة من يمثلهم؟ وغيرهم وغيرهم؟

هؤلاء من ينبغي أن يؤسسوا الحكومة البديلة، ومنهم تتشكل الوزارات والمؤسسات الجديدة. وأما البقية فتبع لهم.

بأي حق تمنح الأقليات، التي لا شأن لها غير التفرج على التلفاز، والتثاؤب انتظاراً لما ستسفر عنه الأحداث الجسام، تمنح 25٪ من حصة القيادة؟ وهذه (المجالس) التي لا يعرف لها دور لا في العير ولا في النفير، وأولئك المنشقون ما لهم؟ ما شأنهم؟

هل يصح أن فريقاً يتحمل التضحية والغُرم، يتساوى بالجزاء والغنم مع فريق آخر جالس يتفرج، كل مؤهلاته أنه يسكن الوطن كرقم أو عدد لا غير؟! إن هذه القسمة الضيزى هي أحد مساوئ الديمقراطية، التي على السوريين أن يحذروها ويردوها على من جاء بها؛ فالديمقراطية ليست صنماً يعبد، ولا وحياً منزلاً، وإنما هي فكر بشري له ما له وعليه ما عليه، نأخذ منه ما ينفع وننبذ ما يضر. والوطن له استحقاق، ليس هو الاستيطان، الذي بمجرد حصوله يستحق المستوطن خيرات الوطن على أعلى مستوياتها بما فيها الحكم. فإن قيادة البلد ليست لمن يسكنه ويؤويه، وإنما لمن يحميه ويبنيه.

ويبقى السؤال الأهم قائماً أمام أنظار الثوار والمجاهدين الحقيقيين، وعليهم أن يجيبوا عنه: هل الحقوق تمنح وتعطى، أم تؤخذ وتنتزع؟

فلا يصح أن يظل المقاتل منشغلاً بالميدان الساخن بعيداً عن الأنظار يضحي ويموت، وغيره يعقد المؤتمرات الباردة أمام الملأ ويجلس على الطاولات المجهزة بالموطا والليمون يخطط ويرسم ليحكم ويقود.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى