مقالات

من خيالات الرافضين للفدرالية (9)

د. طه حامد الدليمي

تقسيم أم تحطيم ؟

هذه المرة أريد أن أسكب دمعة، أو عدة قطيرات من الدمع، رحمة بإخواننا رافضي الفدرالية. وليعلم القارئ أننا نضحك مرة، ونسخر مرة، ونحزن ونأسى ثالثة ورابعة.. ولكن ليس ذلك بمَلْكنا؛ إنما هو ردة فعل لما نرى ونسمع. ومن لا يملك لا تثريب عليه.

حين ينتقل الإنسان من الضد إلى الضد في كلامه وأفكاره، فهذا يعني أنه متناقض، والتناقض لا تفسير له سوى بطلان ما تناقض فيه صاحبه، وهو دليل على اضطرابه، وقد يكون ناشئاً عن عوق نفسي أو سوء نية أو قصد، انتصاراً للنفس أو غمطاً للحق، قد يوقعه تحت طائلة قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) (البقرة:206) وكثير من هؤلاء هم أهلك وإخوانك وبنو جلدتك فتخشى عليهم من نهاية الآية: (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)! وهذا ما يدعوك للشفقة عليهم والبكاء رحمة بهم.

كيف لا والتناقض يصل إلى هذا الحد المثير للعجب.. وللشجن أيضاً:

قبل سنين كنا نبذل جهوداً مضنية جسدياً وفكرياً ونفسياً لنثبت لإخواننا أن الإقليم تنظيم لا تقسيم، وأنه تقاسم سلطة وثروة لا تقسيم أرض ودولة. اليوم انقلبت الأمور إلى العكس بحيث صاروا يأتوننا بالأدلة والشواهد من الدستور – التي كنا نحتج بها على عدم التقسيم – دليلاً على سيطرة الحكومة على الإقليم إلى حد التحطيم. وهذا يشير إلى أنهم كانوا في غفلة عنها، فلما كثر التحدث بها وصارت على كثير من الألسن حتى تكاد تصبح ثقافة عامة، وأمسى إنكارها أو التغافل عنها غير ذي جدوى، وقفوا عندها ليفسروها على أسوأ محاملها، فانتقلوا من الضد إلى الضد! فكل بند يعطي صلاحيات للحكومة المركزية حفاظاً على وحدة البلد من التقسيم، يقولون عنه: انظروا كيف يمَكِّن هذا البند الحكومة من السيطرة على الإقليم بحيث يكون في قبضتها وتقهره وتحرمه من حقوقه! فما فائدة الفدرالية؟

على أحد المواقع المعروفة([1])، وضمن ما سمي بـ(دراسة تحليلية) عملوا لها دعاية واسعة ووجد فيها بعض أشهر المعارضين طوق نجاة لهم، جاء ما يلي: “لنفترض أن محافظة ما أو عدداً من المحافظات تمكنت فعلاً من الحصول على صفة الإقليم بنص الدستور، فهل سيتحقق لها ما تريد من أمن وأمان وازدهار؟ الجواب كلا بالطبع.. فالإقليم ليس كياناً مستقلاً مطلق الصلاحيات، إنما هو تابع للحكومة المركزية (أو الحكومة الاتحادية) في أهم الجوانب وهي الدفاع والسياسة الخارجية والثروات والأمن القومي. كيف يمكن لحكومة المركز أن تحرم (الاقليم) من أية مزايا توفر له الأمن والأمان؟ لنأخذ (إقليم) الأنبار مثلاً:

… النقاط/المخافر/الطرق الحدودية بنص الدستور هي من اختصاصات الحكومة الاتحادية، وهذا يعني أن حدود أقاليمنا مع الأردن وسوريا سوف تكون مطوقة بجيوش تابعة لحكومة المالكي، وسيتم التحكم بخروج ودخول أبناء الاقليم وبتجارتهم عبر المنافذ الحدودية.

ويمكن للسلطة الحاكمة أيضا أن تعتبر الخط الدولي السريع الذي يربط العراق بالأردن وسوريا خطاً استراتيجياً وعصب الاقتصاد العراقي، لذا تجب حمايته من قبل الشرطة الاتحادية والجيش والأجهزة الأمنية، وهذا يعني إنشاء المئات من المخافر ونقاط السيطرة على طول الطريق المار بالإقليم، وسيحتفظون بصلاحيات تفتيش ومنع واعتقال من يشاؤون من المسافرين.. بنص الدستور..!”.

لا أدري ماذا يريد هؤلاء؟ بلداً بلا جيش؟ أم جيشاً تحت سيطرة الإقليم وليس المركز؟ فهل يتخيل أحد بقاء بلد موحداً إذا لم يكن للدولة جيش، أو كان هذا الجيش غير خاضع للسلطة المركزية؟ أم يريدون جيشاً، لكن في داخل المدن وليس على حدود البلد الخارجية، وإلا “فالإقليم ليس كياناً مستقلاً مطلق الصلاحيات، إنما هو تابع للحكومة المركزية”!

الأهم من هذا أن نسأل: إذا كان الإقليم طبقاً للدستور “ليس كياناً مستقلاً مطلق الصلاحيات، إنما هو تابع للحكومة المركزية”، “ومحروم من أية مزايا توفر له الأمن والأمان”، وهو مطوق من الخارج بمخافر الجيش ونقاط الحراسة العسكرية، ومخترق من الداخل بالشرطة والجيش والأجهزة الأمنية إلى حد التحطيم، فأين التقسيم يا رافضة الإقليم؟

_________________________________________________________________________________

  1. – الرابطة العراقية.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى