مقالات

من نفحات مؤتمر علماء الأمة في نصرة سوريا (2)

د. طه حامد الدليمي

إلى متى يستمر غياب المشروع ؟

في هذا الجزء من المقال أريد التكلم عن الجوانب النقدية التقويمية من 0مؤتمر العلماء في نصرة سوريا)، حتى لا نقفز بجناح العاطفة والحماس فقط فنسقط بعد بضع خطوات. وأجمل أهم ما أريد قوله في النقاط الثلاث التالية:

1. نسيان سنة العراق

rw

يمثل العراق الساحة التي يصطرع فيها المشروعان المتضادان أبداً: المشروع الإسلامي العربي السني من جهة والمشروع المجوسي الفارسي الشيعي من جهة. وأي المشروعين انتصر هناك في أي لحظة تاريخية انعكس مباشرة على المنطقة. العراق إذن مرتكز الصراع ضد إيران وما تفرع عنها من لواحق في سوريا وغيرها. ولم يتمكن المشروع الإيراني من الإفصاح عن نفسه وتهديد المنطقة إلا بعد أن نجح في العراق . ولو انتفض المسلمون يوم رفع الشيعة راياتهم سنة 2006 على مسجد حذيفة بن اليمان في (المدائن)، وهو أول مسجد في تاريخ الإسلام بني في العراق، لما رفعت الرايات نفسها على مسجد عمر بن الخطاب في (القصير)! إن عشر سنوات من النسيان يكفي لتفكير العرب والمسلمين في التكفير عن ذنبهم في خذلاننا، مع أن مصيبتنا أكبر بكثير من مصيبة إخواننا السوريين. يقول الله جل شأنه: (اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة:217). والسنة في العراق يتعرضون للفتنة في دينهم؛ فحركة تشييعهم قائمة على قدم وساق! كما يتعرضون للقتل في أنفسهم. فاجتمعت عليهم المصيبة من جهتيها (الفتنة والقتل)! وقد قتل منا أضعاف أضعاف ما قتل من إخواننا السوريين، الذين لا تشكل الفتنة في دينهم شيئاً يذكر نسبة إلى العراقيين. فكيف ينصرون ونخذل!

الأمة اليوم مدعوة بعلمائها أولاً إلى التكفير عن خطيئتها السابقة بنسيان سنة العراق. لا أن تتمادى في الإقامة على تلك الخطيئة.

2. غلبة الخطاب السياسي على الخطاب العقائدي في البيان الختامي

المؤتمر معقود باسم (علماء المسلمين)، فلا بد أن يكون مستنده العقائدي حاضراً وخطابه الديني واضحاً. وما رأيناه ضبابية لا تخفى وجمجمة غير مبررة في التعبير طغت على لغة البيان الختامي، رغم أن كلمات بعض المتحدثين كانت على العكس من ذلك. فمثلاً جاء في الفقرة (ثانياً) من البيان: (اعتبار ما يجرى فى أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيرانى وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا فى سوريا يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة). وما عدا العبارة الأخيرة التي لا بد منها لصبغ الخطاب بالصبغة الدينية، فالفقرة صيغت بلغة سياسية حذرة، يمكن أن يتحدث بها أي علماني أو سياسي من السياسيين. المطلوب أن تسمى الأشياء بأسمائها؛ فالمعركة عقائدية وليست سياسية، والمؤتمر عقده علماء المسلمين، ونحن في ظرف ما عادت تصلح فيه التورية، بل هي في غاية الإضرار. لم يبين لنا العلماء من أولئك الطائفيون: ما اسمهم؟ وهل هم كفار ما دام أن عدوانهم (يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة)؟ وما هو المستند العقائدي للتكفير؟

دون ذلك تبقى أجواء المؤتمر معطرة بروائح السياسة المريبة. فلدينا من التجارب ما يكفي لشحذ حاسة الشم السياسي عندنا. كما لا يمكننا بسهولة أن نفصل الأحداث عن بعضها، فنفهم التحركات السياسية المكثفة، وحتى العسكرية، في هذه الأيام بعيداً عن المؤتمر. ولا أستطيع هضم موافقة أمريكا على تزويد (الجيش الحر) بالسلاح الثقيل كما تبدو في ظاهرها. ولا النداءات الرسمية العربية بهذا الاتجاه دون وجود ضوء أخضر ولو خافت من (دول المركز).

3. المشروع المدني

حتى لا نكون متفائلين إلى حد السكرة، ولا طيبين إلى حد الغفلة. لدينا ملاحظات مهمة نجملها فيما يلي:

أ. كل تجارب الجهاد والتحرر من الاستعمار على مدى القرن الماضي كنا فيها ضحية لمشاريع الآخرين. وآخرها مشروع الجهاد الأفغاني، والجهاد السني العراقي الذي أطلق عليه اسم أعور هو (المقاومة العراقية). وكانت دعوات الجهاد والمؤتمرات الإسلامية سيدة الساحة لتغطية تلك الأعمال الجهادية الرائعة. ثم………… ماذا كانت النتيجة؟ الشيء نفسه اليوم يتكرر في سوريا. وفي رأيي أن النتيجة نفسها ستكون حصاد الجهد والجهاد في غياب المشروع.

ب. حصل تناغم واتفاق بين المتأخرين من (الإخوان المسلمين) – بعد أن غلب عليهم (الإسلام الحداثي) – وبين الأمريكان، يقدمهم فرسان السياسة التركية بقيادة رئيس الوزراء الحالي (رجب أردوغان). ونحن نعتقد أن هذا الاتفاق لم يكن على أساس السياسة الشرعية للإسلام بل مخالف لها، ولا هو يحقق مصالح المنطقة بل مضر بها. سوى أنه يمكن الإخوان من الحكم تمكيناً بائساً منزوع الصلاحيات. لذا فنحن نشك في أي تحرك أو مؤتمر بهذا الحجم فيه حضور للإخوان أو تأثير، لا سيما إذا كان مشتركاً مع ممثلي المؤسسات الدينية الرسمية مهما كان مشربها ومذهبها. وأرجو من المتعصبين والمغفلين أن يكفوا عنا ألسنتهم؛ فالشواهد على ما نقوله أكبر من أن تحصر.

جـ. يتخلل العمل الجهادي فصائل تكفيرية اجتثاثية تفترض في نفسها تمثيل المسلمين، وتفرض على الآخرين طاعتها قسراً، ولا تتردد في تكفير المخالف وإباحة قتله. وللخروج من هذه الظاهرة دون اتهامات متبادلة مطلوب من الفصائل الجهادية أن تتفق على أن تكفير جمهور السنة، لا سيما المجاهدون منهم، أمر مخالف للشرع في أعلى درجات المخالفة، وتتغلظ هذه المخالفة إذا تجاوزت الفكر إلى القتل. نختلف نعم، أما أن يكفر بعضنا بعضاً، ويقتل بعضنا بعضاً فلا وألف لا. ومن أصر على هذه الخطايا المغلظة فينبغي تشخيصه وعزله. وهو لا يعدو أن يكون من مكملات المشروع المضاد (الشرقي الشيعي والغربي الصليبي).

د. الجيش السوري الحر ما زال مجهول الهوية بالنسبة لنا. هل لأحد أن يخبرنا ما هي عقيدته: هل هي إسلامية سنية؟ أم علمانية تقليدية؟ وهذا هو الراجح. وماذا يريد من وراء إسقاط النظام الحالي: دولة مدنية علمانية يشترك فيها الزنديق والصدّيق وتتكرر فيها علينا دورة الضياع مرة أخرى؟ أم دولة مدنية إسلامية سنية تنصف جميع المكونات، لكن الكلمة العليا فيها لله وحده لا شريك له؟ ما معنى تنصيص الأمريكان على (المعتدلين) من الجيش الحر شرطاً لتزويدهم بالسلاح؟ من هم هؤلاء (المعتدلون)؟ أنا لا أفهم من ذلك غير المتوافقين – بعلم أو جهل – مع مشروع الأمريكان. فهل سنهلل يوم تبدأ شحنات الأسلحة بالوصول أملاً بالقضاء على بشار، ثم لا ندري ما الذي سيفعله بنا أولئك (المعتدلون)؟ فكيف نسلم رقابنا لجهة ونحن لا ندري من هي؟ ما عقيدتها وما أهدافها؟

وجواباً لكل هذه التساؤلات وللخروج من هذه المطبات نقول: (المشروع المدني) هو الحلقة المفقودة في كل ما بذل من جهود منذ مئة عام. وهو اللبنة التي آن الأوان لأن تأخذ موضعها من البنيان، حتى لا تأخذنا الهواجس بعيداً عن المسار، ومن أجل أن لا نصاب بالإحباط، وليكون (مؤتمر علماء المسلمين في نصرة سوريا) وغيره من المؤتمرات واللقاءات وكل الجهود الخيّرة خطوة كبيرة على الطريق.

فإلى متى نحن نزرع وغيرنا يحصد؟ وحتى متى ونحن نحرق جهود العاملين، ونتبرع بدماء المجاهدين على القاعدين؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى