مقالات

يا إخوان مصر ! العدالة وحدها لا تكفي

د. طه حامد الدليمي

30331415332

ما يجري في مصر مأساة وظلم متكامل الأركان.

أنظر فأرى قتلاً في الأشقاء ذريعاً، وحرباً على الإسلام بلا هوادة! وأعجب ما أثارني صبيحة اليوم، وأنا أشاهد الأخبار، جندي يقف إزاء مجموعة من إخوانهأبناء بلده، الذين غاية سلاحهم لسان وحجارة، فيطلق عليهم الرصاص الحي ويراهم يصرّعون أمامه! أقول في نفسي: أليس هذا الجندي مسلماً وهؤلاء مسلمين! ألا يسأل القاتل نفسه من أباح له هدم بناء الله.. الله الذي نادى من عليائه بكلام عربي واضح لا لبس فيه فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) (النساء:92) ثم أتبعها فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء93)! ثم لو تجاوزنا الإسلام وأُخوّته وحقوقه فأين الإنسانية! تحرم إنساناً من حياته بلمسة أنملة، وتفجع أهله وتجيع عياله وتنشر غلالات الحزن على وجوه أحبابه وإخوانه!

في الناحية المقابلة أرى تعاملاً مع الحدث يشير – كما يبدو – إلى فقدان البوصلة وضعف في تحديد الاتجاه. ويتجه القلب إلى مصر عابراً الشام والعين على العراق فتعتصر العيون، ومن خلال بريق نَزِّها تلوح الأحواز وبورما واليمن والبحرين و… تتداعى إلى الذاكرة بقية البلدان والربوع والأصقاع.

ما يقال كثير، وما ينبغي أن يعمل أكثر.. فألخص ما أريد قوله بجملة نقاط أعتبرها معالم للدلالة والاستفادة على قاعدة “دلالة الحدث واستثماره أهم من الحدث”.

الحويجة 2013 والجزائر 1992

أرى “حويجة” ثانية تدور في مصر. فقد سحق المالكي ساحة اعتصام الحويجة ثم شرب بعدها كأس ماء وتجشأ ثم قال: قنينة بيبسي من فضلك! وما يجري في القاهرة وباقي مدن مصر شيء مشابه على نطاق أوسع.

كما أرى مشهداً مشابهاً لمشهد الجزائر في سنة 1992 يوم أن فازت (جبهة الإنقاذ) في الانتخابات فتدخل الجيش لمنعها من الوصول إلى السلطة، فكانت ردة فعل غير محسوبة أدخلت البلاد في دوامة حرب أهلية دامت بضع سنين ولم تسفر عن شيء. وكأن ما يحصل في مصر صورة مشابهة، أخشى أن تسفك فيها الدماء وتهدر الأرواح ثم لا شيء من بعد ذلك.

يا قوم! أحلام السباع لا تتحقق مع خفة الطير. المشروع ناقص، والتحرك في التوقيت الخطأ، وعدالة القضية وحدها لا تكفي لكسبها في عالم الذئاب.

عناصر النجاح ثلاثة لا واحد

وأتساءل: لم هذا التركيز الشديد على عنصر واحد من عناصر نجاح القضية؟ هو عنصر (العدالة) وإظهار بشاعة ظلم الظالم وشدة مظلومية المظلوم. هل تعلمون أن هاتفي أصيب بسكتة، ربما من كثرة الرسائل والصور والفيديوهات التي تواردت عليه تترى عن المأساة التي تدور على رؤوس إخواننا المصريين!

ثلاثة عناصر لا بد أن تجتمع لأي قضية ربانية يراد لها النجاح: العدالة، والمشروعية، والمشروع.

إذا كان عنصر العدالة موجوداً فإني لا أرى للعنصرين الآخرين إلا أثراً باهتاً ضعيفاً. فنحن المسلمين نستمد مشروعيتنا من إسلامنا المتمثل بشرعه عقيدة وأخلاقاً وأحكاماً. وقد بدأ (الإخوان المسلمون) مشوارهم برفع مبدأ (الحاكمية) عقيدة وشريعة، والسعي لبناء دولة إسلامية تعمل بشرع الله. لكنهم انتهوا عملياً وكأن (الحاكمية) تحولت عندهم إلى (الحكم) واستبدلوا بالشريعة ما سمي بـ(الديمقراطية). والديمقراطية نقيض (الحاكمية)؛ فانتفت (المشروعية).

واستدرجوا أكثر فرضوا بحكم ناقص الأسس ضعيف الأركان، رغم أنهم يمتلكون مشروعاً مدنياً قائماً على التواصل مع الجمهور من خلال مؤسسات مدنية ناظمة لمختلف خبراته ومستوعبة لشتى أنشطته. فكان ينبغي أن لا يغامروا فيتحملوا مسؤولية دولة أخطر مفاتيح قيادتها أو التحكم بها ليست بأيديهم. العمل المجتمعي والجماهيري لا يكفي ما لم تكن القوة العسكرية بيدك، والعملية السياسية يديرها رجالك. المشروع المدني في حاجة إلى جناح سياسي نابع منه وتابع له، ويعبر عنه في مرحلة الحكم والاستخلاف كما كان في مرحلة المعارضة والاستضعاف، ولا يسمح للآخرين بمنافسته إلا بمقدار غير مؤثر. كما أن المشروع في حاجة لجناح عسكري لا يلصق به بالخيوط والصمغ، بل هو – كالجناح السياسي – ينبع من المشروع ويتبعه ويحميه. فحين افتقد المشروع المدني هذين العنصرين انهارت أركانه فسقط سقفه. تمرد عليهم العسكر ففقدوا العنصر الأول وهو أهم عناصر القوة. وخذلهم السياسي فاستقال عشرة وزراء دفعة واحدة ففقدوا العنصر الثاني. فانهارت العملية السياسية وسيطر العسكر وغيض الماء وقضي الأمر وانتهى كل شيء فلا حكم ولا حاكمية.

وهكذا خسر الإخوان ومناصروهم القضية لانهيار ركنين من أركانها الثلاثة. والمشكلة أنهم ما زالوا متمسكين بالعنصر الوحيد يغذونه بالصراخ بالمظلومية ونشر وقائعها وبث أخبارها وعرض صورها ومرئياتها. ولا ندري من يخاطبون: أهو العالم الذي يتآمر عليهم أقوياؤه، ويتفرج عليهم ضعفاؤه؟ أم الشعوب العربية والإسلامية التي لا تملك من أمرها شيئاً؟

مشروع بلا قوة جهد ضائع مهدور، وجمهور تائه مغدور.

خفة الطير لا تتحقق معها أحلام السباع

المشكلة الأُخرى أن الإخوان يستنفدون ما تبقى من قوة لديهم في عمليات ارتجالية هي عبارة عن ردات فعل ارتجاجية وحركات انفعالية غير محسوبة، فتكون نتائجها عليهم لا لهم. مثلهم كمثل السمكة إذا نشبت في الشبكة لا تزيدها الحركة والمحاولة إلا نشوباً.

لا ينبغي استعمال القوة قبل اكتمال المشروع، أو خارج نطاق المشروع. فإن هذا يفقد أصحابه التوقيت المضبوط. والتوقيت الصائب شرط في الانتصار الناجز.

انظروا إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كيف يعمل ويخطط وينظر ويحلل ويتربص اللحظة المناسبة، فلم تستفزه الأحداث الضاغطة، ولا دفعته الآلام الموجعة. بل كانت عينه من وراء قلبه تحوطه وتهدهده، ومن أمام يده ورجله تنير لها الطريق قبل سلوكها. روى البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). فلا ينبغي للمسلم أن يستفزه الحدث فيتعجل النتائج، فيلجأ إلى عمل غير مكتمل العناصر، فيأتي الأمور في غير أوانها. وقديماً قيل: “من تعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه”.

وما أقوله لأخواننا في مصر أقوله لأهلنا في العراق وأشقائنا في الشام، وجميع العاملين أينما كانوا وحيثما حلوا. وأملي أن نستفيد من الأحداث، ونقرأ التاريخ جيداً حتى لا نسمح له بقراءتنا للمرة العاشرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى