مقالات

أكذوبة اسمها ( المذهب الجعفري )

يراد لها أن تعتمد في المحاكم العراقية

د. طه حامد الدليمي

انتقاد واسع لقانون الأحوال الجعفرية: استغلّ مادة تخضع للتعديل.. وألغى ٥٥ عاماً من التعايش

قبل أسابيع قليلة أعلن وزير عدل حكومة الشيعة في العراق أنه سيعتمد (المذهب الجعفري) في القضاء الشرعي والأحوال الشخصية.

يومها علقت قائلاً: “إذا نبت للنملة جناح فاعلم أنها هالكة لا محالة”؛ فالتشيع ظاهرة ذات طبيعة باطنية؛ وإظهاره يخالف طبيعته. وكل ما خالف طبيعته تنازعته أسباب الهلاك فأسرع لحتفه بظلفه!

أنت غير موجود .. إذن أنا موجود

ما الذي يدفع هذا الوزير الطائفي إلى اعتماد فقه وحيد في بلد متعدد الطوائف والمذاهب، وتغيير قانون الأحوال الشخصية النافذ في العراق منذ سنة 1959، والذي تنص المادة 41 منه على أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”. وفيه الكثير من الأحكام “الجعفرية”. والشيعة غير ملزمين بالتحاكم إلى غير ما يختارونه في مذهبهم؟ أذكر أنه في بداية الثمانينيات ذهبت إلى محكمة ناحية (اجبلة) في الحلة كشاهد على زواج ابن خال لي، وعقد له القاضي وكتب في العقد أنه تم حسب الفقه الجعفري، مع أن الزوج والزوجة من أهل السنة. وظني أن القاضي توهم أن الزوجين من الشيعة لكثرة الشيعة في تلك المنطقة، ومضى الأمر لأن أحداً لم يعترض، سيما وأن العقد سليم.

إذن لم يكن الناس في ظل القانون الأول يشعرون بحيف أو نفَس طائفي للتشريع ما داموا أحراراً في اختيار المذهب الذي يتحاكمون إليه. فما الحاجة إلى تشريع قانون طائفي يلغي وجود الآخر في دينه وفقهه وهو أعلى خصوصياته وأسماها؟ قناعتي أن المسألة تعبير عن (عقدة النقص) التي تجتاح التركيبة النفسية الجمعية للشخصية الشيعية، والتي تتطلب الإشباع بإلغاء الآخر كليةً على قاعدة (أنت غير موجود؛ إذن أنا موجود)! لكنه من ناحية أخرى دليل فاضح على (حماقة الشيعة) التي سيكون مقتلهم فيها؛ فهذا اللدد الطائفي سيدفع السنة إلى مزيد من الشعور بذاتهم المغيبة عن ذاتهم، فتنتعش (الهوية السنية) من إغماءتها وتبرز على السطح معلنة عن نفسها.. “نحن سنة كما أنتم شيعة”.. هههه.. وهو المطلوب أيها الحمقى!

فقدان المستند العلمي

تابعت اللغط الدائر بين الرافضين والمؤيدين للقانون، فوجدته كله منصباً على الملحظ الاجتماعي والسياسي. ولم أسمع حتى اللحظة من علماء السنة في العراق، ممن تسموا بـ(المراجع)، أو ممن قطعوا خطوة فأطلقوا على أنفسهم لقب (كبار العلماء)، أو من (مفتي الديار العراقية) ولا (المجمع الفقهي) رأياً شرعياً علمياً في هذه النازلة الجديدة. فجردت قلمي متوكلاً على الله تعالى. علماً أن المسألة وإن ثقلت على البعض من ذوي الألقاب الفقهية والمناصب الدينية، فهي – ولله الحمد – بالنسبة لنا سهلة ميسرة، وقد كتبت فيها منذ حوالي خمسة عشر عاماً كتابي المعروف (أسطورة المذهب الجعفري)، وفصلتها على الفضاء منذ سنين.

بعيداً عن الخوض في الاجتماع والسياسة فإن تقنين اعتماد (المذهب الجعفري) في القضاء والقانون والمحاكم أياً كانت يفتقر إلى المستند العلمي الذي ينبغي أن يبنى عليه تأصيلاً ومضموناً. فمن حيث التأصيل يوجد تناقض تام لهذا التقنين مع أصول الشيعة نفسها. ومن حيث المضمون فإن هناك أموراً كثيرة تنقضه وتجعله بلا معنى، إذا استثنينا اللجاجة وحشر الأمور بالدعوى والدعاية. وما أقوله في غاية الوضوح والبساطة وقوة الدلالة. وهذه أهم شواهده:

1. الإمام جعفر الصادق عند الشيعة معصوم كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي لا يأتي بمذهب إنما يأتي بدين. لذلك نحن في الدين على دين النبي لا على مذهبه، وفي الفقه نحن على مذهب أبي حنيفة أو ابن حنبل لا على دينه. وليس جعفر الصادق عند الشيعة كأبي حنيفة يؤخذ منه ويرد عليه. إنما قوله حجة بذاته لا يرد بغيره. وهذا دين لا مذهب. وهذا أحد أسباب قولنا بأن التشيع دين وليس بمذهب. فالقول بأن لجعفر مذهباً فقهياً مجازفة علمية منقوضة من الأصل. فالقانون المبني عليه مبني على غير شيء.

2. لا وجود لفقه يمكن إثبات نسبته إلى جعفر عند الشيعة أصلاً. فمصادر الشيعة على الإطلاق تخلو من وجود رواية واحدة مروية عن جعفر بن محمد بالشرط الذي فرضه الشيعة على غيرهم وهو تسلسل سند الرواية بالأئمة المعصومين عندهم. وهذا ما تحدينا به علماء الشيعة أن يثبتوا عكسه ولو برواية ضعيفة واحدة طبقاً لشرطهم المزعوم، وذلك من قبل ثلاث سنوات على (قناة صفا) الفضائية، فلم يردوا علينا بغير الصمت! والتحدي مفتوح أمامهم بأن يجدوا رواية واحدة عن جعفر الصادق مروية عن طريق (أهل البيت) الذي يشترطونه لقبول أي رواية.

3. ما بين يدي الشيعة إنما هو فتاوى علمائهم لا قول جعفر الصادق. وهم مختلفون فيما بينهم أشد الاختلاف. وهذا ما أقر به جميع علمائهم من الأولين والآخرين. يقول شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي عن علماء الشيعة: إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة، والشافعي، ومالك([1]). وقال الفيض الكاشاني في كتابه (الوافي): تراهم يختلفون في المسألة الواحدة إلى عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد. بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها([2]). واختلافهم دليل بطلان نسبة مذهبهم إلى جعفر؛ لأن جعفر كمعصوم له قول واحد؛ فتعدد الأقوال يستلزم تساقطها.

4. إذا كان فقهاء الشيعة مختلفين إلى هذه الدرجة فأي رأي من الآراء المتناقضة يمكن اعتباره مذهباً لجعفر؟ وعلى أي أساس؟ ونسوق لوزير العدل الشيعي مثالاً واحداً مما يتعلق بمسائل (الأحوال الشخصية) نفسها، وهو الزواج من الكتابية أي اليهودية والمسيحية: فقد اختلف أولئك الفقهاء في هذه المسألة على ستة أقوال متضاربة لا يمكن الجمع بين أكثرها وهي: قول بعدم الجواز مطلقاً. قول بالجواز متعة لا دواماً، وبملك اليمين. قول بالجواز في حالة الاضطرار وعدم وجود المسلمة. قول بالجواز مطلقاً على كراهية. قول بالجواز مطلقاً بدون كراهية([3]). فهل يستطيع الوزير المذكور أو واحد من مراجعه الدينية أو القانونية أن يجيبنا: أي قول من الأقوال الستة المذكورة هو قول الإمام جعفر حتى يتم اعتماده في القانون المقبل؟

5. الفقه الغالب اليوم على جمهور الشيعة هو الفقه الأصولي مقابل الفقه الإخباري. والفقه الأصولي لا يجيز تقليد الفقيه بعد موته. ولذلك لا بد للشيعة من فقيه حي على الدوام يتبعون فقهه، ويقلبون أو يحرقون به صفحة الفقيه الميت ويسدلون الستار عليها. والقانون بطبعه يحتاج إلى فقه ثابت يتم التقنين طبقاً إليه لا ينتهي مفعوله بموت صاحبه. وإلا احتجنا إلى إعادة التقنين كلما مات فقيه وقام آخر. فكيف يخرج الشيعة من هذه المعضلة؟ هل يغيرون قوانينهم كلما مات فقيه؟ أم ماذا؟

عجباً لقوم ليس لديهم سوى أكاذيب وزخارف يضعون لها عناوين، يجملونها بالدعوى، وينشرونها بالدعاية.. تبلغ بهم الرقاعة والصفاقة حتى يطرقوا بأكاذيبهم أبواب القضاء!

الإثنين

11/11/2013

_________________________________________________________________________________

  1. – العدة في أصول الفقه، الطوسي 1/138.
  2. – مقدمة الوافي – الفيض الكاشاني 1/9.
  3. – فقه الجنس في قنواته المذهبية – الدكتور أحمد الوائلي ص245. وعقب الوائلي على هذا بالقول: هذا التفصيل الذي ذكرته هو عند (الأمامية). أما المذاهب الإسلامية الأخرى فقد أجمعوا على الجواز من النصرانيـة واليهودية دون المجوسية.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى