مقالات

عثرنا على الهوية .. وما زال المشروع مفقوداً (2)

التخبط سيد الموقف عام على الحراك السني

د. طه حامد الدليمي

4. كانت الشعارات السنية منذ انطلاقة الحراك حاضرة بقوة على ألسنة الجمهور خصوصاً في سامراء، لكن (الوطنيين) من أمثال الحزب الإسلامي وحزب البعث والهيئة والطريقة النقشبندية والعشائر وغيرهم حاولوا بكل ما أوتوا من قوة التغطية عليها وعزلها وتزييفها. واجتمعت القنوات الفضائية المحسوبة على السنة بلا استثناء على هذا التزييف، مثل الرافدين، بغداد، الشرقية، التغيير، إضافة إلى قنوات أسست لتوجيه الحراك في محاولة استباقية لخطفه وتوظيفه لغايات شخصانية مثل قناة الفلوجة وسامراء. دعك من القنوات الخارجية كالجزيرة والعربية. وكان التزييف يجري على صورة مقرفة تثبت ضياع الأمانة، وضعف الشعور بمسؤولية الكلمة، وتعبر عن التصاق مقيت بالفئوية والحزبية. وتفقد الثقة بالقائمين عليها! ولا يعني ذلك أنه لم يكن في الجمهور من رفع الشعارات الوطنية قناعة ومبادرة، إنما عنيت السعي المجهد للتزييف بمحاولة إسكات الصوت السني وتغييبه وتوجيه الكاميرا بعيداً عنه، وتصوير الحراك بأنه حراك العراقيين جميعاً. ولو كانت القنوات أمينة في نقل الواقع كما هو لما اعترضنا على شيء.

وسبحان الذي جعل تلك القنوات اليوم تنقل حفل اعتصام الرمادي بمناسبة الذكرى السنوية رغم أن كلمات الخطباء مفعمة بالحديث عن السنة وأهل السنة!

5. التخبط كان هو السمة المميزة للحراك، ثم صار يصحو شيئاً فشيئاً. وهذا ناتج طبيعي لوضع غير طبيعي. وأول ذلك فقدان القيادة الموحدة، وضياع الهدف، وتشتيت الأنظار بمطالب كثيرة يصعب حصرها في الذهن دون تلخيصها بعبارة مختصرة. وشعار (الأخوية): “إخوان سنة وشيعة” يغرد به الواهمون خارج الواقع. ولوثة مدح مجرمي الشيعة وأولهم مقتدى الصدر عادت إلى رؤوس (الوطنيين) من جديد في مؤشر على أن هؤلاء لا شفاء لهم من هذا الداء. وصارت منصات الاعتصام تستقبل عتاة المجرمين من أمثال حاكم الزاملي حامل راية القتل الطائفي في وزارة الصحة. والمنافقين من أمثال الخالصية وبعض المهوسين: أفراداً ومجموعات، من العشائريين.

ومن شواهد التخبط إضافة إلى ما سبق: إعلانهم عن ترك المطالبة بحقوقهم في إحدى الجمع التي أسموها (جمعة حرق المطالب) ثم تراجعوا عن قرارهم هذا بعد ذلك؛ في مؤشر واضح على فقدانهم لخريطة للطريق، وعدم وجود خطة تحدد فيها الخطوة اللاحقة فيما إذا رفضت الخطوة السابقة أو لم تجد شيئاً، وتضع أكثر من خيار للتحرك.

وبقي سؤال: “ما العمل في حال رفض الحكومة تنفيذ مطالب المعتصمين؟” معلقاً دون جواب إلى اليوم!

ومن ذلك إعلان جمعة (قادمون يا بغداد)، ثم تراجعهم عن هذا الهدف الذي جاء في غير أوانه. وكان الأولى أن يقولوا (قادمون يا محافظ)! ومبنى المحافظة أقرب.

6. حاول الوطنيون، ومنهم هيئة علماء المسلمين، أن يزيفوا الحراك أكثر فادعوا أنه استمرار لمظاهرات 25 شباط 2011 الخائبة. ثم ادعوا أن الحراك عراقي لا يقتصر على السنة فقط. كانت الدعوى أكبر من أن تستر فكانوا يرقعونها بمجيء بعض منافقي الشيعة إلى ساحات الاعتصام، والذين كانوا يركزون على أمرين سعياً منهم لامتصاص موجة الحراك وتفريغه من مضمونه: الأول: رفع شعار “لا للطائفية.. إخوان سنة وشيعة” موهمين السنة أن السنية تعني الطائفية؛ خوفاً من إحياء الهوية السنية. والثاني رفع شعار: “لا للفدرالية لا للتقسيم”؛ خوفاً من إنشاء إقليم سني. وقد تواطأ كل من جاء من الشيعة إلى الاعتصام على هذين الأمرين؛ ما يدل على أن (المرضعة) واحدة!

استمر الوطنيون في محاولاتهم اليائسة اليابسة فجربوا استثارة حمية (إخوانهم الشيعة)، وأرسل بعضهم رسائل نخوة من (أحفاد ضاري إلى أحفاد شعلان)، ولكن تبين أن أحفاد شعلان بلا آذان!

ومن رُقاعات الوطنيين ورَقاعتهم دعواهم الصفيقة بأن الشيعة يأتون إلى الساحات متخفين، وذلك ستراً على سوءة عدم تظاهر الشيعة في محافظاتهم تضامناً مع السنة، واقتصار الاعتصام على المحافظات السنية. وقد وصلوا إلى حال مزرية من التوسل، والمغالطات، والتناقض، والتزييف، والتزوير، والانتقائية، والتضخيم، والتحجيم، في دلالة واضحة على الصنمية وعبادة الذات، ومناحرة موج الحقائق، حتى وصلت إلى قناعة أن الأمر أوسع من تفسيره بالصنمية والذاتية، وأن قسماً كبيراً من هؤلاء يعملون لأجندات خارجية مدفوعة الثمن.

5. عند انطلاقة الحراك كان الجميع يحسب له حسابه: فازدحمت على أعتابه أفواج السياسيين يخطبون وده، ويتزلفون إليه، ويعلنون الولاء له، وأنهم لن يقطعوا أمراً دونه. حتى إن أحد المحافظين ركبته لوثة عروبة وتدين فخلع البنطال ولبس العقال وأدى الأذان من منصة الاعتصام، وأحد الوزراء التاث أكثر فصلى بالمعتصمين صلاة الجمعة! ومنهم من حضر فتناوله الحاضرون بالحجارة والنعال! وكذلك فعل رؤساء العشائر ووجهاؤها. ونصبت كل عشيرة خيمة لها في ساحة الاعتصام، وفعل الشيء نفسه ممثلو الهيئات والأحزاب. ثم شيئاً فشيئاً انفضوا عنه وتركوه قائماً. وهكذا بعد مدة ليست بالطويلة طوى كل واحد منهم خيمته وعاد أدراجه.

وكان يمكن في تلك الفترة أن يستثمر الحراك فيما هو أجدى وأثمر. لكن الجميع كان مشغولاً بزخرفة الكلام عن مطالب المقام، وبدفق العواطف عن دقة المواقف، وبحماسة الخطاب عن رؤية الصواب، وما زالوا يفعلون!

فإلامَ هم سائرون؟ وماذا غداً قائلون؟

السبت

28/12/13

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى