مقالات

رسالة مفتوحة إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

د. طه حامد الدليمي

تلقيت من الشيخ الفاضل أ.د علي القرداغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 6/3/2014 دعوة لحضور “اجتماع كبير وموسع لعلماء العراق في الداخل والخارج” باسم (مؤتمر علماء العراق)، وذلك في (أربيل) عاصمة إقليم كردستان. وجاء في بطاقة الدعوة أن الغرض من المؤتمر “الأمل بأن يكون فاتحة خير لرأب الصدع، وتوحيد الصف، وحقن الدم العراقي، وحفظ العرض الذي ينتهك، والثروات التي تهدر. ودعوة العلماء: عرباً وكرداً، وتركمان كي ينهضوا نهضة رجل واحد، ويقفوا صفاً كالبنيان المرصوص، ليخرجوا الأمة من محنتها، وإرشادها إلى جادة الصواب وبر الأمان”. وكان من المزمع عقده في بداية الشهر الحالي، ثم تأجل موعد انعقاده إلى موعد آخر.

بهذه المناسبة أود أن أقول؛ أداء لواجب النصيحة:

شكراً لك فضيلة الشيخ المحترم علي القرداغي، وأثمن دعوتكم الكريمة. طامعاً في سعة صدركم أن أجد فيه فسحة لهذه الكلمات. ولأن الأمر الذي دعيت إليه مؤتمر معلن عنه؛ لذا جعلت كلامي معلناً لما أجد فيه من مصلحة عامة تُهِـم الجميع:

1. علمتنا التجربة أن المؤتمرات عاجزة عن تحقيق أي فائدة لها قيمتها في إنقاذ الناس من واقعهم الذي يعانون منه. وأنها مجرد اجتماعات وخطب وإعلام، ثم انصراف كلٍّ إلى وجهته. وقد حضرت بعضها، فقررت الإعراض عن حضور المؤتمرات؛ صيانة للوقت والجهد والعصب وثقة الناس. ومن أمثلتها البائسة مؤتمر مكة لحقن الدم العراقي في 20/10/2006، الذي لم يحقن قطرة دم واحدة، بل زاد نزيف الدم بعده، وكان من مفارقاته مقتل اثنين من شيوخ السنة كانوا ضمن المشاركين فيه (علي خضر الزند 2007 وعبد الجليل الفهداوي 2010)!

2. إن الهدف الموضوع لمؤتمركم الكريم غير واضح المعالم، أشبه بالخطابي الإنشائي منه بالعلمي المحدد. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية هو غير ممكن التحقيق؛ لأسباب عديدة منها:

أ. إن العلماء، لا سيما علماء الدين، ليسوا أصحاب قرار سياسي ولا إمكان مادي كي يتمكنوا من تنفيذ ولو واحد من هذه الأهداف العظيمة التي عجز عنها قادة وحكومات وجماعات: “رأب الصدع، وتوحيد الصف، وحقن الدم العراقي، وحفظ العرض الذي ينتهك، والثروات التي تهدر. ودعوة العلماء: عرباً وكرداً، وتركمان كي ينهضوا نهضة رجل واحد، ويقفوا صفاً كالبنيان المرصوص، ليخرجوا الأمة من محنتها، وإرشادها إلى جادة الصواب وبر الأمان”. فهم أعجز الناس عن ” إخراج الأمة من محنتها، وإرشادها إلى جادة الصواب وبر الأمان”. فكيف يمكن أن أقتنع بجدوى حضور مؤتمر يضع هذه الأهداف العظيمة على كاهل هذه الجهة العاجزة الضعيفة؟

ب. إن جمع العلماء وغيرهم وتوحيد صفهم لا يمكن أن يكون عن طريق مؤتمر أو اجتماع موسع وما شابه ذلك؛ فما بين العلماء أنفسهم من أسباب الخلاف، ودواعي الاختلاف، والشك والاتهام المتبادل، وتاريخ التناحر وذكرياته الأليمة ما يستحيل معه اجتماعهم أو “وقوفهم صفاً واحداً كالبنيان المرصوص”! ولا ما هو دون ذلك، ولا أثارة منه.

الشيخ الفاضل!

إن المتأمل في واقع علم (الاجتماع) وتاريخ البشر، يجد أن (القوى المتكافئة بطبيعتها متناحرة)؛ فهي لا تجتمع من داخلها قط، وليس ثمت شاهد تاريخي واحد على ذلك. وأن جمعها لا يكون إلا من خارجها، وبإحدى طرق ثلاث لا غير، وهي:

1. إما دولة وطنية تجمع تلك القوى بما تملكه من سلطة.

2. أو دولة خارجية راعية تمارس تأثيرها عليها بشتى الطرق، كما فعلت إيران – وتفعل – مع الفئات الشيعية.

وإذ نفتقر – نحن سنة العراق – للدولة الوطنية الجامعة، وللدولة الخارجية الراعية، لا يبقى أمامنا إلا طريقة واحدة وهي:

3. أن تنمو إحدى القوى الموجودة وتكبر حتى تضم بقية القوى بين جناحيها بالقوة، كما فعل القائد المظفر الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى. وذلك حسب المعادلة التالية: (النواة الصلبة –> البؤرة الجاذبة –> الكتلة الغالبة). وشرح هذه المعادلة له موضع آخر.

مجمل القول: إن المؤتمر المذكور – كما أرى – لن يكون أكثر من صوت إعلامي سيخبو بعد أيام دون أي نتيجة. فالتمسوا لي العذر عن حضوره. ورأيي أن محركاً كامناً في اللاوعي هو الذي يدفع لعقد هذه المؤتمرات وأمثالها، يتلخص في شعور ممض يقض المضجع بواجب التحرك لعمل شيء ما للإنقاذ. شيء يتناسب وعجز العلماء ويأسهم الجمعي والفردي عن التغيير. شيء يحفظ لوجوههم ماءها أمام الجمهور الذي يتساءل دوماً: أين العلماء؟! فلا بد من أن يكون ذلك الشيء ماثلاً أمام أعين الجمهور القلقة الحائرة المتسائلة؛ فلا يجد من وضع نفسه في موقع المسؤولية أفضل من مؤتمر علني يمنح عاقديه بعض الشعور الذاتي بالراحة، ويضع على ألسنتهم جواباً، مهما كان، عن ذلك التساؤل المزعج!

بيد أني أضيف إلى ذلك – إكراماً وتلبيةً جادة مسؤولة لدعوتكم الكريمة – استعدادي لحضور أي اجتماع جاد، بلا مؤتمر ولا ضجيج، يقتصر على حضرتكم وعلى أفراد قليلين لا يتعدون عدد أصابع اليد للبحث في الخطب الجلل الذي أصابنا نحن سنة العراق، وأصاب من جاورنا كذلك.وفقكم الله تعالى وسدد خطاكم.

الدكتور طه حامد الدليمي

الأمين العام لمؤسسة القادسية

21/4/2014

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى