مقالات

لو حزتم مقاعد البرلما .. كلها يا أهل السنة .. ؟

د طه حامد الدليمي

معرفة قيم الأشياء وأحجامها ضرورة لحسن التعامل معها. وأول هذه الأشياء ذات الإنسان نفسه: فرداً وجماعة، وما تحتوي عليه من طاقات وقدرات، وتحسنه من وظائف وخبرات. لهذا يقول عمر بن عبد العزيز: “رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه”.

يتنازع الواقع السني قطبان منفصلان عن بعضهما: أحدهما سياسي والآخر عسكري، كل منهما يدعي أن الإنقاذ يبدأ منه.

خاض السياسيون (السنة) المعمعة الانتخابية الأخيرة، كما في كل مرة، في ظل وعود ضخمة وشعارات براقة. وركز معظمهم على الوقوف بوجه حصول نوري المالكي على فترة ثالثة لرئاسة الوزراء. وقد بلغ التركيز حداً يخيل فيه للسامع أن الحل كله في إزاحة المالكي عن الرئاسة. وما زال هذا التوجه طاغياً إلى هذه اللحظة. قبل قليل شاهدت على إحدى القنوات المحسوبة على الطرف السني أحد أصحاب العناوين الدينية الكبيرة([1]) يقول: “كل من يوقّع للمالكي على منحه الولاية الثالثة خائن ويعامل من قبل الثوار معاملة المليشيات”. ويضيف: “نتعهد بدفع نواب السنة إلى البرلمان لانتخاب رئيس وزراء توافقي غير المالكي”. ولازم قوله أن المشكلة في شخص المالكي لا في المشروع الشيعي. ولهذا قال معها: “نؤيد مطلب السيد عمار الحكيم في انتخاب رئيس توافقي تجمع عليه كافة المكونات العراقية”. وتحصيل حاصل أن (الرئيس التوافقي) المفترض شيعي لا محالة. بل وجّه دعوة إلى “التحالف الوطني لتقديم رئيس وزراء يحظى بمقبولية أبناء الشعب”. والتحالف الوطني هو تحالف شيعي بحت. وقد قال سياسي علماني معروف قبل شهور قليلة([2]): لو تولى رئاسة الوزراء عادل عبد المهدي انحلت مشاكل العراق! وهو ما يبدو أن صاحب التوجه الديني يلمح إليه في تأييده لعمار الحكيم المرجع الديني والسياسي المباشر لعادل عبد المهدي.

رئيس وزراء سني بمؤسسات شيعية

لن أناقش احتمالية مجيء رئيس وزراء شيعي غير المالكي، ولا مدى منطقية الفكرة التي تقول بإمكانية وجود بديل شيعي معتدل يضمن حقوق السنة ويسعى جاهداً لإرجاعها لهم. وإنما سأفرض العكس تماماً ليرى القارئ مدى المتاهة الفكرية التي يهوّم فيها زعامات السنة: دينيهم وإسلاميهم وعلمانيهم، وكيف أنهم يسيرون من سيئ إلى أسوأ بسبب هذا التخلف الفكري المزمن. لنفترض أن رئيس الوزراء المقبل سني ومخلص! وأفترض أن مقاعد مجلس النواب الثلاثمئة والثلاثين (330) كلها للسنة!!!

ماذا يمكن لرئيس وزراء كهذا فعله من أجل إنقاذهم؟

أرأيتم شخصاً معلقاً في الهواء بلا قاعدة استناد يفحص برجليه؟ سيكون رئيس الوزراء السني المفترض حاله كحال هذا الشخص أو الشاخص! لسبب واضح وبسيط هو أن مؤسسات الدولة جميعاً: الوزارات فما دون وبكل تفرعاتها إما شيعية خالصة أو يغلب عليها الشيعة. فماذا يستطيع أن يفعله أي سني مهما علا منصبه في وسط محيط مشبع بالشيعة؟ بتعبير آخر سيكون زمام مؤسسات الدولة جميعاً مدنيها وعسكريها وأمنيها خارج نطاق سيطرته وتحكمه.

ماذا يمكن أن يفعل وزير دفاع سني يجد 95٪ من موظفي وزارته شيعة بمن فيهم القيادات العليا والضباط الكبار والصغار فضلاً عمن دونهم من المراتب؟

وماذا يمكن أن يفعله وزير نفط أو  وزير إعلام سني يواجه الظاهرة نفسها؟ واطرد القاعدة عينها على بقية الوزراء. ماذا سيغير رئيس الوزراء هذا من واقع السوق والتجارة ورأس المال والمنظمات الحكومية والمدنية، التي صارت مفاتيحها بيد الشيعة؟

هل فعل وزير التعليم العالي عبد ذياب العجيلي شيئاً؟ أو محمد تميم وزير التربية؟ أو عبد الكريم السامرائي وزير التعلوم والتكنولوجيا؟ أو وزير الزراعة ووزير الاقتصاد؟ أو حتى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي؟ لا شيء فعلوه يمكن أن يوازن المعادلة أو يغير من اتجاه البوصلة! لا لأنهم لا يحبون قومهم، ولا لأنهم لا يريدون فعل شيء كبير من أجل الإنقاذ أو لم يحاولوا فعله. كلا. بل الراجح أنهم حاولوا ولم يستطيعوا. ولقد وقف نائب الرئيس عند أقفاص المعتقلين وبكى ووعد. ولم يف بما وعد. مشكلة هؤلاء إضافة إلى ذلك أن السياسة أفسدتهم فصار الاستمرار بالمنصب حاجة نفسية وذاتية، وفي الوقت نفسه غاية عليا يسعون إليها بكل ما توفر لهم من وسيلة وجهد.

 

إنقاذ ما أمكن

عندما دعونا للمشاركة في التصويت في انتخابات 2010 قلنا بكل وضوح: إن المقصود من المشاركة هو تقليل الضرر عن أهل السنة ، وإنقاذ ما أمكن إنقاذه من حقوقهم لا أكثر؛ لأن هذا هو كل ما عند السنة في واقع الأمر. ولو كان للسنة كيان قائم لما أجزنا لهم ذلك. إن ما ندعو إليه إنما هو من باب (أكل الميتة للمضطر). أما المحرمون للانتخاب فيفترضون حالة مثالية غير موجودة، وليس عندهم من مشروع بديل. فيكون مثلهم كمثل الذي يقول للمضطر: لا تأكل الميتة وانتظر حتى يأتيك الطعام الحلال الطيب. ولا طعام! فنحن لا نختلف في الحرمة من حيث الأصل، وإنما في تنزيل الحكم الشرعي على واقعه من حيث الفعل.

أما الذين يقولون بخلاص السنة عن طريق العمل السياسي والانتخاب دون أن يكون لهم مشروع خارج السفينة فهم واهمون. هذا رأينا ورؤيتنا منذ البداية.

إن ضعف رؤية الواقع كما هو، وعدم إدراك حجم القوة الذاتية، والإعراض عن حساب ما يمكن تحقيقه بتلك القوة ضمن ذلك الواقع هو الذي أوقع السنة في ورطة مطالب الحراك الأربعة عشر الحالمة التي ما زالوا يترددون في ريبها حتى اللحظة. والمشكلة أن زعامات المعركة صارت ترددها جاعلة إياها الأهداف التي تنتهي عندها الحرب القائمة. وهو الذي يجعل رجلاً مثل (المفتي) يقول اليوم: “لا تأييد لرئيس الوزراء المقبل ما لم يتعهد بضمان تلبية مطالب المحافظات المنتفضة”. ولو تركنا كل شيء وسألناه: ما صيغة التعهد؟ وما الضمان؟ لن نجد لديه من جواب؛ فليس مثل الشيعة ثم اليهود قوم لا يلتزمون بعهد ولا ميثاق!

 

ازرع الشجرة تكسب الثمرة مجاناً

إن العمل السياسي، ما لم يستند إلى (مشروع مدني) أي شعب أو جمهور منظم ثابت، منبثق عن عمل اجتماعي يلبي حاجاته، يلتف حول قياداته، ويعبر عن نفسه ووجوده وقوته بمؤسسات مدنية وعسكرية مؤثرة فاعلة: عمل ضائع. وكذلك الجهد العسكري.

الشعب المنظم هو مصدر قوة السياسة والعسكر. ودون الاستناد إلى هذا المصدر والابتداء به قبل أي شيء ومع كل شيء، فإن المحاولات جميعاً ستبوء بالفشل في نهاية المطاف، وإن كانت ستؤخر موات واضمحلال الوجود السني.

إن السياسي الذي لا يعطي من تفكيره للشعب سوى الشهر الأخير قبل الانتخاب، ولا يساوي الناخب لديه أكثر من عشرة دولارات يعطيها إياه قبل دخول المركز الانتخابي ويقسمه على المصحف أن ينتخبه دون سواه: لن يجد قوة تسنده أو تحميه سوى العمالة شاء أم أبى. وكذلك العسكري الذي ينتصر بفعل قوته العسكرية لن يجد جمهوراً واعياً معبأً منظماً يحمي ظهره ويقف معه ضد أعدائه في الداخل والخارج، وسيكون الطغيان والاستبداد هو المعادلة التي تحكم علاقته بجمهوره وشعبه. وهو آيل إلى (العمالة) أيضاً شاء أم أبى، عاجلاً أم آجلاً.

إن مثل السياسي أو العسكري الذي يستخدم الجمهور في الوصول إلى غاياته دون إعداده للاعتماد عليه بعد الله كمثل الذي يشتري الثمرة أو يريد حيازتها بأي طريق، ولا يهتم بزراعة الشجرة التي تنتج له الثمرة مجاناً وبلا حساب.

31/5/2014

_______________________________________________________________________________

[1]– الشيخ رافع الرفاعي، مفتي الديار العراقية.

[2]–  ناجح الميزان السامرائي على قناة الجزيرة في برنامج (الاتجاه المعاكس) في 21/1/2014.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى