مقالات

الواطي كلما كبر صغر

سليم الجبوري ومجزرة جامع مصعب بن عمير في ديالى

د. طه حامد الدليمي

(الواطي) في اللغة الدارجة عند أهلنا في الخليج تعني الشخص الوضيع الذي يقبل الإذلال والوطء. وأصل اللفظ من (الواطئ) بتليين الهمزة. والواطئ وإن كان من الألفاظ التي تطلق على الفاعل والمفعول، فهي هنا بمعنى مفعول. أي واطئ بمعنى موطوء. ففي (لسان العرب) لابن منظور: الواطِئَةُ سُقاطةُ التمر تقع فتُوطَأُ بالأَقْدام، فهي فاعِلةٌ بمعنى مَفْعُولةٍ. وقيل: هي من الوَطايا جمع وَطِيئةِ… سُمِّيت بذلك لأَنَّ صاحِبَها وطَّأَها لأَهله أَي ذَلَّلَها ومَهَّدها.إ.هـ. و(الوَطاءة) حالة الواطيء أو الواطي. قال ابن منظور في (لسان العرب): رَجُلٌ وَطِيءٌ ودابَّةٌ وَطِيئةٌ بَيِّنة الوَطاءة… وأَمـَّا أَهل اللغة، فقالوا: وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَّأَة والطِّئَةِ. وقال ابن الأَعرابي: دابَّةٌ وَطِيءٌ بَيِّنُ الطَّأَةِ، بالفتح، ونَعُوذُ باللّه من طِئةِ الذليل. إ.هـ.

لم أجد كـ(الواطي) لفظاً يصلح وصفاً لرئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري وأنا أستمع إليه يوم أمس على شاشة قناة الـ(BBC) عندما سأله المذيع وعيناه تبسمان بمعان لا تخفى سؤالين في معرض الكلام عن مجزرة جامع مصعب بن عمير في ديالى يوم الجمعة الماضي 22/8/2014 وراح ضحيتها قرابة مئة من المصلين بينهم نساء وأطفال. وإليكما السؤالين مع جوابهما (والعبارات منقولة بالمعنى من الذاكرة لا بالنص):

  • ما رأيك بإقامة إقاليم سني في العراق؟
  • إذا كان المقصود بالإقليم اجتماع المحافظات السنية في إقليم سني فهذا إقليم طائفي أرفضه. ولا بأس بتحويل محافظة إلى إقليم.
  • توجد في العراق اليوم مليشيات تمارس القتل علناً؟
  • من حق رئيس الوزراء أن يستخدم أي جهة مسلحة لقتال الإرهابيين. لكن حصلت أخطاء في أداء المليشيات أدت إلى إرباك.

ودعا سليم إلى حصر السلاح بيد الحكومة. يعني – تحصيل حاصل – بيد الشيعة!

وسليم الجبوري مرشح (الحزب الإسلامي العراقي) لمنصب رئاسة مجلس النواب. وهو من أهل ديالى التي وقعت فيها المجزرة الأخيرة، إضافة إلى مجازر أُخرى كثيرة كمجزرة مسجد سارية ومجزرة بهرز، في سلسلة من المجازر والنكبات طوال الإحدى عشرة سنة الماضية. وأنا أعرف ضعفه ومداهنته للشيعة ولا أعول عليه ولا على أمثاله من (الواطين)، لكن أن تبلغ (الوطاءة) إلى هذه الدرجة بحيث يبرر لقتلة مجرمين لم تشهد الأرض مثل إجرامهم ما يفعلونه بأهله وفي (ديرته)، فهذا ما كنت أستبعده على رجل يطأ بجبهته الأرض في الصلاة، ويؤمن بيوم يقوم فيه الناس لرب العالمين! لاسيما وهو ينتمي إلى جماعة إسلامية جعلت من (تحكيم الشريعة) الهدف الذي قامت عليه!

ويستقبل قائد الجريمة قيس الخزعلي ..!

وبينما أنا أكتب هذه الحروف فاجأني أحدهم بأن سليم هذا استضاف في مكتبه يوم الثلاثاء 19/8/2014 رأس الإجرام قيس الخر علي وقائد أكبر مليشيا وأخطرها وهي مليشيا (عصائب أهل الحق)! التي يفتك جنودها علناً وبلا أدنى مواربة ويرتكبون المجازر تلو المجازر بحق أهل السنة، ويأتون من جرائم الخطف والتعذيب والتمثيل والتهجير والتفجير والاغتصاب ما علمه القاصي قبل الداني! إجرام علني سافر، في حملة مكشوفة لإبادة السنة تمتد من ديالى إلى طرابلس وتصل أطرافها إلى اليمن والبحرين. وجاء في ذيل الخبر أن “الجانبين بحثا الجانب الأمني وكيفية القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في البلاد”. نعوذ بالله من طئة الذليل! ولا أظن ابن منظور كان يتخيل طئة مثل طئة سليم حينما قال تلك العبارة متعوذاً منها!

وكان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم قد استقبله قبل يومين من ذلك!

ماذا يعني استقبال رئيس الجمهورية، أي صاحب أكبر منصب شرفي في الدولة، واستقبال رئيس مجلس النواب، أي صاحب أكبر سلطة في الدولة، لرئيس أكبر مليشيا إجرامية في الدولة؟! أغير تشريع الإجرام؟ ومنح الضوء الأخضر للمجرم أن اطمئن. أنت في المسار الصحيح فافعل ما تشاء.. اقتل، عذب، هجّر، فجر، انهب، اسلب، اغتصب بشرط أن لا تكون الضحية من غير السنة العرب!

أرأيتم كيف تكون الاستهانة بالسنة العرب؟ ثم يسألون: ما أسباب التطرف؟ ولم يتطرف المتطرفون؟

من مشاهد المجزرة

انظروا ما فعل كلاب الخزعلي بمصلي جامع مصعب بن عمير الذي يستقبله رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية برواية أحد الناجين منها وهو أحمد الويسي الذي ارتمى والده عليه وغطاه بجسده فصد عنه وابل الرصاص سوى ثلاث في ساقه وأسفل بطنه. فنجى الولد ومات الوالد! يروي الويسي تفاصيل الحدث فيقول: كنا في المسجد والخطيب على المنبر يستعد للنزول لأداء الصلاة، وكان الجامع يغص بالمصلّين عندما دخل نحو عشرة مسلحين يرتدون ملابس رياضية وبعضهم ملابس عسكرية مثل تلك التي يرتديها الجيش العراقي، وأغلقوا باب الجامع علينا، وتوقّعنا لوهلة أنهم سيفتشون الجامع كما يفعلون كل مرة عند دخولنا للصلاة لكنهم قتلوا الخطيب ثم أداروا بنادقهم نحونا وهم يردّدون عبارات طائفية بشعة. ظل المسلحون يطلقون النار أقل من دقيقة، وسقط الجميع بين قتيل وجريح. وكنت أسمع حشرجة صوت أبي وهو ينزف من صدره على وجهي. وكان آخر ما قاله لي: “سوِّ نفسك ميت ابني”، ثم سكت عندها. لم احاول تحريكه حتى لا يعرفوا أني حي، لكنهم عادوا مرة أخرى يدوسون على الجثث، شعرت بذلك دون أن أفتح عيني، وأطلقوا النار على عدد من المصلين. ثم غادروا الجامع وهم يطلقون النار. وهذا آخر ما أتذكره. فقدت الوعي ولم أشعر إلا وأنا في المستشفى. وغادر المجرمون موقع الحادث دون أن يعترضهم أحد، وكانت أقرب نقطة تفتيش لا تبعد مئتي متر عن الجامع وكان صوت الرصاص يدوي في كل القرية فكيف لم يسمع الجنود ما حدث؟!

كل التقارير تقول: إن عناصر ميليشيا “عصائب أهل الحق” التي يتزعمها قيس الخزعلي هي التي ارتكبت الجريمة. وتبين الصور عناصر المليشيا، وهم يضعون الأشرطة الخضراء الخاصة بالعصائب على رؤوسهم ويرتدون أزياء مختلفة، إضافة الى وجود سيارة إسعاف عسكرية تقف قرب باب الجامع الأمامي مع ثلاثة جنود، كما يتواجد مسلحون يرتدون الزي الأسود والمرقط عند الجدار والباب الخلفي للجامع في صورة أخرى.

كما ارتكب المجرمون أنفسهم في اليوم نفسه جريمة أخرى في المنزل المجاور للجامع وهو منزل الحاج حسن القيسي، إذ أبادوا جميع أفراده أسرته المكونة من خمسة عشر فرداً بينهم ثلاثة أطفال وامرأتان.

أما عصائب أهل الباطل فلله جنود في الأرض يتكفلون بعلاج نعرة الشيطان التي سكنت أمخاخهم. وأما سليم فلأنه (واطي) في نفسه، وصغير في ذاته صغراً لا يتناسب مع منصبه؛ فهو يصغر في فعله أكثر كلما كبر في منصبه أكثر كي يحافظ على ذلك المنصب الذي لم يتخيل نفسه يوماً يقرب من أعتابه. [ولقد كان (أبو عداي) رحمه الله الدواء الناجع لهؤلاء الوضعاء والواطين والمخصيين يوم حرمهم من العمل وطاردهم في طول البلاد وعرضها وخنق أنفاسهم وألجم أفواههم. ولقد كنا نراه ظالماً لهم يوم فعل بهم ما فعل. لكن تبين لنا أن هذا هو قدرهم واستحقاقهم]. وكلامي موجه إلى (الحزب الإسلامي) وإلى (الإخوان المسلمين) في العراق أن يتبرأوا مما فعل سليم، ويعتذروا لأهل السنة من فعله الواطي الوضيع. فإن فعلوا أعدت كتابة مقالي حاذفاً منه العبارة الأخيرة مع الاعتذار. وإلا فليس للواطين الصغار سوى الخزي والعار.

الإثنين

25/8/2014

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى