مقالات

بَوح القضية ( 1 ) جيل جديد

د. طه حامد الدليمي 

شكرا لك أخي (يوسف) على كلماتك الطيبة.

أؤيدك في عامة ما ذهبت إليه في رسالتك، ومنه قولك بعدم الاستغراق في تمجيد التاريخ، ولا إهماله أو التهوين منه. الفارغة أيديهم من عطاء الحاضر يلجأون إلى أفواههم في تضخيم الماضي. والمقصرة مساحيهم في أرض الأسباب يطيلون من الحرث في سماء الأقدار. والسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، كما قال الفاروق في أمثالهم؛ (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (الكهف:54).

لكن اسمح لي بالتوقف هنا لأعلق ببضع أو بعض كلمات:

  • نحن جيل جديد تجاوزنا أولوية الصراع بين القوميين والإسلاميين.

ونرى أن الزمن تجاوز كلا الطرفين.

وعلينا أن نواكب الزمن الذي انفرج عنه تحول عامة الإسلاميين إلى علمانيين.  الجماعة يعتاشون على أمجاد أيام التأسيس ورموزه، كما يعتاش الشيعي على الانتساب إلى علي بن أبي طالب t، واليهودي إلى موسى u والنصراني إلى عيسى u.

لا ننكر أن ثمت صراعاً بين الفريقين لكن…

  1. أسباب الصراع بينهما أمست تاريخية حزبية أكثر منها عقائدية فكرية منهجية.
  2. ليست الأولوية لهذا الصراع اليوم.
  • جيل جديد يفرق – من حيث التحدي الأكبر وهوية الصراع – بين المشرق العربي (العراق والخليج واليمن والشام) والمغرب العربي (مصر والسودان ودول المغرب، ويضاف إليها فلسطين). التحدي الأول لدول المشرق هو الشيعة وإيران، والهوية سنية. بينما التحدي الأول لدول المغرب هو الغرب والكيان الإسرائيلي، والهوية إسلامية (الإسلامية نسبة إلى الإسلام، والمنسوب غير المنسوب إليه).
  • جيل جديد يرى أن هوية الصراع المشرقي هي هوية سنية (تشتبك مع جذورها الإسلامية والعروبية) في مقابل الهوية الشيعية (المشتبكة مع جذورها المجوسية الفارسية)؛ لذا فإن فكرتنا وهويتنا (سنية) تضم بين جناحيها (الإسلامية ونسميها الربانية، والقومية ونسميها العروبية؛ لأننا لسنا قوميين بالمعنى الذي يرمي إليه القوميون). أما الصراع العلماني الإسلامي فيغض الطرف عن كل هذا. ويشغل المشرق بهموم المغرب دون مراعاة التوازن؛ لهذا تفرقت الأمة. فليس هو الصراع الحقيقي (إذا كان المقصود بالحقيقي الأخطر الذي ينبغي أن يكون هو محور الاهتمام)؛ فالانشغال بالصراع القديم مضيعة للوقت والجهد، ويضر كثيراً بالقضية. علماً أن معظم الإسلاميين والقوميين والليبراليين اليوم انضموا تحت الجناح الإيراني. أي تحولوا إلى وقود للمشروع الإيراني والشيعي. وهذا سر حرصهم على إبعاد الهوية السنية عن الصراع واتهامهم لها بالطائفية؛ فهذا ما تريده إيران كي تتغلغل في المنطقة، (والجماعة برسم الخدمة).
  • جيل جديد يرى أن هوية الأمة بمشرقها ومغربها هوية سنية. وعلى هذه الهوية ينبغي أن يؤسس فكرها وتكون قضيتها ويبنى مشروعها. قد تقول: إن في هذا غمطاً لدول المغرب وفلسطين. وأجيبك – عزيزي يوسف! – فأقول: إن العدو الغربي والشرقي متخادم ومتحالف ضدنا. فلا يمكن أن يتغلب المغرب العربي على العدو الغربي إلا بهزيمة العدو الشرقي. وأما فلسطين فلا يمكن تحريرها من داخلها. وكيف تحرر وأبناء المشرق العربي مشغولون بمجابهة العدو الشرقي؟ هذا مستحيل. انتصار القضية في جزئها المشرقي أولاً شرط في تحرير فلسطين وانتصار المغربيين. فالهوية السنية هي الأصل وهي المحور وهي الجامع. وعندما ضيعت حصل الضعف والتفرق والتشرذم.

السنية هوية وقضية الحاضر والمستقبل.

  • جيل جديد يرى وجوب إعادة كتابة التاريخ طبقاً للهوية والقضية المحورية للصراع. فإذا أدركت هذا أدركت معه أن كلامي موضوعي فكري يصب في صميم التغيير والتجديد والإصلاح. ولو تكرمت فتتبعت كتاباتي في التاريخ تكون قد أحطت بما أرمي إليه؛ فثقافتنا السنية بنيت على تاريخ كتبته أقلام السنة لكن بأفواه الشيعة. وهذه الثقافة تفتقر إلى المناعة ضد الاجتياح الشيعي ومن ورائه الإيراني.

الثقافة المغربية تعاني من علتين:

  1. ثقافة غائبة عن أصل الصراع ومحوره.
  2. ثقافة ملتاثة بالتشيع منذ العهد الفاطمي. ولا تحس بخطره لبعدها الجغرافي عن إيران.

المشكلة أن مصر بثقلها صدرت ثقافتها إلى دول المشرق فصرفتها – دون قصد – عن محور القضية وأساس الخطر. وهذا هو علة العلل في معاناتنا. هل يمكن أن تخبرني لماذا دولة الإمارات – مثلاً – تختلف نوعاً ما عن بقية دول الخليج في تعاملها مع الخطر الشيعي؟ أنا أجيبك: لدور المغاربة في تأسيس الدولة. وهم الذين نقلوا إليها المذهب المالكي والتصوف. على العكس من قطر – مثلاً – التي تتنازعها الثقافة الإخوانية والسلفية. (أنا أفسر الظواهر فقط).

لهذا نرى – كجيل جديد – وجوب إعادة كتابة التاريخ طبقاً لهوية الصراع الحقيقية في المشرق العربي. ولا علاقة لكلامي بفتح جبهة أو غلقها. أو شخص معين أو سواه.

شكري لأخي يوسف.. تحياتي.. دعواتي.

25/3/2015

ملاحظة/

حولت الرسالة إلى مقال بتاريخ 23/8/2015

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى