مقالات

الفلوجة هذه المعركة الكاشفة

د. طه حامد الدليمي

بعد حصار خانق مزدوج استمر عدة شهور، أعلن الشيعة قبل خمسة أيام، أي في 23/5/2016 على لسان رئيس وزرائهم حيدر العبادي عن بدء هجومهم لاحتلال الفلوجة. يساندهم طيران التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وإيران بقيادة الجنرال قاسم سليماني.

يوم أمس دخلوا مركز مدينة (الگرمة) وفجروا الجامع الكبير وغيره من الجوامع وقتلوا السكان، ذبحوا بعضهم بالسكين وقطعوا رؤوسهم ومثلوا بها، وأحرقوا دوائر رسمية وبيوتاً ونهبوا محتوياتها! لا تكاد تصدق العين منظر الذل والضياع الذي ينضح من نزوح بعض أهالي الفلوجة، وكلهم نساء وأطفال، ليس فيهم رجال.. منهن من يبكين ومنهن من يظهرن البشر ويطلقن الزغاريد فرحاً بالخلاص من حصار تنظيم الدولة/ داعش.

وإذا كانت معركة سوريا بجميع صفحاتها هي (الفاضحة) فضحت أموراً كثيرة، فإن معركة الفلوجة القائمة اليوم، هي (الكاشفة)، كشفت عن أمور كثيرة أيضاً.

 

الهوية

كشفت المعركة التي تشن اليوم على الفلوجة عن أن الهوية الكبرى للمعركة بعيداً عن النتوءات والتفاصيل، هوية شيعية بحتة، يريد أصحابها استئصال السنة بحجة أضحت مكشوفة أيضاً وهي قتال (داعش). نعم ليس بمستبعد أن يكون كبار قيادات (داعش) داخلين في اللعبة، وهناك إشارات على هذا. وقد بات في حكم المؤكد أن النتيجة النهائية لما تفعله (داعش، أو تنظيم الدولة) تدمير مناطق السنة بما فيها ومن فيها. لكن هذا كله حجة ومقدمة لما تخفي وراءها من إبادة أهل السنة وإحلال الشيعة محلهم.

 

تخلف الفكر الوطني

لقد انكشف العجز التام للفكر الوطني بأجنحته الثلاثة (القومي والإسلامي والليبرالي) عن وضع معادلة واقعية للتعايش مع الشيعة، خارج نطاق التنظيرات الحالمة. وأن مبدأ المواطنة لا يصلح أساساً للسلم الاجتماعي في أي بلد فيه نسبة مؤثرة من الشيعة. الشيعة لهم وضع اجتماعي خاص يستعصي على الاندماج أو التداخل الإيجابي أو حتى التلامس في أي مجتمع يتواجدون فيه، وأنهم حالة بين حالتين:

1. الضعف فيظهرون نعومة مزعومة.

2. القوة فيظهرون عداوة بلا رحمة.

 

تفريط العرب بجمجمة العرب

كشفت المعركة عن تواري الوجود العربي عن أهم وأخطر ساحة تتعلق بالأمن العربي على الإطلاق، وتخليهم التام عن سنة العراق!!

المعركة الدائرة على رؤوس سنة العراق اليوم لا يقدم فيها العالم حلاً ولا خياراً للسنة سوى اللجوء إلى (داعش) أو الرضا بحكم (ماعش)! فهل هي مؤامرة عالمية غايتها القضاء على سنة العراق والمنطقة؟ في الوقت الذي عجز العرب فيه عن وضع معادلة متوازنة للخلاص من الطرفين.

إن هذا يعقد المشكلة ولا يحلها. ويشير إلى أن الدور القادم للمؤامرة سيكون على السنة في بلدان العرب أجمعين، وأولهم دول الخليج؛ فالشيعة (يتنزهون) اليوم جنوب المملكة السعودية وشمالها، وشمال الكويت وشرقها. وإذا كان هدفهم القريب بغداد وقد وصلوه، فإن هدفهم الأخير مكة وهم في الطريق إليه، وقد يصلونه لا سمح الله.

ليس هذا تحليلاً أو ظناً فتصريحات وشعارات الشيعة، بمن فيهم المسؤولون الإيرانيون، مكشوفة لمن يريد ومن لا يريد: بالصوت والصورة. وقد وصفوا غزو الفلوجة بأنه ثأر لنمر باقر النمر، الذي وضعوا صورته على مدرعاتهم وراجمات الصواريخ التي تدك الفلوجة.

 

الإخوان والحزب الإسلامي

أدركنا منذ زمن ليس بالقصير دخول (جماعة الإخوان) وجناحهم السياسي (الحزب الإسلامي) في اللعبة الدولية، حتى وإن كان نتيجتها ضد السنة وهم لا يريدون ذلك، وأن مصلحة أهل السنة إذا تعارضت مع مصلحة الجماعة فالتضحية تكون بمصلحة أهل السنة دون تردد. وهذا أمر ظللت طويلاً أقف منه موقف المستغرب المتشكك؛ لأن عقلي وإيماني لا يستوعب هذا الانقلاب، وكنت أدافع عنهم حتى لم يعد ما يمكن الدفاع به عنهم. وحتى بتّ أميل إلى أنه ليس من انقلاب حصل، وإنما هو سير على خط قديم، لكن لكل زمان لبوس ولسان.

آخر ما شكف عنه القوم من جديد تأييد (المجمع الفقهي) الإخواني للهجوم الشيعي على الفلوجة تحت ستار الحجة نفسها. والأغرب مشاركة المعممين منه ومن غيره وظهورهم بزيهم الديني مع الحشد الشيعي! إضافة إلى سكوت الإخوان الآخرين عن هذا (التحول) الأخير!

 

بقية الفئات السنية

تقف المقاومة التي أركعت المحتل الغربي، وحزب البعث وبقية الفئات والممثليات التي امتلكت وتمتلك القدرة والدعم الخارجي بنسبة أو بأخرى مثل هيئة علماء المسلمين وائتلاف القوى السنية العراقية وغيرها.. يقف هؤلاء جميعاً عاجزين يتفرجون على ما يجري، ليس في يدهم سوى الأقوال والتنديد، وترديد معظمهم، إن لم يكن جميعهم، شعارات الوحدة الوطنية، والعراق الجامع رغم أن الشيعة لم يتركوا لهم جامعاً تصل إليه أيديهم إلا وهدموه، ولا جامعة إلا وخربوها.

بعض هذه الأطراف تلقي بأسباب فشلها على السياسيين وفشلهم في تحقيق أهدافهم التي أعلنوا عنها. ويتغاضون عن فشلهم هم أيضاً لا في تحقيق أهدافهم، وإنما في الحفاظ على أقل ما يجب الحفاظ عليه، وليس تحقيقه، وهو الوجود السني على الأرض مجرد وجود!

الحقيقة أن سر الفشل الذي يعاني منه هؤلاء جميعاً – وفيهم مخلصون صادقون – هو غياب المشروع بأسسه ومكوناته العلمية الحقيقية عن أذهانهم وواقع حالهم.

 

ما لم تكشف عنه المعركة بوضوح

من وسط غبار المآسي، ومن بين ركام القرون، تتجلى جبهة مشرقة، وينهض جيل جديد من شباب لم تلوثهم حاكمية الأحزاب المُقْعِدة، ولا قيود الأفكار المُخْلِدة. ولا تستهويهم رموز هم – في حقيقتهم – عبارة عن نسخ متكررة لآيقونات ماضوية عاجزة. جيل انبثق من هذا الواقع الأليم، وعلى رأسه تكسرت كل تجارب المحاولين. فأيس من الخلاص على يد التطرف والتمزيق القاعدي، ويد التميع والترقيع الوطني، بكل تفرعاتهما ومسمياتهما.

إنهم الجيل الرباني السني.

جيل أول وجوده (اقْرَأْ) فهو يعمل (عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي)، صبور يعلم أن ركام مئة عام لا يزاح بعشر سنين، شعاره: (مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ). يدرك جيداً أن الجهد العسكري ثم السياسي هو آخر مراحل العمل، وليس أوله كما هو ديدن المتعجلين. يؤدي ما عليه ثم ما عليه، إنما يسلّم أمره أولاً أخيراً إلى الله (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ).

نعم، ينصف الآخرين فلا يغمطهم جهدهم ومحاولاتهم، ولكن يصارحهم بأخطائهم ويقول لهم: أنتم واحد من اثنين: بقايا الفكر العاجز القديم، أو ارتدادات الواقع الراهن الأليم. وكلاكما يعمل إما بلا مشروع، أو بوهم مشروع.. العدم خير منه!

28/5/2016

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى