مقالات

مقتل سيدنا عثمان .. انقلاب الفرس على الدولة ودور سيدنا معاوية في تفويت الفرصة عليهم

د. طه حامد الدليمي 

لا يفهم دور أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على وجهه ما لم ندرك خريطة المؤامرة وصورتها المعبرة عنها ولو بعناصرها الأساسية. لخصت قبل شهر العناصر الأساسية للمؤامرة، والآن أعرضها بشيء من التفصيل:

مقتل سيدنا عمر بن الخطاب ..

1. بعد خسارة الفرس معركة (نهاوند) سنة 21هـ، ويأسهم من صد موجة الفتح الإسلامي عقد كسرى يزدجرد مؤتمراً عرف بـ(مؤتمر نهاوند)، كان من أبرز قراراته دخول ثلة من الفرس في الإسلام لنخر دولته من الداخل. وقد اتخذ هذا العمل عدة خطوط متوازية ومتلاقية، منها العلمي، ثم الأمني ثم العسكري فيما بعد، ثم السياسي عندما تمكنوا من الحكومة مع بزوغ فجر الدولة العباسية.

2. أسفر المؤتمر عن أولى نتائجه بعد سنتين فقط، فكان مقتل أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب ووفاته آخر يوم من ذي الحجة سنة 23هـ، على يد الفارسي المجوسي فيروز أبي لؤلؤة النهاوندي. وهو فيروز بن يزدجرد بن شهريار، حاكم نهاوند قبل أن يؤسر، وتسبى أخواته الثلاث إلى المدينة فيتزوجهن أبناء أبي بكر وعمر وعلي. وكان عمره آنذاك 20 سنة[1].

تسلل إلى الطائف غلاماً للمغيرة بن شعبة يحسن عدة صناعات كالحدادة والنجارة والنقاشة ليخطط من هناك لكيفية الوصول إلى رأس العرب. واشترك معه في المؤامرة ملك (تستر) القائد الفارسي الهرمزان الذي سكن عاصمة الدولة واتخذه سيدنا عمر مستشاراً له، مع نصراني أصله من الحيرة يدعى جفينة. وكان القتل بخنجر ذي نصلين، وهو الخنجر الذي تتميز به فرقة الاغتيالات اليهودية المعروفة باسم (الزيلوت)، التابعة لطائفة (الفريزيين) التي أنشأها الفرس الإخمينيون في عاصمتهم (بارسه/فارس) بعد السبي البابلي. وهي الطائفة التي من خلالها كتب الفرس (التلمود)، فكان التحريف الأكبر في ديانة يهود.

إن هذا يعطي صفة العالمية للمؤامرة. يبدو أن ذلك الجيل من العرب، بنقاوته وسماحته، رغم ذلك نظر للأمر نظرة جنائية لا سياسية، فضاعت خيوط المؤامرة، لاسيما بعد أن نحر فيروز نفسه بخنجره، وتسرع عبيد الله بن عمر فقتل الهرمزان وجفينة، فأغلق ملف القضية نفسه بنفسه، وانتهى كل شيء!

مقتل سيدنا عثمان .. الانقلاب على الدولة

3. لم يهدأ بال العدو المتربص المتعدد الأطراف، يقودهم الفرس من وراء ستار، حتى جمّع الجموع وتمكن من عمل انقلاب كامل على الدولة، قتل الانقلابيون من خلاله رأس الدولة سيدنا عثمان بن عفان يوم 18 ذي الحجة سنة 35هـ. وهو اليوم الذي يحتفي به الفرس ويحتفل فيه شيعتهم كل عام، ويسمونه (عيد الغدير). وأحدثوا فوضى عارمة في أرجاء الدولة، أمست فيها الأمة يقتل بعضها بعضاً. وسيطر البغاة على مقاليد الدولة خمس سنين، حتى جاء معاوية فقطع يد البغاة الغادرين وأعاد الأمور إلى نصابها.

بمقتل سيدنا عثمان تكون المؤامرة قد قطعت شوطاً بعيداً في مسارها نحو هدفها.

فقبل عشر سنين لم يسفر الحدث عن أكثر من قتل الخليفة الذي أعانه الأجل فاستطاع في الأيام الثلاثة قبل موافاة منيته أن ينقل السلطة إلى خلَف له بالآلية المعلومة.

أما هذه المرة فلم تكتف المؤامرة بقتل الخليفة، إنما تمكن القتلة من السيطرة على القوة الرئيسة للدولة فحولوها إلى يدهم، وذلك من خلال محاولتهم استدراج أحد وجوه الصحابة – لا يهم من يكون على وجه التحديد – لقبول البيعة بضغط منهم فعرضوها على بضعة نفر منهم الزبير وطلحة وسعد وابن عمر وعلي وغيرهم، فرفضوها جميعاً. لكن بعد ثلاثة أيام فوجئ الجميع بسيدنا علي على المنبر تؤخذ له البيعة من قبل القتلة دون علم من أهل الشورى، فضلاً عن أن يكون تنصيبه خليفة من قبلهم.

مؤكد أن علياً كان له اجتهاده وحسن نيته، لكن حسن النية لا يكفي لصد تداعيات الخطأ عندما يكون كبيراً ويخرج الأمر إلى دائرة الواقع. فرفض كبار الصحابة مبايعته، ومنهم من بايعه مكرهاً.

القتلة ينصبون الخليفة ، لا أهل الشورى .. هذا هو سر الخلاف

لم يتم تنصيب الخليفة الجديد من قبل أهل الشورى، وعلى رأسهم الزبير وطلحة وسعد وابن عمر، إنما كان التنصيب من قبل الانقلابيين قتلة عثمان. ليس هذا فحسب، إنما جيء بكبار أهل الشورى ليبايعوا رغماً عنهم. وشاع خبر تولي الخليفة بهذه الطريقة فتعقد الأمر أكثر، ورجعت جيوش الأمصار التي أقبلت لنجدة الخليفة المحاصَر.

هذا هو سر الخلاف، والسبب الأساسي للقتال بين المختلفين فيما بعد.

إن هذه الطريقة الغريبة التي تم بها تنصيب سيدنا علي جعلت كبار الصحابة وعموم أهل المدينة ومكة فضلاً عن غيرهما من الأمصار ينفرون منه، حتى إن الصحابي ثمامة بن عدي والي اليمن يوم جاءه نعي عثمان، بكى بكاء شديداً فلما أفاق قال: “هذا حين انتزعت خلافة النبوة، وصار ملكاً وجبرية، من غلب على شيء ملكه”. واللفظ الآخر عن أبي قلابة: أن رجلاً من قريش يقال له ثمامة كان على صنعاء، فلما قتل عثمان ، خطب فبكى بكاء شديداً، فلما أفاق، واستفاق، قال: “اليوم انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد ، وصارت ملكاً وجبرية؛ من أخذ شيئاً غلب عليه”([2]).

هذه هي حيثيات القضية باختصار شديد، التي لأجلها وجد كبار الصحابة أن الواجب يلزمهم بأخذ الأمر على عاتقهم لمعاقبة القتلة، حتى وإن كان عن غير إذن من الخليفة الجديد. فكان ما كان من موقعة (الجمل)، ثم (صفين).

وإذا كانت الموقعة الأولى بسبب أن أصحابها كانوا يريدون إقامة الحد على رؤوس (الفئة الباغية) قتلة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فإن الموقعة الثانية كان صاحبها يطالب خصمه بحق آخر، ألا وهو حقه الشخصي في كونه ولي دم الخليفة القتيل: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) (الإسراء:33).

سيدنا علي الخليفة غير المطاع

لكن الواقع أن سيدنا علياً كان يعاني من تنمر وتأمر قادته وعلى رأسهم كبراء (الفئة الباغية) قتلة سيدنا عثمان، فلم يستجب لمطالب خصومه من الصحابة، وله رؤيته الخاصة في أنه كان ينظر لنفسه على أنه الخليفة الذي ينبغي أن يطاع في أوامره أولاً ثم ينظر في مطالب خصومه بعد ذلك. هذه النظرة التي لم يكن خصومه يعترفون له بها قبل تمكنه من فرض طاعته على رؤوس أتباعه. ويقتص من القتلة، وكانوا يحذرون، لا سيما معاوية، من تحكم القتلة في رقابهم لتمكنهم وتغلبهم وخروجهم عن طاعة الخليفة. ولم تكن مطالب الصحابة أكثر من حقوق شرعية واجب على الخليفة تنفيذها. وقد عرضوا عليه حلولاً لعلاج تسلط البغاة وتمكنهم؛ جواباً على استمهالهم حتى يستقر الوضع فلم يسمع لهم. ثم إن علياً هو الذي تسبب في ضعفه وتسلط القتلة على مقاليد القوة في دولته؛ حين قبل تنصيبه خليفة من قبل البغاة لا من قبل أهل الشورى، الذين لم يبايعه منهم أحد. وسيدنا علي إنما اجتهد، وليس بمحفوظ من الخطأ. وليس بضائره أن يكون اجتهد فأخطأ.

المفارقة الغريبة أن سيدنا علياً يطالب قادة الصحابة بالرضوخ لأوامره، بينما كبار قادته قتلة سيدنا عثمان لا يكتفون بعصيانه، بل يفرضون رأيهم عليه في كثير من الشؤون الكبيرة والحساسة! والسبب أنهم يمسكون بمعظم خيوط القوة العسكرية.

يقول ابن كثير في (البداية والنهاية): وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان، ممن قتله من أولئك الخوارج. منهم: عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة وعمرو بن عنبسة، وغيرهم من الصحابة. ومن التابعين: شريك بن حباشة، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرحمن بن غنم، وغيرهم من التابعين.

ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة وطلبوا منه إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان. فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا. فطلب منه الزبير أن يوليه إمرة الكوفة ليأتيه بالجنود، وطلب منه طلحة أن يوليه إمرة البصرة ليأتيه منها بالجنود ليقوى بهم على شوكة هؤلاء الخوارج، وجهلة الأعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان فقال لهما: مهلاً عليّ، حتى أنظر في هذا الأمر… إلى أن قال ابن كثير بعد ذكره رفض علي نصيحة المغيرة وابن عباس: فأبى عليه ذلك كله، وطاوع أمر أولئك الأمراء من أولئك الخوارج من أهل الأمصار[3].

ملاحظة/

كلامي هذا في حاجة إلى شخصية حرة النزعة ذات عقل حر. لكن حريةً مسؤولة: لا منفلتة تتجاوز الحدود، ولا جامدة تقبل أن تحاط بالقيود.

أما الشخصيات الجامدة، لا سيما إذا:

– كانت مأزومة تعاني من مرض (الإسقاط) فتتوهم أن كل إشارة بخطأ إلى أحد تجريح له. وما ذاك إلا راشح من رواشح تلك الشخصية، ترمي به على غيرها.

– وكانت ثقافتها مصابة بلوثة التشيع.

هذه الشخصيات لن تفهم عرضك للأحداث كما هي، حسب قناعتك الناتجة عن بحث طويل وتأمل دقيق، خارج نطاق الذات والتجريح بمن تقول إنه أخطأ.

هذه الشخصيات من اليسير أن يجرح عندها صحابي جليل كمعاوية وعمرو بن العاص، لا أن يقال عنه أخطأ فقط، لكنها لا تحتمل حتى تثور وتتهم، أن يقال عن سيدنا علي إنه أخطأ. فيقع أصحابها في نفق الإساءة إلى بعض الصحابة. بينما المسلم يجب عليه حسن الظن بهم جميعاً.

نحن في (المشروع السني) نجل الصحابة جميعاً. هذا من جهة. ونمتلك شخصية حرة مسؤولة ذات فكر حر مسؤول من الجهة الثانية؛ لذا من اليسير علينا إن رأينا خطأ في جانب أحد، واستدعت الضرورة البيان، نبهنا عليه، بصرف النظر عن المخطئ. واستغفرنا لصاحبه ملتزمين بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10). شيء عادي – إن دعت الحاجة – أن نقول أخطأ سيدنا علي أو غيره. لا سيما في هذا الزمن الذي غطيت فيه حقائق التاريخ، وسادت فيه النظرة الشيعية الشعوبية، حتى أمست هي الحقيقة ولا حقيقة سواها. ومن قال بغيرها توجهت إليه أصابع التهم البغيضة، ومنها تهمة النصب. بينما المتهم أولى بتهمة التشيع. فسكت الناس خوفاً وطمعاً حتى صار الباطل حقاً والحق باطلاً.

انظر إلى ما يقوله الإمام الحسن بن علي البربهاري (ت 329هـ): “إذا سمعت الرجل يقول: فلان مشبه وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه، واعلم أنه جهمي. وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي، فاعلم أنه رافضي”[4]. وهذا في ذلك الزمان، فكيف بزماننا؟ وكان البربهاري من كبار الذين أنكروا على شيعة زمانه ومبتدعيهم. ولاقى في سبيل ذلك أذى كثيراً لتمكنهم في الدولة العباسية في زمانه، ومات مستتراً مطارداً من السلطان.

اثبت على الحق. ومن اتهمك بالنصب فاتهمه بالرفض، ولا تبال. بهذا نستحق اسم السنة، وكان مشروعنا سنياً حقاً وحقيقة بإذن الله تعالى.

6/1/2017

___________________________________________________________________________________________

  1. ابو آدم سعيد ‏@abouadamsaid  18m18 minutes ago

@tahadulaimi كلامكم تحليل مرعب ومخيف جدا لانه يقلب الصورة النمطية الراسخة لدى الناس؟ يجب ان يكون القارئ مسؤولا عقلا ونقدا واعترافا؟ شكراً

  1. – راجع الرابط التالي:

    http://www.ye1.org/forum/threads/239729/page-520

  2. – المعجم الكبير، 2/90، سليمان بن أحمد، أبو القاسم الطبراني، بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. ورواه معمر بن راشد في (جامع معمر بن راشد)، 11/447. وصحح إسناده المؤرخ المحقق الدكتور أكرم بن ضياء العمري في (عصر الخلافة الراشدة)، 1/442. كما صحح الرواية محمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان الصبحي، في كتابه (فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، 1/268)، وقال: هذا إسناد صحيح موصول صححه الحافظ ابن حجر. وقال: ثمامة بن عدي القرشي، أمير صنعاء الشام لعثمان رضي الله عنهما، قال الطبري: كان من المهاجرين وشهد بدراً.
  3. – البداية والنهاية، 7/255-256، ابن كثير. مصدر سابق.
  4. – شرح السنة، ص115، الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري. تحقيق وتعليق عبد الرحمن بن أحمد الجميزي، مكتبة دار المنهاج، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1426،.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى