مقالات

القرآن .. الكتاب الوحيد الخالي من التشيع خامساً .. حديث ( عمار تقتلك الفئة الباغية ) في ( الصحيحين )

د. طه حامد الدليمي

لطالما سمعت منذ أن تفتحت عيوني على مجالس العلم، وحلقات الدرس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية). والمحتجون بهذا منهم من يتخذه ذريعة للطعن في سيدنا معاوية، لاسيما وهو في الصحيحين، ومنهم من يتوسط فيقف به على أحقية سيدنا علي في الخلاف الذي دار بينهما.

وكنت أرد على الفريقين بأن الحديث حتى يتم الاحتجاج به، لا بد له، مع صحة السند، أن يكون صحيح المتن. وهذا باتفاق العلماء. وهو داخل في صلب تعريف الحديث الصحيح. وحيثيات القضية لا دليل فيها ينهض للاحتجاج على أن بغياً ما ارتكبه سيدنا معاوية. ثمت فجوة لم أكن أعرفها؛ لذا أنا أتوقف عن إعمال الحديث، وأذهب إلى حيثيات القضية.

المفاجأة أنني اكتشفت صدفة أن هذا الحديث لم يكن في أصل صحيح البخاري، وإنما أضيف إليه وأقحم عليه بعد قرون! قال بهذا كبار العلماء وأعمدتهم في الحديث. يحيى بن معين، الإمام أحمد، الحميدي، المزي، البيهقي… في سلسلة طويلة الحلقات!

كان ذلك قبل قراب سنتين وأنا أبحث عن شيءآخر. كان مفاجأة غير متوقعة! لكنه زادني ثقة بأنني أسير على منهج سديد في التعامل مع المرويات: الحديثية والتاريخية.

من العلماء القائلين بعدم وجود زيادة (عمار تقتله الفئة الباغية) في (صحيح البخاري)

1. أبو بكر البيهقي (ت 458هـ). نفى وجوده في (صحيح البخاري) فقال: رواه البخاري في الصحيح عن مسدد عن عبد العزيز، إلا أنه لم يذكر قوله: (تقتله الفئة الباغية). إ.هـ. وفي نسخة (صحيح البخاري) التي بين أيدينا توجد تلك الزيادة، وهي مروية عن مسدد عن عبد العزيز. وهذا يعني أن الزيادة بالسند نفسه لم تكن موجودة في (صحيح البخاري) على عهد البيهقي، فيما انتهى إليه من نسخ (الصحيح).

ثم ذكر البيهقي الحديث ثانية، وقال: أخرجه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن عبد الوهاب دون هذه اللفظة (أي: ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية)، وكأنه إنما تركها لمخالفة أبي نضرة عن أبي سعيد، عكرمةَ في ذلك([1]). والرواية الثانية، الموجودة في (صحيح البخاري) وفيها زيادة (تقتله الفئة الباغية)، مروية عن عبد الوهاب. وهذا يعني أن الزيادة بالسند الثاني الذي فيه عبد الوهاب– كسابقتها – لم تكن موجودة في (الصحيح) على عهد البيهقي فيما انتهى إليه من نسخ (الصحيح).

2. محمد بن فتوح الحَميدي (ت 488هـ) في (الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم) نفى وجود زيادة (إن عماراً تقتله الفئة الباغية) في (الصحيح). وقال: في هذا الحديث زيادة مشهورة لم يذكرها البخاري أصلاً في طريقَي هذا الحديث، ولعلها لم تقع إليه فيهما، أو وقعت فحذفها لغرض قصده في ذلك([2]).

3. عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي (ت 581هـ). قال: لم يخرج ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ في قتل ﻋﻤﺎﺭ ﺷﻴﺌﺎً([3]).

4. ابن الأثير الجزري (ت 606هـ)؛ إذ ذكر حديثَي البخاري دون الزيادة. وجاء بكلام بعض العلماء في خلو صحيح البخاري منها[4].

5. جمال الدين المزي (ت 742هـ). قال: حديث (ويح عمَّار يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النار)… وليس فيه: (تقتل عمَّاراً الفئة الباغية)([5]).

6. شمس الدين الذهبي (ت 748هـ)؛ قال عن الحديث: أخرجه البخاري دون قوله: “تقتله الفئة الباغية”[6].

7. ابن كثير (ت 774هـ)؛ قال: روى هذا الحديث الإمام البخاري، إلا أنه لم يذكر قوله: “تقتلك الفئة الباغية”[7].

وابن كثير والذهبي والمزي عاشوا في القرن الثامن الهجري. أي إن (صحيح البخاري) إلى ذلك العصر يكاد يكون خالياً من زيادة (تقتل عماراً الفئة الباغية).

8. الحافظ ابن حجر (ت 852هـ)، قال: واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في (الجمع) وقال: إن البخاري لم يذكرها أصلاً. وكذا قال أبو مسعود. قال الحميدي: ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها عمداً… ويظهر لي أن البخاري حذفها عمداً وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري[8].

9. الدكتور محمد طاهر البرزنجي؛ قال: “فاستيقنت أن النص المطبوع بين أيدينا من صحيح البخاري والتي هي النسخة اليونينية (كتبت نهاية القرن السابع الهجري) المروية من طريق واحد عن البخاري وأعني الفربري قد وهم فيها بعض الرواة في هذه اللفظة”([9]).

10. شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ). قال (مجموع الفتاوى: 35/74): وأما الحديث الذي فيه (إن عماراً تقتله الفئة الباغية)، فهذا الحديث قد طعن فيه طائفة من أهل العلم؛ لكن رواه مسلم في صحيحه، وهو في بعض نسخ البخاري. وقال (منهاج السنة:4/415): لكن في كثير من النسخ لا يذكر الحديث بتمامه، بل فيها: “ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”.

فأين ذهبت تلك (النسخ الكثيرة) من (صحيح البخاري) التي ليس فيها زيادة (قتل عمار)، والتي كانت ما تزال موجودة حتى القرن السابع على عهد شيخ الإسلام؟ وكيف اختفت فلا نجد منها نسخة اليوم على وجه البسيطة؟ ومن الجهة التي تكمن وراء إعدامها؟

11. ومما يؤيد هذا أن الإمام الخلال روى بسند صحيح فقال: سمعت عبد الله بن إبراهيم قال: سمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روي في عمار ثمانية وعشـرون حديثاً، ليس فيها حديث صحيح[10].

تسلل الزيادة المقحمة إلى بعض نسخ ( صحيح البخاري ) دون بعض

واستمرت بعض نسخ (صحيح البخاري) المطبوعة خالية من تلك الزيادة إلى عهد قريب، مثَّـل لها د. محمد طاهر البرزنجي فقال: الطبعة الأميرية مثلاً المعروفة بطبعة بولاق، التي نشرت سنة 1300 للهجرة بمصر لا تحتوي على هذه الزيادة المركبة في كتاب المساجد. وكذلك طبعة شرح ابن بطال لم تذكر هذه الزيادة المركبة في كتاب المساجد ولكنها ذكرت في الموضع الثاني (أي في الجهاد).

وقد راجعت (شرح ابن بطال للبخاري) فوجدته كما قال البرزنجي؛ لا توجد الزيادة في أبواب المساجد، وإنما في كتاب الجهاد. وفي هذا فائدة إذا نظرنا إلى تاريخ وفاة ابن بطال وهو سنة (449هـ). فقد يستنتج من ذلك أن الإضافة لم تكن دفعة واحدة، وأن الزيادة إلى وقت ابن بطال طالت موضعاً واحداً، وأن الموضع الثاني طالته الإضافة فيما بعد.

إن اليد التي امتدت فأضافت النص إلى (صحيح البخاري)، وبسند صحيح، يمكنها أن تمتد إلى ما دونه من دواوين الحديث.

مع كل هذه البينات والنقول الثابتات سيعترض البعض مندفعاً بما ترسب في ذهنه من مقولة “كل ما في الصحيحين صحيح”.. مقولة معارضة للقرآن العظيم ولا دليل عليها من واقع البحث القويم. ويتهم قائلاً: كيف ترتكب جناية الطعن في الصحيحين؟! والأولى أن يوجه هؤلاء اعتراضهم إلى أولئك العلماء؛ فما أنا إلا ناقل أمين، لكن لا على سبيل التقليد، كما هو ديدن المعترضين.. إنما على أساس من البحث العميق والعلم الوثيق. وليس ما نفعله طعناً في شيء، بل هو دفاع عن الدين وعن السنة وعن الثقافة السنية، كما هو دفاع عن البخاري ومسلم وصحيحهما. وباعثنا هو أن فيهما ما يشينهما وإن كان قليلاً، وهذا الشين له علاقة بالدفاع عن السنة وأهل السنة وثقافتهم ووجودهم. نحن ننطلق من واقع متحرك مائر، لا من بحث علمي مجرد معظم الخائضين فيه يعبرون عن واقع فارغ وحال ساكن، لا يثير عقولهم نحو إعادة النظر في الموروثات التي لا تصمد أمام الواقع المتحرك. وبعضهم لا يملك قلباً يعينه على بيان الحقائق التي تقلق السكون وتجلب الصداع.

17/7/2017

_________________________________________________________________________________________

  1. – دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، 2/546-547، لأبي بكر البيهقي.
  2. – الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، 2/462، لمحمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح الحَميدي.
  3. – الجمع بين الصحيحين، 4/199، الإمام الحافظ عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي.
  4. – جامع الأصول في أحاديث الرسول، 9/43، ابن الأثير.
  5. – تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، 3/427، جمال الدين المزي
  6. – تاريخ الإسلام، 2/9. وقال: وهي زيادة ثابتة الإسناد.
  7. – البداية والنهاية، 3/264، ابن كثير.
  8. – فتح الباري شرح صحيح البخاري، 1/542، ابن حجر أبو الفضل العسقلاني.
  9. – بحث (حقيقة معاوية رضي الله عنه).
  10. – المنتخب من علل الخلال، ص222، ابن قدامة الجماعيلي المقدسي.
اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    المشكلة ليست فقط بالإدراج لفظة تقتله الفئة الباغية إنما في فقه هذه للفظة فإن كانت صحيحه لم لم يذكر النبي باقي الصحابة الذين قتلهم أهل الشام اترك هذا اليس طلحة والزبير افضل من عمار وبني هاشم خلا علي لم لم يقل ويح طلحة والزبير تقتلهم الفئة الباغية ثم نحن نعلم جيدا أن جيش علي اربع فئات ثلاثة هم الغالب والأكبر أصحاب القيادة والريادة قتلت عثمان وهم أهل مصر والكوفة، والبصرة، وهؤلاء منهم من شارك في يوم الدار ومنهم خطط والرابعة هم عوام الناس وبعض الصحابة فهذه الفرق الثلاث هم البغات وهم الذين فرقوا الأمة وهم الذين افتتن الصحابة بسببهم في القتال بينهم ثم أن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وغيرهم من من الصحابة الذين قاتلوا علي مع الناس الذين والوهم في اخذ الثار من قتلت عثمان استطيع ان اقول هم نصف الأمة إذا كانت نصف هذه الأمة بغات فاي خير امة اخرجت للناس الموضوع عميق وخطير والبحث فيه لابد ان يكون مطول وعميق اشكرك شيخ طه الدليمي بارك الله في جهودك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى