مقالات الدكتور طه الدليمي

هل سيتقاتل الشيعة فيما بينهم ؟

قراءة في ضوء الواقع المحلي والمتغير الدولي

د. طه حامد الدليمي

(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر:43).

ربما لم ينتبه الكثيرون إلى الشرط السابع في الخطة الاستراتيجية الاثني عشرية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) ضد إيران، والذي ينص على “احترام سيادة العراق، ونزع سلاح المليشيات وتسريحها ودمجها في الجيش”.

قد يبدو الشرط عادياً بين الشروط الاثني عشر المفروضة على إيران، والتي تعني في مآلاتها انتهاء إيران كقوة إقليمية، وسقوط نظام ولاية الفقيه وزوال خطرها عن المنطقة! وقد يتطور الأمر في نهاياته البعيدة إلى زوالها وتفككها إلى دويلات لن تلتئم بعدها أبداً. الحقيقة غير ما يبدو عليه المشهد في ظاهر الأمر. ودعوني أختصره لكم بنِقاط:

  1. الشيعة قوم همج لا يسترشدون بشريعة ولا يضبطهم قانون. خمس عشرة سنة من الحكم كافية لتثبت ذلك. وهم كبيت العنكبوت؛ إن تركوا وأنفسهم أكل بعضهم بعضاً؛ بينهم من الشقاق وعوامل التآكل والافتراق ما يؤهلهم لذلك. أما ما يجعلهم يبدون للنظر العابر متماسكين فأمران: إيران كقوة مانعة، والتحدي السني كفزاعة جامعة.

 

لمحة عن ( البنية التحتية ) لـ( بيت العنكبوت ) الشيعي

  1. ينقسم الشيعة جماعات وطبقات وأحزاباً ومراجع وحوزات متناحرة تاريخاً وواقعاً. وأضرب لكم مثالاً على ذلك مرجعية بيت الحكيم وبيت الصدر. هذا الانقسام يقوم على تاريخ من المنافسات والخلافات والقضايا والعداوات المغمسة بالدم. ويوم اغتيل محمد صادق الصدر والد مقتدى سنة 1999 اتهمت عائلته محمد باقر الحكيم بقتله. وحين وصل نبأ مقتله مدينة قم تجمع أنصاره أمام منزل وكيله جعفر الصدر وصاروا يطلقون العيارات النارية ويشتمون الحكيم وأسرته. ثم نظموا في اليوم التالي مظاهرة كبيرة في مدينة قم رفعوا فيها صور الصدر وهم يهتفون (الموت لمحمد باقر الحكيم)! حتى إنه لما حضر مجلس العزاء هاجمته الجموع الغاضبة، وصاروا يضربونه حتى أسقطوه أرضاً وأشرف على الموت، لولا تدخل رجال الأمن الذين أنقذوه بصعوبة بالغة. ليهرب بسيارته تلاحقه شعارات: (عاش عاش عاش الصدر.. آل الحكيم أهل الخيانة والغدر)!
  2. عندما أخذ محمد صادق الصدر يقيم الجمعة لأول مرة في نيسان 1998/ذي الحجة 1418 أفتى السيستاني بفسقه لمخالفته أصول المذهب. في تلك الخطب كان الصدر يلمز حوزة الحكيم التي تقلد السيستاني ويسميها (الحوزة الصامتة)، بينما يطلق على حوزته اسم (الحوزة الناطقة). بعد الاحتلال في 2003 أحيى مقتدى هذين الاسمين، ولم تمر سنة حتى وصل الخلاف بينهما إلى التقاتل! وخاض جيش المهدي ضد حكومة علاوي معركتين شرستين: إحداهما في نيسان والثانية في تشرين الأول. كما خاض قتالاً آخر ضد حكومة المالكي في آذار 2008، انكشفت على إثرها فضائح المقابر الجماعية التي ارتكبها جيش المهدي بقيادة مقتدى ضد أهل السنة في المحمودية وديالى وغيرهما من المدن، وكتبت في الأولى كتابي (جرائم الإبادة الجماعية المنظمة لأهل السنة في العراق). وكان جيش المهدي يخوض حرباً مستمرة غير معلنة ضد منظمة (بدر) ذراع آل الحكيم العسكري، على شكل اغتيالات واغتيالات مضادة ارتكب فيها الطرفان فظائع في حق بعضهم.
  3. تناسل عن بيت الصدر جيش المهدي ثم سرايا السلام بقيادة مقتدى. وانشق عنه أحد أبرز رجاله، قيس الخزعلي، ليؤسس مليشيا (العصائب). استغل مقتدى في حينها هذا الانشقاق ليلقي بتبعة جرائمه ضد السنة على مليشيا الخزعلي. كما انشق عنه آخرون وأسسوا لهم مليشيات مثل (النجباء) و(أبو الفضل). وتناسل عن جماعة الحكيم فيلق بدر قائد (جيش الحشد الشيعي/جحش) المسمى بـ(الحشد الشعبي) بقيادة هادي العامري.
  4. فاز مقتدى بالمرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة، بينما جاء العامري ثانياً بنتائج مقاربة، وذلك يجعل التنافس بينهما حامياً. سيما أن إيران تريد الفوز للعامري على حساب خصمه مقتدى. وهي إشكالية كبيرة، ومقتدى لن يستسلم بسهولة.

هذه لقطة لحظية خاطفة في مشهد سينمائي طوله ثلاث ساعات من التناحر الشيعي جماعات وطبقات وأحزاباً ومراجع وحوزات!

 

التحدي السني

  1. وجود الطرف السني في المعادلة السياسية والعسكرية، يشكل تحدياً هو أحد عاملين أساسيين في معادلة التماسك الشيعي أمام السنة. انتهاء المقاومة، وهزيمة القاعدة وداعش، مع ضمور الرموز السياسية واضمحلال الكتل السنية إلى درجة توشك فيها أن تختفي من المشهد السياسي يعني زوال أحد العاملين الأساسيين للتوحد الشيعي. وقد برز هذا للعيان في الانتخابات الأخيرة. ما يعني لدى شعب مجبول على الشغب والشقاق والنفاق أن قوته سترتد إلى داخله. وكنا نقول منذ سنين: يا سنة، اعقلوا يرحمكم الله؛ انعزلوا عن الشيعة في إقليم وسترون كيف يهلك بعضهم بعضاً.

المايسترو الإيراني

  1. تمثل إيران الحزام الماسك للجسد الشيعي الذي يعاني أصلاً من التنافر والتشظي، فإذا انقطع الحزام الماسك بدأت الشظايا بأخذ طريقها الطبيعي نحو التشظي ما لم يطرأ على المعادلة عامل جديد يمكن أن يحرفها عن طريقها إلى حين.
  2. الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بتداعياتها الدولية والمحلية لن تؤدي إلى ارتخاء الحزام الإيراني من حول الجسد الشيعي المترهل حد التشظي وحسب، بل ستقطع ذلك الحزام وتترك الجسد أمام مصيره وجهاً لوجه. إن البنود الاثني عشر التي تضمنتها الخطة لا تدع أمام إيران سوى الانكفاء إلى الداخل ثم زوال النظام: هروباً إلى الخلف بالاستسلام، أو هروباً إلى الأمام بالاصطدام.
  3. ليس بعيداً أن ترفض المليشيات الشيعية إلقاء السلاح والاندماج في الجيش، عندها سيكون مصيرها السحق تحت آلة الحرب الأمريكية. وإذا اختارت الاندماج فستدخل في دوامة من المشاكل منها تعدد المرجعيات القيادية للمليشيات؛ وهذا يضيف عبوات جديدة للتفجر. ومنها عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب ما يزيد على خمسمئة ألف عسكري نصفهم من المليشيات. ولن تسمح أمريكا بهذا العدد لجيش في دولة تحت سيطرتها.

 

نذر الحرب

  1. في هذا الوسط المضطرب، وفي غياب القبضة الإيرانية يكون تفجر الصراع بين الشيعة وارداً. عندها لن يجد الشيعة حزاماً يمنعهم من التشقق والتفرق والاحتراب. لقد بدأت إرهاصات ذلك بالظهور؛ وأولها الاغتيالات المتبادلة التي صارت أخبارها تصلنا في الأيام الأخيرة. فقبل ثلاثة أسابيع اغتيل المسؤول المالي للحشد قاسم ضعيف الزبيدي بعد ساعات من مقتل نجم الحسني القيادي في ائتلاف نوري المالكي .وقبلها اغتيل شمالي بابل بسلاح كاتم قيادي كبير في مليشيا العصائب أمجد الجبوري. والحديث في هذا يطول! بينما تشهد محافظة النجف هذه الأيام أفواجاً من السيارات محملة بعناصر جيش المهدي تتدفق إلى داخلها، يتوعدون خصومهم بالويل والثبور إن حصل مكروه لمقتدى الصدر. والأجواء في بغداد متوترة بين العامري والخزعلي والمالكي من جهة والصدر والحكيم من جهة أَخرى. وقد ظهر من جديد بعد غيبة طويلة السفاح الشهير إسماعيل اللامي الملقب بـ(أبو درع) يتجول بسلاحه بين أنصاره في شوارع بغداد، وفي ذلك رسالة لا تخفى من الصدر إلى خصومه أننا جاهزون. والشيعة في خوف وتوجس من تفجر قتال بين الأطراف المتنازعة. وقد انعكس هذا الوضع المتوتر في المناطق الشيعية أماناً غير مسبوق تشهده المناطق السنية!

هه! ليس بعيداً أن يدشن شاشات المرحلة القادمة مشهد تراجيدي ممتع، يفقد فيه (المايسترو) الإيراني قدرته على التنسيق بين أفراد الجوق، وتمسي كل آلة تعزف وحدها طبقاً لهوى ربها، ويشهد الحفل مهرجان لطمية شيعية على أصولها الحقيقية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى