مقالات الدكتور طه الدليمي

القضية الكردية في منظور( التيار السني في العراق )

د. طه حامد الدليمي

 

2. محورية الهوية .. وهوية الكردي المحورية

خمسة مفاهيم مختلطة في حاجة ماسة إلى تفصيل كي تنتج لدينا معادلة راسخة متوازنة للحل: (الهوية، والدين، والمذهب، والقومية، والوطن). وقد يحتاج بعض القراء الرجوع إلى باب (الهوية) في (منهاجنا) من أجل المتابعة العلمية السلسة لهذا الأمر. فأقول:

دين الكردي: الإسلام. والسنية مذهبه، والكردية هويته، وكذلك الكردية قوميته. أما وطن الكردي فلم يتشكل بعد، لكنه ليس العراق قطعاً، إنما جزء منه يكون في العراق.

ومن بين هذه العناوين الخمسة فإن الصراع السياسي، وجميع أنواع الصراع، مبناه على الهوية. ولا يكون واحد من العناوين الأربعة وغيرها هو الهوية لأي تكوين إلا بشرط أن يكون هو محور الصراع.

فقد يكون الدين هو الهوية عندما يكون هو محور الصراع بين طرفين. وقد يكون المذهب هو الهوية إذا كان محوراً للصراع والتحدي من قبل جهة تستهدف جهة ثانية بناء على مذهبها. وكذلك الأمر بالنسبة للقومية والوطن.

قد تتنازع عشيرتان من دين واحد ومذهب واحد على أسباب عشائرية؛ فهوية النزاع المرفوعة هنا لا يمكن بحال أن تكون مذهبية ولا دينية ولا وطنية أو قومية، إنما عشائرية، كل واحدة من العشيرتين تذكر اسمها الصريح عنواناً لها في حومة النزاع. وقد يكون التنازع بين مذهبين (مثلاً: حنابلة وشافعية) من دين واحد على قضايا تتعلق بالخلاف المذهبي؛ فلا يمكن أن يكون عنوان النزاع عشائرياً ولا دينياً (يرفع فيه اسم الدين عنواناً لكل منهما) ولا قومياً ولا وطنياً. وهكذا حين يكون موضوع النزاع وطنياً (مثلاً: بريطانيا وفرنسا) تكون الهوية وطنية ولا تكون تحت أي عنوان آخر. ولكن حين يكون موضوع النزاع دينياً (مثلاً: نصارى ويهود) هنا تكون الهوية ذات عنوان ديني صريح.

الهوية إذن مفهوم نسبي متغير لا مفهوم مطلق ثابت. الهوية هي العنوان والمحور الذي حوله يدور النزاع بين طرفين، وعليه يكون استحصال المكاسب، وبه يدفع خطر خصم يحمل عنواناً مناظراً.

متى ما وضعت يدك على موضع النزاع فثمت الهوية.

 

هكذا نفكك مواضع الاشتباك

إذا استحضرنا هذا يمكننا أن نفكك بعض العقد ونفض بعض مواضع الاشتباك لنقول:

  1. النزاع بين الكرد والعرب ليس محوره أو موضوعه مذهبياً ولا دينياً، إنما هو نزاع قومي الموضوع. نشأ بعد زوال الدولة العثمانية الجامعة، ووجود الموجة القومية المفرقة التي عمت العالم.
  2. لقد انفصمت الرابطة الدينية الجامعة بين الكردي والعربي، وتحول العرب إلى دول قومية. فما الذي يجمع الكرد بالعرب والحالة هذه؟ حين يفكر العربي بدولة قومية عربية، فشيء طبيعي أن يفكر الكردي بدولة قومية كردية، وينشأ النزاع فيكون موضوعه قومياً، فتكون هوية الكردي المعبرة عنه هي الهوية القومية الكردية. أما المذهب والدين فليس لدى الكردي مشكلة من ناحيتهما؛ فهو مسلم الديانة سني المذهب. عدا أولئك الذين اشتطوا فألحدوا، وفي العرب مثلهم. ليس الدين والمذهب إذن يمكن أن يمنح الكردي هويته.
  3. بالهوية الكردية حافظ الكرد على مصالحهم القومية أن يبتلعها الشيعة، وأنشأوا إقليمهم الحامي لهم. وفي الوقت نفسه ما زال كثير من السنة العرب واهمين يريدون من الكردي التنازل عن هويته الكردية لصالح المذهب أو لصالح الدين، مع أنه ليس لواحد من هذين الأمرين موضع في موضوع النزاع. وفي الوقت نفسه يهرب السني العربي من تبني مذهبه، ويُبعد الدين عن السياسة. ومنهم من يريد من الكردي التنازل عن هويته لصالح الوطن أي العراق، مع أن العراق ليس هو الوطن الذي يشغل ذاكرة الكردي.
  4. بجهل (العرب السنة) بمدار الصراع بينهم وبين الشيعة، ومكابرتهم في تجاهل علة العلل في استهدافهم من قبل الشيعة، وهي (سنيتهم) قبل أي عنوان وانتماء آخر. وجهلهم بـ(فقه الهوية).. أضاعوا هويتهم القومية الجامعة وهي (السنية)، وبقوا غارقين في استصحاب وضع وطني قد زال وانتهى، وحل محله وضع تفجر فيه صراع تتسيده هوية شيعية شعوبية. فضاعوا وضيعوا كل شيء، فلا وطن ولا إقليم ولا كيان ولا مذهب ولا مصلحة ولا وجود! إنهم اليوم في حالة تيه شامل.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى