مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

أغرب معزوفة .. بأصابع عربية وشفاه فارسية !

الخليفة الأموي الوليد بن يزيد .. مثال

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\DR\Desktop\صو.jpg وأنا أنَقّل النظر بين سطور موقع (المدونات القصيرة) رأيت تعليقاً لإحدى الأخوات الفاضلات، وهي ترد على أحد الذين فقدت عقولهم أسباب المناعة فهي تمتص كل ما يلقى عليها من غسيل.. أنقلها بصورتها، دون اسم المغرد؛ لأنه ليس هو المقصود. ولأنه ليس الوحيد الذي يسيء إلى نفسه وأسلافه وتاريخه وهويته.. بل تلك ظاهرة شائعة أمست ثقافة سائدة.

وعقبت على المشهد فقلت: ليت لهؤلاء شيئاً من حياء تلك الراقصة! لامتنعوا – إذن – عن رواية هذا العبث بتاريخهم وسيرة عظمائهم! كيف يجرؤون على تشويه أنفسهم.. وبروايات صاغها الأعداء، يتحداهم المنطق أن يأتوا بها على جناح سند سالم من قوادح النقل والعقل والحياء!

 

الخليفة الأموي الوليد بن يزيد 

وعدت إلى الخليفة الأموي الوليد بن يزيد رحمه الله.. لأتذكر كيف شوهت أفواه الفرس بأصابع العرب سيرته! وكيف يتلقى مثقفو العرب وعوامهم نفايات أحقاد الأمم دون تثبت سوى أنها وجدت في كتب التاريخ مثل الطبري وابن كثير! بل في كتب الأدب والطرائف المنسوبة إلى أسماء لم تثبت نسبتها إليه! ليس (العقد الفريد) الوحيد في بابه منها.. ورددت مع نفسي:

تاريخنا يا قوم كتب بأصابع عربية لكن بشفاه فارسية.

وهذا أقل ما يقال في تاريخنا.

فهناك ما هو أغرب وأعجب.. لقد تسلط الفرس بعد سقوط الدولة العباسية على مكتبات العراق فنقلوها إلى إيران، ليلعبوا بها كما يشتهون، ثم أعادوها إلينا. كذلك فعل الأوربيون بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس.

وما تبقى من التاريخ عامله المؤرخون، ومنهم الطبري، على أساس قاعدة فاسدة شرعاً وعقلاً ومتعسرة واقعاً وفعلاً.. (من أسند فقد برئت ذمته) فرووا كل ما وصل إليهم. رغم أنها مردودة بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً – وفي لفظ: إثماً – أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. والأنكى أن المحدثين وقعوا في مطب هذه القاعدة الفاسدة! هكذا أمست معظم المصادر موئلا لمن هب ودب ففقدت المعايير، وشاهت الثقافة.

 

حالة نموذجية للدراسة

بين أيديكم حالة نموذجية مكتملة الأركان، تتعلق بالوليد نفسه، للكيفية التي بها تسلل الفرس المجوس إلى حصوننا فنشأت لدينا ثقافة إسلامية هجينة لا هي سنية صِرفة ولا شعوبية واضحة. سببها أن الفارسي يملي والعربي يكتب ويروي!

رجل من الكويت، مهتم بالتاريخ، يبدو أنه سليم الطوية هو د. أحمد الدعيج. استمعت إلى محاضرة له (https://www.youtube.com/watch?v=NYXznJctON8) عن الخليفة الوليد بن يزيد.

في البدء وضعته بين احتمالين: أن يكون شيعياً يتلقط الحكايات المسيئة، أو سنياً يعاني من ثقافة مصابة بلوثة شيعية شعوبية. وعندما بحثت عن الرجل تبين لي أنه ليس من الصنف الأول. وكان مما قاله في الخليفة الوليد أنه تأمر على الحج زمن الخليفة هشام بن عبد الملك وأخذ معه كلاباً في صناديق، وصنع له قبة على قدر الكعبة ليجلس تحتها فوق الكعبة ويشرب الخمر هو وأصحابه ويضربون بالمعازف. ثم أخذ يطعن فيه بألفاظ لا تليق.

 

شيء من أصول علم الرواية

من لوازم علم الرواية، وهو مما تقتضيه المسؤولية الشرعية، والمسؤولية العلمية، والمسؤولية الأخلاقية والمجتمعية.. أن يختبر الراوي النص متناً وسنداً قبل تقبله وروايته. وهذا يتأكد أكثر شرعاً وتحقيقاً في حق من نصب نفسه راوية للتاريخ. فكيف وما يروى فيه إساءة إلى رجل تولى خلافة المسلمين وأمارة المؤمنين في زمن خير القرون! فكيف وما رواه لا يمكن تصديقه طبقاً لبديهات العقل!

لكن الرجل روى ما رواه (بدم بارد).. مكتفياً بنسبته إلى بعض كتب التاريخ! هل يقبل د. الدعيج أن نشيع عنه أنه متهتك إلى هذه الدرجة، والدليل أن ذلك مكتوب في إحدى الصحف أو الكتب؟ فكيف يرضى لخليفة من خلفاء الأمة ما لا يرضاه لنفسه وهو رجل من عامة الناس؟!

 

الرواية من حيث المتن

1. هل يمكن لأي أمير متهتك ينتسب للإسلام في أي زمان أن يفكر في نصب مجلس لهو وخمر فوق ظهر الكعبة؟! ثم لماذا؟ هل خلت الأرض من مجلس للخمر إلا ظهر الكعبة؟! أم هو يريد تهييج العامة عليه؟! أين العلماء والقضاة وذوو الهيئات من هذا الجنون؟! أم ماتت الأمة؛ فلا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر؟! وأي منكر؟! يشرب الخمر هو وأصحابه ويضربون بالمعازف على ظهر الكعبة! هل هذا شيء معقول! فكيف يصدق عاقل أن يصدر مثله في زمن خير القرون ويرويه هكذا دون تحقيق! وصدق من قال: (حدِّثِ العاقل بما لا يُعقل، فإذا صدق فلا عقل له). لا، إن عاقلنا هنا هو المحدث! ولا أدري هل الذين يسمعون لا يعقلون؟

2. أي قارئ للتاريخ بشيء من التأمل يدرك أن هذه الحكايات الوضيعة هي من صنع أولئك الوضاعين الوضعاء.. زنادقة الفرس. والبحث يثبت هذا حقيقةً مسَلّمة. فكيف لم يصل إلى هذه الحقيقة باحث أو مشتغل بالتاريخ راو له؟ ثم لو وقفه الوليد بن يزيد أمام الله تعالى وسأله: بأي حق تشوه سمعتي دون تثبت؟ ماذا سيكون جوابه؟

 

الرواية من حيث السند

1. حين عدت لسند النص المذكور، وأنا أعلم مسبقا بطلانه قطعاً دونما حاجة لسند ولا وتد. لكن ماذا أفعل فقد انحدر العلم إلى هذا الدرك بحيث صار غير المعقول يُتناول على مائدة العقول! ألا ما أشد مصيبتنا في ثقافتنا! نحن بين أقوام ليس لهم من العقل ما يكفينا مؤونة البحث في السند رداً لمثل هذا المتون السخيفة!

حين عدت للسند وجدت محقق تاريخ الطبري أ. د. محمد طاهر البرزنجي يقول عنه في قسم (ضعيف الطبري:9/644): “هذا خبر غير صحيح. ونقل عن د. حسين عطوان مؤلف كتاب (الوليد بن يزيد – عرض ونقد) قوله عن الخبر: لا أصل له. وذكر أن اليعقوبي أول من غمز الوليد بذلك، ورجح أنه هو الذي صنع الخبر. واليعقوبي شيعي.

2. راوي الخبر عبد الصمد بن عبد الأعلى: شاعر متهم بالزندقة (لسان الميزان لابن حجر:4/21)، يشرب الخمر. أمر الخليفة هشام بإبعاده عن الوليد. وهذا يرويه الطبري نفسه في (تاريخه:7/11). ولا أراه إلا فارسيا لأن الزنادقة في العادة فرس.

3. أصل الخبر (البرزنجي:4/338) ما رواه ابن الجوزي (المنتظم:7/237) بسند صحيح أن الوليد أمر بقبة من حديد تركب على أركان الكعبة ويخرج لها أجنحة لتظلله أثناء الطواف. هذا كل ما في الأمر. لكن الكذابين حرفوا الخبر وخرجوا به إلى تلك الصيغة التي لا يقبلها عقل.

إن هذه الأخبار إضافة إلى كذبها لا يستفيد منها إلا الشعوبيون من الشيعة والفرس وأعداء الأمة. فما جدوى روايتها من قبل ناس من أهل السنة؟ هل هو الجهل بمقاصد العدو؟ أم بتأثير عقدة نفسية صنعها الفرس ضد الحاكم ليضربوا عن طريقها المحكوم بالحاكم؟ وهي ظاهرة شائعة، تمثل إحدى كبار أسباب كوارثنا الماحقة!

نعم.. تاريخنا كتب بأصابع عربية لكن بشفاه فارسية. ولكن أبشركم أننا على أعتاب مرحلة أرى شعاع نورها يتقدم على استحياء.. مرحلة تجديد تنفض العقل الجمعي الراكد، الراقد على ركام من قواعد مختلة وعلوم معتلة.. نفضاً يتساقط له كل ما ألصقته في عقولنا قرون التيه من تفاهات وترهات تنسب إلى العلم وما هي من العلم – بل من العقل – في شيء.

وقد بانت بشائرها.

29 حزيران 2019

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. عندما تغيب العقول تصدق الخرافات، غياب العقل والمنطق هو الداء الذي يصيب النخب! فالمنطق (logic) ، لايملكه الا نخبه قليلة جدا من مجتمعاتنا الشرقية، لكن تملكه مجتمعات غربيةبنسبة كبيرة! فما هو السبب؟ اعتقد انها مناهجنا التعليميةالبائسة، وتصحر المنطق عند رجال الدين الذين وسعوا دائرة المقدس فشملت كتب الحديث للرواة المعروفين ونسوا ان الله سبحانه حفظ القران الكريم فقط.
    المنطق جزء من التعليم في الغرب، يبدأ منذ رياض الاطفال ، وينشأ مع الفرد كل حسب قابلياته، ويتدرج هكذا حتى يتبوء القائد مناصب في كل مجالات الحياة وعلومها، والمنطق جزء مهم جدا من القيادة، المفارقة اننا نجد ان استاذ الجامعة في عالم المشرق وبالاخص المشرق العربي الاسلامي لايملك شيئا من المنطق، انه يجتر التاريخ الذي يحفظه من الكتب فقط… استطعنا ان نقفز على الزمن في شراء افخم السيارات، وافخم الحاسبات، وافخم المنتجات الصناعية الغربية، فهل فكر احد في شراء مناهج التربية والتعليم؟ فان كنا مستعدين لشراء الصناعات باغلى الاثمان، فهل لمناهج التربية والتعليم ثمن؟

  2. العرب هم أشرف الناس نسباً وأخلاقاً ومروئتاً وقوتاً،وعندما رأى الله فيهم الخصال الحميدة أنزل عليهم الرسالة العظيمة والمعجزة الكبرى وهو منهج الإنسانية إلى يوم الدين ( القرآن المبين ) وهنا جاء حسد الفرس على العرب والدسائس التي لم تنتهي الى يومنا هذا الفكر نفسة ولكن العناوين تتغير يرمون الرذائل التي يمارسوها إلى الدولة الإسلامية التي قسمت ضهرهم في زمن الأمويين وكان هدفهم ومشروعهم هو نخر الإسلام من الداخل الحمدالله الذي بين لنا تاريخ الفرس على يد الدكتور طه حامد الدليمي حفظه الله قال تعالى : (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

  3. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ)) العي يعني الجهل.
    وكل من يروي أو يسمع أو ينقل لو سأل نفسه سؤالاً : هل تجرأ كافر من أهل الجاهلية أن يفعل ذلك؟
    بل
    هل يتجرأ يهودي أو نصراني أو من أي ملة أخرى أن يفعل ذلك ؟
    فكيف إذن بمسلم ولي أمر من أمور المسلمين أن يتجرأ على ذل؟!
    لكن العقول الاسفنجية هي من تقبل وتتقبل ذلك.

  4. بإذن الله التيار السني يزيل عفن الماضي
    ويقضي على كل شوائب الفرس في تاريخ أهل السنة
    حفظك الله شيخنا المجدد طه الدليمي

  5. العجب ان روتة الاخبار حين تلتف حولهم الشبهات ترى الاقلام تدافع عنهم حتى ولو وصلت الشبهات بدينهم او بكعنهم بصحابي او قادة الامة الفاتحين وهذا يدل ان الشعوبية نجحت في ان تجعل فكر الامة يرفع من شأن القاعدين والمخربين ويشن حربا شعواء على الفاتحين المجاهدين ةنسوا محكم القران وهو يقول قَالَ سُبْحَانَهُ و تَعَالَىٰ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةًۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء (95).

  6. العجب ان رواة الاخبار حين تلتف حولهم الشبهات ترى الاقلام تدافع عنهم حتى ولو وصلت الشبهات بدينهم او بطعنهم بصحابي او قادة الامة الفاتحين وهذا يدل ان الشعوبية نجحت في ان تجعل فكر الامة يرفع من شأن القاعدين والمخربين ويشن حربا شعواء على الفاتحين المجاهدين ونسوا محكم القران وهو يقول قَالَ سُبْحَانَهُ و تَعَالَىٰ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةًۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء (95)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى